ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
في حلقة سابقة من برنامجي هذا برنامج ( موصليات ) والذي اقدمه من على قناة ( الموصلية ) الفضائية ، تحدثت عن السيد عبد الرحمن السيد محمود والوطنية الاقتصادية . وعبد الرحمن السيد محمود هو شقيق الاستاذ عبد القادر السيد محمود 1902-1991 الذي اتحدث لكم اليوم عنه ، وشقيق الزعيم أي العميد عبد الرزاق السيد محمود محافظ السليمانية السابق . كما ان لديه اخ ثالث هو الشهيد الملازم الاول الخيال زاهد والذي استشهد خلال حركة رشيد عالي الكيلاني في نيسان –مايس سنة 1941 .
وأنا عندما أريد أن أتحدث عن السيد عبد القادر السيد محمود ، فلأنني اطمح ان يكون في سردي لسيرته قدوة لأصحاب رؤوس الاموال اليوم في ان يتقدموا ليعمروا مدينتهم ، ويعيدوا اليها رونقها بعد ما جرى تدميرها ومنذ سنوات .
كان والدهم السيد محمود السيد عمر معروفا في محلة خزرج بالملا عمر ، وكانت مهنتهم أبا عن جد هي الحياكة والنسيج ، وهي المهنة التي كان يمتهنها عدد كبير من اهالي مدينة الموصل وخاصة في أواخر القرن التاسع عشر ، ولم يكد يخلو بيت في الموصل من الجومة .
وكان عبد القادر السيد محمود ، ومنذ شبابه ، مولعا بالتجارة وبتجارة الاقمشة على وجه الخصوص . وابتدأ العمل بتجارة الاقمشة في الثلاثينات من القرن الماضي .ولم يقتصر اهتمامه في التجارة على داخل الموصل ، وانما كانت له شبكة من العلاقات التجارية مع بلاد الشام . وقد عقد سلسلة من الصلات التجارية مع تجار حلب ودمشق وبيروت وكان الى جانبه في ممارسة التجارة بين العراق وبلاد الشام نخبة من الوطنيين الاقتصاديين الموصليين الذين أرسوا أسس وركائز الحياة الاقتصادية والتبادل التجاري في الموصل منهم توفيق وضياء الجادر وهاشم الحاج يونس واخوته وخاصة محمد علي الحاج يونس ومحمود السمان واخوته وعبد القادر شريف الزيواني واخوته .
ومن الطريف أنني وجدت في سجلات اسرة ال السيد محمود ، ان عبد القادر السيد محمود كان يعرف بين اقرانه وزملاءه التجار بلقب ( القنصل الفخري لتجار الموصل لدى تجار الشام ) . وقد تحدث عن هذا عدد ممن عرفه منهم يونس اغا الحيالي من اغوات باب البيض الكرام .
ان مما تضمه سجلات اسرة السيد محمود ، ان التعاون بين اسرة الحاج هاشم ، واسرة السيد محمود كان كبيرا حتى ان هذه العلاقة ادت الى تأسيس أول معمل للنسيج في محلة العكيدات وبعد ان تم الاتفاق على استيراد المكائن من خارج العراق لإنشاء المعمل ارتأى السيد عبد القادر السيد محمود وشركاءه على الانسحاب من المشروع واصبح معمل النسيج من ملكية الحاج هاشم واخوانه .
لكن السيد عبد القادر السيد محمود اتجه لتأسيس معمل سمنت الرافدين ، وهو معمل سمنت بادوش الحالي وكان معه في تأسيس هذا المعمل مصطفى الصابونجي ، ومساهمين آخرين هم حازم الصابونجي وعبد القادر شريف الزيواني وهادي حاوا ومحمود الزرقي وهاشم الحاج يونس . وهكذا تم تأسيس هذا المعمل سنة 1953 واصبح عبد القادر السيد محمود رئيسا لمجلس الادارة مجلس ادارة معمل سمنت الرافدين ، وظل كذلك حتى شمول المعمل بإجراءات التأميم الاشتراكية سنة 1964 .
لم يكتف عبد القادر السيد محمود بهذا بل قاده فكره الاقتصادي الى المشاركة في تأسيس شركة طحن الحبوب سنة 1955 ، وبمشاركة عدد من الوطنيين الاقتصاديين في الموصل منهم شقيقه عبد الرحمن السيد محمود واحمد حديد . وقد شملت هذه الشركة ايضا بقرارات التأميم سنة 1964 واصبحت من ملكية الدولة .
ومن المشاريع الصناعية التي كان للسيد عبد القادر السيد محمود دور في تأسيسها ( شركة نسيج جوارب النايلون ) وكانت شركة مساهمة تأسست سنة 1957 وكان من شركاءه في تأسيس هذه الشركة حميد حديد ، وعبد الرزاق شريف الدباغ ، واخرون
وقد شغل عبد القادر السيد محمود منصب المدير المفوض لهذه الشركة وحتى سنة 1982 وقد حظي انتاج هذه الشركة من جواريب الموصل بسمعة طيبة داخل العراق وخارجه .
وكما سبق لي ان قلت ، وانا اتحدث عن عبد الرحمن السيد محمود ، فان عبد القادر السيد محمود كان من المؤسسين لشركة صناعات الشمال للمياه الغازية (كوكاكولا ) في بداية الخمسينات ايضا وكان لهذه الشركة مصنعان احدهما في مدينة الموصل والاخر في مدينة كركوك .. ومن مؤسسي هذه الشركة ادريس حمو القدو ، وعبد القادر شريف الزيواني واخوته ومحمود الزرقي وقد تعرضت هذه الشركة للتأميم ايضا سنة 1968 .
كان عبد القادر السيد محمود يمتلك عقلية اقتصادية جبارة ، وكان مولعا بالصناعة وكان يردد دوما انك لكي تنهض بالبلاد لابد لك من تهيئة بنى صناعية تحتية تحرك المجتمع وتخلق فرصا لعمل الآف من العمال وكان ان توجه الى الدباغة واسس معمل الدباغة وكانت فلسفة هذا المعمل تقوم على اساس تصدير الجلود والمصران الخام الى سوريا ولبنان وتطلب هذا ايجاد معمل لإنتاج الجلود نصف المصنعة او البكل كما كانت تسمى وكان هذا في سنوات الستينات من القرن الماضي وقد زاد الانتاج الى درجة انه كان يصدر الى بعض البلدان الاوربية من قبيل فرنسا وايطاليا . وخلال تلك الفترة قام عبد القادر السيد محمود ومعه هيثم الدباغ واخرون بشراء معمل الدباغة العصرية وصاحبه نجيب الجادر والذي كان قد أسسه في الاربعينات من القرن الماضي وتم تغيير اسم هذا المعمل الى (شركة دباغة الشمال المحدودة ) .
عندما تأسست غرفة تجارة الموصل سنة 1926 تأسيسها الثاني ، اذ كانت الموصل قد شهدت تأسيس غرفة للتجارة منذ اواخر القرن التاسع عشر ، كان عبد القادر السيد محمود عضوا مؤسسا فيه بصحبة عدد من تجار الموصل منهم نجيب الجادر أول رئيس لغرفة تجارة الموصل . وكان من مؤسسي هذه الغرفة توفيق ويونس الجادر وعثمان حسن العثمان وجمال ال زكريا واحمد بكر خياط ومحمد علي الحاج يونس وحسن خير الدين العمري وهيثم الدباغ وقد تشرفت بأن اشرفت على انجاز رسالة ماجستير عن غرفة تجارة الموصل في جامعة الموصل قدمها الدكتور صلاح عريبي العبيدي وتحولت مؤخرا الى كتاب . وكان عبد القادر السيد محمود عضوا نشيطا في غرفة التجارة ، وكثيرا ما كان يشارك في نشاطاتها ومؤتمراتها داخل العراق وخارجه . وقد ترأس بعض وفود الغرفة غرفة تجارة الموصل في مؤتمرات عقدت في البصرة وفي السليمانية وفي بغداد .
لم تقتصر نشاطات السيد عبد القادر السيد محمود على الجانب الصناعي فقد كانت له نشاطاته في المجالين الزراعي والاجتماعي .
ففي المجال الزراعي نجد ان عبد القادر السيد محمود كانت لديه ما نسميه في الموصل ( مصلحة زراعية ) لزراعة الحنطة والشعير وكثيرا ما كنت ارى العلاقة التي كانت قائمة بين جدي المرحوم احمد الحامد العلاف والمرحوم عبد القادر السيد محمود وكانت للسيد عبد القادر السيد محمود مصلحة زراعية مع محمود الزرقي ، وعبد الكريم الشاكر ، وعبد القادر شريف الزيواني ، والحاج احمد الدرزي في منتصف الخمسينات في قرية حليبة من قرى بادوش .
وكان الانتاج الزراعي يباع اول الامر الى العلافين وبعد ذلك تولت الدولة استلام المحصول مباشرة من الفلاحين والمزارعين اصحاب المصالح .
أما في الجانب الاجتماعي فكان لعبد القادر السيد محمود مجلس اجتماعي وثقافي نسميه في الموصل ب(الندوة) يحضرها عدد من رجال الدين والتجار والمثقفين والادباء والشعراء وكانت الندوة تعقد وخاصة في شهر رمضان في داره بشارع الطيران .
وكان من عادة وجهاء الموصل واغنياءها اسهاماتهم في تأسيس الجمعيات وقد تحدثت في حلقة سابقة لي عن (جمعية البر الاسلامية في الموصل ) عن اسهاماته في انشاء هذه الجمعية الخيرية وكانت لها روضة وميتم ونشاطات ثقافية ودينية عديدة منها انشاء جامع اليقظة الاسلامية في الموصل الجديدة . وقد افتتح سنة 1965 وحضر رئيس جمهورية العراق آنذاك المشير الركن عبد السلام محمد عارف 1963-1966 لافتتاحه سنة 1965 ولازلنا نسمع كيف ان اهالي الموصل لايزالون يستذكرون نشاطات تلك الجمعية ويدعون الى احياءها .
الشيء الجميل الذي اريد ان اقوله هو ان عبد القادر السيد محمود ، والذي رحل الى بارئه سنة 1991 ترك ارثا يذكرنا به ارثه في مجال الصناعة وارثه في مجال الزراعة وارثه في الجانب الاجتماعي ومن حسن الحظ ان ورثته من اولاده –بارك الله بهم- اكملوا مسيرته حيث اسسوا مجمعا طبيا خيريا سنة 1995 في اوقات عصيبة كان يمر بها العراق وتمر بها الموصل وهو الحصار الجائر وهذا المجمع الطبي الذي سمي ب( مجمع عبد القادر السيد محمود الطبي الخيري ) اسس في محلة خزرج حيث موطن اجدادهم وكانت النية متجهة من قبل ولده نزار تطويره الى مستشفى خيري للأطفال لكن ظروف المدينة الصعبة حالت دون ذلك للأسف الشديد .
ومما اقدم عليه ورثته بناء ( جامع القادر) في حي المزارع في طريق حي الوحدة وافتتح سنة 2010 .ويعمل ولده الاستاذ نزار وبالتعاون مع جمعية فعل الخيرات على انشاء دار للأيتام في منطقة حاوي الكنيسة باسم حفيدته حفيدة عبد القادر السيد محمود الشهيدة زينة ام جبريل وهي التي استشهدت في طرابلس بلبنان وهو قيد الانشاء .
رحم الله الاستاذ عبد القادر السيد محمود وجزاه خيرا على ما قدم لمدينته الموصل وبلده العراق وقمين برجالاتنا في وقتنا الحاضر ان يقتدوا به ويقتفوا أثره في تقديم كل ما ينفع الناس وخير الناس من نفع الناس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق