منارة الجامع الاموي في الموصل بمحلة رأس الكور
جامع المصفي حاليا
الجامع الأموي في الموصل للدكتور أحمد الصاوي*
جرياً على عادتهم في الأمصار المفتوحة، شيد العرب المسلمون الفاتحون المسجد الجامع في مدينة الموصل عقب افتتاحها عام 16هـ (638م) وذلك على يد القائد عتبة بن فرقد السلمي. وبعد عدة سنوات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة قام والي الموصل من قبل الخليفة عمر بن الخطاب «عرفجة بن هرثمة البارقي» بتجديد المسجد الجامع وزيادة مساحته لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المصلين.
وعندما تولى مروان بن محمد الموصل في أوائل القرن الثاني الهجري التاسع الميلادي أعاد بناء جامع الموصل وصار يعرف من وقتها باسم الجامع الأموي. والسبب في إعادة بناء الجامع هو اتخاذ الموصل قاعدة لبلاد الجزيرة بعد أن نصب عليها جسراً وخطط طرقاتها في الضواحي التي امتدت إليها ومع تزايد أعداد السكان والمصلين كانت الحاجة لإعادة بناء الجامع.
وينسب إلى مروان بن محمد تزويد الجامع بمقصورة ليصلي بها الوالي وإنشاء منارة أو مئذنة جديدة للجامع فضلاً عن تشييده لمطابخ إلى جوار الجامع كان يطبخ بها للناس في شهر رمضان وبقيت هذه المطابخ إلى أن هدمها الخليفة المهدي العباسي عندما وسع الجامع سنة 167هـ.
وفي التوسعة التي قام بها موسى بن مصعب بن عمير والي المهدي على الموصل أضيفت الأسواق التي كانت تحيط بالجامع إلى مساحته وأدخلت المطابخ الأموية أيضاً في مساحة الجامع.
وقد شاهد بعض المؤرخين النص التأسيسي لأعمال المهدي في جامع الموصل الذي نقش على حجر وقد جاء به «بركة من الله لعبد الله الإمام محمد المهدي فأجرى على يد عامله موسى بن مصعب».
ويبدو أن هذه الزيادة العباسية قد ضاعفت من مساحة الجامع الأموي فصار من المساجد الهائلة المساحة المعروفة آنذاك، علماً بأن الجامع في العهد الأموي كان يتسع لحوالي أحد عشر ألفاً من المصلين.
وكان للجامع أربعة أبواب هى الباب الغربي المعروف باسم باب المنارة والباب الجنوبي المعروف باسم باب جابر والباب الشرقي المؤدي إلى نهر دجلة والباب الشمالي.
وأدت الاضطرابات التي عمت الموصل خلال حكم العقيليين والسلاجقة إلى تراجع عمارة الموصل وتقلص مساحة الجامع الأموي حيث اعتدى السكان على أرضه وانتزعوها لإقامة منازل خاصة بهم.
وعندما تولى الأتابكة حكم الموصل وجهوا عنايتهم لترميم الجامع الأموي الذي صار يعرف باسم الجامع العتيق وجددوا محرابه في سنة 543هـ (1143م) على عهد سيف الدين بن عماد الدين زنكي, وزودوا صحنه بفوارة ماء رخامية (نافورة ماء ) وصفها الرحالة الأندلسي ابن جبير عندما زار المدينة وعاين جامعها المنسوب لبني أمية.
ومما يستحق الذكر أن الأتابكة اكتفوا فقط بترميم قسم من الجامع الأموي فيما تركت بقية المساحة الشاسعة للجامع للأهالي فأقاموا بها مقابر لدفن موتاهم صارت تعرف بمقبرة الجامع العتيق.
ويعتقد علماء الآثار أن هذه المقبرة وأيضاً الطريق الذي يفصل بينها وبين جامع الموصل كانت كلها من مساحة الجامع العتيق. كما أن الدور التي تمتد من الجامع إلى مقابر تل قليعات شمالاً وإلى المنارة غرباً كلها مشيدة فوق أراضي وقف كانت هى أيضاً من أرض الجامع الأموي.
وبعد أن أصاب الخراب بناء الجامع في القرن الثاني عشر الهجري (18م)، وبنى أكثر الكوازين بيوتهم على أرض الجامع، احتجز أحد المحسنين وهو إلياس بك مساحة شيد بها مصلى، ثم قام الحاج محمد مصفى الذهب في عام 1225هـ (1810م) بتجديد بناء الجامع الذي صار يعرف بين الناس باسم جامع المصفى.وقد جددت مديرية الأوقاف العراقية بناء هذا الجامع لتقام به الصلوات الخمس وحافظت على المئذنة القديمة التي شيدها الأتابكة للجامع والتي تحتاج – حقا - إلى ترميم للحفاظ عليها باعتبارها من المآذن المتميزة الطراز في العالمين العربي والإسلامي .
*موقع الجريدة (الالكتروني ) 7 تشرين الاول 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق