مؤتمر تركمانستان 23-24-شباط 2011 حول تاريخ وتراث الشعب التركمانستاني ودوره في الحضارة الانسانية
بقلم الاستاذ ازهر سعدالله العبيدي
عقد في جمهورية تركمانستان وفي عاصمتها عشق آباد بتاريخ 23-24 شباط 2011 مؤتمر تاريخي لدراسة تاريخ التركمان وحضارتهم وأعلامهم من الحكام والعلماء والكتاب، ومن المعروف أن دولة تركمانستان كانت من دول الإتحاد السوفييتي السابق وحصلت على استقلالها عام 1991، وسكانها من أغلبية تركمانية تدين بالإسلام وروس وأرمن. وتعد عشق آباد العاصمة من المدن الحديثة المنتظمة البناء والشوارع وتقع جنوب تركمانستان.
دعيت للمشاركة في المؤتمر مع (66) شخصية من الأساتذة والعلماء من جميع أنحاء العالم. وحضر معي من العراق الأستاذ الدكتور أحمد الحسّو والأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف والأستاذ الدكتور سيار الجميل والأستاذ طلال عبد الرحمن، ومن العرب تعرفنا على الأساتذة أبو بكر الصديق من ليبيا وعبد العزيز الجيل من تونس وبشير بركات من فلسطين وخالد تدمري من لينان.
وصلنا عشق آباد يوم 20 شباط 2011 بعد رحلة طويلة من اسطنبول استغرقت ما يقرب من أربع ساعات بالطائرة، واستقبلنا في المطار ونقلنا إلى فندق (آك ألتون) حيث جرى إسكاننا مع بقية الوفود وكان الفندق مكيفاّ بحرارة تفوق برودة الطقس البارد المثلج في الخارج.
وفي صباح يوم 21 شباط اجتمعنا في صالة الفندق حيث جرى لقاء صحفي معنا، ولاحظت تحدث بعض الحضور باللغة الروسية التي أجيدها فشاركتهم الحديث، وكانت فرصة جميلة لي لاستعادة معلوماتي في اللغة الروسية التي أجيدها وكانوا مسرورين بذلك. وقدمت لهم إيجازاّ باللغة الانكليزية لبحثي الذي أعددته لإلقائه في المؤتمر وعنوانه (اسهامات مركز الدراسات الاقليمية في جامعة الموصل في دراسة تركمانستان ) .
وكان في منهجنا لليوم الأول زيارة المتحف الوطني في المدينة الذي ضم معروضات رائعة من فنون الرسم وحياكة السجاد الذي تشتهر به هذه البلاد، وكانت الصور التي نقشت على السجاد تمثل تاريخ وحضارة تركمانستان وشخصياتها وقادتها الأوائل فضلاً عن الصور الزيتية البديعة التي تمثل جوانب عديدة من تراث وعادات وتقاليد شعب هذا البلد الجميل. وكان يرافقنا عدد من الصحفيين وقنوات التلفزيون التي نقلت كل فعاليات المؤتمر. وكانت بناية المتحف فخمة وواسعة جداً ويقع في شارع عريض جداً تنتشر على جانبيه الأشجار وأبنية حديثة فخمة لعدد من المؤسسات الحكومية والوزارات والقصر الرئاسي، ولم نجد أي قيد أو تحديد على حركة السيارات والمشاة في تلك المنطقة كما تعودنا. وتضمن المنهج زيارة للحديقة العامة لكن الجو الغائم والبارد منعنا من التمتع بالمناظر الخلابة والجو البديع الذي تمتاز به.
وفي اليوم الثاني 22 شباط كانت لنا زيارة لآثار مدينة (نسا) بلدة الإمام أحمد بن علي بن شعيب النسائي خارج العاصمة وفي جو بارد وممطر، وتجولنا وسط هذا الجو الذي اعتاد عليه أهل هذه البلاد وشاهدناهم يمارسون أعمالهم على نحو طبيعي. وضمت آثار هذه المدينة التي يحيطها سور مطمور جدران عدد من الغرف وقاعة كبيرة مبنية باللبن وأعمدة من الآجر مقوسة الزوايا. ثم زرنا معهد التاريخ حيث استقبلنا مدير المعهد وطاف معنا في قاعة تحوي على آثار من اللقى الفخارية الصغيرة والنقود المعدنية وصور لشخصيات تاريخية تركمانية.
