الاقمشة الموصلية
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
وأنا اقرأ كتاب المؤرخ الموصلي الكبير
المرحوم الاستاذ سعيد الديوجي الموسوم ( أعلام الصناع الموصلية ) ، والذي سبق ان
نشر سنة 1970 واعاد طبعه ولده الاخ الدكتور أُبي ، أردت ان اتحدث لكم عن اقمشة الموصل التي غزت
اوربا وخاصة منذ القرون الثالث عشر وحتى القرن التاسع عشر سواء
الاقمشة الصوفية ، أو القطنية ، أو الحريرية .
ومما يجعلني أقف عند هذا الموضوع المهم ، ان
المصادر التاريخية المعتمدة تتحدث عن انه كان في مدينة الموصل سنة 1261 ميلادية اي
قبل احتلال المغول لها (75000 ) نول للحياكة و980 خانة لاعمال الحياكة من صبغ ، وقصر
، ونقش ، وتجارة ، وتصدير .
وفي القرن التاسع عشر
كان في الموصل كما يقول الدكتور محمد حسن سلمان في كتابه ( التطور الاقتصادي
في العراق ) ثلاثة الاف معمل للنسيج او ما ان يسمى في ذلك الوقت
الجومة لم يكن يخلو بيت في الموصل من جومة اي معمل للحياة والنسيج.
كما كانت صناعة النسيج في الموصل مزدهرة ، ولم
يكن في الموصل خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بيت يخلو من معمل صغير
او ما يسمى ميني فاكتوره للنسيج . وقد نشطت صناعة النسيج بأنواعه الصوف والقطن
والحرير .كما تميزت منتوجات الموصل في مجال النسيج بالزركشة ، وانها كانت موشية
ومقصبة وغير ذلك مما سوف نقوله لكم .
وقد سبق ان تحدثت في حلقة عن الرحالة الاجانب
الذين زاروا الموصل ومنهم الرحالة الاوربيون الذين تحدثوا في كتبهم عن ان الموصل
كانت تنتج الاقمشة المتنوعة وتصدرها الى اوربا وكانت اسواق اوربا ومنها الاسواق
البريطانية والاسواق الايطالية والاسواق الفرنسية تزخر بانواع من الاقمشة الموصلية
.
وعلى سبيل المثال فإن الاب الدومنيكي لانزا
قال في مذكراته وقد عاش في الموصل فترة طويلة
ومنذ سنة 1756 ان الموصل تصدر من الاقمشة القطنية مقدارا كبيرا الى سائر
الجهات وان البلد كله يستفيد من هذا التصدير ، ومما ساعد على ذلك ان القطن يزرع في
الموصل .. كما يتوفر الصوف والحرير ، وان
النساء في البيوت يشتغلن بالغزل والنسج
كما يشتغل الرجال ايضا بالنسيج وبأشكال مختلفة وهناك من يشتغل بقصر القماش وبصبغه
او طبعه بنقوش مخالفة وهناك من يتفرغ لبيعه ونقله وتصديره وهكذا ، فالجميع في
الموصل كانوا منشغلون بصناعة الاقمشة والاتجار بالانسجة المختلفة التي كانت تدر
على المدينة ربحا وفيرا .
ومن الطريف ان الموصل ، كانت تستورد في كل
سنة ما قيمته مليون قرش لاستيراد ( صبغة النيل ) وحدها والتي تستخدم لصبغ
المنسوجات .
وقد ادركت انا عددا كبيرا من المصابغ في الموصل
ومنها مصبغة كانت تقع في محلة الاوس اي الساعة ومحلة شهر سوق وبجوار مقهى المصبغة
عند جامع عمر الاسود في محلة شهر سوق .
من الطريف ان اقول ان المبشر الدومنيكي دومنيكو لانزا شبه الموصل في القرن الثامن
عشر ب( مصنع كبير للنسيج) يشتغل فيه الاف من الناس .
وفي الفترة ذاتها أي في سنة 1766 قال الرحالة
الدانمركي الالماني نيبور الذي زار الموصل ايضا ، بالنص انه كان في الموصل مصانع كبيرة للنسيج
والحياكة والصباغة وطباعة النقوش على المنسوجات وكانت هاتان المهنتان اي الصباغة
وطباعة النقوش بيد المسيحيين .
وبعد هذه الفترة اي في سنة 1758 ذكر الرحالة
إيفز الذي زار الموصل انها اي مدينة الموصل كانت تشتهر بالحياكة والنسيج .
ويشير دي فوصيل القنصل
الفرنسي في الموصل في كتابه ( الحياة في العراق منذ قرن 1814-1914 ) والذي ترجمه
اكرم فاضل ببغداد ونشره سنة 1963انه كان في الموصل في القرن 13 الميلادي ( 75000 )
معمل يدوي (نول ) ورغم انخفاض العدد الى 3500 نول عند افتتاح قناة السويس سنة 1869
الا انها اخذت بالتطور منذ سنة 1880 نتيجة الاقبال المتزايد لشراء المنتجات
الموصلية من الانسجة ومما يدل على شهرة الموصل في هذا المجال انه كانت هناك اسواق
متخصصة ومنها سوق الفزل وسوق الشعارين وقد وصلت قيمة صادرات الموصل من
العباءات الصوفية سنة 1909 الى (500 باون ) .اما قمة الازارات فقد بلغت (1800 )
باون وهذا دليل على تقدم الصناعات النسيجية في الموصل وتشير المصادر المتداولة انه
كان في كل بيت موصلي قبيل الحرب العالمية دولاب لغزل القطن .
وبحكم الدقة والمهارة
الفنية التي تميز بها الموصليون ،فضلا عن الظروف المناخية والنظام العمراني يكون
من يعيش في الموصل تواقا لمزاولة صناعة النسيج حيث تحتوي معظم البيوت كما نقل
الاستاذ جوني يوسف حنا عن هاشم الحاج يونس وهو احد الصناعيين الموصليين قوله على
سراديب معدة لهذا الغرض ومما شجع صناعة النسيج الحريري انتشار اشجار التوت وتربية
دودة القز واستخلاص الشرانق الحريرية .
كما انتجت الموصل
الملابس والعباءات والخام والجواريب
الذي اريد ان اقوله وانا اتحدث عن اقمشة
الموصل ان الرحالة الانكليز الذين زاروا الموصل ، وهو كثر اصابتهم الدهشة وهم يرون
اسواق الموصل الكثيرة تزخر بالاقمشة
بأنواعها الصوفية والقطنية والحريرية .
والان اريد ان اقف اولا عند الاقمشة الصوفية ؛
فأقول ان الموصليين كانوا كثيرا ما يلبسون الاقمشة القطنية ومما يلبسونه القباء او
العباءة من الصوف او من الوبر وبعضهم كان يتخذ من الوبر برة له او حتى زبونا
يرتديه في الشتاء ، ويكون الوبر عادة دقيق النوع ناعم الملبس ومريح وقد يقلمونه ويسمونه ( الشال ) وغالبا ما
يرتديه الرجال الاغنياء كما يقول الاستاذ سعيد الديوه جي رحمه الله وهناك شال خشن
يرتديه القرويون والعمال اثناء العمل .وكان الموصليون ايضا ينسجون من الصوف
الجواريب وغالبا ما كانت مختلفة الاشكال والنقوش وهي طويلة يرتديها الناس في ايام
الشتاء الباردة .
واذا كان الشيء بالشيء يذكر ، فإن النساجون
الموصليون لم يكونوا يصنعون من الصوف الزبون والدمير والقباء او العباء فقط ، وانما
كانوا ينسجون من الصوف ما يحتاجونه في البيت من قبيل (الجاجيم )والذي يسمى
البلانكيت او البطانية والجاجيم يكون سميكا ويستخدمه الناس كلحاف . كما كانوا
ينسجون الشراشف من الصوف ويمزجونه احيانا
مع القطن .كما كانوا ينسجون من الصوف السجادات وبرادع الحمير والبغال .وهناك
الشف والشفوف الذي يصنع من الصوف ويضعونه
فوق ظهور الخيل في فصل الشتاء وحتى هناك الحقائب المطرزة او ما كنا نسميه ب( الكنف
) والذي كنا نستخدمه لوضع القرآن الكريم
او الكتب المدرسية عندما نذهب الى الملا اي الكتاب والمدرسة بعد ذلك .
ولاننسى ان الموصليين كانوا يتخذون من شعر
المرعز بطانيات ولازلت أتذكر بأن أول معمل في العراق لصناعة البطانيات المرعزية أنشأه في الموصل
حامد الحاج سعيد حيث فاز هذا المعمل بالمركز الاول في معرض الصناعات اليدوية سنة
١٩٥٥ ولدينا صورته التي ترونها الى جانب هذا الكلام وهو يتسلم كأس الانتاج من وكيل المتصرف
القائمقام محمود البكريكر معمل بطانيات المرعز الذي اسسه المرحوم حامد الحاج سعيد .
وهناك ايضا الغرائر جمع غرارة او غاغة التي
كانت تستخدم لنقل الامتعة والغلال سواء في المدينة او في الريف .
نأتي الان الى الاقمشة القطنية ، فأقول ان الاقمشة القطنية الموصلية كانت من اكثر
المنسوجات انتاجا فهناك انواع واشكال من هذه الاقمشة. ويأتي قماش الموسلين الشهير الذي
عرفته اوربا ولاتزال تعرفه حتى يومنا هذا
من اشهر الاقمشة الموصلية ويقف في رأس قائمة الاقمشة ؛ فالموسلين Mosline قماش متين جدا وناعم الملمس وكان اهل الموصل
يصدرون منه الكثير الى الاسواق الاوربية وتوجد احصائيات عن كميات ما كان يصدر من
هذا القماش ، واشتهرت في ايطاليا عائلة
كانت تستورد الموسلين هم ( ال موسلين) . كما كانت لتجار الموصل علاقات قوية مع
تجار مدن اوربية كثيرة منها ميناء مرسيليا حيث ينقل التجار قماش الموسلين الى حلب ومنها الى الاسكندرونة
حيث تشحن الى اوربا .
وقد قرأت قبل ايام تقريرا عن
قماش الموسلين ، جاء فيه ان كثيرا من
الامهات في اوربا وفي العالم تستخدمه لنعومته في تنظيف أطفالها الرضع .وهذا القماش يعتبر
اليوم من أفضل اقمشة تنظيف البشرة وتقشيرها لتصبح أكثر جمالا ونضارة.
فقد تحدث عنه كثير من المشاهير العالميين وعلى رأسهم دوقة
كامبريدج كيت ميدلتون! إن قماش الموسلين أو الموصلي هو نوع رقيق وناعم
من النسيج القطني يسهل استخدامه على أي نوع من البشرة حتى تلك شديدة الحساسية لأنه خالٍ من أي مواد صناعية .
ان الموسلين اي
قماش الموسلين Mousselineرطب، وخفيف ، وجذاب ، وناعم ، ورقيق وفيه نوعان
هما الخام والمطرز SIMPLE / ET BRODE
وهو من الأقمشة القديمة التي تناسب كل الفصول والمناسبات.ومن السمات المميزة لقماش الموسلين، التي يعشقها المصممون وخاصة الاربيون قدرته على متابعة شكل الجسد والانسدال عليه، مما يزيده أنوثة ورقة.
وكذلك من السمات الأخرى المميزة لهذا النوع من القماش هو إمكانية صبغه ، وتلوينه وتطريزه. ويمكن أن يتم استخدام الكثير من الأشكال والتصميمات المختلفة التي تكسبه تفردا وتجعله متعدد الاستخدامات.
وهو من الأقمشة القديمة التي تناسب كل الفصول والمناسبات.ومن السمات المميزة لقماش الموسلين، التي يعشقها المصممون وخاصة الاربيون قدرته على متابعة شكل الجسد والانسدال عليه، مما يزيده أنوثة ورقة.
وكذلك من السمات الأخرى المميزة لهذا النوع من القماش هو إمكانية صبغه ، وتلوينه وتطريزه. ويمكن أن يتم استخدام الكثير من الأشكال والتصميمات المختلفة التي تكسبه تفردا وتجعله متعدد الاستخدامات.
ان أول ذكر لقماش الموسلين جاء في كتاب (أرثا ساسترا) الاقتصادي من تأليف ( كاوتيليا ) سنة 300 ميلادية ، بينما ذكر تاجر عربي في القرن
التاسع الهجري، يدعى سليمان، أن أصل هذا القماش هو البنغال. وكان التجار الأجانب
يأتون من بلاد بعيدة، مثل شبه الجزيرة العربية وإيران، ومن أرمينيا غربا، والصين
والملايو والشام شرقا لشراءه .لكن الحقيقة الدامغة هي ان اصل قماش الموسلين هو الموصل وانه أخذ
اسمه من اسم هذه المدينة التي عرفت بصناعاتها النسيجية الصوفية والقطنية والحريرية
.
ولعل من ابرز ما كان الموصليون ينسجونه من القطن ايضا هو (الشاش) الموصلي وكان معروفا بنصاعة ، وبياض لونه ، ودقته
، ومتانته . وتتخذ من الشاش ( العمائم ) التي كان يرتديها عدد كبير من ابناء
الموصل قبل ان تشيع الملابس الافرنجية المعروفة واقصد بها السترة والبنطلون والفيس
او الطربوش وكانوا اذا ارادوا ان يصفوا شخصا مهما وانيقا قالوا : ( على رأسه الشاش
الموصلي ) ، وقد وردت اخبار الشاش الموصلي في قصص الف ليلة وليلة ، وارتبط الشاش
الموصلي بالكثير من الامثال والحكايات من قبيل (امسك شاشك لايطير ) و( نظف شاشك )
و( كبر شاشك ) .
وكثيرا ما كان الشاش ، يصدر الى مدن الشام
ومصر وفارس واوربا وحتى الهند والصين وقد
جاء في التعليق على رحلة ماركو بولو عند كلامه عن الموصل انه جاء في ( رحلة Chang Chuns جانج جانس وقساوسة ،يلبسون على رأسهم قطعة مما يسمونه موزي
Mosze ولعلها اي لعل هذه الكلمة جاءت من كلمة موسلين Mosline وهكذا يتضح ان النسيج الموصلي القطني كان يصدر الى الصين ايضا ليتخذ لباسا للرأس هناك
.
ومن الطريف ان الرحالة ابو سعيد المغربي الذي
زار الموصل سنة 1256 تحدث عن صناعة النسيج في الموصل وقال بالحرف الواحد "
واهلها فيهم خصوصية منها (صنائع جمة) وكذلك ثياب المحررات اي ثياب الحرير التي تنسج
بها اي في الموصل وُتحمل الى الملوك
" .
ومن القطن كان هناك قماش الطاقة ،وغالبا ما
يخلط عند صنع الطاقة ، القطن بالحرير الملون
، فتكون الطاقة زاهية اللون ، غالية الثمن . ومما هو معروف ان هناك عدة
انواع من الطاقات منها (بته ) و(حج حسن) وعادة ما تطعم الطاقة بالنقوش الذي يسمى (خرج
حلب ) وكان للرجال انواع من قماش الطاقة وللاطفال انواع واستمر استخدام هذه الاقمشة الى مطلع القرن العشرين اي الى ان
بدأت الثياب الاوربية او الزي الاوربي زي الافندية المتمثل بالسترة والبنطلون تغزو
الموصل ويقال ان اول من ادخل هذه الثياب
والي الموصل سليمان نظيف 1914-1915 .
وهناك من القماش القطني ما يسمى الخام الثوب
الذي يتخذه الحرفيون والفلاحون وارباب العمل ثيابا لهم وعندما ينتهي الحائك من
حياكة هذا اللباس يرسل الى الدقاق ، وهو الذي يقوم بدق الثياب فيزيل ما علق بها من
خيوط واوساخ ، ويكسبها نعومة ثم ترسل الى القصار فيقوم بقصرها ثم يغسلها في عين
كبريت وهناك نوع من الثياب يستخدم فيه القطن الاصفر قاتم اللون ويسمى خام صابوري أو
خام باليوز .ويستخدم الموصليون الاقمشة القطنية ايضا لصنع
الملابس الداخلية والظاهرة.
ومن الطريف ان نقول ان بعضا من اقمشة الموصل ،
واسرار صناعة النسيج تسربت من الموصل الى بلاد فارس ، والهند حتى ان مدينة دكا
اشتهرت بصناعة النسيج الموصلي المتخذ من القطن والذي كان يطرز بخيوط من الذهب
والفضة ويصبغونه بأصباغ زاهية وغالبا ما كانت النساء الاوربيات يفضلن هذا القماش
الموصلي على غيره من الاقمشة التي تستورد من الشرق .. وقد ذكرت دائرة المعارف
البريطانية هذا واضافت نقطة اخرى مهمة وهي
المنسوجات الموصلية تسربت الى انكلترا في القرن السابع عشر واختصت به بعض
المدن البريطانية ومنها مدينة مانجستر .
ومما ينبغي ذكره ايضا وانا اتحدث عن الاقمشة
الموصلية والتي تشير اليها بعض المصادر بمصطلح ( الثياب الموصلية ) ورود اخبار
تعود الى سنة 786 هجرية - 1385 ميلادية تقول
ان الثياب الموصلية كانت تصدر الى مصر .كما اورد المؤرخ القاضي
ابن الصيرفي علي بن داؤد بن ابراهيم الخطيب الجوهري 819 -900 هجرية ( 1416- 1495 ميلادية ) في
كتابه :
( إنباء الهصر بأبناء العصر ). في حوادث سنة 832 هجرية – 1429 ميلادية انه في اوائل هذه السنة سيطر سلطان مصر ( السلطان سيف الدين برسباي 825-841 هجرية
-1422- 1438 ميلادية ) على تجارة الثياب
القطنية الموصلية بسبب ما تغله هذه التجارة من ربح ونقل الينا الاستاذ بسام ادريس
الجلبي في الجزء الثاني من كتابه ( حوليات
الموصل منذ الفتح الاسلامي حتى نهاية القرن التاسع عشر ) ، والذي صدر عن مكتبة
الجيل العربي بالموصل سنة 2013 خبر قيام سلطان مصر بمصادرة كميات من الثياب اي
الاقمشة الموصلية وتم تقويمها بأقل من اثمانها بالموصل .كما كتبت مراسيم سلطانية
الى البلاد الشامية بمنع التجارة المواصلة من ورود مصر بهذه الثياب .وقد نفذت حماة
بسوريا هذا المرسوم فأُعيد التجار المواصلة الى بلادهم بحجة ان الثوب ينقص في
الطول عن الثلاثين ذراعا وفي العرض عن ذراع ونصف . ةقد ادت هذه السياسة الى ازمة اقتصادية
في الموصل وسرعان ما خربت الموصل بعد ذلك واندثرت صناعة الاقمشة .
وفي رجب من السنة 832 هجرية - 1429 ميلادية ، وصل القاهرة جماعة من التجارة
المواصلة ، فأُخذ ما معهم من الاقمشة
الموصلية وقومت دون قيمتها ، ورُسم ان تكون الاصناف : البعلبكي والعاتكي والموصلي
حكرا للسلطان يشتريه من التجار الواردين على القاهرة ويبيعه هو للمستهلكين وطبعا السبب
كما قلنا هو ما تدره تجارة الاقمشة
الموصلية من ارباح كثيرة .
وهناك مصادر كثيرة تتحدث عن الاقمشة الحريرية
الموصلية المطرزة والمقصبة بخيوط الذهب والفضة التي تصدر الى اوربا وهي غالية
الثمن .وكان النساج الموصليون يتخذون من الحرير انواعا جميلة من المنسوجات مختلفة
الانواع متنوعة النقوش والكتابات وتكون
بعض هذه المنسوجات من الحرير الخالص خاصة تلك الاقمشة التي تتخذها النساء ثيابا
لها والتي تنقش بنقوش زاهية الالوان ويكون
البعض من الاقمشة الحريرية الموصلية من نوع يسمى في الموصل طاقة ابريسم ، وغالبا
ما كان يزين بخيوط الذهب او يكون مقصبا او مزركشا وتتخذه النساء لزينتهن وكانوا
ايضا يتخذون منه اي من الحرير الازر اي الازارات الزاهية الالوان وهو نوع من
القماش تلبسه الثريات المترفات من النسوة يزركشونها أي يزركشون هذه الازارات
بالذهب ويتخذون لها حواشي مقصبة .وقد حملت لنا قصص الف ليلة وليلة الكثير من الاخبار عن نساء ملتفات بإزار
موصلي من حرير مزركش بالذهب وحواشيه من قصب حتى ان الرحالة ابن سعيد المغربي الذي
زار الموصل سنة 1256 اي في القرن 13 اعجب بدقة صناعة الاقمشة الحريرية الموصلية
وجمال انواعها واثنى على المحررات التي تنتجها الموصل كما اثنى الرحالة الايطالي
ماركو بولو عليها وذكر ان تجار الموصل كانوا يتاجرون بالاقمشة الحريرية المطرزة
بالذهب مع مختلف الاقطار في العالم وكان مما يتهاداه الملوك والمترفون الاقمشة
الحريرية الموصلية ولدينا في كتب التاريخ
الكثير من اسماء الملوك والامراء الذين ُحملت اليهم اقمشة حريرية موصلية
وخاصة في القرن الثالث عشر .
واخيرا لابد لي ان اقول ان الموصليين كانوا
معروفون بالاناقة ، والاهتمام بالملابس ، وكانوا يحرصون على الظهور بمظهر حسن عند
الخروج من البيت وكانت النساء الموصليات
معروفات بالتباهي بملابسهن الجميلة التي يصنعنها في بيوتهن او في مصانع
المدينة وكانت لهن ملابس خاصة للنهار وللعصر ولليل وكلها تكسبهم زينة وبهاءَ .وكان مما يتداوله
الموصليون من أمثال (كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس ) .
واخيرا لابد ان اقول ان الموصل زخرت بالصناع
الذين عملوا في صناعة النسيج وخاصة في
القرون 13 و14 وما بعد ذلك ومن هؤلاء ابو الفرج الدقاق ، وابراهيم بن الشيخ برهان
الدين المالكي وعز الدين النقاش الموصلي والسري الرفاء الموصلي والشيخ خير النساج
وابوبكر عبد البر الموصلي والحاج علي ين جار الله الموصليومنتخب الدين المخزومي
البرطلي وابن الشعر الموصلي والخياط المعلم شنير الفيشي الموصلي وابن هيبل الموصلي
وكل هؤلاء وغيرهم كثيرون عملوا في صناعة
النسيج ، وتقوتوا على هذه المهنة وكانوا بارعين في الغزل والنسيج والحياكة ، والنقش على الاقمشة حتى ان
بعضهم - وابن هيبل الموصلي - كان منهم كان يتقن صناعة نسيج الحرير
وتطريزه بخيوط الذهب ومن المناسب ان نقول ان عددا من هؤلاء الحرفيين كانوا شعراءَ وكتابا
وصوفيين ومهرة في الادب والموسيقى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق