الاثنين، 3 فبراير 2020

طبيعة وماهية ثورة تشرين في العراق ا.د. ابراهيم خليل العلاف


طبيعة وماهية ثورة تشرين في العراق

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل

أجد نفسي أحيانا مجبرا على كتابة شيء بعد ان اقرأ واسمع وارى ما يدور في بلدي الحبيب العراق من أحداث ومتغيرات طبعا نحو الاسوأ وفي كل ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
واليوم وقد كلف السيد رئيس جمهورية العراق الدكتور برهم صالح ، المهندس المعماري محمد توفيق علاوي ، بتشكيل الحكومة الجديدة لتخلف حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة ، لابد لي ان اقول ان رئيس جمهورية العراق لم يأخذ بنظر الاعتبار ارواح ال (600) شهيد وال (25) الف مصاب ، وانما إنحاز الى الطبقة السياسية الفاسدة الفاشلة التي دمرت العراق منذ ان سلمها المحتل الاميركي مقاليد الحكم بعد ان احتل العراق في 9 نيسان سنة 2003 .
كما انه - وللاسف الشديد - لم يستطع الا ان ينحاز لمكونات أو لممثلي هذه الطبقة ، وأخذ رأيها في من يرشحه لتولي منصب رئيس الوزراء وهذا - كما يبدو - طبيعي فهو من ابناء الطبقة الحاكمة نفسها ، وهو من اتت به توافقات هذه الطبقة، وهو من يجب عليه ان يراعي مصالح الطبقة الحاكمة .
وبإختصار - وبدون الدخول في تفاصيل قد يمل منها القارئ - فالطبقة الحاكمة لها مصالح سياسية ومصالح اقتصادية وأذرع عسكرية وهي مرتبطة بالجارة ايران وهذا معروف ولايمكنني لاانا ولاغيري نكرانه ونحن لسنا ضد مصالح جارتنا او جاراتنا جارات العراق وعليهم وعلينا ان نعمل ونتعاون ونعامل بعضنا البعض على قدم من المساواة وتبادل المصالح لا أن تعلو مصلحة الجيران على مصلحتنا العراقية فهذا يتنافى مع السيادة العراقية وحتى مصالحنا مع الولايات المتحدة الاميركية ومع تركيا ومع السعودية ومع الامارات ومع قطر ومع الاردن ومع سوريا يجب ان تكون بذات الاتجاه .
ثورة تشرين ثورة شبابية تنويرية وسبقتها ثورة فكرية معلوماتية ؛ فوسائل الاتصال الاجتماعي فتحت اذهان الشباب ، ووضعتهم أمام مسؤولياتهم في ضرورة تسلم زمام الحكم في العراق وإجراء التغيير المطلوب ، والتخلص من آثام ومفاسد الطبقة القديمة التي يكفيها انها نهبت البلد ودمرته وتركته في حالة يرثى لها ، وهذا ينعكس في وضع التعليم ووضع الصحة والوضع الاقتصادي والعمراني والاجتماعي والثقافي .
ولست ملزما الان ان ادعم كلامي بالاحصاءات والارقام ؛ فهي كثيرة ، وكلها تؤكد ان العراق هو اليوم من دول الاستبداد والعراق هو من الدول الضعيفة ، والعراق انتشرت فيه الامية والبطالة بشكل غير مسبوق والعراق لايحظى بالتنمية مع انه بلد نفطي وغني والنفط يدر عليه ملايين المليارات لكن العدالة الاجتماعية منعدمة ، والفقر طاغ والمساكن والابنية متهالكة ، ونسبة البطالة فظيعة .
الثوار اليوم يستصرخون المجتمع الدولي ، ويطالبونه بالتدخل لوقف القتل والعنف ويدعونه لكي يحميهم وهذه هي ساحة التحرير تتعرض الى ما تتعرض اليه ولا أدري لمصلحة من ، ولماذا نريد ان نبقي على اوضاع الفساد ولماذا اضعفنا الجيش الذي وصل الى حالة من القوة بعد الانتصار على داعش لم يسبق لها مثيل وانا شخصيا اخذت اتغنى بالجيش العراقي وبقادته الذين اثبتوا للعالم انهم ابطال وانهم متميزون وما هي الا اشهر حتى احيل عدد من قادة الجيش على التقاعد ، وبدأت الاضواء تخفت عن الجيش مع ان الجيش سور للوطن وكثيرون كانوا يعتقدون - وبصدق واخلاص - الى ان يحسم الجيش الازمة كما فعل مثلا في مصر او السودان ولكن هذا لم يجر .
وها نحن اليوم نشهد بواكير وأد الثورة بعد ان وصلت الى أوجها : شابات وشبان ابهروا العام بمدنيتهم ، وبسلميتهم ، وبمنطقهم المعقول والصحيح والمتميز
، وبرفضهم لافكار وممارسات الكتل السياسية القديمة التي فشلت في قيادة البلاد مع ان الكثير منها كانت قد تقنعت بالدين .
كان من الممكن البناء على افكار الشباب في ان يكون رئيس الوزراء من الشباب المهنيين غير المتحزبين .. وكان من الممكن ان نستثمر الشباب لخلق عراق جديد يبدأ بلم الصف والقيام بالتنمية ودفع الاقتصاد الى مديات متقدمة وتقوية الجيش وسحب السلاح من الشارع وتأكيد استقلالية العراق عن الدول الكبرى والدول الاقليمية .
وكان من الممكن ان نبدأ اصلاحا في التعليم والصحة والمؤسسات والتشكيلات الادارية والقضائية والامنية والادارية والثقافية والاجتماعية مستفيدين من ثورة الشباب المدنية التقدمية التنويرية ، لكن ذلك - للاسف الشديد - لم يحصل ؛ فعدنا نكلف واحدا من ابناء الطبقة السياسية نفسها ، وعدنا ندور في حلقة مفرغة ، وعدنا نتحدث عن اعادة عقارب الساعة الى الوراء .
الوضع الان صعب ؛ فالمنتفضون مصممون على الاستمرار بثورتهم وانتفاضتهم . والقوى السياسية مصرة على ان يكون الاصلاح على مقاساتها ، والولايات المتحدة الاميركية وايران والامم المتحدة رحبوا بتعيين محمد توفيق علاوي ..
ولاادري كيف سيكون الموقف بعد ان يشرع علاوي بتشكيل حكومته، وممن مع انه تعهد بتنفيذ مطالب المنتفضين ولكنه - على مايبدو- ربط نفسه ايضا بتنفيذ مطالب القوى السياسية المتنفذة .
لننتظر ونر ..........2 من شباط 2020



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكاتب والمترجم والاعلامي الكبير الاستاذ سامي محمد 1941-2000

                                                                   المرحوم الاستاذ سامي محمد  الكاتب والمترجم والاعلامي الكبير الاستاذ سامي ...