الأربعاء، 15 يناير 2020

التصميم الاساسي لمدينة الموصل ا.د. ابراهيم خليل العلاف






التصميم الاساسي لمدينة الموصل

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس  - جامعة الموصل

ومنذ تحرير الموصل وعودتها الى حضن العراق العزيز  سنة 2017 وانا اكتب عن اهمية اعمار الموصل  والاكثر من ذلك انني قدمت دراسات الى الجهات العلمية المسؤولة دعوت فيها الى  وضع تصميم اساسي جديد لمدينة الموصل مع الاخذ بنظر الاعتبار الموصل القديمة المسورة التي لابد من الحفاظ على معالمها الرئيسية .
وقبل ايام قرأت في جريدة (الصباح ) البغدادية وفي العدد الصادر في 29 من كانون الاول 2019 ان النائب الاول لمحافظ نينوى الاستاذ سيروان روزبياني كشف عن ان عددا من المهندسين واساتذة من جامعة الموصل والمعنيين شرعوا بإعادة العمل بوضع التصميم الاساسي لمدينة الموصل بحضور مدير البلدية المهندس رضوان الشهواني ومدير هيئة استثمار نينوى المهندس علي عواد صالح . وقال ان المحافظة انتهت من رسم خرائط توضح احياء ومناطق المدينة التي تم اعدادها وتصميمها وتنفيذها في مركز التحسس النائي بجامعة الموصل مبينا ان وضع التصميم الاساسي لمدينة الموصل سيسهم في استيعاب جميع المتغيرات الحضرية والسكانية الاعتيادية والمفاجئة والسيطرة على نمو المدينة وبالتالي الى اعادة التخطيط وتطوير المدينة واخذ مسار نموها وتطورها وتوزيع الفعاليات والانشطة فيها على وفق برنامج زمني يضمن النمو السليم للمدينة والقيام بوظائفها على الوجه الاكمل .
ومما قاله النائب الاول للمحافظ ان التصميم الاساسي لمدينة الموصل مخطط شامل يهدف الى توجيه نمو وتنمية المدينة عمرانيا بين 10 الى 20 سنة مقبلة ومن اجل ذلك فإنه يهدف الى تنظيم المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية والسياسية في المدينة وتوجيهها لما يضمن زيادة كفاءتها بطريقة متوازنة من اجل تطوير الموصل وازدهارها .
وحال اطلاعي على هذا الخبر المهم اتصلت بالاخ والصديق والزميل الاستاذ الدكتور حكمت صبحي الداغستاني مدير مركز التحسس النائي (مركز الاستشعار عن بعد ) في جامعة الموصل للاستفسار منه عن هذا الموضوع وطلبت منه ابداء رأيه وانا اعرف ان هناك لدينا ومن خلال وثائقنا عدة تصميمات اساسية لمدينة الموصل تعود الى سنوات الخمسينات من القرن الماضي وما بعدها نفذ الكثير منها ورأينا آثار تنفيذها على الارض كما سوف اوضح بعد قليل فقال انه تم عرض مشروع تحديث التصميم الاساس لمدينة الموصل من قبل مركز التحسس  النائي في عهد وزيرة الاشغال السابقة آن نافع وبحضور الاستاذ الدكتور مزاحم الخياط اثناء فترة اشرافه على الجهد الاعماري الحكومي وكان من نتائج هذا الاجتماع تشكيل لجنة فنية لتحديث التصميم الاساسي بموجب امر وزاري يعود الى سنة 2018 وكان الاستاذ الدكتور حكمت الداغستاني عضوا في هذه اللجنة وقام مركز التحسس النائي بتبني المبادرة واعداد الخرائط اللازمة لهذا المشروع وقدم مالديه عبر ندوة علمية كان من ابرز نتائجها وتوصياتها :
اولا : إختيار مواقع ضمن حدود بلدية الموصل لاقامة مشاريع استثمارية واعدة وبتصاميم هندسية حديثة .
ثانيا :  العمل على البدء بتنفيذ مشروع الطريق الحلقي الذي يربط موقع الجسري السادس والجسر السابع المقترحين مع كافة منافذ مدينة الموصل التسعة لتخفيف الازدحام المروري داخل  المدينة ويعتبر هذا من اهم المشاريع في التصميم الاساسي الجديد .
ثالثا : التوقف فورا عن منح تراخيص واجازات تحويل الاراضي الزراعية عن طريق جمعيات الاسكان التعاونية  الى سكنية بإعتبار ان ذلك سيكون عائقا في تنفيذ التصميم الاساسي حيث سيتم التوسع بحدود ( 7 ) كيلومترات من كافة الجهات .
رابعا : تطوير شارع الكورنيش من الجانبين الايمن والايسر وبموازاة مجرى نهر دجلة وحتى عين كبريت وباشطابيا من الجانب الايمن وحتى الرشيدية والقبة من الجانب الايسر والسعي بإتجاه اقامة مناطق خضراء ومتنزهات على الجانب الايمن .
خامسا : اعداد خرائط رقمية وتفاعلية مفسرة من المرئيات الفضائية والتي يمكن تحديثها بشكل مستمر وحسب الحاجة وتهيئة قاعدة معلومات رقمية لكافة مواقع دوائر الدولة ومؤسساتها التعليمية والصحية والخدمية على هذه الخرائط الرقمية .
سادسا : تقديم حلول ومقترحات حول المناطق المعرضة للفياضات وكذلك تحديد مناطق التلوث بواسطة مجاري الوديان وشبكات المجاري وتأثيرها على نهري دجلة والخوصر .
سابعا : الاهتمام بالمشاريع الاستثمارية ذات الطابع العمودي وخاصة في المواقع التالية :
1.معسكر الغزلاني
2.ابراج الموصل في منطقة القصور الرئاسية
3.موقع  مؤسسة الكندي ....الى اخره
والعمل على اخضاع هذه المواقع للاستثمار كما هو الحال في مدين اربيل للتخفيف من مشكلة السكن وتوفير الخدمات للمواطنين من قبل الشركات الاستثمارية .
واخير يتطلب اعادة تشكيل اللجنة الفنية مرة ثانية وذلك لتغير مدراء بعض الدوائر مثل البلدية – التخطيط العمراني – دوائر الاستثمار والاستفادة من خبرة اساتذة الجامعات .
الذي اريد ان اقوله ان مدينة الموصل شهدت وخلال ال( 100) سنة الماضية العديد من محاولات وضع تصميم اساسي واذكر على سبيل المثال مجهودات بلدية الموصل وهي بلدية عريقة يرجع تاريخ تأسيسها سنة 1869 وقد تولاها رؤساء بلديات جيدون ومخلصون اسهموا في التخطيط للموصل وعمرانها وحسب ظروف البلد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وكلنا يتذكر عمليات نقل المقابر وتبليط الطرق وشق الشوارع الجديدة وتأسيس الحدائق الحديثة وانارة المدينة وتسهيل عمليات اسالة الماء .
واذا ما رجعنا الى رسالة الماجستير التي قدمها الاخ  الاستاذ احمد عبد الغني اليوزبكي والموسومة (بلدية الموصل وخدماتها في العهد الملكي ) والتي تحولت الى كتاب نجد ان اول تصميم اساسي  عمراني للمدن العراقية وضع لمدينة الموصل كان سنة 1930 وقد هدف ذلك التصميم الذي اعتمد المخطط العثماني لشكل المدينة العمراني الى اعادة تشكيل محلات واحياء وشوارع وازقة الموصل مع الاعتماد على فتح شوارع جديدة وواسعة واقامة بناء عمراني مدني حديث لاسيما في واجهات تلك الشوارع الحديثة التي كانت تخترق المدينة القديمة من شرقها الى غربها ومن شمالها الى جنوبها وهو ما ادى انفكاك السكان عن ارثهم الحضاري والاجتماعي الذي كان يدفع عوائل واسر وعشائر وشرائح للسكن في منطقة واحدة دون الخروج عنها الى انتشار هؤلاء الى كل الاحياء الجديدة ولاسيما من قبل احياء لهم نشأت في ثلاثينات واربعينات وخمسينات القرن العشرين وهذا ما تجلى بوضوح فيما بعد في احياء الموصل الجديدة وماحولها في احياء الزهور وما حولها في سبعينات القرن الماضي .
واخيرا لابد ان اشير الى تقرير راكلان سكواير وشركاؤه والموسوم (الموصل ام الربيعين تقرير اولي في هندسة مدينة الموصل  1955 ، والذي ترجمه الاستاذ جرجيس فتح الله وطبعه عبد الباسط يونس في مطبعته مطبعة الهدف سنة 1956 وهذا التقرير كان مهما استفادت منه بلدية الموصل وخاصة فيما يتعلق بالطرق في المدينة وفتحها وتحويل طريق الموصل – بغداد من مكانه مدخل معسكر الغزلاني الى نقطة تقع جنوب باب البيض وعمل شارع دائري  Ring Road  من نقطة تبعد كيلو مترا ونصف كيلو متر تقريبا الى الجنوب من مدخل معسكر الغزلاني حيث يمر من مركز الادارة الحكومية وفي الدواسة ليتصل برأس جسر نينوى .
وهكذا وخلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي جرت محاولات لتطوير التصميم الاساسي لمدينة الموصل ونفذ الكثير مما جاء في هذه التصاميم .
في سنة 1985 اعيدت المحاولة وقامت بلدية الموصل بإعداد (خارطة تصميمية لتوسع المدينة حتى سنة 2000 ) واستقدمت شركة فرنسية الى الموصل وقامت الشركة بالدراسة ووضع التصاميم واصدرت دراسة موسعة متوفرة اليم على ما اذكر ويمكن الاستفادة منها عند اعادة البناء الا ان التقرير والخرائط والتصاميم وضعت على الرف لاستمرار الحرب .
اذا اقترح على المهندسين والمهندسين المعمايين بالذات ان يعودوا الى تلك المحاولات ويضعونها نصب اعينهم عند اقرار خطط اعادة الاعمار والبناء فالموصل الحبيبة تستحق منا الاهتمام ، فهي مدينة عريقة ومهمة وما تعرضت له الموصل خلال سيطرة عناصر داعش  عليها  خلال السنوات 2014-2017  من الدمار كان كبيرا و اظهر الحاجة الى اعادة تحديثها وتطوير بناها وفق اسس حديثة وعالمية مع اهمية الحفاظ على جوانب مهمة من الارث الحضاري في مواقع محددة ومعروفة ضمن المدينة التاريخية المسورة .

قد لايعرف كثيرون انه كان في نية المسؤولين في العراق والموصل منذ الخمسينات من القرن الماضي اعادة تصميم وبناء الموصل القديمة وكما هو معروف فإن المشاكل هي نفسها التي اعاقت تلك الخطط لاتزال قائمة ومنها عدم توفر التخصيصات وكثرة الورثة .تصوروا بيت مساحته 60 مترا ورثته 300 شخص فضلا عن ضياع الملكيات وما شاكل .المدينة التراثية القديمة من مدينة الموصل وتاريخ الموصل يعود الى 7000 سنة قبل الميلاد وهي مثل دمشق من المدن القديمة المسكونة من قبل الناس عبر العصور ابنيتها قديمة ومتهرئة ومعظمها آيلة للسقوط تصوروا في في عهد رئيس البلدية السيد عبد الله نشأت 1954-1958 يقول الاستاذ عبد الجبار محمد الجرجيس في كتابه (بلدية الموصل ) ان المسؤولين استقدموا مهندسين متخصصين من شركة (سكواير SQUARE Engineering الهندسية البريطانية المختصة بتنظيم المدة لتضع تصميما جديدا لمدينة الموصل ) والتوسعات التي يحتمل حدوثها ومسح المدينة طوبغرافيا للاستفادة من ذلك عند تبليط الطرق وفتح الشوارع الجديدة واحداث المجاري وتعيين المناطق السكنية والمناطق التجارية والصناعية وقد جاء خبراء الشركة اي شركة سكواير وبذلوا جهدوا مضنية على مدى سنتين من خلال مهندسيهم وقدمت تقريرا مطبوعا لايزال موجودا ضمنته توصياتها وخرائط ايضاحية دقيقة وقد أقر المجلس البلدي في الموصل ذلك المشروع ووافقت وزارة البلديات قبيل ثورة 14 تموز 1958 وتأسيس جمهورية العراق لكن المشروع اهمل بعد الثورة تعرفون لماذا ؟ قالوا انه تصميم استعماري ويا للمصيبة ,
في سنة 1985 اعيدت المحاولة وقامت بلدية الموصل بإعداد (خارطة تصميمية لتوسع المدينة حتى سنة 2000 ) واستقدمت شركة فرنسية الى الموصل وقامت الشركة بالدراسة ووضع التصاميم واصدرت دراسة موسعة متوفرة اليم على ما اذكر ويمكن الاستفادة منها عند اعادة البناء الا ان التقرير والخرائط والتصاميم وضعت على الرف لاستمرار الحرب .
اذا اقترح على المهندسين والمهندسين المعمايين بالذات ان يعودوا الى تلك المحاولات ويضعونها نصب اعينهم عند اقرار خطط اعادة الاعمار والبناء فالموصل الحبيبة تستحق منا الاهتمام فهي مدينة عريقة ومهمة وللاسف بسبب كل ذلك نجدها مستهدفة والله من وراء القصد ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكاتب والمترجم والاعلامي الكبير الاستاذ سامي محمد 1941-2000

                                                                   المرحوم الاستاذ سامي محمد  الكاتب والمترجم والاعلامي الكبير الاستاذ سامي ...