الأحد، 1 مارس 2020

شُمامة العنبر والزهر المعنبر ا.د. ابراهيم خليل العلاف




شُمامة العنبر والزهر المعنبر

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

و( شمامة العنبر والزهر المعنبر )  إسم لكتاب كبير يقع في 538 صفحة ألفه الكاتب والمؤرخ الموصلي محمد بن مصطفى الغلامي  من الاسرة الموصلية التغلبية المعروفة في الموصل ، والتي قدمت للموصل الكثير في ميادين السياسة ، والادارة ، والتاريخ ، والقضاء .
وكتاب شُمامة العنبر والزهر المعنبر ، كان مخطوطا الى ان تصدى لتحقيقه ، واظهاره للناس الاستاذ الدكتور سليم النعيمي الموصلي وتم طبعه سنة 1977 من قبل المجمع العلمي العراقي حيث ان الدكتور سليم النعيمي  كان عضوا  فيه .
اليوم أريد أن أُعرفكم بهذا الكتاب ، واهمية نشره بين الناس ، وما هي مضامينه وقبل ذلك  أُعرفكم بالمؤلف الذي الف هذا الكتاب الذي يتناول فيه سير عدد من الشعراء والكتاب والادباء الموصليين وغير الموصليين المعاصرين لعصره   اي القرن الثامن عشر الميلادي  أي قبل قرابة ( 300) سنة  ، وهم خمسين شاعرا او اديبا من رجال القرن الثاني عشر الهجري السادس عشر الميلادي فيهم المؤلف نفسه ، اربعين من اهل  الموصل وستة من اهل بغداد وثلاثة من اهل حلب وواحد من اهل بيت المقدس بفلسطين .
صاحب كتاب ( شمامة العنبر والزهر المعنبر ) هو الشيخ محمد بن الشيخ مصطفى  بن الشيخ علي أبي المكارم الغلامي النجمي من اسرة الغلامي الموصلية وهي اسرة علم وادب وفضل انجبتكثيرا من العلماء والادباء والشعراء وهي من قبيلة بني نجمة العربية وهي قبيلة من زبيد والمؤلف كان مفتي الشافعية في الموصل . قرأ في صباه على شيوخ الموصل وهو من اقران الشيخ عبد الله الربتكي في الطلب وقد سافر الى اسطنبول لاكمال دراسته وحين عاد الى الموصل ولي فيها الافتاء على مذهب الامام الشافعي وعمل مدرسا في مدرسة النبي يونس عليه السلام وكانت له حظوة عند ولاة الموصل من الجليليين الذين حكموا الموصل اكثر من (  100 ) سنة من سنة 1726 الى سنة 1834 ميلادية ، وكان صديقا للشاعر عبد الباقي العمري وقد رحل في اخريات حياته الى العاصمة العثمانية اسطنبول وتوفي هناك سنة 1140 هجرية – 1728 ميلادية .
ولد محمد بن مصطفى الغلامي مؤلف كتاب ( شمامة العنبر والزهر المعنبر ) في الموصل سنة 1120 هجرية اي سنة 1709 ميلادية او بعدها بقليل وقرأ على الشيخ محمود الكردي ، والشيخ يوسف النائب ، والشيخ عبد الله الربتكي وقرأ على اساتذة وشيوخ أفاضل  اخرين لم يشر  اليهم ، فأتقن العلوم العربية والدينية والرياضية والعقلية وتفوق فيها . وقال انه تمكن من النحو ، والصرف ، والبلاغة والاصول والفقه والفرائض والانشاء . وهو على اتقانه العلوم المعروفة في عصره ، نشأ ميالا الى الاداب ، وبرز في  عالم  الشعر ، وكان يحضر مجالس اهل الادب عامة ومجالس الاسرة الجليلية الحاكمة ،  خاصة ولم يستخدم الشعر للتكسب ، الا انه انفرد بمدح بطل مقاومة الموصليين لحصار نادرشاه للموصل سنة 1743 الحاج حسين باشا الجليلي ومما قاله :
سل الرسم عن ذات الخباء المعمد * وهل يخبر الركبان اطلال معهدِ
هي الدار دار المالكية فإسقها *من الدمع أمثال الجمان المبدد
سقى الله اهليها العهاد وان همو * مدى الدهر لم يرعو عهودي وموعدي
وشمر ذراعا للمعالي ولا تقل * قفا نصطبح ما بالاناء المجسد
ابي حسن ليت الشرى ذلك الذي * متى  يتوعد مقلة الدهر تسهد
فلا زلت في عز يدوم مسرمد * بإقبال اقبال  ومُلك   مؤيدِ

في بداية حياته مال الى اللهو البرئ ، لكنه عاد وتصوف وانصرف لدراسة التصوف ، وراح يتعمق في دراسة التصوف ، وصار من شيوخ المتصوفة ، وكان قادريا رفاعيا وله شعر صوفي رقيق ومما قاله :
نحن قوم نهوى الوجوه المِلاحا
وبها الله زادنا أفراحا
وكان يحضر (دار الخلوة)  التي اعدها الشيخ عطاء الله بن عبيد الحديثي للعبادة ، والف مقامة سماها (المقامة الصوفية ) . وكان أثر ابن الفارض عليه كبيرا .
تعرض للمرض ، وعالجه الطبيب الموصلي الطبيب الشاعر الاديب الحاج محمد العبدلي المتوفى سنة 1164 هجرية -1751 ميلادية . وكان مرضه نفسيا أشبه بالوسواس وشفي لكنه انصرف عن معاطاة الادب ، واصبح كما قال  المؤرخ محمد امين العمري صاحب كتاب ( منهل الاولياء ومشرب الاصفياء في سادات الموصل الحدباء ) "من رثاثة الحال وعدم انتظام الزي في مكان لايُحمد " . وكان من نتائج مرضه ان سخط على الدنيا ، واعرض عن الناس .ومن الغريب انه عمل سقاءَ ينقل الماء الى بيوت الموصل ويبيعهم أياه وقد اشار الى ذلك في قوله :
قيلَ سافر عنا فناديتُ رزقي  * في الحديبا قد ُصب عند البابٍ
مسكني بلدةٌ  بها  ُينقل الماءُ *** الى الناس فوق َظهر الدوابِ
علم الحاج حسين باشا الجليلي والي الموصل ،  بالامر فأرسل اليه وعهد اليه بالافتاء على المذهب الشافعي ، وأنابه عنه في القضاء  وقد استمر على هذا الحال حتى وفاته سنة 1186 هجرية – 1772 ميلادية .
الف العديد من الكتب فضلا عن كتابه ( شمامة العنبر والزهر المعنبر) ومن كتبه التي الفها :
*نثر الجوهر في شرح الكبريت الاحمر في بيان علوم الشيخ الاكبر
*لطائف المنان في اجتناب الخلان والاحتراس عن الناس
*العقد الثمين في مدائح الامين ( ديوان شعر)  
*نحور الحسان
* خلاصة المعارف وإشارة العارف
كان شاعرا ، وشعره في جملته جيد السبك ، لطيف الاسلوب ، محكم القوافي ، بعيد عن التكلف وفي نثره تظهر قدراته الكتابية ، ومعرفته الدقيقة باللغة العربية والتاريخ .
الان اريد ان اتحدث لكم عن كتابه ( شمامة العنبر والزهر لمعنبر ) ؛ فأقول ان هذا الكتاب القيم يقع ضمن ما نسميه بكتب التراجم والسير الشخصية ؛ فهو فيه يترجم للشعراء المعاصرين له ويسجل اشعارهم حاله حال العديد ممن دونوا سير الشعراء وكتبوا الموسوعات عن شعر من عاصرهم ومن هؤلاء (الثعالبي)  في كتابه ( يتيمة الدهر في شعراء اهل العصر ) ، و(الباخرزي)  في كتابه (  دمية  القصر وعصرة اهل العصر ) ، و(البيهقي)  في كتابه ( وشاح دمية القصر ولقاح  روضة العصر ) ، و(ابن خاقان)  في كتابه ( قلائد الهقيان في محاسن الاعيان ) و(عماد الدين الكاتب الاصبهاني)  في كتابه ( خريدة القصر وجريدة العصر ) و(ابن بسام)  في كتابه ( الذخيرة في محاسن اهل الجزيرة ) ،و( ابن الشعار الموصلي)  في كتابه ( قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان و( المحبي)  في كتابه ( نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة ) و( إبن معصوم)  في كتابه ( سلافة العصر في محاسن الشعراء في كل مصر )  .
يقول في مقدمة الكتاب  انه هدف من وراء تأليف كتابه هو ان يؤرخ لشعراء زمانه ، وأهدى الكتاب الى الوزير محمد امين باشا الجليلي وسمى الكتاب (شمامة  العنبر والزهر المعنبر ) ، وذلك لما تضمخت من فضلاء الزمان بطيب اشعارهم وتذكارهم . وقد تفاءل بالعنوان فالشمامة  أغلى من الريحانة ورأي الوزير محمد امين باشا الجليلي ان تردف الشمامة بأبيات من المؤلف تكون كالخاتمة فنظم قصيدة في مدحه مطلعها :
غصن تبدى البدر من أوراقه ** هاروت َبثَ السحر من أحداقه
كتاب (شمامة العنبر والزهر المعنبر ) كان مخطوطة تتوفر منها ، كما قال الدكتور داؤد الجلبي ثلاث نسخ في الموصل وقد تحدث عنها  عدد من كتاب الموصل وبغداد منهم محمد رؤوف الغلامي ، وعباس العزاوي وانستاس ماري الكرملي وسليمان  صائغ  وسعيد الديوه جي ومحمود الجليلي  ومحمد صديق الملاح وكان ممن استنسخ المخطوطة عبد المحسن ابن ملا عبد الله .
اول من ارخ له صاحب الشمامة الشاعر عبد الباقي العمري واخر من ترجم له عبد الله السويدي البغدادي .وبين الاول والاخير ترجم لأربعين شاعرا موصليا معاصرين له منهم ابو الفضائل علي العمري ، وياسين  افندي بن محمود المفتي ، ويحيى افندي فخري زادة المفتي وخلي البصيري والحاج قاسم الرونقي ال عبد الجليل ومصطفى بن علي الغلامي وقاسم الرامي وجرجيس الشاعر بن درويش والحاج محمد العبلدلي الطبيب وموسى بن جعفر الحداد ومحمود الكردي والحاج خليل بن  خدادة الكاتب وعلي الوهبي الجعفتري وحمد الجميلي وعبد الوهاب بن حسين الامام وصالح بن المعمار ومصطفى كمال الدين البكري المقدسي .
اكتفي بهذا القدر واقول رحم الله الشاعر الموصلي الكبير محمد بن مصطفى الغلامي وجزاه خيرا على ما قدم وما قدمه ساعدنا في معرفة شعراء الموصل في القرن الثامن عشر الميلادي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...