الأربعاء، 9 أبريل 2014

مشروع التجديد الحضري لمدينة الموصل القديمة ا.د.سرمد كوكب الجميل

مشروع التجديد الحضري لمدينة الموصل القديمة

ا.د.سرمد كوكب الجميل
كلية الإدارة والاقتصاد –جامعة الموصل
صدر في آذار 2008 مشروع التجديد الحضري لمدينة الموصل القديمة وقد تضمن المشروع تقريرا بالمقترحات والتوجيهات وعشرات الخرائط والأشكال، وغطى التقرير 206 صفحة مع عدد من الملاحق، واحتوى على مقدمة وقسمين: القسم الأول كان بعنوان خطة التجديد الحضري لمدينة الموصل القديمة: مبادئ وقواعد التطوير، وكان عنوان القسم الثاني: خطة التجديد الحضري لمدينة الموصل القديمة: خطط العمل، وقد تضمن القسم الثاني ثلاثة خطط عمل هي: A المحاور الأساسية و B التجديد الحضري والعمراني وC الحفاظ على التراث.
يقول التقرير في مقدمته ص 5 إن مشروع التجديد الحضري لمدينة الموصل هو المشروع المعني بتحسين مستوى النسيج الحضري والارتقاء بنوعية الحياة في مدينة الموصل القديمة بما يفيد سكان المدينة وأصحاب المصالح وسيكون له الدور الفعال والمتداخل في تحسين اقتصاديات مدينة الموصل. وأن خطة التجديد هذه ستحفظ المدينة خلال 25 سنة قادمة وأن المشروع ممول من وزارة البلديات وتعاقدت عليه مديرية التخطيط العمراني مع مجموعة استشارية مكونة من شركة SGI الايطالية والمكتب الاستشاري العراقي (دار العمارة) وقد تعاونت وزارات مختلفة وهيئات رسمية ومنظمات مجتمع مدني وجامعات ومعاهد عالية وهيئات مهنية مختلفة ومنظمات غير رسمية وبعض الشخصيات العراقية ويشير التقرير بأن أعمال مسح الموقع تمت في سنة 2007 على الرغم من التدهور الأمني الذي كانت تعاني منه المدينة ويذكر التقرير عدداً كبيراً من المعوقات والصعوبات ولاسيما في مدينة الموصل القديمة، وتشير المقدمة إلى أن هناك جوانب تفصيلية كثيرة بالمشروع وقد اشترك في إعداده عدد كبير من الخبراء والاستشاريين الأجانب والعرب والعراقيين.
لقد شاءت الصدف أن أطلع على التقرير بعد صدوره بأشهر وكان هذا في بداية سنة 2009 على ما أتذكر وكنت شغوفاً بأن أطلع على كل تفاصيله، فقرأته أكثر من مرة وكنت أسمع بين فترة وأخرى بأن هناك لجنة تدرس المشروع أو ندوة تناقشه، وقد حضر مدير المشروع المهندس العمارة الاستشاري هشام المدفعي إلى الموصل لمناقشة المشروع وأتذكر أن قناة العربية الفضائية خصصت برنامجاً كاملاً عن المشروع، وقابلت الاستشاري المكلف به، وكنت أدفع باتجاه قبول المشروع رغم كل ما به من هفوات أو مثالب أثارها الفنيون إن كان كذلك، وحجتي في هذا بسيطة مفادها:أنه يمثل فرصة لا بد من اقتناصها كونه أولاً لم يكلف المحافظة أي كلفة تذكر فقد دفعت تكاليفه وزارة البلديات وأنه ليس بمقدور المحافظة ولا مدينة الموصل تقديم بديلاً لهذا المشروع، والأهم من هذا أنه يسعى للارتقاء بشريحة من سكان محافظة نينوى تقدر بمائة ألف نسمة تسكن في المدينة القديمة معظمهم تحت خط الفقر وأن المشروع يعد مشروعاً اجتماعيا واقتصاديا وعمرانياً وتراثياً.
وبعد مرور عامين والمشروع أوشك أن ينسى أو كاد، وبعد رفض الرافضين جاءت موافقة وزير البلديات ومصادقته على المشروع وتيقنت أنه لا يصح إلا الصحيح من أجل سكان هذه المدينة القديمة الشامخة والصابرة على عوادي الزمن، وبدأ العمل في الحكومة المحلية جدياً على تنفيذ المشروع.
يتناول المشروع تفاصيل كثيرة جدا ويحدد أسباب التراجع في وضع المدينة القديمة إذ يقول التقرير: ولما كانت مدينة الموصل القديمة بمثابة تصميم مميز وفريد وهو نتاج مئات السنين لهذا أصبحت قيمتها لا تقدر بثمن، فكل حقب التاريخ شاهدة عليها، ولهذا لا يمكن أن يضيع هذا سدى بل يجب إنقاذه والمحافظة عليه كمثل يحتذى، ولمن الأجدى أن تتواصل عملية الحقب الزمنية ولا يجدي أن نفكر بتجميد كل شيء وبالتالي تحويلها إلى متحف، وأن لا بد من تفاعل الماضي والحاضر والمستقبل من خلال تحسين الخدمات وعمل الإضافات البسيطة لكي تساعد في تفهم المكامن المدهشة لهذه المدينة، إن اكتظاظ المدينة يجعلها منحوتة بإزميل نحتاً دقيقاً وهنا يكون منبع الخلق والإبداع كما كانت دائما.(التقرير ص16)
لقد وضع المشروع محاور أساسية شكلت ثلاثة اتجاهات :
المحور الأول : وتضمن :
1. النشاطات الاجتماعية والاقتصادية بمنظور خطط العمل وهذه تعالج تحسن الأمور الأساسية للمجتمع مثل الصحة المجتمعية والتعليم والتجانس الاجتماعي والهوية والتوثيق.. الخ
2. النشاطات الإدارية بمنظور خطط العمل وبناء القدرات للتجديد الحضري
3. النشاطات التشريعية للتجديد الحضري.

المحور الثاني : ويعنى بالمعايير
1. البيئة 2. الخدمات 3. النقل 4. التجديد الحضري 5 . النهر 6 . التداخل والعلاقة بين المدينة القديمة وجوارها .

المحور الثالث : الحفاظ على التراث
ويعني توصيف الوضع الحالي للنسيج العمراني للمدينة القديمة ووضع مقترحات الحفاظ على التراث.
لقد بين المشروع أن نجاحه يمثل نجاحا للوزارة وللحكومة المحلية ولسكان محافظة نينوى وسكان المدينة القديمة، ورسم المشروع خارطة طريق للعمل وترك الخطط والتنفيذ للجهات التي تدير العملية ولكن ألزمها بقواعد وأسس ومبادئ وعلى رأسها : ميثاق البندقية بمواده الستة عشر وبين بالتفصيل آلية العمل وفق جداول زمنية .
وضمن المحور الأول يضع المشروع الأسبقية للجوانب الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والتشريعية ويشير إلى أن مدينة الموصل القديمة كنز من القيم التاريخية والدينية والثقافية والتي تشكل جزءا من التراث العالمي لم يتم الاهتمام بها كما في المدن العالمية الأخرى ويركز البداية على المجتمع وتحسين نوعية الحياة وإبقاء الموصل القديمة كموطن للتعايش السلمي ويضع التقرير عدداً كبيراً من المقترحات والخطوات والإجراءات وهكذا لكل محاور المشروع وإن ما يفرح اليوم هو أن المشروع قد بات على طاولة الحكومة المحلية وقد بدأت أولى خطوات العمل.
إن المشروع يخص مدينة الموصل القديمة بحدودها المعروفة بأسواقها وخاناتها وأزقتها وبيوتها وجوامعها وكنائسها وحماماتها وقيصرياتها، وهو يركز على مجتمعها أولاً وتنشيط فعالياتها الاقتصادية ثانياً ومن ثم التعامل مع تراثها المعماري، وكل هذا لا يمكن أن يفعل إذا لم يكن هناك إعادة لثقة أهل المدينة القديمة بمدينتهم والتركيز على نشر الوعي بأهمية مدينتهم القديمة ومحاولة تعبئة مجتمع مدينة الموصل لهذا المشروع وإعادة بناء العلاقات بين المدينة القديمة وامتداداتها على جانبي دجلة والتي أطلق عليها المشروع المدينة الفراشة .
لقد اقترح المشروع عدداً من الخطوات ومنها تأسيس هيئة تحت عنوان هيئة التجديد الحضري لمدينة الموصل القديمة ويرأسها مدير يرتبط بالمحافظة أو بمديرية بلدية الموصل على أن تتوفر في هذا المدير شروط من المؤهلات العلمية والمهنية والثقافية وأن يكون من ذوي الخبرة الهندسية والإدارية في مجال التراث والمدن القديمة وأن يهوى العمل في مثل هذا العمل ويشرف على الهيئة مجلس استشاري يتكون من استشاريين في العمارة والاجتماع والاقتصاد والتاريخ والقانون والتراث واثنين من أعيان المدينة القديمة وتكون مهمة المجلس الاستشاري ذات جانبين : الجانب الأول يكون بحثياً وعلمياً فيكون هناك بحوث تطوير في محاور اجتماعية واقتصادية وقانونية وفي العمارة والتراث تستند على دراسة الميدان ورسم اتجاهات العمل على أرض مدينة الموصل القديمة، والجانب الثاني : إشرافياً ورقابياً من خلال متابعة عمل مدير الهيئة الذي يكون عضواً في الهيئة الاستشارية وله صوت واحد فقط.
وبعد أكثر من سنتين على إكمال المشروع وأكثر من ستة أشهر على مصادقة وزير البلديات فقد بدأ تحويل المشروع لواقع فعلي، وهنا ينبغي الاتجاه نحو التعريف بالمشروع لسكان الموصل عامة وسكان المدينة القديمة خاصة، ومحاولة توعية المجتمع بأهمية التجديد الحضري لمدينتهم القديمة، وأعلم أن غالبية سكان المدينة القديمة لا يهمهم أمر كهذا لأن ما يشغلهم أكبر، فكما نعلم إن لقمة العيش وتوفير مصاريف اليوم المرتفعة تعد التحدي الأهم لفئة فقيرة من الناس تشكل غالبية سكان المدينة القديمة، وهنا يأتي دور النخب المثقفة في المدينة ببث الوعي وتعبئة المجتمع من خلال تعريف سكان مدينة الموصل القديمة بأن خيارهم الوحيد لمواجهة ذلك التحدي الخطير (الفقر) يكون من خلال مشروع التجديد الحضري لمدينة الموصل، فلم يكن تجديداً لعمارة دار أو زقاق أو جامع أو كنيسة وإنما المشروع عبارة عن حزمة متكاملة تعنى بالإنسان والمجتمع والموارد والأرض والمعرفة لخمسة وعشرين سنة فالتشغيل الاقتصادي للمدينة القديمة لم يكن إلا عبر سكانها وأن رفع مستوى نوعية الحياة هو لسكانها وتحسين أزقتها وترميمها ودورها وقناطرها وأسواقها هو لمجتمعها.
ومن هنا يمكن القول: خريطة الطريق جاهزة للتطبيق، وخبرات ومهارات وأفكار الموصليين لامعة ورائدة، والحكومة المحلية محافظة وبلدية وصحة وتربية وجامعة ومعاهداً مستعدة للعمل، وما يبقى هو تضافر الجهود وتكاملها وتعبئة المجتمع بكل فئاته لإعادة الحياة لمدينة قديمة تعد الأكبر في العالم والأقدم في التاريخ.

الشكل المدينة الفراشة
العلاقة بين مدينة الموصل القديمة وما جاورها يشكل فراشة جسمها على طرفي دجلة وجناحيها على جانبيه الأيمن والأيسر
*ملخص لدراسة موسعة مدعمة بالاشكال والصور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقديم الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف* لكتاب الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي الموسوم ( رجال ونساء الخدمات المجتمعية في الموصل خلال العهد العثماني )

                          الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي يهدي الدكتور ابراهيم  خليل العلاف عددا من مؤلفاته المنشورة      تقديم  الاستاذ الدكت...