السبت، 21 مارس 2020

الحُلم ا.د. ابراهيم خليل العلاف


الحُلم

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

والحُلم - أحبتي الكرام - ايضا من الصفات النبيلة التي يجب ان يتميز بها الانسان . و(الُحلم)  عكس ( الغضب) ، والحلم الاناة .  ولازلت اتذكر ، وانا تلميذ صغير في المدرسة الابتدائية حيث كان كتاب القراءة  يتضمن قصة بعنوان ( معن بن زائدة ) وكيف جاءه  وهو الامير والقائد الكبير توفي سنة 762 ميلادية ذلك الاعرابي يستفزه ، لكنه ظل عنوانا على الحلم  ، وسعة الصدر ولم يغضب مع ان الاعرابي ،  وكان يريد اختبار قدرته على الحلم  ، قال له اتذكر اذ كان لحافك من جلد شاة ، ونعلاك من جلد بعير فرد ،  اذكر ذلك ولا أنساه ، ثم قال له فسبحان الذي أعطاك ملكا ، وعلمك الجلوس على السرير فقال معن سبحانه وتعالى الى ان قال له  فإعطني يا ابن ناقصة ، فقال معن اعطوه الف دينار ثم زاد المبلغ ودون ان يغضب ، وهنا قال الاعرابي بأبي  انت وأمي ايها الامير ونفسي،  فأنت نسيج وحدك في الحلم ، ونادرة دهرك في الجود .

نعم الحلم قيمة انسانية نبيلة لاتتوفر في كل انسان ، وهي تتوفر في الانسان المؤمن الواثق من نفسه ، وامكانياته ، وقدراته .وعندما يكون الانسان حليما ؛ فإنه يستطيع المواجهة بشكل اكبر مما يكون سريع الغضب ، فسرعة الغضب قد تفقده رشده ، وقد تنقص من قدره أمام الاخرين خاصة ، وان هناك من يصر على استفزاز الحليم لغاية في نفسه  ،  أو قد يكون مدفوعا من قبل الاخرين لأسباب،  وغايات عديدة .
وعندما ارسى الاسلام قواعد الصفات المحمودة عند العرب اكدعلى الحلم وقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ( الحُلمُ  سيد الاخلاق ) .

ومن المؤكد ان الحلم هذه الصفة أو هذه القيمة الانسانية تحتاج الى قدرات ، وخصائص .. كما انها تعكس القوة التي يتميز بها الانسان الحليم .
قال الشاعر الحبيب بن اوس الطائي يذكر قيمة الحلم :
من لي بإنسان إذا أغضبته *** جَهَلْتَ وكان الحلم ردُ جوابه


يقول الدكتور جمال نصار ،  احد اساتذة علم النفس ، في مقالة له عن الحلم ، وهو يتحدث عن ضرورة التحلي بالحلم بأن الحُلم  خلق عظيم ، وهو يعني ان يتريث الانسان ، ويتثبت من الامر قبل ان يدلو بدلوه ؛ فالحلم هو الاناة ، وضبط النفس ، وهو ضبط إرادي للانفعال في مواجهة الاساءة ، وهذا الانضباط الإرادي يعطي الانسان الفرصة لكي يفكر ، ويقدر كيف يرد على الاساءة بالطريقة التي لاتُفقده حلمه  .

والحلم من صفات الله سبحانه وتعالى فهو ( الحليم) . وكما جاء في ايات كثيرة في القرآن الكريم  ومن ذلك قوله جل وعلا ( إعلموا أن الله غفور حليم ) .

كما وصف الله سبحانه وتعالى النبي ابراهيم عليه السلام بأنه أواه حليم ، ولازلنا نتذكر  قصة تلك الجارية التي كانت تصب الماء على يد سيدها فصبته على ملابسه من دون قصد  فنظر اليها بغضب ، فقالت له والكاظمين الغيظ فرد كظمتُ غيضي وقالت والعافين عن الناس ‘ فقال عفوت عنكِ وقالت والله يحب المحسنين فرد اذهبي فأنت حرة .

وقد حث الرسول القائد الكريم  محمد صلى الله عليه وسلم على وجوب التحلي بالحُلم من خلال احاديث كثيرة  منها ان الشديد القوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب ، وكثيرا ما دعا اصحابه الى عدم الغضب .

وللحلم ،  الكثير من الفوائد للانسان .  وقد يساعد الحلم على  خلق المحبة بين الناس ، وازالة الجفاء  يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم (  وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) .

وهكذا ،  فالحُلم يدل على القوة ، ويدل على الايمان ويعطي  الانطباع ، بأن الانسان الحليم هو الانسان المثقف الواعي الذي يتحمل آراء الاخرين ، ويتعامل معها من خلال المبدأ الذي يدعو الى احترام ما نسميه اليوم ب( الرآي والرأي الاخر) ،  فقد يختلف الناس في ثقافتهم ، وقد يختلفون في افكارهم ، ولابد لنا ان نأخذ ذلك بنظر الاعتبار ، ونتحمل الجاهل ، ونتحمل السفيه ، ونتحمل المسيئ من خلال اظهار قيمة الحلم وعدم الغضب مهما كان الامر .

لقد كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا جميعا في  التمسك بصفة الحلم ، وكثيرا ما كان يبحث عن ايسر الحلول واسهلها في معالجة مشكلات الناس ، ولم يُعرف عنه انه غضب من أحد ، والقصص التي تثبت ذلك كثيرة ، مما لايتسع المجال لذكرها .

كما اننا ومن خلال دراستنا لبعض رجالات الدولة في العالم نقول ، ان كثيرا من اؤلئك كان يتميزون بالحلم ، لهذا نجحوا في إدارة بلدانهم ، وتركوا بصمات واضحة في تاريخها .  

ورحم الله  الامام الشافعي ورضي عنه عندما اكد على قيمة الحلم ببضعة ابيات من الشعر قال فيها :
يُخاطِبُني السَفيهُ بِكُلِّ قُبحٍ   ***  فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيبا
يَزيدُ سَفاهَةً فَأَزيدُ حِلماً *** كَعودٍ زادَهُ الإِحراقُ طيبا
واليوم ،  ونحن في هذا الشهر الفضيل شهر القرآن .. شهر الصيام .. شهر جهاد النفس ، كم نحتاج الى ان ندعو الى الحلم ، ونؤكد ضرورة التمسك بهذه القيمة الانسانية النبيلة ، وان نَصفح ، ونعفو ونسامح من يسيء ...رمضانكم كريم ، وصيامكم مقبول ، ودعائكم مستجاب ، والى حلقة أخرى من برنامج ( ماقل ودل ) ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .







 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حركة الشواف المسلحة في الموصل 8 من آذار 1959 وتداعياتها

  حركة الشواف المسلحة  في الموصل  8 من آذار 1959 وتداعياتها  أ.د. إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل ليس القصد ...