الثلاثاء، 22 يونيو 2010

عبد التواب أحمد سعيد مؤرخا


عبد التواب أحمد سعيد مؤرخا
ا.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
قبل أيام(حزيران 2010 ) ، كنت أتصفح "مجلة كاتب " التي أصدرتها الإعدادية المركزية سنة 1968 لأكتب عنها مقالا يوثق لها وللعاملين فيها من طلبة وأساتذة ،وقد وجدت أن الصديق العزيز والمؤرخ البارز الأستاذ عبد التواب أحمد سعيد أستاذ التاريخ الحديث في كلية الآداب بجامعة الموصل حاليا ، قد كتب مقالا في العدد الثالث الصادر في كانون الثاني عام 1972 ، وكان يعمل مدرسا للتاريخ فيها .ومما لفت نظري أن عنوان المقال هو : " ماهية التاريخ "، وقد وقع المقال بأسمه ملحقا بعبارة" مدرس الاجتماعيات سابقا والمعيد في هيئة الإنسانيات –جامعة الموصل" ، وهيئة الإنسانيات-كما هو معروف - هي نواة كلية الآداب القائمة في يومنا هذا . ويدل مضمون المقال على أن الأستاذ عبد التواب احمد سعيد كان من المولعين بالتاريخ، وقد طمح لإكمال دراسته ،لذلك تقدم للتعيين في هيئة الانسانيات ولما يمض على تأسيسها بضعة أشهر وقد احتضنه الأستاذ الدكتور عبد المنعم رشاد المؤرخ الكبير -وكان عميدا لهيئة الإنسانيات آنذاك- هو وزميله ناطق مطلوب صالح (الأستاذ الدكتور فيما بعد ) وعهد إليهما تنظيم شؤون المكتبة والهيئة والاستعداد لفتح دراسات تاريخية عليا ومن الطريف انهما قبلا في هذه الدراسات لكن أسبابا إدارية وفنية حالت دون إكمال المشروع فتأجل فتح الدراسات العليا لسنوات طويلة أخرى امتدت حتى الثمانينات من القرن الماضي .
المهم أن الأستاذ عبد التواب احمد سعيد كتب في مقالته البكر: " أن التاريخ ماهو إلا علم وأدب ولكنه أدب تقيده أصفاد الحقيقة القاسية ،ويكمن اهتمامنا به لأنه يعود بنا إلى شيئ مضى، ولكنه موجود ومؤثر على حياتنا الحاضرة " .ومما ذكر في المقال أن التاريخ يعنى بالماضي لفهم الحاضر فهو- كما يقول ادوارد كار في كتابه" ماهو التاريخ ؟" ، حوار لاينتهي بين الماضي والحاضر ودراسته تطلعنا على حقائق ناصعة عن الأسلاف وأسلوبهم في العمل والحياة ...وهو سيرة الإنسان في كل مكان... وعلى دارس التاريخ أن يستخدم ذهنه الوقاد وفكره لفهم حوادث الماضي بعد أن يناقشها ليستوعبها... ونحن ندرس التاريخ نبغي فهمه لنكون فكرة عن جذور حاضرنا ومعرفة دورنا في تاريخ البشرية الطويل" .ويقينا أن هذا المقال ينبئ بمؤرخ فذ أو بعبارة أدق لمشروع مؤرخ سيكون له باعه الطويل في إعداد أجيال وأجيال من دارسي التاريخ ليس في جامعة الموصل وحسب بل في جامعات عربية أخرى .

ولد الأستاذ عبد التواب احمد سعيد في مدينة الموصل عام 1945، وتخرج في قسم التاريخ بكلية الآداب/ جامعة بغداد في عام 1966 بتقدير جيد جداً، وحصل على درجة الماجستير في التاريخ الحديث من مصر عام 1978 بتقدير ممتاز.
يتحدث عن نفسه بصيغة المبني للمجهول فيقول : "في عمر صغير جداً اتجه نحو التاريخ والشغف به، فكان له من الوعي مايكفي أن يتابع عبر الراديو والصحف ماكان يجري في مصر عام 1954 حافظاً أسماء الذين قيل أنهم حاولوا اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ...وفي 1957 انظم إلى جمعية تاريخية في إحدى المدارس المتوسطة بالموصل مبتدئاً بذلك نصف قرن من المطالعة التاريخية وغيرها، وتم قبوله خلالها في قسم التاريخ بكلية آداب جامعة بغداد عام 1962 عندما ترسخت لديه خلال الدراسة تلك أهمية التاريخ للإنسان، ونال قسطاً جيداً من أسلوب التدريس والبحث من خلال أساتذة مرموقين درس على أيديهم منهم المرحومين الأساتذة الدكاترة صالح احمد العلي وجعفر خصباك وعبد المنعم رشاد وحسن إبراهيم حسن وغيرهم.
في الإعدادية المركزية بالموصل حيث عُين مدرساً فيها بعد تخرجه مباشرة، حرص على تنبيه عقول التلاميذ وتشجيعهم على كتابة التقارير لدفعهم نحو المطالعة دائماً دون اهتمام للكتاب المنهجي المقرر، ثم انتقل عام 1967 للعمل معيداً في هيئة الإنسانيات- كلية الآداب لاحقاً بالموصل وموجهاً للطلاب في كتابة بحوثهم التاريخية معززاً اهتمامه بالكتاب من خلال إشرافه المباشر والشخصي على تأسيس مكتبة الكلية ورفدها بأمهات المصادر المعروفة قبل أن يتوجه إلى مصر لإكمال دراسته العليا حيث تعلم هناك على أيدي شيوخ التاريخ الحديث ومنهم المرحومين الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم والأستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار اللذان حرصا على إقامة الحلقات النقاشية ( السمنارات) أسبوعيا بما يفيد في تفتح الأذهان والنظر إلى دراسة التاريخ نظرة علمية موضوعية حيادية، وخلال الدراسة توجه إلى بريطانيا لتعزيز مصادر رسالته للماجستير عن "العراق والقضية الفلسطينية" بالوثائق، والتعرف على أسلوب المؤرخين الانكليز العلمي في التعامل والتوثيق والتحليل والتأليف.
عاد إلى العمل في الموصل خريف عام 1978 وهو مسلح بكم طيب من المعارف والآراء مقتنعاً بأن التاريخ ليس سرداً لحوادث ماضية مسجلة في الكتب وإنما هو في الواقع (أفكار البشر) عبر الزمن الذي عاش فيه الإنسان وبما يجعل التاريخ (الحياة نفسها) ومافيها من أحلام وآمال وآلام ومُثل وقيم للإنسان، وراح يضخ أفكارا دائمة للطلاب.
عاد وهو مصمم على تدريس التاريخ لا بأسلوب الرواية والسرد، وإنما بأسلوب، ذكر منه المؤرخ ابن خلدون حين وصف التاريخ بأنه علم وفن وهكذا حرص كل الحرص على التحليل والتفسير من رواية ماحدث مع الحرص- بكل وسيلة -أن تكون المحاضرة مشوقة للطلاب ودسمة في المعلومات ، وفي رواية التاريخ تصبح صعبة إذا كانت الأحداث قريبة، غير أنه لم يكترث لذلك مطلقاً وكان يبادر إلى نقد مايحدث دونما خشية من احد إلا الله مما عرضه إلى مشاكل إدارية وشخصية جعلته يعزف عن إكمال الدكتوراه .

أنجز خلال عمله بحوثاً عدة استهدف العديد منها الكشف عن أسرار دفينة في تاريخ العراق ومن تلك البحوث: (العراق في تقارير السفير البريطاني كينهان كورنواليس)، و(حول النشاط الفرنسي في شمال العراق)، و (دور مؤتمرات القمة في تحقيق التضامن العربي) وغيرها.. كما أسهم في عدد من الندوات العلمية
وتوجه إلى ليبيا للعمل بها عام 1993،وظل هناك سبع سنوات وحرص على تنبيه الطلبة إلى مايجري من حولهم فتفتحت أذهانهم وربما صاروا ثوّاراً وعمل على تصحيح بعض من أفكارهم ومواقفهم الخاطئة ومن ذلك اعتقادهم بأن الوجود العربي الاسلامي في الأندلس لم يكن إلا (استعماراً واحتلالاً!!!)
وفي العودة إلى جامعة الموصل بعد سقوط النظام السابق، والاحتلال الاميركي في التاسع من نيسان 2003 ،فانه بدأ عمله بالإشراف على طلبة الماجستير حاثاً لهم دوماً على إبراز شخصيتهم في الحث وتحليل النصوص وتفسير الأحداث لامجرد النقل وتنظيم النصوص والإكثار من الصفحات والمراجع ، وحثهم على الشجاعة في طرح آرائهم في الأحداث الحسّاسة، ومن تلك البحوث : " سعيد النورسي ودوره السياسي في تركيا"، و"الفرسان الحميدية"، و"العراق والقضية الفلسطينية" ، و"أثر النفط في تحديث دولة قطر 1970-1980 " وغيرها، كما أسهم في ندوات ومحاضرات عامة ألقاها بكلية الآداب –جامعة الموصل وخارجها وكان له نشاط إعلامي أيضا في الصحف وبعض محطات التلفزيون وبما ينفع المستمع والقارئ من الطرح التاريخي مع شعوره بأن أمامه مشوار طويل للتعلم.
أرخ لبعض نشاطاته الصديق الموسوعي الأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك في "معجم المؤلفين والكتاب العراقيين 1970-2000 " الذي أصدره بيت الحكمة ببغداد 2002 فقال انه كتب رسالته للماجستير بعنوان : " العراق والقضية الفلسطينية بين 1936 -1947 " وقدمها إلى جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية سنة 1978 وهي غير منشورة .كما أنجز بحوثا منها بحثه الموسوم : " صفحات من تاريخ عربستان الحديث " ونشر بمجلة آداب الرافدين العدد 14 ، أيلول 1981 وبحثه الموسوم : " المملكة العربية السعودية والقضية الفلسطينية 1936 -1947 ونشره في مجلة آداب المستنصرية 1985 .
*الرجاء زيارة مدونة الدكتور ابراهيم العلاف ورابطها التالي :
http://www.blogger.com/post-create.g?blogID=6155860143656196655

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...