الخميس، 5 مارس 2020

الامراض والاوبئة وانعكاساتها على مجتمع الموصل ابان العهد العثماني





الامراض والاوبئة وانعكاساتها على مجتمع الموصل إبان العهد العثماني 
بحث للاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف  استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل نشر في (المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية )  العدد 17و18 المزدوج والذي صدر في سبتمبر - ايلول سنة 1998 - تونس مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات - زغوان . ومما جاء في البحث :
ان موضوع الامراض والاوبئة،  بات من الموضوعات التي تستأثر بإهتمام المؤرخين من ذوي التوجهات الجديدة في كتابة التاريخ . وحسنا فعلت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات حين توجهت للانتباه لهذا الجانب المهم من تاريخنا الاجتماعي .
وقد سبق للاستاذ الدكتور العلاف ان نشر بحثا في مجلة (التربية والعلم ) الاكاديمية التي تصدرها كلية التربية -  جامعة الموصل عن الامراض والاوبئة خلال العصور الحديثة. 
نعم مجتمع مدينة الموصل كان طوال فترة طويلة من تاريخه الحديث أي من القرن الثالث عشر حيث سقطت الدولة العباسية بسبب غزو المغول لبغداد عاصمة الدولة العباسية 656 هجرية - 1258 ميلادية عرضة لتواتر الامراض والاوبئة .وكان لتلك الامراض والاوبئة انعكاساتها الديموغرافية  والاقتصادية والثقافية . والبحث يتألف من قسمين  هما  : الامراض والاوبئة في الموصل بعد دخول العثمانيين الموصل 1516والاثار والانعكاسات الديموغرافية والاقتصادية والثقافية .
على سبيل المثال انتشر الطاعون في الموصل سنة 1317 ميلادية وفتك بالسكان فتكا ذريعا وتكرر في السنوات 1329 و1342 و1348 و1352 و1394 و1398 و1407 و1455 و1469 .
ولم يكن مرض الطاعون ، هو المرض الوحيد الذي تعرضت له الموصل وانما كانت هناك امراض اخرى ومنها الكوليرا والتيفوئيد والملاريا وفي سنة 1756 حدث في الموصل السعال وقيئ الدم ، فمات خلق وحدث فيه قرف وسصف لنا الاب والمبشر الايطالي دومنيكو لانزا وكان مقيما في الموصل كيف ان جثث الناس كانت ملقاة على قارعة الطريق بلا دفن ، وان هذا ادى الى تفشي الحميات الخبيثة طوال سنة 1757 فإمتلأت البيوت بالمرضى والمقابر بالموتى . ومات اطفال كثيرون من ابناء الموصل والقرى المجاورة بسبب انتشار مرض الحصبة سنة 1759 ثم عاد الطاعون لينتشر سنة 1761 وهلك الكثير من الناس واجتاح الجدري الموصل سنة 1788 وحصد ارواح الناس وخاصة الاطفال حصدا .
وتفشى وباء الحصبة في سنة 1794 وبلغ عدد الوفيات في اليوم الواحد ستين نفسا وفي سنة 1798 مات في الموصل اكثر من مائة نفس وحدث في النساء الحوامل عسر الولادة ومات منهن كثير .
وفي اوائل نيسان 1799 ظهر الجدري في محلة خزرج بمدينة الموصل وسرى منها الى المحلات الاخرى واستمر هذا الداء الوبيل يفتك بأرواح الناس حتى منتصف شهر صفر سنة 1215 هجرية اي سنة 1800 ميلادية وكان يموت في اليوم مائة وثمانون نسمة ثم انتقل الى كركوك والسليمانية .
ولما دخل محرم الحرام من السنة 1215 -1800 سرى الطاعون في اكثر احياء الموصل ويذكر المؤرخ ياسين العمري في كتابه (غرائب الاثر ) ان الموصل شهدت سنة 1821 تفشي مرض جديد هو الكوليرا ويسميها الناس الهيضة او الزوعة او الهواء الاصفر .
وخلال الحرب العظمى أي الحرب العالمية الاولى 1914-1918 واحتلال الانكليز للموصل سنة 1918 واجهت الموصل مجاعة مروعة بدأت في خريف سنة 1917 ثم تفاقمت في الشتاء وادت المجاعة  وتفسخ الجثث الى تفشي وبائين جديدين لم تعرفهما الموصل من قبل وهما : (التيفوس)  و( الانفلونزا ) ، وقد حصد هذين المرضين الى جانب الكوليرا اعدادا كبيرة من السكان المحليين والمهاجرين الارمن الذين وفدوا الموصل هربا من العمليات العسكرية شمالي ولاية الموصل قدرت بعشرة الاف نسمة واستمرت المجاعة حتى صيف 1918 .
وكما هو معروف ، فإن مرض الانفلونزا ، جاء مع القوات البريطانية التي احتلت الموصل في تشرين الثاني 1918 وكان معظم الجنود البريطانيين من السيك الهنود .
كان لتلك الامراض والاوبئة انعكاسات خطيرة على السكان ففي سنة 1772 كان عدد سكان مدينة الموصل 125000 نسمة لكن العدد تناقص ليصل سنة 1881 الى ما يقرب ال 50000 الف او اقل من ذلك قليلا .
كان من نتائج تفشي تلك الامراض والاوبئة   أن اهل الموصل ادركوا ان الصحة العامة من اركان البناء الاجتماعي فظهر وعي كبير واهتموا بالصحة والنظافة الى حد الهوس .
ولم يغفلوا دور العدوى والبيئة في انتقال المرض والاصابة به ومن هنا عرف الموصليون اليوم بإهتمامهم البالغ  بالنظافة الى حد يقترب بهم من الوسوسة وترى الموصليين منذ سنوات  بعيدة  وهم يبذلون  جهودا كبيرة للمحافظة على نظافة وجمالية مدينتهم ، وهذا مما اكسبهم شخصية متفردة وحضارية من خلال الشعور بالمسؤولية ، والعمل الجاد والمخلص والفعال ،  لترقية مستوياتهم والارتفاع بأحاسيسهم وهذا يفسر الموقع المتقدم لمدينة الموصل في مجالات التحضر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...