وكان افتتاح المؤتمر يوم 23 شباط 2011 في قاعة المدينة الرئيسية بحضور نائب رئيس الجمهورية، واستقبلنا بحفاوة كبيرة بحضور عدد كبير من المسؤولين والمثقفين والطلاب التركمان، وعزفت فرقة محلية معزوفات وطنية وشعبية وسط تجمع لطلاب وطالبات بالزي الجامعي الموحد وغطاء الرأس التقليدي (العقجين) المطرز الأحمر. وبعد جلوسنا على المنصة أفتتح الحفل بالنشيد الوطني، ثم كلمة الافتتاح وتقديم الباحثين في الجلسة الأولى. وكنت من ضمنهم حيث ألقيت بحثي باللغة الإنكليزية وكان المترجم يعقب بترجمة كل فقرة من البحث إلى التركمانية، وقد أحرجني بتقديم البحث الذي أعد ترجمته بالتركمانية بكامله من خمس صفحات، في حين أننا قد تعودنا في الموصل على تقديم ملخص للبحث من صفحتين على الأغلب، ومع هذا ألقيت البحث الطويل على الرغم من عدم تهيئته مثل تهيئة الملخص الجيدة ونال استحسان الحاضرين. وتلا المؤتمر حفلة غداء أقامها رئيس الجمهورية على شرف الوفود.
وكان البحث حول شخصية القائد التركماني مظفر الدين كوكبوري (1153- 1232) الذي حكم مدينة أربيل في العهد الأتابكي، وشارك قبل ذلك القائد صلاح الدين الأيوبي حروبه ضد الصليبيين، وكان له دور كبير في معركة حطين التي قاد فيها جيوش الموصل وأربيل والجزيرة وانتهت بهزيمة الصليبيين المعروفة. وحكم أربيل وشهرزور حكماً عادلاً، وكان شجاعاً ومتعلماً يحب العلم ويقرب العلماء، وهو أول حاكم مسلم احتفل بمولد الرسول محمد (ص) وكان يقيم الاحتفالات الكبيرة ويوزع العطايا والهدايا بهذه المناسبة الكريمة. وبنى في أربيل المدارس والمستشفيات والأسواق والقيصريات وجامع (جولي) الكبير الذي لا تزال منارته أثراً مشهوراً من آثار أربيل. وكان أول حاكم مسلم يؤسس نظام الرعاية الاجتماعية فأقام الدور لإيواء العجزة والمشردين والمرضى فضلاً عن دار للضيافة يقصدها كل من يزور المدينة من التجار أو الفقراء.
وبعد ظهر اليوم نفسه وفي اليوم التالي أكمل الباحثون إلقاء بحوثهم ومناقشتها في الجامعة ومعهد العلوم. وحضرنا الجلسة الختامية عصر يوم 24 شباط 2011 التي اختتمت بعدد من البحوث، وتقديم الشكر للمشاركين في المؤتمر وكلمة الختام، وقدمت عدداً من كتبي المطبوعة هدية لمكتبة معهد المخطوطات الذي أشرف على المؤتمر.
وفي اليوم التالي 25 شياط 2011 كان لنا جولة في سوق عشق آباد العامر بالسجاد والمصنوعات الوطنية والأجنبية وأنواع من الفواكه والخضر واللحوم الجيدة. واقتنى معظمنا غطاء الرأس (القابلغ) و(العقجين الأحمر) للوقاية من البرد، وكان سعر القبلغ يتراوح بين 100 و200 دولار. وكانت اللحوم المعروضة جيدة جداً وقدمت لنا في وجبات الطعام في الفندق. وخرجت لوحدي ظهر اليوم نفسه لزيارة الحديقة العامة الجميلة التي هي من المعالم المشهورة في المدينة، وكانت تنتصب فيها تماثيل لشعراء ومؤرخي التركمان ونافورات للمياه، ونصب كبير مع شعلة في نهاية الممر الطويل للحديقة. وتجاور الحديقة عدة عمارات سكنية بيضاء شاهقة تعد من معالم المدينة الحضارية وتشاهد من جميع مناطق المدينة لارتفاعها الشاهق ولونها المميز ووقوعها على خط واحد طويل.
وفي يوم 26 شباط غادر عدد من المشاركين بعد انتهاء المؤتمر، وأمضينا هذا اليوم في الفندق استعداداً للسفر في الليلة التالية، وتوجهنا لمطار عشق آباد في الساعة الواحدة ليلاً لنمضي عدة ساعات قبل الطيران إلى اسطنبول في الساعة الخامسة والنصف ليلاً. وودعنا من المشرفين علينا وعلى رأسهم الأستاذ كاكا جان وشكرناهم على الحفاوة الكبيرة والترحيب الذي لمسناه خلال زيارتنا من حكومة وشعب هذا البلد المضياف والطيب.
*المقالة منشورة في ملتقى ابناء الموصل ورابطه التالي :
http://www.mosul-network.org/index.php?do=article&id=18823
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق