الوطن
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وهل يوجد في الدنيا أعز من الوطن ؟ .. الوطن
هو البقعة التي نولد فيها ، ونترعرع ، ونعيش ، وفيها ذكرياتنا ، وملاعب صبانا . ويظل
الوطن في ذاكرتنا دوما ، لذلك يجب علينا ان نعتز بالوطن ، ونُخلص له ، وندافع عنه
ونتمنى له كل خير ورفعة وسمو .
ومنذ كنا تلاميذا صغيرا في المدرسة
الابتدائية ونحن نغني للوطن للعراق .. ونردد موطني موطني : الجلال ، والجمال والسناء
والبهاء في رباك في رباك .
ومن المؤكد ان هناك رابط عاطفي يربط الانسان
بوطنه . كما يربط الطير بعشه . والوطن
مفهوم من المفاهيم الانسانية النبيلة ، ومنه (الوطنية : الفكرة والوطن) في اللغة هو المنزل الذي يقيم به الانسان ، ومن حيث الاصطلاح
والمفهوم : الارض التي ولد فيها الانسان ، ونما ، وكبر ، وصار قادرا على خدمته من
خلال العمل الذي تخصص فيه .. وكما ان للانسان وطن ، فللحيوانات والطيور ولكل
الكائنات الحية وطن . ومن الطبيعي ان يميل الانسان الى وطنه ويعمل من اجل الدفاع
عنه .
وفكرة الوطنية تعني في جانب من جوانبها ( حب
الوطن والنضال من اجله ومن اجل وحدته وقوته وهيبته
ورفاهية شعبه ) . وفكرة الوطنية فكرة سامية ومن لايحب وطنه يعتبر انسانا
عاقا . وهناك من يعتبر فكرة الوطنية فكرة حديثة بينما هي فكرة قديمة ولدت مع ولادة
الانسان ولدينا في المأثور الشعبي والادب والشعر الكثير مما يؤكد ان الوطن وحبه
والوطنية كفكرة تستحق ان يناضل الانسان من اجلها وهي موجودة وهاهو الشاعر العباسي
ابن الرومي يقول :
وَلِي وَطـَـنٌ آلَيْتُ أَلاَّ أَبِيعَـهُ وَ أَلاَّ أَرَى غَيْرِي لَهُ الدَّهْرَ
مَالِكا
عَهِدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً كنِعْمَةِ قومٍ أصبحـوا في ظِلالكا
فقد ألِفـَـتْهُ النفسُ حتَّى كأنه لها جسدٌ إنْ بانَ غودِرْتُ هالكا
عَهِدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً كنِعْمَةِ قومٍ أصبحـوا في ظِلالكا
فقد ألِفـَـتْهُ النفسُ حتَّى كأنه لها جسدٌ إنْ بانَ غودِرْتُ هالكا
والتاريخ كما اقول دوما افضل وسيلة لتقوية
فكرة الوطنية ، والمواطنة والشباب ، نظراً، لما یتمتعون به من صفات وخصائص متمیزة في مجال الحركة،
والفاعلیة، والنشاط ، واكتساب الأفكار الجدیدة بسرعة كبیرة هم أحوج الناس الى ان يتعلموا ويدرسوا التاريخ
بطريقة صحيحة .
والتأریخ من وسائلنا الایجابیة التي تسھم في تربیتھم وفق مبادئ وقیم
وأھداف وطنیة علیا، وكذلك في اثارة وعیھم بأھمیة النھوض والتقدم .
وقد أدرك المفكرون والتربویون العرب، منذ بدء
عصر النھضة العربیة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أھمیة التأریخ، وحاجة
الانسان الى دراسته واستلھامه باعتبار ان بناء المجتمع في المستقبل يعتمد على
الماضي المجيد . ومن ھنا فان (الاھتمام
بالتاریخ) والدعوة الى دراسته ، یتطلب وعیا أصیلاً يستند الى احیاء الوعي التاريخي عن طریق التذكير بالماضي وبعظمة دور الاجداد الانساني .
وهنا
یجب الاعتناء في
انتخاب الوقائع التي تؤثر في شعور التلامیذ، وتحرك عواطفھم وتبعث فیھم الھمة. كما یجب استعمال الخرائط دائماً وبیان حدود الممالك ومواقع المدن ومحلات
الحروب ويجب أخذ
التلاميذ وزیارة الأبنیة التاریخیة والأطلال القديمة لكي يستذكروا احداث التاريخ على الارض .
كما يجب لفت انظار التلامیذ الى اسباب الوقائع المھمة ونتائجھا، خاصة
اسباب انقراض الدول العریقة ونتائج الاختلافات الداخلیة. ویفرق المفكر والمربي الكبير
الاستاذ ساطع الحصري بین اھداف تدریس التاریخ في المدارس الابتدائیة والمتوسطة
والثانویة، وبین اھداف تدریس التاریخ في الجامعات، فھو یرى ان تدریس التاریخ بصورة
علمیة بحتة وبنظرة موضوعیة ذاتیة مطلقة مجردة من جمیع انواع التأثیرات الذاتیة
والقومیة، ممكن في الجامعات، لكنه متعسر في المدارس، فھو یرى ان المعلم لایستطیع
ان یدرس الا جزءا صغیرا من التاریخ ولایستطیع ان یتوسع الا في قسم قلیل من
الوقائع، فیضطر لذلك الى انتقاء قسم من الوقائع والأبحاث، وبدیھي ان الانتقاء،
یتضمن بطبیعته التأثیر الذاتي والترتیب القصدي.. ومادام الانتقاء ضروریاً، فمن
الطبیعي ان یأخذ الاتجاه الذي تقتضیه التربیة الوطنیة والقومیة، خاصة انه لایوجد
بین ایدي المربین واسطة تربویة اثمن وانجح من دروس التاریخ، لإنماء العواطف
الوطنیة والقومیة والتأكيد على أهمية تراث
العراق والامة الحضاري ودورھما في تشیید الحضارة الانسانیة.
كما ينبغي السعي واقصد سعي المعلمين والمثقفين عموما الى تنمية التفكیر الناقد لدى الناشئة وذلك عن طریق تكوین النزعة العلمیة لدیھم،
وھذه النزعة ھي أكثر من مجرد طریقة تاریخیة مضمونھا عدم الحكم على مواضیع تفتقر
إلى الإثباتات حتى في مجال حیاتھم الاجتماعیة، وبھذا نربي فیھم روح الثقة والصلابة
القائمة على الفكر دون الجمود.
ان تحقیق اھداف التاریخ، في مجال البناء الوطني للشباب یتطلب توفر
مدرس للتاریخ یدرك قبل كل شئ قيمة وطنه وبأنه ینتمي الى وطن عریق والى أمة معطاء،
وعلیه ان یكون مخلصاً للحقیقة والانسانیة. وعندئذ، یستطیع ان یسھم في بناء شخصیة تلاميذه وطلبته وتكوین جیل جديد یعي دوره وما يجب ان يقوم به من اجل الوطن
ووحدته وقوته ورفاهيته .
واخيرا وانا اتحدث عن الوطن لابد لي ان اقول ان الولاء للوطن لايعادله
ولاء في الدنيا والله سبحانه وتعالى حبب الوطن للانسان وبحكم الالفة والتواصل يشعر
الانسان بالولاء للوطن وعندما يغيب الانسان عن وطنه يحن اليه وكما قال الشاعر ابن
الرومي :
وحبب أوطان الرجال اليهمُ ***مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرًته *** عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
نعم الشعراء دوما هم من
يذكرنا بالوطن وهذا الشاعر احمد شوقي يذكر وطنه وقد ابعده المستعمر عن مصر خلال
الحرب العالمية الاولى يقول :
وطني لو شُغلتُ بالخُلد عنه *** نازعتني اليه في الخُلدِ نفسي
احرام على بلابله الدوحُ ***حلال للطير من كل جنسِ
كل دار أحق بالاهل إلا ***في خبيث من المذاهب رجسِ
واقول ان للانسان ولاءات : ولاء لحيه محلته وولاء لمدينته وولاء لوطنه
وولاء لامته وولاء للانسانية فمن لايحب محلته لايحب الموصل ومن لايحب الموصل لايحب
العراق ومن لايحب العراق لايحب أمته ولايحبه الانسانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق