التنوير
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
واليوم أتحدث لكم عن ( التنوير) ، ولعل الكثيرين منكم قد سمع بهذه الكلمة ، أو
بهذا المفهوم وهو ( التنوير) عند دراسته
للتاريخ في المدرسة الثانوية .
ولعلكم سمعتم ب(عصر التنوير في اوربا) في
القرن الثامن عشر ..انا اريد ان اقول ان التنوير يعني النظر الى الحياة
بمنظار تقدمي ، بمعنى ان الانسان ، ومنذ
ان خلقه الله على ظهر هذا الكوكب ، يبحث
عن النور ، ومع النور التقدم ، والحرية والسير في طريق الحق والعدالة والمساواة .
وبعكس التنوير الظلام ولا أعتقد أن أحدا منا يحب الظلام بل الجميع يبحثون
عن النور ، والخير ، والتقدم ويعاتبون حكامهم إن هم قصروا في أداء واجباتهم في
الاتجاه بالبلد نحو التطور سواء من خلال بناء المدارس ، والمستشفيات او من خلال
بناء المصانع والاهتمام بالزراعة والتجارة والسياسة .وكذلك العمل من اجل رفع مستوى الناس من الناحية
الثقافية والفنية وحسن أداء الخدمات وبالطريقة التي تجعل البلد موحدا ، قويا ، وشعبه
مرفها .
التنوير يعني ان الدولة لكي نقول عنها انها
متقدمة ، لابد ان ترفع مستوى سكانها صحيا ،
وتربويا ، واجتماعيا، وثقافيا . والتنوير
يعني ان المواطن يستطيع ان يمارس حياته بكل راحة ، واستقرار ، وطمأنينة ؛ فالدولة قد التفتت اليه وتعمل من اجل تقدمه
وتطوره .
والتنوير يعني ان المواطن يطمأن على تربية أولاده
، وتعليمهم ، والمحافظة على صحتهم ، وتحقيق رفاهيتهم بالوسائل التي بات العالم كله
يعرفها .
كان العالم خلال العصور القديمة ، والعصور
الوسطى يعيش بعيدا عن التطور ؛ فالافكار
الخاطئة ، والعادات البالية هي التي كانت تسود
في المجتمع .
وعصر التنوير في العالم الاسلامي وفي الوطن
العربي هو غيره في اوربا ؛ فالتنوير
الاسلامي يرتبط بالحضارة الاسلامية التي تُعطي للعقل أهمية كبيرة .
وقد يظن البعض ان الحضارة الغربية الاوربية ،
هي وحدها من اهتمت بالعقل خلال ما سمي في اوربا ب(عصر التنوير) ، لكن اذا ما رجعنا
الى التاريخ الاسلامي في عصورة المزدهرة نجد ان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه
وسلم عندما جَهَر بالاسلام وحمل رسالته ونزل عليه الوحي خاطبه اول ما خاطبه بكلمة
( إقرأ ) ، والقراءة هي مفتاح الحضارة ، ومفتاح التنوير وفي القرآن الكريم آيات
كثيرة تدعو المسلمين الى إعمال العقل
وتخاطبهم بدعوتهم الى العقل أفلا يعقلون.... أفلا يعلمون .
نعم الرسول الكريم حمل رسالة التنوير الى
العرب وهم قبائل مختلفة متحاربة مع بعضها ، فوحدها تحت كلمة لااله الا الله ، بمعنى
ان الانسان لايمكن ان يخضع للانسان بوجود قوة الله فوق جميع البشر .
الاسلام هو من وحد القبائل ، وهو من بنى
الدولة وكل الشعوب التي دخلت الاسلام سواءَ كانت عربية او فارسية او تركية او
كردية .. الاسلام هو من أعطاها تاريخا ، وتاريخا
تفتخر به .
وعندما قوي الاسلام وانتشر عبر قارات العالم
المعروفة ومنها اسيا وافريقيا واوربا ، انتعشت الحضارة الاسلامية ، وازدهرت العلوم
والاداب والفنون ، وعاش المسلمون في جو من العقلانية ، والتطور، والنهضة ولم يتوقف هذا الا بعد ان واجهت الامة
الاعداء من الغرب والشرق ؛ فتمزقت الدولة ، وضعف الاهتمام بالعقل وساد التخلف
والجهل والسطحية ، والتواكل والتكاسل ، والتفكك والانهيار .
وفي القرن التاسع عشر عاد المسلمون لينهضوا
من جديد ، فإنتعشت بينهم افكار وفلسفات العقل وظهر من بينهم مفكرون تحدثوا عن
النهوض والدعوة الى التحرر ، والتنوير والتقدم وخاضوا صراعا مع العثمانيين ومع الدول
الغربية وظهرت بينهم افكار الحرية والاستقلال والنهوض والتقدم .
التنوير اذا هو حركة مهمة من الحركات التي شهدتها الدول
الاسلامية .. كما شهدتها اوربا لكن
التنوير في الوطن العربي والعالم الاسلامي ، ظل مرتبطا بالدين ، والقيم الروحانية
والمعنوية ، وهي ايضا أي هذه الحركة هي ما
تدفع الى التقدم ان ابتعدت عن الغلو ، والتطرف، والاحادية ، وظلت متمسكة بثوابت الاسلام في اتباع الحق ، والحكم بالعدل ، والامر بالمعروف ،
والنهي عن المنكر .
ومن المؤكد – احبتي الكرام – اننا اليوم لكي
ننهض نهضة جديدة ، لابد ان نواكب الدول
المتقدمة ، ونلم بالتقنيات الحديثة ، وان لانكون بعيدين عن الاسهام في الحضارة
الانسانية .
واذا ما اردنا ان نفعل ذلك علينا ( تغليب
العقل والعلم ) على (الجهل والعاطفة والخرافة ) . ولايوجد دين في العالم أكد على العلم واهمية
التعليم والبحث العلمي مثل الاسلام . بسم الله الرحمن الرحيم ( أفلا ينظرون الى
الابل كيف خُلقت ؟ ) بمعنى الدعوة دعوة الانسان لكي يتأمل ، ويبحث للوصول الى
الحقيقة ، والخطوات التي توصل الى الحقيقة في الاسلام هي نفسها الخطوات التي نسميها
اليوم ب(المنهج العلمي ) ، والمنهج العلمي الذي يتصوره البعض اوربيا هو
منهج عربي اسلامي إزدهر في ايام بزوغ وتقدم الحضارة الاسلامية .. إستخدمه العلماء والمفكرون المسلمون ، للتحقق من صحة الاحاديث النبوية وهو الجرح
والتعديل والذي يهتم بالسند والنص .
الذي اريد ان اقوله ان النزعة التنويرية التي
نريد ان تسود حياتنا تستند الى العلم والتجربة العلمية ، وتركن الى العقل ، وتحارب
الجهل وتدعو الى التعلم والتعليم ، وتكوين موقف واضح تجاه الكون والحياة والانسان
.
وهكذا فالتنوير الذي اقصده انا في هذا الحديث
هو التخلص من الجهل ، والاخذ بأسباب العلم ، والتعود على استخدام العقل عند النظر
في كل مسألة من المسائل التي تعترضنا .
والاهم من ذلك كله العمل والسعي ، " وأن
ليس للانسان الا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى
" ، فالانسان المتنور هو الانسان الذي
يسعى
ويعقل ويجتهد .
والانسان المتنور هو الانسان الذي يعتمد على
نفسه ولايتكاسل ، وانما يؤمن بأن قيمة الحياة ومعناها هو في العمل . ومن المؤكد انه لكي يعمل ، ويقدم الخير ، والمنفعة
الى شعبه ، يحتاج الى الحرية ؛ فالحرية من
شروط التنوير، وهي من تساعد على استمراره .
كثيرة هي الكتب التي تناولت التنوير ، وكثيرون
هم المفكرون والفلاسفة الذين كتبوا عن التنوير ، وأهميته للمجتمع ، والانسان وكلها
تؤكد على أن إنسجام الانسان مع ثوابت وقيم مجتمعه الاصيلة
، واطاعته للقوانين تجعله مواطنا صالحا وناجحا وقادرا على ان يؤثر في
مجتمعه ، وفي الاتجاه الصحيح البناء . وبعكس ذلك فالانسان الجاهل غير المتنور
سيكون حجر عثرة في طريق تقدم بلده .
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق