الاستاذ عبد العزيز سليمان نوار يتوسط طلبته في كلية تربية جامعة بغداد 1965
عبد العزيز سليمان نوار وتاريخ العراق الحديث
ا.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل-العراق
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل-العراق
أليس من الغريب أن لا أعثر على معلومات مفيدة تتعلق بالسيرة الذاتية لأبرز أستاذ مصري متخصص بتاريخ العراق الحديث، وهو الأستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار، والذي كان لي شرف التلمذة على يديه لثلاث سنوات ابتدأت بالسنة 1965_ 1966_ 1967 ،ففي هذه السنوات كنت طالبا في قسم التاريخ بكلية التربية_ جامعة بغداد وقد درسني في المرحلة الأولى تاريخ العصور الوسطى، وفي المرحلة الثانية تاريخ الشرق الأدنى الحديث ،وفي المرحلة الثالثة تاريخ العراق الحديث.. ويبدو أن الأستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار كان قد انتدب للتدريس في جامعة بغداد بعد انجازه لرسالته للماجستير ولأطروحته للدكتوراه عن العراق الحديث .وقد علمنا نحن الطلبة آنذاك أن أستاذنا جاء إلى بغداد ليدرسنا وقد تخرج حديثا ونال الماجستير سنة 1958 عن رسالته الموسومة داؤد باشا والي بغداد 1832 ثم حصل على الدكتوراه سنة 1963 وكان عنوان أطروحته: " تاريخ العراق الحديث منذ نهاية حكم داؤد باشا حتى نهاية حكم مدحت باشا " ،أي منذ سنة 1832 وحتى 1872. ومما أكد ذلك اطلاعنا على رسالته للماجستير وأطروحته للدكتوراه مطبوعتين ككتابين منشورين من قبل وزارة الثقافة في الجمهورية العربية المتحدة ،وضمن سلسلة المكتبة العربية، والناشر دار الكاتب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة،الأول سنة 1964 والثاني سنة 1968 .
ومن الطريف أن يكتب مقدمة ألكتابين الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم المؤرخ المصري العربي الكبير وكان آنذاك (1968) يشغل منصب وكيل جامعة عين شمس.
قال الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم في مقدمة كتاب تاريخ العراق الحديث للدكتور نوار: (( لااعرف باحثا تعشق موضوع بحثه ، فتلازمه واخلص في عشرته وخدمته كما فعل الدكتور عبد العزيز نوار لتاريخ العراق الحديث )) . وأضاف يقول : (( وقد بدأت هذه الصفحة بينهما منذ تخرج نوار في كلية الآداب بجامعة عين شمس في سنة 1954، ولعلها بدأت قبل ذلك.. لاأدري! وما أن بدأنا نتخير له موضوعا لرسالة الماجستير حتى اختار تاريخ العراق الحديث دون تردد))...
اعتقد أن الدكتور عبد العزيز سليمان نوار من مواليد كفر شكر بمصر أوائل الثلاثينات من القرن العشرين، ولعلها سنة 1932 ، وكفر شكر مدينة ومركز تقع بأقصى شمال محافظة القليوبية على بعد 60 كم إلى الشمال الشرقي من القاهرة على الطريق السريع الذي يربط القاهرة بالمنصورة .والده هو العلامة الشيخ سليمان نوار من هيئة كبار العلماء وله مؤلفات وكتب في مجال البلاغة والإعجاز القرآني ،وصفه الشيخ الدكتور متولي شعراوي،والشيخ الدكتور أحمد حسن الباقوري بغزارة العلم، والقدرة على التجديد، وقد كرمته الدولة في العهد الملكي بوسام رفيع وعمل عميدا لكلية اللغة العربية . أكمل الدكتور عبد العزيز نوار دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية ثم دخل كلية الآداب- جامعة عين شمس وفي قسم التاريخ بالذات، وتخرج فيه سنة 1954، وقد عين مدرسا في الكلية ذاتها ورقى إلى مرتبة الأستاذية وصار عميدا للكلية في السبعينات من القرن الماضي.
من الأمور المعروفة لنا أن الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم كان قد وضع خطة واسعة لكتابه تاريخ العرب الحديث، وبدأ يشجع طلابه على الولوج في هذا الميدان، فاتجه بعضهم نحو دراسة تاريخ بلاد الشام ، وذهب الآخرون إلى دراسة الخليج العربي، وراح الفريق الثالث يدرس تاريخ المغرب العربي، واختار عبد العزيز سليمان التخصص بتاريخ العراق الحديث، ولما لم يجد في مكتبات مصر ضالته ، شد الرحال إلى بريطانيا باحثا عن الوثائق والمراجع ،والى شيئ من هذا القبيل أشار الدكتور احمد عزت عبد الكريم عندما قال أن نوار لم يكتف بجمع مادة بحثه، على مافي ذلك وحده من مشقة، وإنما كان يلبي طلب زملائه طلاب الدراسات العليا بجامعة عين شمس ، فاقبل عن رضا يجمع لكل منهم ويصور الوثائق التي يحتاجون إليها في رسائلهم وأطروحاتهم ، فدل ذلك على ماينبغي أن يكون بين أبناء المدرسة الواحدة بأجيالها المتتابعة من ود وتعاون.
عاد إلى مصر، وفي جعجعة الكثير من الوثائق لكنه أدرك بان ذلك لايكفي ، إذ لابد من معاينة ارض الحدث، فرتب لنفسه اعارة للتدريس في جامعة بغداد، وفي بغداد أمضى ثلاث سنوات دراسية وهي أمنية كانت عزيزة على نفسه منذ زمن بعيد ، وان لم يستطع تحقيقها إلا بعد أن أتم رسالته للماجستير وأطروحته للدكتوراه ، وربما أفاده هذا التأخير في زيارة العراق،فقد ذهب إليه ، وقد غدت معلوماته وتفكيره ، ونظراته في تاريخ العراق الحديث، أكثر نضجا وعمقا وشمولا، كما مكنته هذه الإقامة من جمع مادة غزيرة لبحوث ومقالات ومشروعات تالية، وقد أثمرت هذه العشرة الطويلة بين نوار وتاريخ العراق الحديث ثمراً جنيا، من رسائل وكتب وبحوث ، ونشر بعضها ولا يزال بعضها الآخر في طريقه إلى النشر.
حظي الأستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار باهتمام ومحبة أساتذته وفي مقدمتهم أستاذه المشرف، الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم وأستاذيه الدكتور محمد شفيق غربال، والدكتور محمد مصطفى صفوت اللذان ناقشاه في مرحلة الماجستير . وفي هذا الصدد يقول الأستاذ نوار: " كانت دراساتي تحت إشراف الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم، وكانت الاجتماعات الأسبوعية التي يعقدها لطلبة الماجستير والدكتوراه (سمنار التاريخ الحديث الشهير) ذات أهمية كبيرة في توجيه تلك الدراسات، حتى إذا ماسافر إلى ليبيا، قررنا نحن طلبة الدكتوراه والماجستير بكلية آداب عين شمس أن تستمر هذه الاجتماعات تحت إشراف أستاذنا الدكتور محمد شفيق غربال ، وعرضنا عليه هذه الرغبة ،فرحب بذلك كل الترحيب ، وكنا مندهشين من تلك المعاملة التي لم نكن في قرارة نفوسنا نتوقعها، ولكن شاء القدر أن يحرمنا في وقت مبكر من هذه الابوة الكريمة، واختطفته يد المنون ونحن في اشد الحاجة إليه.
بعد أن انتهى نوار من مناقشة رسالته للماجستير تشرف بمقابلة الدكتور محمد مصطفى صفوت مرتين تحدثا خلالهما عن خطة رسالته وقد طلب منه صفوت أن يعنى بدراسة الرحلات وبالتنافس الدولي حول خطوط المواصلات العالمية، ولكن يد المنون سرعان ماحرمته من صفوت كذلك ،فكان ذلك من الحوافز التي جعلته يتفانى في تحقيق ماأشار به عليه، واستغرقت عملية جمع المادة قرابة أربع سنوات وامتدت من سنة 1958 وحتى سنة 1962. وقد عرض على أستاذه الدكتور احمد عزت عبد الكريم الخطوط الرئيسية للأطروحة، وبدأ بكتابه فصولها وكان- من وقت لآخر- يحثه على أن يجد طريقا للسفر إلى بريطانيا والى العراق لاستكمال بحوثه وقد استطاع نوار الحصول على إجازة دراسية بفضل المعاونة الصادقة التي قدمها له رؤسائه في وزارة التعليم العالي فسافر إلى لندن في أيلول / سبتمبر 1962 بعد أن انتهى من مراجعة المصادر والمراجع المتوفرة في مصر عن العراق. وفي لندن كان يتردد على دائرة السجلات العامة Public Record Office وكان المفروض أن يقضي في بريطانيا جزءا من الإجازة الدراسية وفي العراق بقيتها ، إلا انه وجد بان الوثائق المطلوبة مراجعتها في لندن من الضخامة لدرجة أنها تحتاج إلى أكثر من عام ، ولذلك قرر أن يبقى ويصور الوثائق التي لايستطيع مراجعتها، وفعلاً عاد إلى مصر ومعه الآلاف منها ،ومن حسن الحظ أن كلية الآداب بجامعة عين شمس أسهمت في تغطية نفقات تصوير هذه الوثائق.
حاول نوار الحصول أول جريدة تصدر في العراق هي جريدة الزوراء(البغدادية ) والتي صدر عددها الأول في 15 حزيران/ يونيو 1869 ، فاتصل بالأستاذ الشيخ محمد بهجت الاثري عضو المجمع العلمي العراقي سنة 1958 إلا أنه فشل في ذلك فلم يحصل على النسخ الكاملة للجريدة فنصحه أستاذه الدكتور احمد عزت عبد الكريم بالاتصال بالدكتور زكي صالح أستاذ التاريخ الحديث في جامعة بغداد، وهو بالمناسبة أستاذي كذلك درسني في قسم الشرف مادة أصول التاريخ، واستمرت المراسلات بينهما وأخيراً، استطاعت سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بغداد الحصول على الإعداد الأولى من الجريدة وأرسلتها إليه وعندما وصلته كان قد انتهى من طبع أطروحته، ومع هذا فقد سهل لدار الكتب المصرية تصويرها وبدأ بإعداد دراسات مستقلة بالاعتماد على إعداد الزوراء ،فهي بحق من أبرز مصادر دراسة تاريخ العراق الحديث وخاصة للمدة من 1869 وحتى توقفها سنة 1917.
أحببت الأستاذ الدكتور عبد العزيز نوار، وكانت لي- وعدد من زملائي -علاقة وثيقة به خلال وجوده في بغداد والذي استغرق ، كما سبق أن قلت ، ثلاث سنوات.. ولم تكن علاقتنا تقتصر على قاعات الدرس وحسب، بل كان يحرص على مرافقتنا في كل سفراتنا ورحلاتنا الجامعية إلى إنحاء مختلفة من العراق، وانطلاقا من بغداد نحو الشمال تارة ونحو الجنوب تارة أخرى، واحتفظ بصور عديدة تجمعنا وإياه وكانت ابنته (نهى) وعمرها لم يكن يتجاوز أل (7) سنوات ترافق أباها في معظم السفرات والرحلات، وكما كان أستاذنا نوار يتحاور معنا في خصوصيات البنية الاجتماعية للعراق، كما حرص على تكوين صداقات مع الأساتذة والمؤرخين وعلماء الاجتماع والأدباء والمفكرين العراقيين، ويقينا أن ذلك كله ساعده في فهم جزئيات تاريخ العراق الحديث.
بعد أن غادر أستاذنا نوار، العراق، أخذت اهتم بمتابعة كتاباته وقد أعجبت به أيما إعجاب، بمقالاته التي راح ينشرها في مجلة الهلال (المصرية) ذائعة الصيت ويسعدني اليوم القول بأنني احتفظ بمعظمها في مكتبتي ومنها على سبيل المثال:
1. ((البابية والبهائية في القرن التاسع عشر)) ، وقد نشره ضمن عنوان رئيسي (مذاهب في العراق) في مجلة الهلال عدد أول ديسمبر / كانون الأول سنة 1965.
2. ((مصر والخليج العربي في القرن التاسع عشر)) ، وقد نشره في مجلة الهلال عدد نوفمبر_ تشرين الثاني 1964.
3. ((ثورة 1919 وأثرها في الحركات النضالية))، ومنها ثورة 1920 في العراق وقد نشره عدد ديسمبر/ كانون الأول سنة 1966.
4. (( البحرين .. تاريخ ووثائق))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد يوليو_تموز 1966.
5. ((العراق وصراع بعثات التبشير))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد مايو_أيار 1965.
6. (( ثورة 1832 في العراق))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد أول فبراير_شباط 1965.
7. ((بين العراق ومصر في القرن 19))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد أول أغسطس_ آب 1964.
8. ((التبشير البروتستانتي في العراق))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد أول يونيو_ حزيران 1965.
9. ((انهار العراق والسيطرة البريطانية في القرن 19))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد أول يناير_كانون الثاني 1966.
10 .((طوائف غريبة :اليزيدية )) ،وقد نشره في مجلة الهلال ،عدد اول يناير –كانون الثاني 1965 .
لدي في مكتبتي الخاصة نسخة من كتاب للأستاذ الدكتور نوار(مطبوع على الرونيو) ،يتألف من (191) صفحة من القطع الكبير (عدا الملاحق (44) ملحق التي يضمها الكتاب، وقد أهداني إياها والكتاب هو بعنوان :" عوامل فعالة في الاتجاهات الفكرية والسياسية في العراق الحديث..دراسة في التعليم وفي أثره في تكوين الزعامة بين 1872_ 1908". وقد سمعت انه طبع في القاهرة سنة 1974 ولكن لم أحصل على نسخة منه ويتناول الكتاب دور التعليم في تطور العراق الفكري والثقافي حتى الانقلاب الدستوري العثماني سنة 1908.
للأستاذ الدكتور نوار مقالات عديدة في المجلة المصرية للدراسات التاريخية منها دراسته عن " آل محمد : دراسة في الزعامة العشائرية" عدد 1969 ودراسته عن " مواقف سياسية لأبي الثناء الالوسي" 1967 ودراسته عن موقف إزاء حرب القرم 1968.
من مؤلفات الأستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار، (فضلاً عن ماذكرناه أنفاً)..
1. المصالح البريطانية في انهار العراق، مكتبته الانجلو المصرية ، (القاهرة، 1968).
2. مصر والعراق :دراسة في تاريخ العلاقة بينهما ، مكتبة الانجلو المصرية ،(القاهرة، 1968).
3. التاريخ الأوربي الحديث من عصر النهضة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى ألفه مع السيد محمود محمد جمال الدين،1999 .
4. تاريخ الشعوب الإسلامية:الاتراك العثمانيون ،الفرس ، مسلموا الهند ،1973 .
5. تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية مع محمود محمد جمال الدين،دار الفكر ،القاهرة ،2000
6. وثائق تاريخ العرب الحديث، الجزء الأول، الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية ألفه مع ابنته راندا عبد العزيز نوار.
7. تاريخ أوربا والعالم الحديث
8. وثائق تاريخ العرب الحديث
9. التاريخ المعاصر: أوربا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية ألفه مع عبد المجيد نعنعي 1973
10. النهضة العربية الحديثة ألفه مع ابنته راندا
11. تاريخ مصر الاجتماعي ،دار الفكر العربي ،القاهرة،2000
12. التاريخ الأوربي الحديث من عصر النهضة إلى مؤتمر فيينا ،ألفه بالاشتراك مع الدكتور عبد الحميد البطريق ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت،1997.
13. تاريخ العرب المعاصر :مصر والعراق ،نشره سنة 1973 .
تنطلق رؤية الأستاذ الدكتور نوار التاريخية من حقيقة أن التاريخ مجري الحياة ، وان على المؤرخ إعادة تشكيل الحدث كما وقع،وان للتاريخ دور مهم في تكوين الإنسان، ولكن ينبغي أن لايكون ذلك على حساب الحقائق التاريخية.
كان الدكتور نوار مؤرخا موضوعا، صادقاً وأميناً وكان يحرص على تنويع مصادره، وعندما كان يدرسنا لم يكن نحس بان لديه أي تحيز نحو شخص أو مذهب أو توجه، وإنما كان يزن الأحداث بميزات الحياد العلمي ،والرؤية الوطنية والقومية.. وكان يمزج بين العوامل المؤثرة في سير حركة التاريخ، لايغلب عاملاً على آخر ولم يغفل التأكيد على التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جنبا إلى جنب مع التوجهات السياسية عند دراسته لأحداث العراق.. وأتذكر بأنه كان يحل عدداً من المؤرخين العراقيين المحدثين ويضعهم في مكانة متميزة منهم الأستاذ سليمان فائق، والأستاذ عباس العزاوي، والأستاذ الدكتور زكي صالح، والأستاذ عبد الرزاق الحسني، فضلاً عن اهتمامه بكتب الرحالة.. كما كان لكتب الأدب والسيرة عنده ،أهميتها في تشكيل الوقائع التاريخية وقد كنا نعجب من أسلوبه في إلقاء المحاضرات ،وارتجاله لمكنوناتها ،وقدرته على الربط بين عناصرها، وقد ساعدته هذه الطريقة في اجتذاب اهتمام طلبته الذين أحبوه وأحبهم وعندما غادر العراق، ودعناه بكل حزن وكأنه واحد منا ،وقد شاهدناه والدموع تترقرق من عينه.. توفي الاستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار يوم 27 نيسان-ابريل سنة 2002 .الأستاذ الدكتور نوار جزاك الله خيرا على ماقدمت، وجعل كل ذلك في ميزان حسناتك.. فقد كنت أستاذاً وأخا وأبا وصديقاً.. كنت مربيا حقيقيا، وإنسانا فاضلاً ،ورجلا شهما وأستاذا قديرا .ويقينا إننا تعلمنا منك الكثير والكثير.
ومن الطريف أن يكتب مقدمة ألكتابين الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم المؤرخ المصري العربي الكبير وكان آنذاك (1968) يشغل منصب وكيل جامعة عين شمس.
قال الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم في مقدمة كتاب تاريخ العراق الحديث للدكتور نوار: (( لااعرف باحثا تعشق موضوع بحثه ، فتلازمه واخلص في عشرته وخدمته كما فعل الدكتور عبد العزيز نوار لتاريخ العراق الحديث )) . وأضاف يقول : (( وقد بدأت هذه الصفحة بينهما منذ تخرج نوار في كلية الآداب بجامعة عين شمس في سنة 1954، ولعلها بدأت قبل ذلك.. لاأدري! وما أن بدأنا نتخير له موضوعا لرسالة الماجستير حتى اختار تاريخ العراق الحديث دون تردد))...
اعتقد أن الدكتور عبد العزيز سليمان نوار من مواليد كفر شكر بمصر أوائل الثلاثينات من القرن العشرين، ولعلها سنة 1932 ، وكفر شكر مدينة ومركز تقع بأقصى شمال محافظة القليوبية على بعد 60 كم إلى الشمال الشرقي من القاهرة على الطريق السريع الذي يربط القاهرة بالمنصورة .والده هو العلامة الشيخ سليمان نوار من هيئة كبار العلماء وله مؤلفات وكتب في مجال البلاغة والإعجاز القرآني ،وصفه الشيخ الدكتور متولي شعراوي،والشيخ الدكتور أحمد حسن الباقوري بغزارة العلم، والقدرة على التجديد، وقد كرمته الدولة في العهد الملكي بوسام رفيع وعمل عميدا لكلية اللغة العربية . أكمل الدكتور عبد العزيز نوار دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية ثم دخل كلية الآداب- جامعة عين شمس وفي قسم التاريخ بالذات، وتخرج فيه سنة 1954، وقد عين مدرسا في الكلية ذاتها ورقى إلى مرتبة الأستاذية وصار عميدا للكلية في السبعينات من القرن الماضي.
من الأمور المعروفة لنا أن الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم كان قد وضع خطة واسعة لكتابه تاريخ العرب الحديث، وبدأ يشجع طلابه على الولوج في هذا الميدان، فاتجه بعضهم نحو دراسة تاريخ بلاد الشام ، وذهب الآخرون إلى دراسة الخليج العربي، وراح الفريق الثالث يدرس تاريخ المغرب العربي، واختار عبد العزيز سليمان التخصص بتاريخ العراق الحديث، ولما لم يجد في مكتبات مصر ضالته ، شد الرحال إلى بريطانيا باحثا عن الوثائق والمراجع ،والى شيئ من هذا القبيل أشار الدكتور احمد عزت عبد الكريم عندما قال أن نوار لم يكتف بجمع مادة بحثه، على مافي ذلك وحده من مشقة، وإنما كان يلبي طلب زملائه طلاب الدراسات العليا بجامعة عين شمس ، فاقبل عن رضا يجمع لكل منهم ويصور الوثائق التي يحتاجون إليها في رسائلهم وأطروحاتهم ، فدل ذلك على ماينبغي أن يكون بين أبناء المدرسة الواحدة بأجيالها المتتابعة من ود وتعاون.
عاد إلى مصر، وفي جعجعة الكثير من الوثائق لكنه أدرك بان ذلك لايكفي ، إذ لابد من معاينة ارض الحدث، فرتب لنفسه اعارة للتدريس في جامعة بغداد، وفي بغداد أمضى ثلاث سنوات دراسية وهي أمنية كانت عزيزة على نفسه منذ زمن بعيد ، وان لم يستطع تحقيقها إلا بعد أن أتم رسالته للماجستير وأطروحته للدكتوراه ، وربما أفاده هذا التأخير في زيارة العراق،فقد ذهب إليه ، وقد غدت معلوماته وتفكيره ، ونظراته في تاريخ العراق الحديث، أكثر نضجا وعمقا وشمولا، كما مكنته هذه الإقامة من جمع مادة غزيرة لبحوث ومقالات ومشروعات تالية، وقد أثمرت هذه العشرة الطويلة بين نوار وتاريخ العراق الحديث ثمراً جنيا، من رسائل وكتب وبحوث ، ونشر بعضها ولا يزال بعضها الآخر في طريقه إلى النشر.
حظي الأستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار باهتمام ومحبة أساتذته وفي مقدمتهم أستاذه المشرف، الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم وأستاذيه الدكتور محمد شفيق غربال، والدكتور محمد مصطفى صفوت اللذان ناقشاه في مرحلة الماجستير . وفي هذا الصدد يقول الأستاذ نوار: " كانت دراساتي تحت إشراف الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم، وكانت الاجتماعات الأسبوعية التي يعقدها لطلبة الماجستير والدكتوراه (سمنار التاريخ الحديث الشهير) ذات أهمية كبيرة في توجيه تلك الدراسات، حتى إذا ماسافر إلى ليبيا، قررنا نحن طلبة الدكتوراه والماجستير بكلية آداب عين شمس أن تستمر هذه الاجتماعات تحت إشراف أستاذنا الدكتور محمد شفيق غربال ، وعرضنا عليه هذه الرغبة ،فرحب بذلك كل الترحيب ، وكنا مندهشين من تلك المعاملة التي لم نكن في قرارة نفوسنا نتوقعها، ولكن شاء القدر أن يحرمنا في وقت مبكر من هذه الابوة الكريمة، واختطفته يد المنون ونحن في اشد الحاجة إليه.
بعد أن انتهى نوار من مناقشة رسالته للماجستير تشرف بمقابلة الدكتور محمد مصطفى صفوت مرتين تحدثا خلالهما عن خطة رسالته وقد طلب منه صفوت أن يعنى بدراسة الرحلات وبالتنافس الدولي حول خطوط المواصلات العالمية، ولكن يد المنون سرعان ماحرمته من صفوت كذلك ،فكان ذلك من الحوافز التي جعلته يتفانى في تحقيق ماأشار به عليه، واستغرقت عملية جمع المادة قرابة أربع سنوات وامتدت من سنة 1958 وحتى سنة 1962. وقد عرض على أستاذه الدكتور احمد عزت عبد الكريم الخطوط الرئيسية للأطروحة، وبدأ بكتابه فصولها وكان- من وقت لآخر- يحثه على أن يجد طريقا للسفر إلى بريطانيا والى العراق لاستكمال بحوثه وقد استطاع نوار الحصول على إجازة دراسية بفضل المعاونة الصادقة التي قدمها له رؤسائه في وزارة التعليم العالي فسافر إلى لندن في أيلول / سبتمبر 1962 بعد أن انتهى من مراجعة المصادر والمراجع المتوفرة في مصر عن العراق. وفي لندن كان يتردد على دائرة السجلات العامة Public Record Office وكان المفروض أن يقضي في بريطانيا جزءا من الإجازة الدراسية وفي العراق بقيتها ، إلا انه وجد بان الوثائق المطلوبة مراجعتها في لندن من الضخامة لدرجة أنها تحتاج إلى أكثر من عام ، ولذلك قرر أن يبقى ويصور الوثائق التي لايستطيع مراجعتها، وفعلاً عاد إلى مصر ومعه الآلاف منها ،ومن حسن الحظ أن كلية الآداب بجامعة عين شمس أسهمت في تغطية نفقات تصوير هذه الوثائق.
حاول نوار الحصول أول جريدة تصدر في العراق هي جريدة الزوراء(البغدادية ) والتي صدر عددها الأول في 15 حزيران/ يونيو 1869 ، فاتصل بالأستاذ الشيخ محمد بهجت الاثري عضو المجمع العلمي العراقي سنة 1958 إلا أنه فشل في ذلك فلم يحصل على النسخ الكاملة للجريدة فنصحه أستاذه الدكتور احمد عزت عبد الكريم بالاتصال بالدكتور زكي صالح أستاذ التاريخ الحديث في جامعة بغداد، وهو بالمناسبة أستاذي كذلك درسني في قسم الشرف مادة أصول التاريخ، واستمرت المراسلات بينهما وأخيراً، استطاعت سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بغداد الحصول على الإعداد الأولى من الجريدة وأرسلتها إليه وعندما وصلته كان قد انتهى من طبع أطروحته، ومع هذا فقد سهل لدار الكتب المصرية تصويرها وبدأ بإعداد دراسات مستقلة بالاعتماد على إعداد الزوراء ،فهي بحق من أبرز مصادر دراسة تاريخ العراق الحديث وخاصة للمدة من 1869 وحتى توقفها سنة 1917.
أحببت الأستاذ الدكتور عبد العزيز نوار، وكانت لي- وعدد من زملائي -علاقة وثيقة به خلال وجوده في بغداد والذي استغرق ، كما سبق أن قلت ، ثلاث سنوات.. ولم تكن علاقتنا تقتصر على قاعات الدرس وحسب، بل كان يحرص على مرافقتنا في كل سفراتنا ورحلاتنا الجامعية إلى إنحاء مختلفة من العراق، وانطلاقا من بغداد نحو الشمال تارة ونحو الجنوب تارة أخرى، واحتفظ بصور عديدة تجمعنا وإياه وكانت ابنته (نهى) وعمرها لم يكن يتجاوز أل (7) سنوات ترافق أباها في معظم السفرات والرحلات، وكما كان أستاذنا نوار يتحاور معنا في خصوصيات البنية الاجتماعية للعراق، كما حرص على تكوين صداقات مع الأساتذة والمؤرخين وعلماء الاجتماع والأدباء والمفكرين العراقيين، ويقينا أن ذلك كله ساعده في فهم جزئيات تاريخ العراق الحديث.
بعد أن غادر أستاذنا نوار، العراق، أخذت اهتم بمتابعة كتاباته وقد أعجبت به أيما إعجاب، بمقالاته التي راح ينشرها في مجلة الهلال (المصرية) ذائعة الصيت ويسعدني اليوم القول بأنني احتفظ بمعظمها في مكتبتي ومنها على سبيل المثال:
1. ((البابية والبهائية في القرن التاسع عشر)) ، وقد نشره ضمن عنوان رئيسي (مذاهب في العراق) في مجلة الهلال عدد أول ديسمبر / كانون الأول سنة 1965.
2. ((مصر والخليج العربي في القرن التاسع عشر)) ، وقد نشره في مجلة الهلال عدد نوفمبر_ تشرين الثاني 1964.
3. ((ثورة 1919 وأثرها في الحركات النضالية))، ومنها ثورة 1920 في العراق وقد نشره عدد ديسمبر/ كانون الأول سنة 1966.
4. (( البحرين .. تاريخ ووثائق))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد يوليو_تموز 1966.
5. ((العراق وصراع بعثات التبشير))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد مايو_أيار 1965.
6. (( ثورة 1832 في العراق))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد أول فبراير_شباط 1965.
7. ((بين العراق ومصر في القرن 19))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد أول أغسطس_ آب 1964.
8. ((التبشير البروتستانتي في العراق))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد أول يونيو_ حزيران 1965.
9. ((انهار العراق والسيطرة البريطانية في القرن 19))، وقد نشره في مجلة الهلال عدد أول يناير_كانون الثاني 1966.
10 .((طوائف غريبة :اليزيدية )) ،وقد نشره في مجلة الهلال ،عدد اول يناير –كانون الثاني 1965 .
لدي في مكتبتي الخاصة نسخة من كتاب للأستاذ الدكتور نوار(مطبوع على الرونيو) ،يتألف من (191) صفحة من القطع الكبير (عدا الملاحق (44) ملحق التي يضمها الكتاب، وقد أهداني إياها والكتاب هو بعنوان :" عوامل فعالة في الاتجاهات الفكرية والسياسية في العراق الحديث..دراسة في التعليم وفي أثره في تكوين الزعامة بين 1872_ 1908". وقد سمعت انه طبع في القاهرة سنة 1974 ولكن لم أحصل على نسخة منه ويتناول الكتاب دور التعليم في تطور العراق الفكري والثقافي حتى الانقلاب الدستوري العثماني سنة 1908.
للأستاذ الدكتور نوار مقالات عديدة في المجلة المصرية للدراسات التاريخية منها دراسته عن " آل محمد : دراسة في الزعامة العشائرية" عدد 1969 ودراسته عن " مواقف سياسية لأبي الثناء الالوسي" 1967 ودراسته عن موقف إزاء حرب القرم 1968.
من مؤلفات الأستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار، (فضلاً عن ماذكرناه أنفاً)..
1. المصالح البريطانية في انهار العراق، مكتبته الانجلو المصرية ، (القاهرة، 1968).
2. مصر والعراق :دراسة في تاريخ العلاقة بينهما ، مكتبة الانجلو المصرية ،(القاهرة، 1968).
3. التاريخ الأوربي الحديث من عصر النهضة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى ألفه مع السيد محمود محمد جمال الدين،1999 .
4. تاريخ الشعوب الإسلامية:الاتراك العثمانيون ،الفرس ، مسلموا الهند ،1973 .
5. تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية مع محمود محمد جمال الدين،دار الفكر ،القاهرة ،2000
6. وثائق تاريخ العرب الحديث، الجزء الأول، الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية ألفه مع ابنته راندا عبد العزيز نوار.
7. تاريخ أوربا والعالم الحديث
8. وثائق تاريخ العرب الحديث
9. التاريخ المعاصر: أوربا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية ألفه مع عبد المجيد نعنعي 1973
10. النهضة العربية الحديثة ألفه مع ابنته راندا
11. تاريخ مصر الاجتماعي ،دار الفكر العربي ،القاهرة،2000
12. التاريخ الأوربي الحديث من عصر النهضة إلى مؤتمر فيينا ،ألفه بالاشتراك مع الدكتور عبد الحميد البطريق ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت،1997.
13. تاريخ العرب المعاصر :مصر والعراق ،نشره سنة 1973 .
تنطلق رؤية الأستاذ الدكتور نوار التاريخية من حقيقة أن التاريخ مجري الحياة ، وان على المؤرخ إعادة تشكيل الحدث كما وقع،وان للتاريخ دور مهم في تكوين الإنسان، ولكن ينبغي أن لايكون ذلك على حساب الحقائق التاريخية.
كان الدكتور نوار مؤرخا موضوعا، صادقاً وأميناً وكان يحرص على تنويع مصادره، وعندما كان يدرسنا لم يكن نحس بان لديه أي تحيز نحو شخص أو مذهب أو توجه، وإنما كان يزن الأحداث بميزات الحياد العلمي ،والرؤية الوطنية والقومية.. وكان يمزج بين العوامل المؤثرة في سير حركة التاريخ، لايغلب عاملاً على آخر ولم يغفل التأكيد على التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جنبا إلى جنب مع التوجهات السياسية عند دراسته لأحداث العراق.. وأتذكر بأنه كان يحل عدداً من المؤرخين العراقيين المحدثين ويضعهم في مكانة متميزة منهم الأستاذ سليمان فائق، والأستاذ عباس العزاوي، والأستاذ الدكتور زكي صالح، والأستاذ عبد الرزاق الحسني، فضلاً عن اهتمامه بكتب الرحالة.. كما كان لكتب الأدب والسيرة عنده ،أهميتها في تشكيل الوقائع التاريخية وقد كنا نعجب من أسلوبه في إلقاء المحاضرات ،وارتجاله لمكنوناتها ،وقدرته على الربط بين عناصرها، وقد ساعدته هذه الطريقة في اجتذاب اهتمام طلبته الذين أحبوه وأحبهم وعندما غادر العراق، ودعناه بكل حزن وكأنه واحد منا ،وقد شاهدناه والدموع تترقرق من عينه.. توفي الاستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار يوم 27 نيسان-ابريل سنة 2002 .الأستاذ الدكتور نوار جزاك الله خيرا على ماقدمت، وجعل كل ذلك في ميزان حسناتك.. فقد كنت أستاذاً وأخا وأبا وصديقاً.. كنت مربيا حقيقيا، وإنسانا فاضلاً ،ورجلا شهما وأستاذا قديرا .ويقينا إننا تعلمنا منك الكثير والكثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق