العمل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
والعمل عبادة . ولاقيمة للانسان بدون العمل ؛ فالعمل هو ما
يجعلنا نحترم الانسان ، وهو يعمل في أي
ميدان يختاره . والاسلام ، وكل الديانات في العالم تؤكد على قيمة العمل ورب العزة
والجلال يحثنا على العمل ( وقل إعملوا ) .
من هنا فإن العمل من حيث اللغة ، يعني المهنة
أو الحرفة أو الوظيفة اي ان العمل اما ان يكون عضليا ، وإما يكون فكريا .
والانسان عندما يعمل ، فإنه يهدف الى تحقيق فائدة ، ومنفعة ، وعندما
يحترم المجتمع العمل ، فإنه يحقق الكثير من الفوائد على صعيد بناء القاعدة
الاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية للمجتمع ، والبناء سيساعد على ديمومة
المجتمع ، وقدرة أبنائه على المساهمة
الفاعلة في تأكيد دور هذا المجتمع في البناء الانساني .
وفي المأثور الشعبي الموصلي خاصة ، الكثير من
الامثلة، والقصص التي تتحدث عن أهمية اثارة الاهتمام بقيمة العمل ، وعدم الجلوس بدون
عمل . ومما يقال في الامثلة ( إشتغل بفلس وحاسب البطال ) .
والعمل يساعد في نمو البلد الاقتصادي ، وفي ايامنا هذه تقدم الاحصائيات عن نسبة العمل ،
ونسبة البطالة فكلما ازدادت نسبة العمل
فمعنى ذلك ان المجتمع متقدم ، وكلما ازدادت نسبة البطالة فمعنى ذلك ان المجتمع
متخلف .
وكثيرا ما يربط العمل لدينا في تراثنا
الاسلامي بالعبادة ، فالعمل في جانب من
جوانبه عبادة ، وهذا يعني ان العبادة لاتقتصر فقط على أداء الطقوس والشعائر
الدينية بل ان الانسان العامل له القدرة على ممارسة الزراعة ، والتجارة ، والصناعة
. وهذه النشاطات تساعد في تحقيق التقدم الاقتصادي
للبلد .
ومن المؤكد ان ممارسة العمل ليست عشوائية ، بل ان هناك تخصصات
في العمل ، إتفق المجتمع على توزيعها بين أفراده ، فهذا نجار ، وذلك فلاح ، والثالث
طبيب ، والرابع معلم ، وهناك من يبيع الخضار واخر يبيع اللحم وهكذا وكما يقول الشاعر :
الناسُ للناسِ من بدوٍ ومن حضر *** بعضٌ لبعضٍ
وإن لم يشعروا خدم ِ
وهكذا يتم التعاون والتكاتف بين ابناء
المجتمع الواحد والكل يخدم الكل .
العمل الزراعي والعمل التجاري والعمل الصناعي
والعمل التربوي كل هذه الميادين ، تكمل الاخرى فأنت فلاح تحتاج الى التاجر ، والتاجر يحتاج المعلم
والمدرس والاستاذ والمجتمع هو من ينظم العلاقة بين كل فروع العمل وأقسامه .
واتذكر ونحن تلاميذا صغار في المدرسة
الابتدائية ان الرجل إن أراد لإبنه ان
يتوجه الى مهنة أو حرفة نجده يحرص اولا على ادخاله الى الُكتاب يتعلم القرآن
الكريم والحديث النبوي واللغة العربية وشيئا من الحساب وبعدها يتوجه به الى احد
الحرفيين نجارا أو حدادا أو مصلح سيارات ويطلب منه ان يعلمه المهنة ، فيبتدأ
تلميذا ، ثم صانع ، وخلفة واخيرا أُسطه يعرف المهنة ويتقن أسرارها وقد يفتح له دكانا
مستقلا او ينفرد بمحل خاص بعيدا عن استاذه الذي علمه المهنة ومنحه تصريحا بأن
يمارس المهنة بعد ان اشتد عوده وتعلم واصبح مؤهلا للعمل .
والامر كذلك اذا اختار الاب لولده العمل
الوظيفي كأن يصبح
طبيبا أو مهندسا أو محاميا أو مدرسا فهذا يتطلب من التلميذ ان يجتاز مراحل الدراسة وبعدها
يتخصص في تخصص معين يكون قد تعلمه واتقنه بعد سلسلة من التدريبات والامتحانات .
اختم حديثي عن العمل بتوضيح مسألة مهمة ، وخاصة
نحن في شهر رمضان .. شهر العمل وجهاد النفس ، فالعمل من وجهة النظر الاسلامية هو
السعي من اجل الرزق الحلال للانسان العامل ولمن حوله .
ويقينا ان العمل يحمي كرامة الانسان ويجعله
لايمد يده لغيره . والقرآن الكريم يؤكد في
كثير من الايات ان الانسان المؤمن العامل يستطيع ان يعيش حياة طيبة .
وكلنا يعرف كيف ان الرسول الكريم محمد صلى
الله عليه وسلم لما رأي رجلا يتسول طلب ممن كان يرافقه ان يزود بفأس ليحتطب بمعنى ان الضرورة تقتضي
تعليمه حرفة يعيش من وراءها .
والاسلام بقدر ما يدعو الى العمل ، فإنه يؤكد
على ضرورة اتقان العمل .قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ( إن اللهَ
يُحبُ إذا عملَ أحدكم عملا أن يُتقنه ) .
والاسلام يدعو الى التعاون بين العامل ورب العمل ، فلكل
منهما حقوق وواجبات .. والحقوق والواجبات يجب ان تكون متبادلة بينهما ، احدهما
يحترم مصالح الاخر . وللعامل في الاسلام مكانة ومن ذلك ( ان يُعطى أجره قبل أن
يجفَ عرقه ) و( عدم أكل حقه) كما نقول في المأثور .
الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان
يعمل ، والصحابة كانوا يعملون ، وكثير من الفقهاء والعلماء والادباء ، كانوا
يعملون ويفخرون بعملهم وكلنا يتذكر كيف ان الرسول الكريم أخذ يد رجل يعمل وأمسك بها وقال صلى الله عليه وسلم : " هذه يدٌ يُحبها الله " .
رمضانكم مبارك وصيامكم مقبول ودعائكم مستجاب
والى حلقة اخرى من برنامج ( ما قل ودل ) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق