مع الاستاذ ساطع الحصري في حوار تاريخي سنة 1964
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
الاستاذ ساطع الحصري مرب ، ومفكر عربي قومي ، له دوره في صياغة التعليم الحديث في العراق وسوريا ومصر توفي سنة 1968 ببغداد ، وهو بالاصل سوري من مدينة حلب ويقال ان اصل اسرته من اليمن لكن جنسيته عراقية عمل مديرا للمعارف (للتربية) العام ببغداد في العشرينات من القرن الماضي ، وهو صاحب القراءة الخلدونية ، ولديه مؤلفات في الفكر القومي والقومية العربية ، وعن معركة ميسلون 1920 وعن العلاقات بين الدولة العثمانية والبلاد العربية .كما ان له مذكرات ممتعة من جزئين .
العدد الخاص من مجلة (المصور) القاهرية 1964 وجدتُ له حوارا جميلا ومهما وهو الان امامي وقد اجرى الحوار معه الاستاذ ماجد عطية الذي قال ان ساطع الحصري شيخ المؤرخين العرب اكثر من مؤرخ انه الرجل الذي عاش الاحداث بنفسه كان وزيرا للمعارف في سوريا ايام المملكة السورية المتحدة يوم كان فيصل بن الحسين ملكا قال ساطع الحصري ان القومية العربية حقيقة ماثلة وان الوحدة العربية عندما توهب فرصة الوجود ستكون حقيقة ايضا .وكاتب هذه السطور كتب عن فكر ساطع الحصري العربي القومي في كتابه (تاريخ الفكر القومي العربي) وصدر سنة 2000 عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد .
كان ساطع الحصري سنة 1964 يعيش في احد فنادق القاهرة منذ سنوات طويلة .كان يعتبر جمال عبد الناصر احد ابرز قادة العمل العربي القومي ..كان عمره 85 سنة عندما قابله الصحفي ماجد عطية وكتبللصجفي عبارات تقول :"اننا ثرنا على الانكليز ،ثرنا على الفرنسيين ،ثرنا على الذين استولوا على بلادنا وحاولوا استعبادنا .كررنا الثورات الحمراء عدة مرات ،وواصلنا الثورات البيضاء عدة عقود من السنين ..وقاسينا في هذا السبيل الوانا من العذاب وتكبدنا انواعا من الخسائر وضحينا كثيرا من الارواح ..لكنا عندما تحررنا من نير هؤلاء اخذنا نقدس الحدود التي كانوا اقاموها في بلادنا بعد ان قطعوا اوصالها ..ونسينا ان تلك الحدود انما كانت حدود ..الحبس الانفرادي و..الاقامة الجبرية التي كانوا قد فرضوها علينا ..." .
وتحدث عن تجربته مع المؤتمر السوري العام والمؤتمر العراقي العام 1920 بدمشق وقال " كان العراقيون والسوريون قد اتفقوا على اقامة اتحاد سياسي واقتصادي وصمموا علم الوحدة وبه مثلث احمر يضم نجمة بيضاء تصبح نجمتان بعد انضمام العراق كان هذا سنة 1920 .
وعن الثورة العربية الكبرى 1916 قال :"كانت ثورة عربية حقيقة بدأت من مكة المكرمة ولكنها شملت جمبع العرب مسلمين ومسيحيين " الانكليز والفرنسيين تآمروا عليها وحطموها . كانت اول وزارة عربية في الحجاز تضم وزراء من اقطار عربية رئيس المجلس حجازيا ونائبه سوريا ووزير الدفاع عراقي ووزير العدل لبناني ووزير المالية فلسطيني ووزير التربية سوري و" لم يكن واحدمنا يسأل عن جنسية أحد ..كنا نعمل جميعا بروح عربية" . وقال عندما استشهد يوسف العظمة في معركة ميسلون ضد الفرنسيين سنة 1920 قال اني اترك ليلى وهي ابنته امانة في عنقك وليلى ابنته الوحيدة وقد عاشت عندي بعد ذلك وفي العراق عملت مع الملكفيصل الاول وعمدت الى " تخطيط منهج جديد للتعليم بغرس في الجيل الجديد مفهوم القومية والوحدة .. والتقيت ببغداد بالاستاذ احمد حسن الزيات صاحب مجلة (الرسالة) المصرية وكان يدرس في دار المعلمين العالية -كلية التربية المؤسسة سنة 1923 .
وعن موقفه من الدين قال التاريخ يؤسس لرابطة مشتركة بين العرب والاديان لم تستطع ان تمزج بين الاقوام مزجا حقيقيا الا في نطاق محدود ولفترة محدودة ايضا في اوربا المسيحية لم توحد بين الدول والمسلمين لم يتحدوا بل اختصموا ايضا وتحاربوا بل ان الاديان نفسها تفرقت الى مذاهب لكننا يجب ان لانتجاهل دور الدين في توحيد اللغات كما فعل الاسلام بالنسبة للغة العربية " .
وراح يتحدث عن معاركه الفكرية مع سلامة موسى وطه حسين واحمد لطفي السيد وامينالخولي وكل ذلك بسبب دعواتهم الى الفرعونية وثقافة البجر المتوسط وفكرة المصرية الخالصة وقال اشعر ان مصر لابد ان تلعب دورا كبيرا في لم شمل العرب وكتبت مقالا في جريدة (البلاد ) البغدادية سنة 1936 قلت فيه ان مصر تقع في مركز البلاد العربية بين القسمين الاسيوي والافريقي وفيها اكبر كتلة بشرية وعاد ليقول انه عندما وضع منهجا قوميا في العراق للتربية والتعليم تدخل الانكليز "واخرجوني منمنصبي مديرا عاما للمعارف ولكنهم لم يستطيعوا وقفي عن الدعوة في الصحف والاندية والقاء المحاضرات " . وبعد فشل ثورة مايس -ايار 1941 بقيادة العقداء الاربعة ورشيد عالي الكيلاني "اخرجني الانكليز مرة اخرى وطردوني من العراق واصدر الامير عبد الاله الوصي على العرش امرا بحرماني من الجنسية العراقيةفذهبت الى سوريا ...ثم نزحت الىالقاهرة حيث عملت بالتدريس في معهد التربية بالمنيرة لمدة ثلاث سنوات ثم دعوت الى انشاء معهد الدراسات العربية العالية تحت رعاية جامعةالدولالعربية للتعريق بالبلاد العربية وتدريس القومية العربية وعينت بالتدريس بهذا المعهد " .وطبعا كان عميدا لهذا المعهد طيلة اربع سنوات .
واخيرا قال ان شعوره بعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا كان شعور من كان يحلم فاستيقظ واشاد بالمد القومي الثوري الذي قاده عبد الناصر لكن الانفصال جاء فالوحدة تزعج الغرب والصهيونية وهم يعملون على وأد اي مشروع للنهوض ومع هذا كما كان يقول جمال عبد الناصر فإن الوحدة تظل ممكنة ويظل الانقسام والانفصال مستحيلا .
رحم الله ساطعا .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق