عبد الحميد التحافي 1933- 2009 وقفة تذكر
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
ارتبطت بالأستاذ عبد الحميد عبد المجيد التحافي ،رحمه الله، برابطة الصداقة القائمة على الاحترام المتبادل وكنت دائما أشيد بمنجزاته في مجال الكتابة القصصية والصحفية .فالرجل –مع انه توقف لفترة طويلة عن الإنتاج الأدبي لظروف مادية ولانشغالاته بمتطلبات الحياة، شأنه في ذلك شأن الكثيرين من الكتاب والمثقفين ،إلا انه ظل على تواصل مع المشهد الثقافي الموصلي وكثيرا ما كنت أنا والأستاذ الصحفي الرائد احمد سامي ألجلبي، رحمه الله ،نتحدث عن التحافي وبداياته الأولى في جريدة فتى العراق الموصلية التي صدرت لأول مرة سنة 1930 .وفي يوم من أيام شهر آب 2006 جاء الرجل مكتب جريدة فتى العراق وهو يحمل مقالته التي عرض فيها كتاب الأستاذ احمد سامي الجلبي : "صفحات مطوية من تاريخ الصحافة العراقية " ليؤكد بأنه لايزال متواصلا مع الفتى وكتابها (جريدة فتى العراق 4 أيلول 2006 ) . ومن الطريف أن الأستاذ ألجلبي أصر على أن ترافق المقال صورة لزميله التحافي أيام شبابه . وفي العددالصادر في 25 ايلول من السنة ذاتها 2006 نشرت له فتى العراق قصة جديدة بعنوان : " البحث عن الصمت " .وأتذكر بأنني عرفت به في صفحة أدب ومما قلته أن عبد الحميد التحافي كاتب وقصصي رائد له رواية بعنوان : "دماء على الطريق " .كما أن من أعماله القصصية مجموعة بعنوان : " كؤوس الفجر " وهيئة تحرير جريدة فتى العراق ترحب بعودته الى صفحاتها بعد طول انقطاع " .ثم اخذ يتواصل مع الجريدة ونشر فيما بعد سلسلة مقالات بعنوان : "تأملات في قصص القران الكريم " .كما نشر في العدد الصادر من الفتى يوم 27 كانون الاول 2006 قصة بعنوان : "حبات الزيتون " .وفي العدد 146 الصادر في 12 شباط 2007 نشر قصة بعنوان : "صرخة القلق " .وفي العدد الصادر من الفتى يوم 2 نيسان 2007 نشر مقالة بعنوان : " جامعة الموصل ..أمنيات في ذكرى تأسيسها " .
ومما قاله ألجلبي أن عبد الحميد التحافي حرر عمود (صور وألوان) بالمشاركة مع محمود ألجلبي، وعبد الغفار الصائغ وسامي طه الحافظ واحمد سامي ألجلبي، وذو النون شهاب وعدنان محمد شيت وعدنان الأمام،وقد افرد سكرتير التحرير آنذاك تحرير صفحة كاملة بعنوان : "حصاد الأسبوع" ، ينشر فيها سامي طه الحافظ وعبد الحميد التحافي مواضيع أدبية واجتماعية ومن الذين نشر لهم آنذاك الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي، والأستاذ احمد فياض ألمفرجي.وخلال الخمسينات من القرن الماضي تشكلت رابطة ثقافية أطلق عليها (رابطة الفتى) ضمت كتاب جريدة فتى العراق الدائمين من الذين تفرغوا لمتابعة حركة الثقافة العراقية والعربية المعاصرة. وكان من ابرز من انتمى إلى هذه الرابطة (احمد سامي ألجلبي) و(عبد الغفار الصائغ) و(عبد الحميد اللاوند) و(احمد محمد المختار) و(عبد الحميد التحافي)، وتخصص كل واحد من هؤلاء في متابعة لون من ألوان الثقافة ، فالحلبي والصائغ تخصصا بمتابعة المقالات التي ترد إلى الجريدة وتحديد مدى صلاحيتها للنشر في حين تخصص اللاوند والتحافي بقراءة القصص القصيرة، وقد استمرت الرابطة في عملها حتى توقفت الجريدة عن الصدور أواخر الستينات من القرن الماضي.
وفي النصف الأول من مرحلة خمسينات القرن الماضي يقول احمد سامي ألجلبي في مقالته عن"إسهامات المرأة الموصلية في الكتابة الصحفية حتى 1968 ": أن أبرز كاتبات تلك المرحلة ( الآنسة بشرى محمد نذير ألغلامي ) التي كانت تنشر بتوقيع مستعار هو ( الآنسة عـوالي ) لأن عائلتها المحافظة لم تكن تسمح لها حينذاك بالنشر باسمها الصريح ..
كانت عوالي وهي ( بشرى ألغلامي) كاتبة مقتدرة أسهمت في كثير من المعالجات الأدبية والدينية والاجتماعية ونشرت العديد من المقالات من بينها : فضل الإسلام على المرأة ، العيــد ، جمـال الروح خالد ، ماذا تريد المرأة ، المرأة بين الوظيفة والزواج ، المرأة الصالحة ، مفتاح سعادة الأسرة ، فسحة الأمل ، سلطان العقل ، الأم عماد المجتمع ، مفهوم الحرية عندنا وعندهم ، المرأة والتحرر ، سـر الحياة ، همسة في الليل ، أمنيتي في الحياة.
وكان لكتابات ( الآنسة عوالي ) صدى كبير في الأوساط الأدبية إذ تميزت بنفسها الطويل واطلاعها الواسع في التاريخ والدين .. تقول ( عوالي ) في كلمتها ( سلطان العقول ) المنشورة في فتى العراق بتاريخ 4/6/1956 تقول : ( ما أعذب ما تصبو إليه نفوس الظامئين من الناس لارتشاف مناهل العلم والعرفان ، وما أشهى ما تهفوا إليه أفئدة المتعطشين للارتواء من مناهل الحضارة والعمران .. هكذا يحلو لكل امريء في الوجود أن يحقق أمانيه ويسعى لنيل الآمال السابحة في بحور أفكاره المتشوقة ..
وتقول في كلمة أخرى نشرت لها في فتى العراق بتاريخ 4/10/1956 (( خلق الله لنا عقولاً تهدينا بنورها في مسالك العيش فنميز بها الخير عن الشر ونتجنب بواسطتها موارد التهلكة فهي أشبه بقارب النجاة يرسو بنا على شواطيء السلام فنبلغ مأمننا آمنين مطمئنين ولا يخيب كل من تبصر في الأمور قبل الولوج في مشاكلها ))
كما مارست ( عوالي ) الشعر ونشرت لها فتى العراق أكثر من قصيدة منها (سحر الربيع ) التي جاء في مطلعها :
غردي يا طير في دنيـا الأماني الزاهـرة
وانشدي لحنـك يسري في الروابي الناضرة
وابسمي يا دنيا .. فالعيـش طيـوف عابرة
تولت (عوالي) تحرير ركن ( اسألوني ) في صحيفة الأسرة كما تصدت للرد على الدعوات التي كانت تراها مضللة لمجتمعنا وتقاليدنا فكانت كلماتها موضع تقدير القراء .. وقد نشرت الجريدة في حينه نص رسالة تحمل تواقيع العديد من ( الشباب المسلم في الموصل ) يؤيد فيها مرسلوها ما تنشره الآنسة عوالي من مقالات وكلمات دينية واجتماعية هادفة ويطالبون نشر المزيد من تلك الكلمات ..
ويقول الاستاذ احمد سامي الجلبي انه أراد في حينه أن تخرج كتابات الآنسـة عوالي من قيودها وتنطلـق من ( قمقمها ) فاتفق مع الكاتب الأستاذ عبد الحميد التحافي للرد عليها بتوقيع فتاة واختار هو لنفسه توقيع (أمل الرافدي ) وبدأ ينشر بهذا التوقيع المستعار مقالات يدعو لانطلاق المرأة وتحررها وينتقد بعض كتابات عوالي التي انبرت هي من جانبها بالرد على أمل الرافدي ومهاجمة دعوتها التحررية .. وكانت هناك معركة أدبية عنيفة انجر إليها قراء الفتى أيضاً فانقسموا إلى مؤيد لعوالى .. أو مندفع لأمل الرافدي .. ولم تنته المعركة إلا بعد أن أعلنت الجريدة التوقف عن نشر أية كلمة بصدد الصراع القائم ، كما نشر الجلبي مقالاً بعنوان (التحرر بين مفهومين) وفق فيه بين ما ذهبت إليه الكاتبتان .
على أن عوالي لم تبق في ميدان الصحافة الموصلية فقد هاجرت إلى بغداد مع أسرتها وأكملت تعليمها العالي هناك . والتحقت بسلك التعليم .. ثم غمرتها الحياة الوظيفية والعائلية .. فلم تعد تكتب إلا اليسير جداً وفي فترات متباعدة في صحف العاصمة .
كانت عوالي وهي ( بشرى ألغلامي) كاتبة مقتدرة أسهمت في كثير من المعالجات الأدبية والدينية والاجتماعية ونشرت العديد من المقالات من بينها : فضل الإسلام على المرأة ، العيــد ، جمـال الروح خالد ، ماذا تريد المرأة ، المرأة بين الوظيفة والزواج ، المرأة الصالحة ، مفتاح سعادة الأسرة ، فسحة الأمل ، سلطان العقل ، الأم عماد المجتمع ، مفهوم الحرية عندنا وعندهم ، المرأة والتحرر ، سـر الحياة ، همسة في الليل ، أمنيتي في الحياة.
وكان لكتابات ( الآنسة عوالي ) صدى كبير في الأوساط الأدبية إذ تميزت بنفسها الطويل واطلاعها الواسع في التاريخ والدين .. تقول ( عوالي ) في كلمتها ( سلطان العقول ) المنشورة في فتى العراق بتاريخ 4/6/1956 تقول : ( ما أعذب ما تصبو إليه نفوس الظامئين من الناس لارتشاف مناهل العلم والعرفان ، وما أشهى ما تهفوا إليه أفئدة المتعطشين للارتواء من مناهل الحضارة والعمران .. هكذا يحلو لكل امريء في الوجود أن يحقق أمانيه ويسعى لنيل الآمال السابحة في بحور أفكاره المتشوقة ..
وتقول في كلمة أخرى نشرت لها في فتى العراق بتاريخ 4/10/1956 (( خلق الله لنا عقولاً تهدينا بنورها في مسالك العيش فنميز بها الخير عن الشر ونتجنب بواسطتها موارد التهلكة فهي أشبه بقارب النجاة يرسو بنا على شواطيء السلام فنبلغ مأمننا آمنين مطمئنين ولا يخيب كل من تبصر في الأمور قبل الولوج في مشاكلها ))
كما مارست ( عوالي ) الشعر ونشرت لها فتى العراق أكثر من قصيدة منها (سحر الربيع ) التي جاء في مطلعها :
غردي يا طير في دنيـا الأماني الزاهـرة
وانشدي لحنـك يسري في الروابي الناضرة
وابسمي يا دنيا .. فالعيـش طيـوف عابرة
تولت (عوالي) تحرير ركن ( اسألوني ) في صحيفة الأسرة كما تصدت للرد على الدعوات التي كانت تراها مضللة لمجتمعنا وتقاليدنا فكانت كلماتها موضع تقدير القراء .. وقد نشرت الجريدة في حينه نص رسالة تحمل تواقيع العديد من ( الشباب المسلم في الموصل ) يؤيد فيها مرسلوها ما تنشره الآنسة عوالي من مقالات وكلمات دينية واجتماعية هادفة ويطالبون نشر المزيد من تلك الكلمات ..
ويقول الاستاذ احمد سامي الجلبي انه أراد في حينه أن تخرج كتابات الآنسـة عوالي من قيودها وتنطلـق من ( قمقمها ) فاتفق مع الكاتب الأستاذ عبد الحميد التحافي للرد عليها بتوقيع فتاة واختار هو لنفسه توقيع (أمل الرافدي ) وبدأ ينشر بهذا التوقيع المستعار مقالات يدعو لانطلاق المرأة وتحررها وينتقد بعض كتابات عوالي التي انبرت هي من جانبها بالرد على أمل الرافدي ومهاجمة دعوتها التحررية .. وكانت هناك معركة أدبية عنيفة انجر إليها قراء الفتى أيضاً فانقسموا إلى مؤيد لعوالى .. أو مندفع لأمل الرافدي .. ولم تنته المعركة إلا بعد أن أعلنت الجريدة التوقف عن نشر أية كلمة بصدد الصراع القائم ، كما نشر الجلبي مقالاً بعنوان (التحرر بين مفهومين) وفق فيه بين ما ذهبت إليه الكاتبتان .
على أن عوالي لم تبق في ميدان الصحافة الموصلية فقد هاجرت إلى بغداد مع أسرتها وأكملت تعليمها العالي هناك . والتحقت بسلك التعليم .. ثم غمرتها الحياة الوظيفية والعائلية .. فلم تعد تكتب إلا اليسير جداً وفي فترات متباعدة في صحف العاصمة .
ولد عبد الحميد التحافي في مدينة الموصل سنة 1932 وأكمل دراساته الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها ثم دخل كلية الآداب بجامعة بغداد لكنه ترك الدراسة لأسباب مادية والتحق بالوظيفة الحكومية وبعدها دخل معهد المحاسبة في الموصل وتخرج فيه سنة 1966 وقد أفادته دراسته في المعهد فأصبح محاسبا في جامعة الموصل فرئيسا للمحاسبين وخلال عمله في الجامعة التحق بكلية الإدارة والاقتصاد ونال شهادة البكالوريوس وقد اختير ليكون سكرتيرا لمجلة الجامعة التي أصدرتها جامعة الموصل وكانت مجلة ثقافية عامة سنة 1970 . أما آخر وظيفة شغلها فهي :" مدير تدقيق في رئاسة جامعة الموصل" ، وظل كذلك حتى أحيل على التقاعد واتجه للعمل الحر .تحدث عن عمله في جامعة الموصل عبر مقالته : " جامعة الموصل ..أمنيات في ذكرى تأسيسها " " " فقال : " انني كنت موظفا في وزارة المالية ...وكانت دائرة نائب رئيس جامعة بغداد في الموصل سنة 1964 بحاجة الى عدد غير قليل من موظفي وزارة المالية للعمل في اقسامها المالية والحسابية مما حفزني الى طلب الانتقال اليها ...وقد نسبت لفتح وحدة حسابية في كلية العلوم وقد عملت فيها كمسؤول الادارة المالية والحسابية لحين تأسيس جامعة الموصل في 1 نيسان 1967 وفي سنة 1972 تم نقلي الى معاون مدير حسابات الجامعة ثم الى مدير الميزانية والملاكات في الجامعة وقد اشغلت بعد ذلك عدة مواقع في الادارة المالية للجامعة ...". كان عضواً في جمعية المؤلفين والكتاب العراقيين منذ عام 1963 ثم أصبح عضواً في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق .
تحدث الأستاذ عبد الحميد التحافي عندما كان طالبا في معهد المحاسبة بالموصل سنة 1965 للأستاذ معن عبد القادر ال زكريا عن بداياته الأدبية الأولى، ونشرت المقابلة في مجلة " المحاسب " التي أصدرها معهد المحاسبة ( العدد الأول 1965 ) فقال : "أما الكتابة في الصحف فقد مارستها منذ سنة 1948 وأول قصة نشرتها ولازلت اعتز بها رغم (تفاهتها !)فهي قصة (شقاء امرأة ) نشرتها في مجلة الخواطر (البغدادية ) ..ثم نشرت في بداية عهدي بالكتابة بعض المقالات في الصفحة الأدبية لجريدة (صوت الكرخ ) البغدادية .ثم في جريدة (النضال ) الموصلية وفي جرائد" فتى العراق" و"فتى العرب "و"اللواء" و"اليقظة " البغدادية وفي جرائد ومجلات كثيرة لا اذكرها ..بالإضافة الى نشري في مجلات عربية منها مجلة" الدنيا" و"الآداب"و"الأديب" البيروتية " .وعن هواياته قال أنها تربية الأزهار والعناية بها ورعايتها .
درس الأستاذ الدكتور عمر الطالب جانبا من نتاج التحافي وضمن موسوعته : " موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين " ، فقال أن القاص عبد الحميد التحافي أصدر مجموعته القصصية الأولى : (الدم ومعركة المصير) عام 1963، ونشر قصصه ومقالاته في الصحف والمجلات الموصلية والعراقية.
وفي سنة 1975 اصدر مجموعته الثانية (حصاد الصمت) عام 1975 واستمر في نشر القصص والمقالات وله مجموعة قصصية مخطوطة بعنوان:(كؤوس الفجر) ورواية مخطوطة بعنوان (الأفق الجريح).
لقد رسم التحافي في مجموعته القصصية الأولى(الدم ومعركة المصير ) ، صورة سوداء من حياة مدينة الموصل ، ففيها تتداعى ذكريات طفلة لاجئة في ذهن فدائي وهو يتدرب على القتال من اجل استرجاع الأرض المغتصبة في قصة (في طريق العودة) . وفي قصة (جشع) نجد طالباً بحاجة إلى نقود ولم يرسلها له والده، ويقضي ليلته مع بغي ويدفع لها آخر نقد معه وحينما يضمه الزقاق المقفر. يشعر بالندم. وحارس ليلي يستل ورقة من جيب سكير أشعل له سكارته ظناً منه أنها ورقة نقدية فإذا بها مجرد ورقة خالية في قصة (رقصة الاشباح). وفي قصة (الثمن) يفكر بالزواج من جارتهم (وداد) غير أن أمه تخبره بأنها خطبت. ويسهر في قصة (الرسالة الممزقة) ليكتب رسالة إلى الفتاة التي يحب ويكتشف بأنها مرتبطة بعلاقة حب مع صديقه، فيمزق الرسالة ويرميها في سلة المهملات. وفي قصة (أخي) ينتظر قلقاً (إجراء عملية جراحية لأخيه، ويفرح لنجاحها إلا انه يحزن لموت والد صديقه).
وفي قصة الدم ومعركة المصير يحدثنا البطل عن شعور العراقيين أبان العدوان الثلاثي على مصرسنة 1956 ، ومشاركة الشباب وطلاب المدارس في المظاهرات الشعبية التي قامت في العراق احتجاجاً على العدوان وعلى موقف الحكومة العراقية السلبي آنذاك. وتصور لنا كيف راحت الشرطة تتلقط المتظاهرين وتزجهم في السجون وهي تشبه في أحداثها أقصوصة عبد الله نيازي (29 تشرين الثاني 1956)."هي معركتنا ياهشام. معركة المصير فهناك في بور سعيد حيث الشعب العربي يسترخص دماءه من اجل الحرية ويقاتل الاستعمار هنا نجود بدمائنا ونكافح أعوان الاستعمار وينزف الدم العربي في كل مكان من اجل الحرية نفسها حرية الشعب العربي وكرامته".
وفي قصتي : (المدينة تودع الرجال)، و(مات مع الفجر) تصوير مبالغ فيه للأحداث الدامية التي أعقبت فشل حركة الشواف في الموصل آذار 1959 .وفي القصة الثانية تقاد (فائزة) إلى السجن للتحقيق معها ولاتفيد توسلاتها بأن يدعوها تذهب لطفلها المريض .وبعد أيام يفرج عنها لعدم ثبوت تهمة تدينها فتجد أن طفلها المريض قد فارق الحياة. وفي القصة الأولى يقود المسلحون الأخ الأصغر للبطل إلى (الدملماجة) حيث يرمى بالرصاص متحملاً وزر أخيه. وفي سرد متكلف وتجربة شعورية فجّة يصور لنا أحاسيس شاب عند سماعه نبأ ثورة تموز1958 في أقصوصة (آثار القيود). وتجد التكلف نفسه في قصة (في طريق العودة) التي تصف لنا شعور شاب في ساحة الرمي يتدرب على السلاح على الرغم من انه يكره استعماله ويمقت العنف ولكنه ما أن يتذكر ماسأة فلسطين حتى يقبل على السلاح .ويعرض الكاتب صوراً غير مكتملة بأسلوب غير متقن لبعض المشكلات الاجتماعية مشكلة المهر المرتفع ومشكلة الأطفال المشردين في (أريد أن آكل) ونزوات الشباب في (جشع).
أما مجموعته الثانية (حصاد الصمت) 1975 ، فضمت اثني عشرة قصة. والمؤلف معني بالإنسان، يتناوله عبر صور متعددة يلتقطها من محيطه ومجتمعه، فيتناول حياة معلم يحس بالحرمان والفشل في القرية الصغيرة التي يعمل فيها، بعد أن فضلت الفتاة التي أحبها عليه رجلاً غنياً : "أنا هنا وحدي مع الصمت والظلام يلفني الليل بجدار كثيف من الوحشة والرعب. انظر بين حين وآخر إلى عقارب الساعة التي كانت تلهث ببلادة.. انه شعور مبهم يجثم على صدري منذ ساعات يخنق أنفاسي أحس به يشدني بإصرار إلى حقيقتني.. يزيدني التصاقاً بقدري انه الضياع الذي ماانفك يعصر أفكاري" . في قصة (ليل بلا خمر) وبعد تأمل متأزم يجد في التصوف خروجاً من مأزقه، ويعرض بأسى عميق مشاعر أب يموت طفله ويودعه التراب (حفنة تراب) والعلاقة بين طبيب ومرض الكوليرا في قصة (القيء الأسود) ويحس مبعد سياسي بالغربة في بلدة لايحس بالانتماء إليها .في قصة (الرماد المهجور) ويسعى للزواج من فتاة أحبها حينما يكتشف أنها متزوجة.. في (الرفض) يعالج في (عيون الليل) كفاح العمال من اجل الاستمرار على البقاء في الحياة. ويستبطن مشاعر القلق والخوف والكآبة عند العامل (عبود) وهو يتلقى أوامر البنّاء التي تسحقه بقوة وتذكره بأنه عبد لايستحق غير الاهانة والاضطهاد، ويمضي المؤلف في وصف حمل عبود للحجر ليناولها للبناء الذي لايكف عن سوطه بعبارة (وينك، جيب حجر) انه سيزيف حامل الصخرة ، وينهي المؤلف قصته الجيدة هذه نهاية توفيقية حينما يمرض ابن عبود ويأخذه إلى الطبيب الذي يعطيه الدواء مجاناً.وعندما انعقد في الموصل مهرجان أبي تمام في كانون الأول 1971 انبرى التحافي فكتب قصة بعنوان: ( من حياة أبي تمام)).
وتحتل القصة السياسية مكاناً بارزاً في هذه المجموعة مثلما حدثً في المجموعة آنفة الذكر نواجه شخصيات فدائية كثيرة عبر قصصه. فدائي يزرع الألغام في مكان يؤمه الصهاينة (أصابع الليل)، وجندي جريح يهرب من المستشفى ويلتحق بالجبهة وهو يردد: لن أموت هنا بل سأموت هناك في ارض المعركة. في قصة (خيوط الدم) ويثأر فدائي لأبيه في (رائحة التراب). فدائي جريح يستعجل شفاءه ليعود إلى زراعة الألغام في (حصاد الصمت).
نجح التحافي في وصف المجتمع المليء بالهموم والتناقضات والخوف وبّين لنا أن الخوف هو الدافع المحرك الخفي الذي تمارسه النفس البشرية في تفاعلها مع المحيط الخارجي من جراء خوفها من الفشل والإحباط والقوى القسرية المتسلطة عليها. وتشيع اللمسات الإنسانية في قصصه: "لم اعد اعلم ماحدث بعد ذلك سوى أن أبي لم اعد أراه ولم يشاركني طعام العشاء كعادته وتساءلت فقد كان سؤالي يضيع هو الآخر كما ضاع أبي".
أما الدكتور فيصل القصيري فقد كرس دراسة قدمها إلى مركز دراسات الموصل لتناول موضوع : "سيرة الإنسان..سيرة المكان
الموصل في قصص عبد الحميد التحافي" . ومما قاله الدكتور ألقصيري أن المجموعة القصصية للتحافي : "حصاد الصمت " تعنى في احد جوانبها بسيرة الإنسان –الكاتب .وتمثل تجربته الإنسانية في الحب ،والكراهية، والقبول،والرفض، والصمت، والصراخ ،والفرح، والحزن .ويضيف أن قصص التحافي تتفاعل فيها سيرتان هما : سيرة الكاتب نفسه ..طفولته ،أسرته ، دراسته ، ذكرياته وسيرة المكان يوصفه مسرح التجربة وأحد مكوناتها .
الموصل في قصص عبد الحميد التحافي" . ومما قاله الدكتور ألقصيري أن المجموعة القصصية للتحافي : "حصاد الصمت " تعنى في احد جوانبها بسيرة الإنسان –الكاتب .وتمثل تجربته الإنسانية في الحب ،والكراهية، والقبول،والرفض، والصمت، والصراخ ،والفرح، والحزن .ويضيف أن قصص التحافي تتفاعل فيها سيرتان هما : سيرة الكاتب نفسه ..طفولته ،أسرته ، دراسته ، ذكرياته وسيرة المكان يوصفه مسرح التجربة وأحد مكوناتها .
لقد درس الدكتور ألقصيري التداخل الحاصل بين سيرة الإنسان وسيرة المكان في قصة التحافي الموسومة : " مدينتي تنزف الصمت " على نحو يجعل من السيرتين مكونا فنيا واحدا .وقد توصل إلى نتائج مهمة منها :
*الأماكن كلها ذات صفة وقائعية : مدينتي =الموصل ،البيت ،الزقاق ،الكب ،الإعدادية الشرقية ،المكتبة العامة المركزية ،حديقة الشهداء ،نهر دجلة ،المتصرفية .ولاوجود الى أي مكان متخيل .
*المؤلف يتماهى مع الراوي ،والشخصية بحيث يندمج الجميع في مسار سردي واحد ،بمعنى أن سيرة الإنسان تساوي سيرة المؤلف وسيرة المكان على انه مكان وقائعي .
*إن المكان ألمديني: (الموصل ) سجل حضوريا لافتا في قصص التحافي انه يسرد سيرته كاملة وهنا يمكن القول وبكل صدق أن التحافي من خلال سرد تجربته الشخصية قدم لنا رؤى وصورا حافلة بالحركة والحيوية مما أعطى منجزه الإبداعي نكهة ،وخصوصية، وصدق ، وحرارة .
لعبد الحميد مقالات عديدة في صحف ومجلات موصلية وعراقية ومنها مثلا جريدة فتى العراق ومجلة الجامعة ولقد اطلعت على الكثير منها لكن الوقت لايسمح لي بالعودة اليها ولابد من ان يتصدى لذلك احد تلامذتنا فيختار التحافي موضوعا لرسالة جامعية فالرجل يستحق الاهتمام واضافاته لحركة الثقافة العراقية المعاصرة كثيرة .ختاما أقول أنني للأسف الشديد لاأعرف متى توفي صديقي الأستاذ عبد الحميد التحافي بالضبط لكنني اعرف انه توفي –رحمه الله - أواخر سنة 2009 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق