الخميس، 12 مارس 2020

المدرسة العادلية الفتحية في الموصل ا.د. ابراهيم خليل العلاف

                                                                      الاستاذ عدنان عبد الرزاق عبد الله الرحماني


                                                                 شاهد قبر الحاجة عادلة والحاجة فتحية 

                                                                                حال المدرسة اليوم آذار 2020 
  
                                                                                         حال المدرسة اليوم 
                                                              ورد اسم المدرسة (المدرسة العادلية الفتحية ) 









المدرسة العادلية  الفتحية في الموصل

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

وأنا أرى حال ( المدرسة العادلية  الفتحية )الدينية او ما كانت تسمى ايضا ب( مدرسة الحجيات)  حزنتُ وتألمت وها أنا أعرض مع  كلامي هذا ما آلت اليه هذه المدرسة من وضع سيء .
هذه المدرسة التي كانت معروفة  جدا  ، يؤمها الطلبة من كل حدب وصوب . وكان فيها مكتبة عارمة بالمخطوطات والكتب . وكانت لها أوقاف ومنها الحمام المجاورة لها وكما ترون في الوثيقة المرفقة الى جانب هذا الكلام .
المدرسة العادلية – الفتحية  واحدة من المدارس الدينية التي كانت تزخر بها الموصل حتى اواخر القرن التاسع عشر حينما زاحمتها المدارس الرسمية التابعة للدولة والتي أبعدت التعليم عن سيطرة رجال الدين ، ووضعت التعليم بأيدي معلمين مدنيين يقبضون رواتهم من الدولة ويعلمون التلاميذ وفق منهج حكومي مقرر وكتب دراسية منهجية وضمن تقويم رسمي معتمد .
كان في الموصل مدارس عديدة كتب عنها صديقنا الدكتور علي نجم عيسى في كتابه القيم ( مدارس الموصل ) . ومن هذه المدارس المدرسة النظامية ، والمدرسة الاتابكية،  والمدرسة الزينية ، والمدرسة العلائية ، والمدرسة البدرية ، والمدرسة النورية ، والمدرسة العمرية ، والمدرسة الخزامية ، والمدرسة العثمانية .
واليوم أريد ان اتحدث لكم عن المدرسة العادلية الفتحية  والتي يسميها الناس مدرسة الحجيات وتقع هذه المدرسة في محلة القنطرة القريبة من محلة الحويرة ومحلة باب البيض وهي مجاورة لحمام باب البيض وعلى مقربة من جامع الزيواني . وتشير المصادر والوثائق التي بأيدينا الى ان هذه المدرسة تأسست قبل سنة 1214 هجرية أي قبل  سنة 1825 ميلادية . واسست هذه المدرسة اثنتان من النساء الجليليات الاولى إسمها الحاجة فتحية ،والثانية إسمها الحاجة عادلة والحاجة فتحية  ولهذا سميت في الوثائق التي بين يدي بالمدرسة العادلية الفتحية .والحاجة عادلة والحاجة فتحية  إبنتي عبد الفتاح باشا بن اسماعيل الجليلي ومن الطريف ان اقول انهما مدفونتان جنبا الى جنب داخل غرفة في المدرسة يدخل من خلالها الى غرفة خزانة الكتب أو المكتبة التي ضمت العديد من المخطوطات التي اشار اليها الدكتور داؤد الجلبي في كتابه ( مخطوطات الموصل ) .
ومما يجب علي ذكره ان هذه  المدرسة  كانت كبيرة مساحتها حوالي 800 متر مربع وهي تتألف من طابقين وفيها حوش واسع وباب كبير وكانت تضم ثلاثة اجنحة او ثلاثة اقسام  :  قسمان مخصصان للسكن وقسم للتدريس . ومما يجب علينا ذكره ان مدرسة الحجيات كانت تضم سبيلخانة للماء وانها عمرت عدة مرات منها ان الحاج عبد الباقي الشبخون قام بتعميرها واعادة بنائها .
لقد تولى التدريس في هذه المدرسة عدد كبير من الشيوخ وآخر مدرسيها هو الشيخ داؤد افندي بن أحمد الوضحة (توفي سنة 1936 ) .
وتشير المصادر المتوفرة لدينا ، ان مكتبة مدرسة الحجيات  كانت تضم في مطلع القرن العشرين قرابة ثلاثمائة كتاب في الفقه والحديث والتفسير والادب وكان البعض من الوجهاء والعلماء يوقفون على هذه المكتبة عددا من الكتب التي يحتاجها الطلاب في دروسهم وممن اوثقف عليها كتبا الملا عبد الله العبدلي .
في الوثيقة التي وضعها بيدي الاخ الاستاذ عدنان عبد الرزاق عبد الله الرحماني نجد ان الحاجة فتحية ابنة عبد الفتاح باشا بن اسماعيل باشا قد توفيت  ليلة الاثنين في ثمانية عشر ليوم خلا من جُمادى الاولى سنة الف ومائتي وستة واربعون من الهجرة النبوية ( 1246)  هجرية أي سنة 1831 ميلادية قد عهدت بالتدريس في المدرسة العادلية الى السيد محمود افندي الحكيم وانه قد باشر بالتدريس في المدرسة بعد اثنا عشر يوم من وفاتها والوصية التي ترون صورتها  الى جانب هذا الكلام تؤيد ذلك .
وفي الوثيقة ايضا ان الحاجة فتحية قد اوصت بأن ايرادات الحمام صارت بيد إبنها عبد الغني وهو المتولي وان محمود بن الحاج عبد الرزاق هو الناظر أي المدير  على ( المدرسة العادلية الفتحية ) .ومتولي المدرسة اليوم هو السيد عبد الغني عبد الغفور .
يقول الدكتور داؤود الجلبي في كتابه ( مخطوطات الموصل) الذي طبع في  مطبعة الفرات ببغداد سنة 1927 ، وهو يتحدث عن مدرسة الحجيات انها تقع في محلة القنطرة في غربي موقد حمام باب البيض في الجانب الايمن من مدينة الموصل ووراء مدرسة الحجيات وهي نفسها ( المدرسة العادلية الفتحية ) وراءها جانب من سور الموصل ويسمى في تلك المنطقة (البدن ) وقد تهدم جزء من السور ورقم بابها (120 على 86 ) ، بنتها الحاجة عادلة والحاجة فتحية إبنتا عبد الفتاح باشا الجليلي وهما مدفونتان جنبا الى جنب داخل غرفة يدخل منها الى الغرفة التي فيها الكتب الان ويقصد في اوائل العشرينات من القرن الماضي واضاف انه لم يجد فهرسا بالكتب والمخطوطات التي كانت في  المكتبة فوضع  لها فهرسا .
وفي الفهرس الذي وضعه ذكر كتب الادب ، وكتب التاريخ والسير ، وكتب التصوف والمواعظ والادعية ، وكتب التفسير ، وكتب الحديث ، وكتب الحساب ، وكتب الحكمة وكتب  شتى ، وكتب الصرف وكتب الطب وكتب العروض وكتب العقائد ، وكتب الفقه واصوله ، وكتب القراءة ، وكتب القرآن ، وكتب اللغة وكتب المعاني والبيان والبديع والبلاغة ، وآداب الوضع ، وكتب المنطق ، وكتب النحو، وكتب الهيئة والفلك .
استغرق فهرس مكتبة مدرسة الحجيات (20 ) صفحة من القطع الكبير  واحتوى على (306) مخطوطا ؛ لذلك ليس بإمكاننا ان نذكر كل الكتب التي كانت تضمها مكتبة مدرسة الحجيات ، والتي نقلت جميعها فيما بعد  الى مكتبة الاوقاف العامة في الموصل في إطار حملة شهدتها الموصل لجمع كل كتب ومخطوطات الجوامع والمساجد والمدارس الدينية في الموصل الى مكتبة الاوقاف .
لكن لابد ان اذكر لكم نماذج من الكتب التي كانت تضمنها مكتبة مدرسة الحجيات ؛ فمن كتب الادب نجد  ان المكتبة تضم كتبا من قبيل كتاب ( كشف الاسرار عن حكم الطيور والازهار ) لعز الدين عبد السلام بن غانم المقدسي ، وكتاب (ديوان امير قاسم انوار ) باللغة الفارسية ، وكتاب (في علم المناظرة ) للمسعودي .
ومن ضمن كتب التاريخ والسير ، نجد ان المكتبة كانت تضم كتاب بعنوان ( مختصر في سيرة النبي الكريم ) محمد صلى الله عليه وسلم ، ومجموعة فيها ( جملة من انشاء كاتب السر الشريف بمصر القاهرة ما بين السبعمائة الى الثمانمائة ) .
وفي كتب التصوف نجد كتاب بعنوان ( ادعية واحاديث ) لابن ملك محمد صادق الشريف الاصفهاني ، وكتاب الشيخ قاسم الخاني (السير والسلوك الى ملك الملوك ) .ومن كتب التفسير كان هناك تفسير البيضاوي ، والتفسير الكبير لفخر الدين الرازي ، وحاشية تفسير للخطائي وكتاب ( الدر المصون من علوم الكتاب المكنون ) لشهاب الدين ابي العباس احمد بن يوسف الشهير بالسمين الحلبي ، وفي كتب الحديث كان هناك (الروضة ) لمحيي الدين يحيى بن شرف النواوي ، وكتاب (الادب في حسان الحديث ) لابي العلاء حسن بن احمد العطار الهمذاني ، وفي كتب الحساب كان هناك في مكتبة مدرسة الحجيات كتاب ( خلاصة الحساب ) لابن الحاج ابراهيم حسين الشريف . ومن كتب الحكمة كتاب (شرح هداية الحكمة ) للقاضي مير حسين بن معين الدين الحسيني ، وهناك كتب في التعليم والتربية من قبيل ( آداب المتعلم ) ، ومن كتب الصرف كتاب (متن الزنجاني في الصرف ) . وفي الطب هناك اكثر من (15) كتابا منها قانون ابن سينا ، وتذكرة داؤد الانطاكيوكتاب في الطب لابي الحسن سعيد بن هبة الله الفيلسوف .
وفي العروض مجموعة فيها (الرسالة الاندلسية ) لابي الجيش الانصاري الاندلسي وفي العقائد هناك (22) كتابا منها ( شرح السنوسية ) للهدهدي و(تجريد الكلام ) للطوسي و(الفتوحات الالهية ) للقاضي زكريا ومن كتب الفقه كتاب (اسنى المطالب في شرح روض الطالب ) لابي يحيى زكريا الانصاري الشافعي وكتاب ( تحفة المحتاج في شرح المنهاج ) لابن حجر المكي وهناك في القراءة كتب منها (إعراب القرآن ) و( الدر النضيد في قراءة ابي عمرو في التجويد ) وهناك كتب في القراءات القرآنية وفي اللغة نجد الكثير من الكتب منها (القاموس  المحيط ) ، و( السامي في الاسامي ) لابي الفضل احمد بن محمد الميداني النيسابوري .
وفي كتب البلاغة هناك كتب كثيرة كانت تضمها مكتبة مدرسة الحجيات منها كتاب ( الايضاح ) في البلاغة و( رسالة في علم المعاني )وفي المنطق هناك مجموعة فيها كتاب ( تهذيب الكلام في تحرير المنطق والكلام ) لسعد الدين التفتازانيوفي النحو كتاب (الازهرية مع شرح قطر الندى ) وحاشية على ( شرح الاجروية ) .وفي الهيئة والفلك كان هناك كتبا كثيرة منها (رسالة في علم الميقات ) وكتاب ( العلم القويم في حل التقويم )  وكتاب ( مفتاح الاسباب في علم الزيج ) لجمشيد بن مسعود بن الطبيب الكاشي .

من هذا المكان أدعو المسؤولين ، وخاصة في اوقاف الموصل الى إعادة إعمار مدرسة الحجيات أي المدرسة العادلية الفتحية في الموصل لمكانتها التاريخية ، ولكونها كانت في يوم من الايام من معالم هذه المدينة المباركة . وهذه المدرسة أدت دورها في تنشئة أجيال وأجيال ، كان لهم دورهم في توطيد أُسس الثقافة العربية والاسلامية ومنذ اكثر من مائتي سنة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حركة الشواف المسلحة في الموصل 8 من آذار 1959 وتداعياتها

  حركة الشواف المسلحة  في الموصل  8 من آذار 1959 وتداعياتها  أ.د. إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل ليس القصد ...