الجمعة، 17 أكتوبر 2014

حوار مع الضابط والوزير والملحق العسكري العراقي الاسبق فيصل شرهان العرس

فيصل شرهان العرس يخرج عن صمته في التسعين ويتحدّث لـ (الزمان)*

بغداد – صباح الخالدي
ينطوي أجراء حديث مع ضابط عسكري وصل الى رتبة عميد ركن وتقلد منصبا وزاريا وعمل ملحقا عسكريا للعراق وعاش مراحل مهمة  وانقلابات عسكرية في فترات  حرجة من التاريخ السياسي للعراق على نكهة خاصة. والمعلومات ربما لم يكشف عنها لتلك الحقب بسبب المحددات السياسية والخطوط الحمر ولكن العميد الركن المتقاعد فيصل شرهان علي العرس الزبيدي ومن خلال حوار موسع وصريح مع (الزمان) اشر فيه في عمر التسعين الكثير من المحطات في مسيرته العسكرية والسياسية التي هي جزء من الوضع العام السائد انذاك لذا فان من كان في موقع المسؤولية يحرص على الحديث عن تفاصيل حياته وأعماله بعد خروجه من السلطة او إحالته الى التقاعد أو أعتزاله  وقد يفضل البعض منهم، نشر مذكراته أو سيرته الذاتية بعد وفاته خشية تعرضه للمساءلة في ظل الأنظمة التى تضَيق الخناق على حرية الرأي والتعبير او لأحتوائها على أفكار جريئة تتخطى المحرمات الأجتماعية.فقد تحدث الزبيدي عن فترات حفلت بالثورات والانقلابات والاحداث الدموية  ويكتسب حديثه  اهمية متفردة لانه كان قائدا عسكريا عاش عن قرب تلك الاوضاع بل وشارك في صنع العديد منها مع السياسيين والعسكرين الراقين وبذلك تعد استذكار الاحداث  مع الوثائق والصور اضافة نوعية متفردة للقارئ والمتتبع وحتى الباحثين من ذوي الاختصاص  كان الزبيدي يسرد مسيرته بنظرة تحليلية فاحصة، يتم من خلالها الأحاطة الدقيقة بشخصيته  وموقعه ودوره في الأحداث التى يتحدث عنها وبالتالي مدى اطلاعه على تفاصيلها ومدى التزامه بالموضوعية والحيادية  في السرد وهى شروط قد لا تتحقق الا نادراً، ذلك لأن السيرة  ذات طابع ذاتي ومن الصعب على أي انسان ان يتجرد من أهوائه وميوله وآرائه ورؤيته للحياة خلال التطرق الى تفاصيل الأحداث، التي كان طرفاً فيها وأن وجود فترة زمنية معقولة يفصل بين تأريخ وقوع الحدث وزمن تسجيله، يسمح بتقويم الماضي بهدوء أكثر والنظر بموضوعية الى الذات وتمييز المهم عن غير المهم… بدأ مشوارنا مع العميد الركن المتقاعد فيصل شرهان علي العرس الزبيدي  من اول اختياره ليكون ضابطا في الجيش فقال:
-(كنت اقف في باب داري وقد تصادف مرور احد الضباط برتبة عسكرية كبيرة عام 1941وبهيئة عسكرية وزي جميل عندها قررت مع نفسي ان اختار الكلية العسكرية لكي اصبح ضابطا مثل ذلك الخيال الذي مر على حصانه وموكبه المهيب لذا طلبت من والدي ذلك ووافق وعند حضوري من العمارة مسقط راسي الى بغداد لم اقبل طالبا في الكلية العسكرية وكانت تسمى الثانوية العسكرية وكان في حينها رئيس اركان الجيش اسماعيل نامق وبعد اعتراض نواب مدينة العمارة عن سبب عدم قبولي وصل الامر الى وزير الدفاع عندها قبلت في الثانوية العسكرية عام 1941وكان النظام فيها عسكريا ويتسم بالضبط الشديد ويصف المدرسة كانت عبارة عن ثكنة عسكرية من بقايا الجيش البريطاني في معسكر الرشيد في بغداد) ودخلت الكلية العسكرية عام 1943وكنت متقدما على زملائي وتخرجت منها برتبة نائب ضابط تلميذ حسب نظام الكلية انذاك وكان صنفي المخابرة وبعدها دخلت الى كلية الاركان وتخرجت ضابط ركن ثم عينت ملحقا عسكريا للعراق في الباكستان).
{ كيف كانت امكانيات الجيش العراقي رغم وجود الاحتلال البريطاني؟
- (لقد كان في قمة معنوياته من الضبط العسكري والتدريب والضبط والانضباط وكان الجندي العراقي يدافع عن ارض الوطن في كل حدود العراق من شماله الى جنوبه دون اي طائفية او مناطقية او عرقية لان الجميع منخرطون في التجنيد الاجباري والذي سمي بعد ذلك الالزامي وان ارادة الحكومة الحالية اعادة بناء الجيش فان اول الخطوات هي العودة الى التجنيد الالزامي اولا لكي ينخرط في القوات المسلحة جميع ابناء الشعب دون تمييز ومن كل المكونات ويمكن كذلك الاستفادة من خبرات العسكريين من القادة والامرين المتقاعدين لغرض المشورة في اعادة تدريب وتسليح الجيش).
{ ماهي ذكرياتك عن مواقف وبطولات الجيش العراقي؟
- (شاركت في الحرب ضد العدو الصهيوني وكنت برتبة ملازم ثان وكان ضمن اللواء الاول الذي كان امره نجيب الربيعي وتحركنا الى فلسطين ومنها الى الجبهة وقد عينت ضابط مخابرة الاول وفي منطقة كفر قاسم وكانت معنويات الجيش العراقي عالية جدا رغم القتال كنت اقوم بواجبات اصلاح الخطوط الهاتفية العسكرية مع ان الرمي كان موجها الينا ولكن كنا متواصلين في العمل دون اي خوف)
{ وعن ثورة 1958وثورة عبد الكريم قاسم والانتقال من النظام المالكي الى الجمهوري؟
- قال الزبيدي (ان حركة الضباط الاحرار كانت المفصل في الانتقال من العهد الملكي الى الجمهوري وان الجيش لم يكن في معزل عن الحركات السياسية بالعراق فكان الضباط الاحرار في تتابع مستمر للتطورات والاحداث السياسية في البلاد عن كثب وان السبب الرئيس لذلك هو ان معظمهم كان من الطبقة الوسطى ذات الصلة الوثيقة بالشعب مما جعل الجيش يقف الى جانب الشعب في العديد من المناسبات ومن ابرز اسماء الضباط الاحرا ر وكيف انها توسعت الى نحو 120 ضابطاً البارزين منهم (الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد ناجي طالب والعقيد محيي الدين عبد الحميد والعقيد عبد السلام عارف والعقيد الركن عبد الوهاب الشواف وغيرهم ومن الاستذكارات عن تلك الفترة ان رئاسة اركان الجيش قررت ارسال قوات عراقية الى الاردن لتعزيز دولة الاتحاد الهاشمي واستثمار الضباط الاحرار ذلك في تفجير ثورة تموز وقد ايدت الثورة في بدايتها والتحقت كضابط ركن في الحركات العسكرية في وزارة الدفاع الاانني اعتقلت بعد فشل حركة عبد الوهاب الشواف في الموصل عام 1959بتهمة انني كنت معه وكانت ظروف الاعتقال صعبة والتحقيق معي من قبل السلطات العسكرية انذاك واطلق سراحي بعد 100 يوم من الاعتقال ثم تقرراعادتي للخدمة مجددا وعينت ملحقا عسكريا في الباكستان) .
{ هل كان لكم دور في احداث 1963ودوركم في حكومة الرئيس عبد السلام عارف؟
- (بعد 8 شباط عام 1963تم نقلي من الباكستان من منصب الملحق العسكري الى معلم اقدم في كلية الاركان وقد سادت صراعات مختلفة على السلطة بين قادة الحرس القومي من جهة وبين قادة حزب البعث الحاكم انذاك من جهة ثانية وقادة الجيش والقوات المسلحة من العناصر القومية من جهة اخرى و ان الاوضاع قد تفاقمت بشكل كان ينذر بحرب اهلية سريعة وان عبد السلام عارف اقحم الجيش ومناصريه في 18تشرين الثاني من العام نفسه لينهي حكم البعث الاول في العراق وتشكلت وزارة جديدة جلها من العناصر القومية ولاسيما الضباط الناصريين وكانت الوزارة برئاسة طاهر يحيى التكريتي ومن اهدافها تحقيق الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة عندها شاركت في تاسيس التنظيم القومي عام 1964 من عدد من الضباط كنت من ضمنهم وقد حدث الصدع ما بين عبد السلام والتنظيم القومي ومحاولات عارف نقل الضباط الناصريين الى مراكز اقل مسؤولية في الجيش والحكومة واحلال محلهم ضابطاً موالين له مما دفع الوزراء القوميين تقديم استقالتهم الى طاهر يحيى كما ان حركة عارف عبد الرزاق في ايلول من عام 1965قد فشلت وبعدها بدانا في لم شمل التنظيم القومي واعادة المعنويات وضم عناصر جديدة الى التنظيم رغم الملاحقة الامنية من الاستخبارات ورجال الامن في حينها).
{ ماهي تلك الحادثة التي رفضت فيها وساطة عبد السلام عارف وهو رئيسا للجمهورية في قبول ضابط في دورة الاركان)؟
- (طلب مني الرئيس عبد السلام عارف وحينها كنت مديرا للتدريب العسكري فقال اريد ان تقبل ضابطا اسمه عزيز في دورة الاركان فقلت له لااوافق بعدها اتصل بي وزير الدفاع وقال لماذا لم تقبله كان جوابي نحن نحتاج الى عشرين فقط وهو اي عزيز رقمه 70 فقال ولكن بامر رئيس الجمهورية قلت لايوجد قانون هكذا ونحن نطبق الشروط والضوابط التي وضعها رئيس الجمهورية وتم استدعائي امام عارف وقال لماذا لم يقبل هذا الطالب بامري فكان جوابي لدينا قانون موقع من قبلك بهذا الخصوص كيف نخالفه؟ ولانستطيع استثناء احد فقال ولكن انا رئيس جمهورية عندها قدمت له استقالتي واجبته مادام رئيس الجمهورية لايطبق القانون انا مستقيل الا ان عارف رفض وقال من اين اجد شخصا مثلك يرفض مخالفة القوانين والضوابط ىحتى بطلب وامر من رئيس الجمهورية).
{ ماهي ذكرياتك من خلال تسنم منصب وزير الدولة لشؤون الوحدة العربية في حكومة طاهر يحيى؟
- (اتصل بى رئيس الوزراء طاهر يحيى وطلب زيارته وفي بادئ الامر استغربت من الطلب وذهبت اليه وقال اريدك وزيرا معي وكان جوابي لماذا انا بالذات فقال سمعتك طيبة ومن عائلة كريمة واصيلة ووافقت تسلم المنصب للتنسيق بصدد الوحدة بين العراق ومصر وامين سر القيادة السياسية بين البلدين وكانت لي جولات الى فرنسا ومصر لبحث العلاقات المشتركة مع تلك الدول والمشاركة في بحث العلاقات مع تركيا وبعد 17 تموز من عام 1968 تم احالتي الى التقاعد وتركت المنصب وتوجهت نحو العمل الحر وفتح مكتب تجاري والمشاركة في عدد من المناقصات لمشاريع طرق وجسور وفي عام 1971 تم اعتقالي في قصر النهاية تعرضت الي اساليب التعذيب هناك رغم كل تلك الاساليب والتعذيب الجسدي والنفسي لم يثبت شيئا ضدي واطلق سراحي بعد عدة اشهر في الاعتقال وكانت التهمة كوني قومياً عربياً فقط وقد كان طه ياسين رمضان وناظم كزار من الذين اشرفوا على تعذيبي من اجل انتزاع اعترفات اصلا غير موجودة).
{ هل عرضت عليك رشا وانت في موقع وزير في الدولة العراقية انذاك؟
- وبعد ان ابتسم وهو يتذكر تلك المواقف مقارنة بما هو الان من فساد اداري ومالي فقال (عام 1967 كنت في سفرة الى لبنان زارني تاجر مواد احتياطية مستعملة ومكائن ومعدات وكنت حينها بمنصب مدير التدريب العسكري فطلب مني ان اوافق على ان يستورد مواد ويدخلها الى العراق مقابل صك مفتوح اضع عليه اي مبلغ ومنها اكثر من مليون دينار الا انني طردته شر طردة لان اي شيء مخالف للقانون لايمكن ان نتبعه كيف وانا رجل عسكري والحادثة الاخرى عندما كنت وزيرا جاء عندي ممثل شركة بولونية لكي اسهل له امر استثمار كبريت المشراق وعندها كانت شركات امريكية كانت قد قدمت عروضا لذلك وعرض ممثل البولندي الرشا من اجل ان يكون هو الفائز بعرض الاستثمار الاانني انبته وطردته حقيقة انني استغرب الان من تناقل الاخبار عن صفقات مالية ومرتشين ومن كبار المسؤولين هذه تعد كارثة في تخريب اقتصاد البلد وفي حادثة اخرى كان الجيش العراقي بحاجة الى خيم من الباكستان وكنت ملحقا عسكريا هناك وكانت شركة متخصصة ارادت التلاعب ببنود العقد للتجهيز وفق مواصفات غير متفق عليها فقد قررت الغاء العقد وحتى مع الشركة التي تم الاتفاق معها طلبت نصب الخيم والتاكد من صلاحيتها قبل شحنها الى العراق).
{ الان الحكومة الجديدة تشكلت برئاسة حيدر العبادي ولكن موضوع تعيين وزيري الدفاع والداخلية وهما وزاراتان مهمتان كيف ترى الاختيار كونكم من القادة العسكريين المخضرمين؟
- اود ان اهنئ السيد حيدر العبادي على تشكيل الحكومة وارى وكوني عسكريا سابقا ان يكون اختيار وزير الدفاع ضابط ركن اولا ومن العناصر المهنية الكفوءة الوطنية المستقلة المخلصة لوطنه وهناك العديد من ضباط الجيش المتقاعدين من الجيش السابق بالامكان الاستفادة من خبرتهم حتى من خلال الاستشارة حتى القبول في الكلية العسكرية يجب ان تبتعد عن الطائفية والمناطقية لان الجيش هو لحماية العراقيين دون استثناء الان عندما غزت تنظيمات داعش مدناً عراقية فانها هددت امن العراق لذا لابد ان يتعاون الجميع لطرد هؤلاء الغزاة وبعدها بناء جيش مهني من خلال تطبيق قانون الخدمة الالزامية ليعود الجيش العراقي الى دوره الذي كان على المستويين العربي والاقليمي سطر صفحات مشرقة شهد له الاعداء قبل الاصدقاء).
عندها ودعنا العميد الركن المتقاعد فيصل شرهان العرس الزبيدي وقد حملنا وولداه العميد المتقاعد غازي والضابط رائد الحب والمودة الى اسرة جريدة (الزمان) وفي مقدمتها رئيس مجموعة الاعلام المستقل الاستاذ سعد البزاز والكتور احمد عبد المجيد رئيس تحرير طبعة العراق مؤكدا انه سيظل يرفد صفحات الجريدة بمقالات ثقافية وعسكرية وسياسية مستقبلا بقي ان نقول أن (العرس يمثل في سيرته العسكرية والسياسية واحدا من اولئك القادة الاكفاء الذين كان لهم الدور الاهم في جانب من الاحداث التي مر بها العراق بدءاً من تطور بواكير وعيه السياسي في ثلاثينيات القرن الماضي عندما كان طالبا في مرحلتي المتوسطة والثانوية ومن ثم انتقاله الى الكلية العسكرية ووفق تلك المعطيات ادى ادورا عسكرية وسياسية اكبر في العهدين الملكي والجمهوري).
*http://www.azzaman.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم

  بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم - ابراهيم العلاف وفي إطار التوثيق للسينما العراقية المعاصرة ، ثمة أفلام تنتمي الى الواقع...