الاستاذ فاروق سعد احمد سعد الدين زيادة
فاروق احمد سعد الدين زيادة والدبلوماسية العراقية
ا.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث- جامعة الموصل
حظي العراق - منذ سنوات طويلة - بنخبة من الدبلوماسيين المتميزين الذين خدموا بلادهم بكل صدق وحرفية وليس من السهولة ذكر اسمائهم فهم كثر وليس ادل على ذلك ما تركه بعضهم من كتب تناولوا فيها سيرهم وتجاربهم في البلدان التي مثلوا وطنهم فيها ولعل ما كتبه الدبلوماسي كاظم خلف، والدبلوماسي نجدة فتحي صفوت خير مثال على ما نقول .وقد علمت ان ثمة من يشتغل الان في كتابة ذكرياته الدبلوماسية ومن هؤلاء صديقي السفير الاستاذ فاروق احمد سعد الدين زيادة والذي كان يعد - بحق - مدرسة في الدبلوماسية العراقية المعاصرة .
ولد في مدينة الموصل يوم 2 تشرين الثاني- نوفمبر سنة 1937 ،وهو ابن الصحفي مؤسس جريدة فتى العراق سنة 1934 ، والقاضي ورئيس محكمة التمييز العراقية الاستاذ احمد سعد الدين زيادة .اما جده فهو الشاعر والرجل الاصلاحي الذي كان يؤجج المشاعر العربية القومية قبيل الحرب العالمية الاولى الشيخ داؤد الملاح آل زيادة والذي كان يلقب ب" بلبل الحدباء " . وقد حفظ لنا الاستاذ محمد سعيد الجليلي جانبا من شعره الحماسي في كتابه الشهير "الاناشيد الموصلية " المطبوع في الموصل سنة 1916 .
انتقل فاروق الى بغداد بحكم عمل والده سنة 1944، ودرس في مدرسة المنصور الابتدائية .اما الثانوية فأكملها في كلية بغداد التابعة لليسوعيين الجزويت الاميركان والتي يرجع تأسيسها الى مطلع الثلاثينات من القرن الماضي .وبعد اكماله الثانوية سافر الى الولايات المتحدة الاميركية ودخل جامعة اريزونا وتخصص في العلاقات الدولية .وبعد تخرجه سنة 1964 التحق بالسلك الخارجي بدرجة ملحق دبلوماسي في 14 اب-اغسطس سنة 1965 وسرعان ما تدرج في هذا السلك حتى تم ترفيعه الى درجة سفير سنة 1993 وفي سنة 2004 احيل الى التقاعد .
كان للاستاذ فاروق زيادة دور مهم في النشاط الدبلوماسي فلقد اختص خلال المدة من 1974-2000 في شؤون الامم المتحدة ومجلس الامن والشؤون الاقتصادية (شؤون الطاقة ) والشؤون العربية .كما شارك في معظم الوفود العراقية الى اجتماعات ومفاوضات الامم المتحدة ،وحركة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الاسلامي، ومجموعة السبعة والسبعين للدول النامية ،ومنظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) ،واجتماعات مجلس الجامعة العربية وقد مثل العراق في كثير من تلك الاجتماعات .
في سنة 1994 عين رئيسا للدائرة العربية في وزارة الخارجية واستمر في ذلك حتى سنة 1999 .كما كان العراقي والعربي الوحيد الذي انتخب لرئاسة او نيابة رئاسة خمس لجان للامم المتحدة ممثلا للعراق والقارة الاسيوية .ففي سنة 1983 كان نائبا لرئيس اللجنة الثانية للجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك وبعدها بسنة اختير نائبا لرئيس الدورة الثانية للجنة الامم المتحدة المعنية بتنمية واستغلال مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة .وفي سنة 1985 كان نائبا لرئيس الدورة الرابعة للجنة الامم المتحدة رفيعة المستوى المعنية بأستعراض التعاون التقني فيما بين البلدان النامية .وفي السنة ذاتها اصبح نائبا لرئيس لجنة الامم المتحدة التحضيرية للاحتفال بالذكرى السنوية الاربعين لانشاء الامم المتحدة .وفي سنة 1986 اختير رئيسا للدورة الثالثة للجنة الامم المتحدة المعنية بتنمية واستغلال مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة .كما انتخب نائبا لرئيس اللجنة الاقتصادية لاجتماع وزراء خارجية المؤتمر الاسلامي الحادي عشر – اسلام اباد سنة 1980 .
مثل الاستاذ زيادة العراق في وفود عديدة منها قمة البلدان المصدرة للنفط (اوبيـك ) الجزائر سنة 1975 . وقد أسر لي بأنه أسهم في احباط مقترح تقدم به مسؤول مكتب العلاقات الخارجية (وذكر اسمه) عام 1994 لبيع النفط تحت الارض الى دول اجنبية كمحاولة للالتفات على الحصار الذي فرض على العراق بعد احداث عام 1991 وقال انه شعر بأن المقترح يشكل خطرا على سيادة العراق (كما تم مع قناة السويس ومصر في القرن التاسع عشروما نتج عنه ) وقال بأنه سيفصل ما حدث عند كتابته مذكراته .
كما شارك في السنوات من 1979-1994 في قمم حركة عدم الانحياز الذي انعقد في هافانا بكوبا وقمة منظمة المؤتمر الاسلامي بالطائف وقمة مؤتمر المنظمة ذاتها في الدار البيضاء بالمغرب عام 1994 .وحضر اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة خلال المدة 1981-1994 واجتماعات وزراء الخارجية العرب واجتماعات وزراء خارجية المؤتمر الاسلامي .
وكان له دوره في اجتماعات الحوار العربي- الاوربي سواء التي انعقدت في ابو ظبي 1975 او في دمشق 1978 .وقد اسهم بفاعلية في مؤتمر التعاون الاقتصادي الدولي المعروف ب" حوار الشمال والجنوب " في باريس للسنوات 1975-1976 واجتماعات لجنة حقوق الانسان في جنيف 1989و 1990 .
وقد ترأس الوفد العراقي لاجتماعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي للامم المتحدة –جنيف 1988و 1989 . وعندما اندلعت حرب الخليج الثانية عين رئيسا للجنة الاستشارية لوزير الخارجية لأزمة الخليج .وبين 1991-1999 كان عضوا في اللجنة الخاصة بمتابعة التعامل مع الامم المتحدة ومجلس الامن في وزارة الخارجية.
خلال خدمته في الشؤون الدبلوماسية العراقية عمل الاستاذ فاروق زيادة في سفارات العراق المختلفة ومنها في طوكيو، وبكين ،وطهران، والممثلية العراقية لدى الامم المتحدة بنيويورك لذلك اكتسب خبرة كبيرة جدا الى درجة ان قرارا صدر من رئاسة الجمهورية عام 2000 يقضي باعتباره سفيرا متميزا و نقل بعدها ليكون مستشارا سياسيا لرئيس المجلس الوطني واستمر في عمله هذا حتى سنة 2004 وبعدها غادر العراق .
وللأستاذ فاروق زيادة السفير السابق ،أفكار وآراء بخصوص إصلاح الدبلوماسية العراقية ووزارة الخارجية . وقد كتب لي رسالة مؤرخة في 23 تشرين الثاني 2010 يقول فيها أخي العزيز الدكتور إبراهيم خليل العلاف ،هذا هو اجتهادي في إصلاح وتطوير وزارة الخارجية العراقية على أساس وطني ومهني بحت استنادا إلى خبرة (35) في العمل الدبلوماسي .
وهو يرى بأن وزارة الخارجية ،تعد من أهم الوزارات في إي دولة من دول العالم المتقدمة والمتحضرة لأنها الوسيلة والواسطة لإقامة العلاقات مع أي بلد مع بلدان العالم . وان من المتعارف عليه دوليا وفي القانون الدولي إن الأشخاص الذين لهم الحق في التصريح والتكلم بأسم أي دولة هم كل من رؤساء الدول ورؤساء الوزراء ووزراء الخارجية والسفراء والقائمين بالأعمال. ونظرا لكون وزارة الخارجية الواجهة التي تمثل البلد فأن عملها واتصالاتها وتصرف كادرها أساس في بناء علاقات طيبة مع البلدان الأخرى أو على العكس من ذلك قد تؤدي إلى الإساءة إلى هذه العلاقات .
وفيما يتعلق بالعراق فأن وجود وزارة خارجية قديرة من أهم الأمور الإستراتيجية لدولة محاطة بست دول جوار مهمة لها تأريخ طويل من التقارب والمنازعات في نفس الوقت ، يضاف إليها العديد من الدول الكبرى ذات المصالح الإستراتيجية في المنطقة ، وكثير من دول العالم الأخرى التي يحتاج العراق إلى التعامل معها .
ويقول إن العمل في السلك الخارجي (كما هو في الخدمة العسكرية) يحتاج إلى كسب الخبرة في المعاملات الدولية بالتدرج والمرور بكل الدرجات الوظيفية الدبلوماسية . وان اكبر الأخطاء والمآسي التي وقعت فيها الدبلوماسية العراقية كانت في تصعيد أو تعيين أناس في السلك الدبلوماسي تجاوزا لهذا المبدأ الأساسي المعتمد في دول العالم المتقدمة والمتحضرة .
أ. لذلك فان إعادة تأهيل وزارة الخارجية العراقية بعد التغييرات الكبيرة والتعيينات التي طرأت عليها منذ عام 2003 إضافة لما جرى عليها منذ عام 1958 يتطلب إعادة النظر في جميع كادرها الحالي من جديد على أساس وطني واستنادا إلى معايير الكفاءة والمقدرة وليس على أساس الحزبية أو الطائفية أو المحسوبية ومن ثم البدء في إعادة بنائها من جديد من خلال إعادة تقييم جميع السفراء المسلكيين المتبقين ونقل كل من لاتثبت كفاءته ولياقته للسلك الدبلوماسي إلى خارج الوزارة .وإخضاع جميع الموظفين من درجة سكرتير ثاني إلى وزير مفوض إلى امتحان كفاءة في اللغة الانكليزية أو إي من لغات الأمم المتحدة الأخرى (عدا العربية) وهي كل من الفرنسية والاسبانية والروسية والصينية .
ب. ويتم إعادة تقييم الدرجات الوظيفية للدبلوماسيين الناجحين في اختباري اللغة والعلوم الدبلوماسية على أساس مدة الخدمة في وزارة الخارجية والشهادة الجامعية وتثبيت درجتهم الوظيفية على هذا الأساس . وأن تكون هنالك دعوة مفتوحة لمن يرغب في العمل في وزارة الخارجية من العشرة بالمائة المتفوقين (لكل المواطنين دون استثناء) من الكليات الإنسانية والعلمية كافة للمشاركة في امتحان في مواضيع العلاقات الدبلوماسية والقانون الدولي العام واللغة الانكليزية او الفرنسية والمعلومات العامة . ويعين في الوزارة أعلى عشرين من الناجحين .ويدخل العشرون الناجحون في دورة في المعهد الدبلوماسي في وزارة الخارجية لمدة سنة تقويمية . ويعين الناجحون في السلك الدبلوماسي بدرجة ملحق دبلوماسي ، ويعين حاملي شهادة الماجستير بدرجة سكرتير ثالث ، والحاملين لشهادة الدكتوراه بدرجة سكرتير ثاني .ويجب على الموظف الدبلوماسي بعد ذلك أن يتدرج في الوظيفة درجة بعد درجة .
في رسالته التي أشرت إليها آنفا وعندما عرف بأني أزمع الكتابة عنه وعن تجربته في العمل الدبلوماسي العراقي كتب يقول : أخي الدكتور إبراهيم خليل العلاف أرجو العلم أنني إنسان عروبي،عملت بكل جهدي وطاقتي وإمكاناتي للدفاع عن العراق ومصالحه ورفع شأنه ، كما عملت على توحيد الجهد العربي والمواقف العربية والدفاع عن القضية الفلسطينية في فترة عملي في الممثلية العراقية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك لمدة خمس سنوات وقد كلفت من بقية الدول العربية للتكلم بأسم المجموعة العربية في قضايا الطاقة والنفط والقضية الفلسطينية في الاجتماعات والاجتماعات الدولية . ولا يسعني في هذه المناسبة إلا أن اذكر وأشيد بالمرحوم الدكتور سعدون حمادي وزير الخارجية العراقي الأسبق الذي عملت تحت أشرافه قرابة (9) سنوات شاركت معه في اغلب الوفود التي ترأسها للاجتماعات الدولية ،وتعلمت منه الكثير الذي كان يوجهنا ويدعمنا في الدفاع عن مصالح العراق والأمة العربية . إلا أنني اؤمن أن واجبنا في المرحلة الحالية إعادة توحيد وبناء العراق على أساس وطني خالص ،وحضاري بعيدا عن الفئوية والطائفية والحزبية ، ولذلك فأن جهودكم في إحياء التراث والتعلم منه من أهم الأمور في هذا الزمن المؤلم .
الأستاذ فاروق زيادة اليوم منهمك في تدوين ذكرياته وممارسة هوايته الجديدة بالتعامل مع الانترنت وهو في كل يوم يتحفنا بما لديه من مواد يقتصنها من هنا أو هناك ليرسلها إلى أصدقاءه ومحبيه توخيا للفائدة والمتعة أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية فقد خدم وطنه وأفاد بلاده وتتلمذ على يديه عدد من الدبلوماسيين الذين يتبوأون اليوم مواقع متقدمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق