الثلاثاء، 22 أبريل 2014

قصيدة : الطوفان الأخير شعر : سامي مهدي



قصيدة :
الطوفان الأخير
شعر : سامي مهدي 
أكانتْ لعبةً عمياءْ
إذنْ لِتكنْ ..
ركبتُ سفينةً كسوايَ في الطوفانْ
ولكني سألتُ مساعدَ الربّانِ والربّانْ :
« وماذا بعدَ هذا الماءْ ؟
أبرٌّ يلجأ الحيوانْ
إليهِ ، ويخلدُ الإنسانْ
إلى جنّاتهِ ؟!
أم يستمرُّ الماءُ بعدَ الماءِ بعدَ الماءْ
وتبقى فورةُ الطوفانْ
كما بدأتْ ؟! »
فلم أتلقَّ إلاّ غمغماتٍ تجعلُ الحيرانْ
أشدَّ تخبطاً ، وأمرَّ نفساً ، واضطرابَ يدينِ ، ممّا كانْ .

إذنْ لا يعرفُ الربّانْ !
فهل أدعُ السفينةَ وهي تخبطُ فوقَ سطحِ اليَمِّ كالعميانْ
وأبقى شأنَ من يبقى من الناجينَ حتى الآن ؟!
أأتركها وأُسلِمُ ساعديَّ لموجهِ الهَدّارْ ؟!
أأفتحُ ثغرةً فيها لتغرقَ شأنَ مَنْ غرقوا ؟!
أأشعلُ في حشاها النارْ ؟!

بقيتُ أقلِّبُ الأفكارْ ..
ولم يتكشفِ الأفقُ ،
ولم تتبينِ الطرقُ ،
وظلَّ الناسُ والربّان
حيارى ، لا الحمامُ أتى ولا الغربانْ
ببشرى مرفأٍ ، أو آيةٍ تومي إلى فرجِ
وتنبئنا بأنَّ تدفّقَ اللججِ
يخفُّ هديرُه الصخّابُ ،
أو سيخفُّ ، في يومينِ ، أو شهرينِ ، أو ..

ورأيتُ في صبحٍ من الأصباحْ
نثارَ سفينةٍ غرقتْ
ولم يتبقَّ منها غيرُ أشتاتٍ من الألواحْ
وثمة جرَّةٌ تطفو ،
وإنسانٌ يلوِّحُ وهو يمسكُ عروةَ الجرَّه
وتفلتُ من يديهِ كما تتفلّتُ الهِرَّه
من الأيدي ، فقلتُ لمن يليني :
« سوفَ أنقذهُ من الغرقِ ! »
فأجفلَ وهو يقولُ : « دعهُ ، ودعكَ من نَزَقِ
يطيحُ بنا ، فهذا هالكٌ ، وعليكَ بالجرَّه ! »
فقلتُ : « معاذَ ربّكَ ، إنّه إنسانْ ،
ونحنُ جميعُنا كفلاءُ بالإنسانْ .. »
ثمَّ وثبتُ في الماءِ
ورحتُ أعومُ ، أدفعُ أخطبوطَ الموجِ عنّي دونما فرقِ ،
وعمتُ وعمتُ ، لكنْ لم أرَ الإنسانَ ، بل أمسكتُ بالجرَّه
وعدتُ بها ،
وحينَ فضضتُ عنها الختمَ بين الناسِ والربّانْ
عثرتُ على رقيمٍ كانَ فيها ،
لم أجدْ غيرَه ،
بدا وكأنه قد خُطَّ في زمنٍ من الأزمانْ
بعيدٍ ، غامضٍ ، وقرأتُ ما فيهِ
عليهم دونَ تمويهِ :
« ألا يا أيّها الإنسانْ
ألا يا أيها المأخوذُ بالأشكالِ والأحجامِ والألوانْ
وبالأموالِ والأولادِ والسطوه
ويا من شأنهُ القسوه
على الضعفاءِ والفقراءِ ، ويرهبُ القوّه ،
ويخنعُ حين يُغلَبُ ، أو يفرُّ كأنّه جرذٌ من الجرذانٌ
ألا يا أيها الحيرانُ والتعبان
متى تتعلمُ العبره ؟!
لقد كانتْ لنا مدنٌ ،
وكنا نحنُ فيها نملكُ الأموالَ والأقواتَ والسلطانْ
وقد كانتْ لنا أسماءْ
يرنُّ رنينُها ، كانتْ لنا أهواءْ
أضلتنا ، و ألهتنا عن الضعفاءِ والفقراءِ ،
ثم أتى علينا ذاتَ يومٍ قاتمٍ طوفانْ
فلم يتبقَّ منّا غيرُ ناجٍ واحدٍ هو حاملُ الجرَّه
أردنا أن يكونَ رسولَنا كي تأخذَ العبره
وتذكرَ أنّكَ الإنسانُ مهما كنتَ ، مهما صرتَ ،
تذكرُه .. ولو مرَّه ! »

وحين قرأته ، وعقلتُ ما فيه ، بكيتُ ،
بكى جميعُ الناسِ ، والربّانْ
بكى معنا ، طوالَ اليومِ ،
ثم أعدتُ للجرَّه
رقيمَ الأولينَ ،
وزدته فقره
عن الأهواءِ والنسيانِ ،
ثم ختمتها ، وحملتها ، ووثبتُ في الماءِ
لعلي ألتقي من يرعوونَ لعفِّةٍ في النفسِ ،
أو خوفاً من الطوفان .
28/2/2004
........................................................................................................
من مجموعة ( مدونات هابيل ) الصادرة عام 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم

  بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم - ابراهيم العلاف وفي إطار التوثيق للسينما العراقية المعاصرة ، ثمة أفلام تنتمي الى الواقع...