الدكتور كريكوري كوساج
غلاف كتاب شيوعيو الشرق الأوسط في الاتحاد السوفييتي (باللغة الروسية )
الاستاذ قاسم حسن
قاسم حسن ...المتنور العراقي اليساري الكبير 1910-1970
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
منذ سنوات بعيدة ، كنت أقرأ للاستاذ قاسم حسن . ولدي بعض مؤلفاته ومنها كتابه الرائع (بوابة ثورات القرن العشرين ) . وكنت اريد أن اكلف احد طلبة الدكتوراه ان يكتب عنه اطروحة، لكن الرياح جرت بما لاتشتهي السفن .
اقول ان قاسم حسن من أوائل الشيوعيين العراقيين ، وله تاريخ قد يضاهي ان لم أقل يسبق تاريخ يوسف سلمان يوسف (فهد ) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي سنة 1934 . ذلك انه كان طالبا في (الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق ) مع عبد الحميد الخطيب وهو مدرس كيمياء بغدادي وعاصم فليح وهو خياط ويوسف سلمان يوسف منذ 1929 و بعد ذلك بقليل .
يقول المؤرخ السوفيتي الروسي كريكوري كوساج * في كتابه الموسوم : ( شيوعيو الشرق الأوسط في الاتحاد السوفييتي ) ، وفيه فصل عن الشيوعيين العراقيين عنوانه ( الشيوعيون العراقيون في الإتحاد السوفييتي ) :" كان أول طالب عراقي في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق هو عبد الحميد الخطيب (بالإسم المستعار خالد) ، وقد وصل إلى موسكو في آب عام 1929.
أما الطالب الثاني فهو عاصم فليح الذي ورد اسمه في وثائق الجامعة. وصل عاصم فليح (بالإسم المستعار صائموف) إلى عاصمة الاتحاد السوفييتي - موسكو في سنة 1931 واستقر فيها، ودرس في (الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق ) في الفترة بين سنتي 1934 – 1935. وقد اعتبر عاصم فليح ممثل الشيوعيين العراقيين في المؤتمرالسابع للأممية الشيوعية مع قاسم حسن أحمد الشيخ ( تحت اسماء مستعارة هي مريد، ناظم تمين، زقور نعيم) .هذا فضلا عن يوسف سلمان يوسف (الإسم المستعار هو فردريك، برنارد فريدريك).
لقد مكث ( قاسم حسن أحمد الشيخ ) ، وهذا هو اسمه الكامل في موسكو لمدة سنة واحدة، وغادرها في سنة 1936 بعد أن انهى الدراسة في (الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق وعاد إلى العراق . ومكث يوسف سلمان يوسف في موسكو ، حتى سنة 1937، و أصبح لاحقاً قائداً ، ومؤسسا للحزب الشيوعي العراقي سنة 1934 " .
يقول المؤرخ السوفيتي الروسي كريكوري كوساج في كتابه المشار اليه آنفا :"في نهاية العشرينيات ، وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي القرن العشرين ظهر لأول مرة في (الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق ) ، طلبة من العراق. وكان عددهم قليلا ولم يتجاوز أربعة طلاب. ولم يصل هؤلاء الطلاب إلى العاصمة السوفييتية في وقت واحد، بل بطرق مختلفة ، وبمبادرة من المجاميع الشيوعية الفاعلة في الشرقين الأدنى والأوسط، ، والحديث يدور هنا بالدرجة الرئيسية من ايران.إن مثل هذه المبادرات لم تأت نتيجة لنشاط هذه المجاميع ، بقدر ما تعكس اهتمام (الكومنترن) بالعراق الذي يستند على قدر من الأسس، رغم أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال تجاهل مبادرات هذه المجاميع. فالعراق كان يعاني من عدم الاستقرار الداخلي أولاً، وثانياً أن حصول العراق على الصفة القانونية كدولة مستقلة سياسياً كان سنة 1932، لم يُغيّر من الواقع الحقيقي، وهو الدور المهيمن لإنتداب بريطانيا العظمى على البلاد. إن معارضة شعب البلاد للدولة المنتدِبة قد طرح في البداية على سكرتارية الأممية الشيوعية تحت اسم (ميسوپوتيميا) ".
وقد يكون من المناسب القول ، ان المؤرخ السوفيتي الروسي كريكوري كوساج عاد الى مايعرف اليوم ب ( ارشيف الدولة الخاص بالتاريخ الاجتماعي والسياسي الروسي، وتحديداً في القسم المتعلق بالعلاقة بين الكومنترن والشيوعيين العراقيين) في موسكو .
ومما ذكره هذا المؤرخ عن الاستاذ قاسم حسن ، والشيوعيين العراقيين الاوائل :"من المناسب العودة إلى موضوع الطلبة االعراقيين في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق، حيث تطرح العديد من الأسئلة في تعابير أخرى: ما هي مهنهم وما هو العامل المشترك بينهم؟ أو السؤال عن ما هو العامل الذي أدى إلى تأسيس الحزب في حالة إنتماء مثل هؤلاء الأعضاء إليه؟ والجواب على هذا التساؤل إن أعمار هؤلاء الطلاب تدل على أنهم ينتمون إلى جيل واحد. وحسب تأكيدات عبد الحميد الخطيب، فإنه قدم إلى موسكو بعد أن جرى تعيينه مدرسا للفيزياء في إحدى المدارس العراقية . وقبلئذ كان عبد الحميد الخطيب قد أنهى الدراسة في (مدرسة الصنائع العراقية ) وأرسل إلى البصرة حيث قام بالتدريس في أحدى المدارس هناك لمدة سنة دراسية واحدة . ويمكن القول إن عمره لم يتجاوز العشرين عاما. وفي أغلب الظن إنه ولد في الفترة بين 1909 و 1910. وولد يوسف سلمان في سنة 1901 وعاصم فليح في سنة 1903 وقاسم حسن في سنة 1910. وقد وحدتهم ( بغداد) كمسقط رأسهم. وكان عبد الحميد الخطيب من عائلة ميسورة الحال.
أما عاصم فليح ، فقد ولد يتيماً من أب معلم، واشتغل في الهند ، ولم يكمل حتى تعليمه الإبتدائي، حيث لم يجلس على مقعد الدراسة سوى لمدة سنتين ونصف. وترك الدراسة لمساعدة عائلته ، وأصبح خياطاً ، واختار مهنة والدته. وسار على هدى الطريق الذي سار عليه يوسف سلمان يوسف (فهد ) في طفولته، حيث شارك مسار رفاق دربه في العقيدة. ولد البطل الرسمي اللاحق للحزب الشيوعي العراقي(فهد) في عائلة مارست مهنة الخبازة، إلاّ أنه يختلف عن (الشيعي ) عاصم فليح. فيوسف سلمان يوسف مسيحي كلداني .ودرس في الفترة التي سبقت سنة 1912 في مدرسة مسيحية في بغداد، ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى 1914 ، واجبره أبوه على التوجه إلى البصرة للدراسة في المدرسة التبشيرية الأمريكية في البصرة.
وأخيراً، نعرج على المنحدِر من الطائفة ( السُنّية ) قاسم حسن أحمد الشيخ. فالشيخ كان ابن [ ضابط ] في الجيش العثماتي، ودرس في كلية الحقوق التي كان من الممكن أن تفتح أمامه أبواب الرزق ويصبح محامياً في بغداد. إلاّ أنه لم يكمل دراسته في تلك المدرسة .
عاد قاسم حسن أحمد الشيخ إلى موسكو في سنة 1941 بسبب اندلاع الحرب العراقية - البريطانية في آيار من السنة نفسها حيث أعلن عن مشاركته فيها . وأمل في أن يحصل على اللجوء السياسي، ومن جديد دوّن سيرة حياته. وجاء في مدونة السيرة ما يلي : " إنني إبن ضابط في الجيش التركي [ العثماني] ، وكان أبي الموظف الوحيد في العائلة التي اشتغل أفرادها كعمال. وكان والدي يشغل رتبة لواء في الجبهة الشمالية من العراق في فترة الحرب الأمبريالية الأولى عندما أحتل الجيش البريطاني العراق. وقد وافته المنية في كردستان العراق، وقد دس له السم من قبل عميل بريطاني". ويستطرد قاسم حسن في تدوين سيرته قائلاً: "وبعد وفاته لم يبق للعائلة أي مصدر للرزق. وانتقلنا إلى بغداد ، حيث مكثنا فيها ثلاث سنوات في بيت واحد مع أقرباء لنا لحين حصول أخي الأكبر على راتب يسد قوت العائلة. في السنوات 1924-1928، انهيتُ الدراسة المتوسطة واضطررت إلى العمل كعامل. وقتها كنت أعمل في النهار ، واستمر في الدراسة المسائية. وبدأت بدراسة التاريخ والعلوم الاجتماعية. وكان تاريخ ثورة اكتوبر الاشتراكية أحد المواضيع التي اوليت له جل اهتمامي في الوقت الذي تصاعدت خلالها موجة الحركة الوطنية الثورية ضد الأمبريالية البريطانية" .
ومما يثير الإهتمام إن الخيار الشيوعي (أو بالأحرى التطلع الى بلوغ الوضع المأمول كلاجئ ) قد أرغم هذا الشخص على تعديل سيرته الذاتية. أنه لأمر سئ كون المسؤولين في الكومنترن ، ليسوا على معرفة جيدة بالبلاد التي تنشط فيها منظمات لها علاقة بهم. وكيف إستغل عدم المعرفة هذه وجمود تفكير رجال اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية الأفكار والممارسات الشيوعية بعد دخول الإتحاد السوفيتي الحرب العالمية الثانية (يكفي ان نشير بهذا الصدد الى التفسير المعادي للإنكليز الذي طرحه قاسم حسن أحمد الشيخ .. في حادثة وفاة والده).
لم يتقن عاصم فليح سوى اللغة العربية ، أما يوسف سلمان يوسف، الذي عمل، بعد انهاء الدراسة في المدرسة التبشيرية عام في البصرة سنة 1916، مترجماً في الجيش البريطاني، فقد كان يجيد اللغتين العربية والانجليزية. أما فيما يتعلق بقاسم حسن أحمد الشيخ فإنه كان يتحدث بطلاقة اللغات العربية، والتركية ، والكردية والانجليزية .وقدم تقريره باللغة الانجليزية . وعلى الرغم من التباين في منحدرات هؤلاء الشباب الاجتماعية ومستوى تعليمهم، إلاّ أن ذلك لا يعني أن الطريق والمصير الذي اختطوه كان متعارضاً. على العكس، فقد واجهت الجميع ظروف مؤثرة من شأنها أن وحدت ابن الضابط الكبير السابق الذي ينحدر من من مجموعة أثنية ودينية غير مرموقة وممثل طبقة متوسطة انحدر بسبب عوامل عائلية نقلته من واقع الصدف إلى مرتبة اجتماعية متدنية " .
وعن الاستاذ قاسم حسن ، يقول الدكتور كريكوري كوساج :" لقد أدى إعلان الدولة العراقية إلى تغيير في أولويات االعراقي ومصيره. وتشكل وضعً انطوى على حراك اجتماعي لم يسبق له مثيل ، وتدمير المؤسسات الاجتماعية القديمة التي بدت غير قابلة للتغيير. فهل كان من الممكن لإبن [جنرال] في الجيش العثماني، الذي تعرض للهزيمة بين القوى المتصارعة، أي دول المتروبول، أن يحتفظ بمكانته الاجتماعية السابقة ؟ ألا كان من الأفضل أن يستمر، على سبيل المثال قاسم حسن أحمد الشيخ ، بنمط الحياة التي عاشها، قبل الحرب العالمية الأولى، والإنخراط في مهنة والده العسكرية في الجيش العثماني. وهل أنه اختار حقل دراسة الحقوق لأن الخيار الأول بدا وكأنه ضرب من الخيال ؟ بالطبع أن الدراسة في كلية الحقوق تتطلب موارد مالية ، وشكل ذلك العامل الذي أدى إلى عدم قدرة قاسم حسن أحمد الشيخ على الاستمرار بالدراسة. ومن المحتمل أنه لم يكن بإستطاعته توفيرالمبالغ الكافية كي يصبح محامياً.
إن تطور الأحداث اللاحقة في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي أصبحت متوقعة. وعمل قاسم حسن "كاتباً في وزارة المعارف [التربية ] " (عندما احتاجت الدولة العراقية إلى المعلمين من أجل تأسيس المعاهد التعليمية). ثم تعرض قاسم حسن
إلى الفصل من الوزارة لاحقاً جراء "نشاطه الشيوعي" . كما جاء في وثائق الكومنترن، علما إن صفحة الأعمال الخاصة بقاسم حسن أعدت من أجل حاجة الأمن الداخلي في الكومنترن ، وليس من المعقول والمستحسن فهم أقوال كاتبها حرفياً "، ولم يوضح مكان انتقاله إلى وظيفة محاسب هذه المرة. الحديث يدور عن تدهور لاحق للحالة المعيشية وإنحطاط الوضع الاجتماعي، وكذلك عدم وجود وارد مستقر له. أضطر قاسم حسن أحمد الشيخ جراء فقدان عمله في بغداد إلى الانتقال إلى بعقوبة حيث تولى مهمة تأسيس خلية شيوعية فيها ، ثم عاد لاحقاً إلى العاصمة بغداد وخاض النشاط السياسي العلني.
في 1934 و 1935 عمل الشيخ في جريدة "الأهالي" . وقد أشار إلى تلك الفترة من حياته في مدونته الجديدة التي كتبها في تشرين الثاني - نوفمبر من سنة 1941 في موسكو: " لقد عدت إلى بغداد حيث كان ينشط تنظيمنا الشيوعي كتفاً لكتف مع العناصر الثورية الأخرى التي أصدرت جريدة (الأهالي) . وقد شاركنا بفعالية في هذه الجريدة ، ونشرنا على صفحاتها مقالات دافعنا فيها عن مطالب الطبقة العاملة. وأصبحت ُعلى رأس تحرير هذه الجريدة، وشرعتُ في الوقت نفسه بالدراسة في كلية الحقوق التي تولت إعداد المحامين". ومن جديد صحح قاسم حسن أحمد الشيخ سيرته الذاتية .
كتب المرحوم الاستاذ حميد المطبعي في موسوعته (موسوعة أعلام وعلماء العراق) عن قاسم حسن فقال انه قاسم حسن أحمد الشيخ 1910-1970 " سياسي دمقراطي ، أسهم في تأسيس الحزب الوطني الدمقراطي سنة 1946 وجريدة الحزب (الاهالي ) وكان قبل ذلك متنورا يساريا محاربا اشكال الغزو الثقافي الاستعماري البريطاني في العراق والعالم .ولد في بغداد سنة 1910 وعرف في شبابه بإسمه قاسم حسن أحمد الشيخ .
تخرج قاسم حسن في كلية الحقوق العراقية وهي الكلية التي تأسست سنة 1908 ومارس المحاماة بعد تخرجه ، لكنه وبسبب نشاطه اليساري ، ونشره العديد من المقالات التي عدت تحريضية تعرض لكثير من مضايقات السلطة الملكية الحاكمة في العراق .
أسهم في مؤتمرات عديدة منها ( مؤتمر التضامن الاسيوي -الافريقي ومؤتمر المحامين العرب بدمشق - سوريا .وبعد نجاح ثورة 14 من تموز سنة 1958 وسقوط النظام الملكي في العراق عين سنة 1959 سفيرا للعراق في العاصمة الهندية دلهي ثم في العاصمة الجيكوساوفاكية براغ وبعدها احيل على التقاعد .
من مؤلفاته :
1.أثر الدعايات الاجنبية والمبادئ السياسية الحديثة في بلادنا 1939
2.جهاد العرب القومي في فلسطين 1939
3.الحلف بين الصهيونية والاستعمار 1946
4.لمحات من تاريخ التطورات الاجتماعية في الغرب وظهور المشكلة اليهودية وقيام اسرائيل جزء 1 1958
5.اسرائيل دولة فاشية 1960
6. بوابة ثورات القرن العشرين 1969
طبعا ، لم يكن الاستاذ حميد المطبعي ولاغير الاستاذ حميد المطبعي يعرف آنذاك ان الاستاذ قاسم حسن من رواد الحركة الشيوعية في العراق ، ومن مؤسسيها ، وانه ، ومن خلال وثائق الكومنترن التي كشف عنها مؤخرا درس في (الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق) في موسكو ، وانه كان من ممثلي الشيوعيين العراقيين مع عبد الحميد الخطيب ، وعاصم فليح في المؤتمرالسابع للأممية الشيوعية ( تحت اسماء مستعارة هي مريد، ناظم تمين، زقور نعيم) .هذا فضلا عن يوسف سلمان يوسف (الإسم المستعار هو فردريك، برنارد فريدريك).
في العدد 378 - 379 من مجلة ( الثقافة الجديدة ) العراقية الصادر في تشرين الثاني 2015 ، نشر الدكتور عبد الله حبه ، ومن أرشيف الكومنترن، تقرير قاسم حسن السري للغاية الى الكومنترن بعد ان ترجمه عن الروسية في 16 كانون الثاني -يناير 2016
وكان الاسم المستعار لقاسم حسن الذي كتب التقرير هو (الرفيق زهير نعيم ) وادناه نص التقرير الذي وجدت ان المؤرخ الروسي الدكتور كريكوري كوساج رجع اليه ايضا :
" عندما عدتُ من الاتحاد السوفيتي الى العراق في تشرين الاول - اكتوبر 1936 بعد المشاركة في المؤتمر السابع للكومنترن KU ، كان قد اعتقل جميع قيادة الحزب الشيوعي، وكان صائيموف [الاسم الحركي لعاصم فليح ] سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي معتقلا ايضاً، ولم يبق من الجهاز السري سوى شخص واحد – كفاح الشعب – وهو رجل قوي شديد العزم جداً ، وشيوعي جيد، وفي أيار - مايو 1935 زينت بغداد كلها بالأعلام الحمراء، وكان عدد افراد الحزب قليلا ، ولكنهم عملوا الكثير بحيث تولد لدى الحكومة انطباع بان الحزب يضم آلاف الافراد ، وانهالت الحكومة بالقمع الشديد على عوائل الشيوعيين، ونزعوا العباءات عن الزوجات والأخوات للشيوعيين ومارسوا شتى اصناف الأذى الاخرى ضد افراد العوائل.
كانت توجد لدى سكرتير اللجنة المركزية (صائموف) وهو [عاصم فليح ] ورشة خياطة ، وقامت الشرطة بمهاجمتها وادى التعسف ضد افراد عائلته والاعتداء عليه بالضرب (افقدته الشرطة إحدى عينيه) الى اصابته بمرض عصبي. وعندما وصلتُ بغداد إعتقلوني ايضاَ بعد مرور اسبوعين بتهمة كوني أعمل في الحزب الشيوعي السري منذ وقت بعيد، وتم اعداد ملف كبير ضد الشيوعيين، وحكم على اثنين بالسجن لمدة عامين وعلى واحد بالسجن لمدة عام واحد.
ولم يستطع ( صائموف ) مواصلة العمل بصفة سكرتير اللجنة المركزية (من نهاية 1935 وحتى شباط - فبراير 1936). وأعددتُ المواد على اساس قرارات المؤتمر السابع، حول الجبهة الوطنية ضد الامبريالية وأعطيتها الى [جريدة ] (كفاح الشعب) لنشرها سراً.
وبدأ الحزب بالنضال من اجل الجبهة الوطنية الموحدة سويةً مع جماعة (حزب الشعب ) العامل سراً ايضاً، لكن لديه جريدة علنية، وكان هذا الحزب يضم الاشتراكيين المتعاطفين مع الحزب الشيوعي والوطنيين الثوريين وقادة معروفين جيداً للحركة الوطنية في 1920.
ويواصل قاسم حسن تقريره ويقول :" في سنة 1936 سافرتُ الى سورية وكتبت عدة تقارير في بيروت الى الرفيقين آرتين ، وفرج الله الحلو – سكرتير المنظمة اللبنانية – للحزب الشيوعي ، وفي الوقت نفسه شاركتُ في حملة الصحافة السورية واللبنانية ضد الحكومة العراقية الرجعية، ومن هناك كتبت عدة تقارير الى الحزب الشيوعي العراقي UKKU، كما ارسلت تقريرا الى UKK لأنه تنفيذاَ لقرار UKKU يجب علينا ان نرسل في كل عام ( 5 ) أشخاص للدراسة في موسكو، حيث لم توجد لدينا كوادر مؤهلة من اجل العمل الحزبي القيادي، ولم يتوفر لدينا المال من اجل تقديم المساعدة الى عوائل رفاقنا، ولم اعرف شيوعيا واحداً لديه عمل، ولم تكن لدينا نقود من اجل الصحيفة، وقدّم لي سكرتير تنظيم لبنان كل مساعدة ممكنة حين كنت في لبنان ، وفي آب - اغسطس 1936 عدت الى العراق.وكتبتُ من بغداد عبر الحزب الشيوعي البريطاني ، وبالذات برادلي، وبالم دات، وكذلك عبر الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي عدة تقارير الى UKKU (العناوين الانكليزية والتشيكوسلوفاكية حصلت عليها في موسكو حين كنت في المؤتمر العاشر للكومنترن KU "الأممية الشيوعية".
وفي عام 1936 تولى السلطة الشعبيون [يقصد جماعة جمعية الاصلاح الشعبي بعد انقلاب الفريق الركن بكر صدقي 1936 ] ، وأقامت الحكومة نظاماً ديمقراطياً، وحددت ساعات العمل بـ (8 ) ساعات يومياً، وتدفع الاجور لدى المرض، وأطلقت الحريات المدنية : تنظيم الاحزاب والنقابات واضطر كبار الاقطاعيين لاستقطاع اجزاء من الاراضي الى الفلاحين ، وعملنا مع الشعبيين على اساس هذا البرنامج الديمقراطي، وصار الناس يتحدثون ويفكرون بأن الحكومة شيوعية، وأصبح (حزب الشعب) علنياً لكن الحزب الشيوعي لم يصبح علنياً، وفي ذلك الوقت اختفت الاحزاب الرجعية من الوجود، وطالبنا حكومة الشعبيين منذ الاسبوع الاول بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، ونظمنا عدة مظاهرات في الشوارع وكتبت حوالي (15 ) لافتة، وأرسلنا صورها الى الحزب الشيوعي السوري.
وفي هذه المرة ارسلني يوسف سلمان يوسف سكرتير اللجنة المركزية الى الاتحاد السوفيتي ، وكلفت بإبلاغ UKKU بالوضع السياسي والتنظيمي للحزب الشيوعي العراقي، ولم تكن لدينا اية اتصالات مع UKKU، وقد انقطعت في الواقع مع الحزب الشيوعي السوري والحزب الشيوعي الفلسطيني، وحرمنا من اية مساعدة نحتاجها على الاخص في الوضع الصعب الناشئ في العراق، ونوقش موضوع سفري الى الاتحاد السوفيتي في اللجنة المركزية قبل شهر من سفري الى هناك" .
واضاف :" اعيد تنظيم حزبنا في سنة 1940 بقيادة الرفيق يوسف سلمان يوسف (فهد ) . وكان قد عاد من الاتحاد السوفيتي في فترة 1938 - 1939 ويشغل في الوقت الحاضر منصب سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، علاوة على ذلك تضم اللجنة المركزية الرفاق: عبد الله مسعود – سكرتير اللجنة المركزية، سعيد خليل، جورج (مسؤول النقابات)، وادي ماروغي [وديع مروكي ] وأنا.
وفي التقرير يورد كاتبه السير الذاتية لعدد من الشيوعيين الرواد فيبدأ بالرفيق (فهد ) ويقول : يوسف سلمان يوسف واسمه المستعار (فريدرك او فريدلخ) احد منظمي الرابطة الحزبية والكمسمولية، من اسرة عمالية حقق بالتعليم الذاتي تأهيلاً سياسيا جيداً. ويعتبر الآن افضل مناضل ومنظم في بلادنا، ذو تأهيل سياسي جيد ومتطور، ويتولى رئاسة تحرير الجريدة السرية (النشرة) التي تصدر شهرياً. وبعد مغادرته الاتحاد السوفيتي لم يستطع دخول البلاد لفترة طويلة، وكان في فرنسا وحاول السفر عبر اليونان، وحتى اراد في وقتٍ ما العودة الى الاتحاد السوفيتي، لكنه استطاع في نهاية المطاف العودة الى العراق، الى البصرة، في سنة 1938 وسكن لدى شقيقه، وهو صاحب دكان صغير لبيع المواد الغذائية، وفي البداية لم يشارك في الحركة لأنه كان تحت رقابة الشرطة الصارمة، وكان يرصد حركات له في كل مكان اثنان من عملاء الشرطة، وفي هذه الفترة كان يأتي الى بغداد سراً لليلة واحدة فقط او الى الناصرية للقائي او للقاء الرفاق الآخرين ثم يعود الى محل سكناه، وفي الواقع لم تتوفر لديه الفرصة للعمل في الحزب وفي سنة 1940 فقط دعوته للمجيء سراً والإقامة في بغداد وعرضت عليه مساعدتي المادية، لأنه كانت لدي وظيفة وراتب شهري، وكذلك في الاختفاء. فجاء ، وبدأ بتوحيد الجماعات الحزبية المتفرقة في تنظيم واحد وبتأسيس المنظمات القيادية للحزب، وتولى قيادة الحزب نفسه.
علاوة على ذلك بدأت في هذه اللحظة حركة التحرر الوطني العلنية، مارس الشيوعيون دوراً كبيراً في قيادتها: يوسف سلمان يوسف وأنا وآخرون، وكانت لدينا مجلة علنية.وقد تولى يوسف سلمان يوسف خلال وجود حكومة رشيد عالي الكيلاني في العراق قيادة العمل الحزبي ، وكان مسؤولاَ عن جميع العمل السري، وجميع جهاز الحزب السري، ويعتبر يوسف سلمان يوسف في الوقت الحاضر افضل منظم وأفضل عامل في الحزب، يتمتع بتأهيل ماركسي، وبعد اسقاط حكومة الكيلاني بقي في بغداد لممارسة العمل السري، وإذا لم يعتقل الآن فهيهات ان يتمكن أحد من القيام بأي عمل حزبي، ان ظروف العمل الآن صعبة للغاية، ويعاني يوسف سلمان يوسف الآن من الصعوبات بعد ان حرم من المساعدة المادية، لديه اصدقاء ورفاق في الحزب يقدمون له المساعدة في العيش، لكن يتعين ايقاف العمل الحزبي في اغلب الظن، حيث لا تتوفر الموارد لتنظيم العمل، والإنفاق على العاملين في الجهاز الحزبي، كما ان الرفاق الذين لديهم عمل لا يستطيعون تقديم مساعدة ملموسة، لان الرواتب في العراق ضئيلة جداً ونادرا ما يستطيع المرء ان يطعم نفسه ناهيك عن اطعام عائلته، فمثلاً ان الشيوعيين عبد الله مسعود و[وديع مروكي ] يكسبان من 3.5 الى 4.5 جنيه شهرياً، بينما يعادل غلاء المعيشة في بغداد حوالي 6 جنيهات للفرد الواحد.
وفي التقرير سيرة قاسم حسن وكما يلي : زهير نعيم وهو (قاسم حسن)، ( واسماءه المستعارة مريد وكذلك ناظم ثمين) ، اما ما يتعلق الامر بي، كما يقول زهير نعيم أي قاسم حسن عن نفسه : " فأنني شاركت في النضال في الفترة الاخيرة، وتوليت قيادة نضال الانصار في الفلوجة، وبعد اخماد الحركة نفيت الى ايران، وبودي الآن البقاء في الاتحاد السوفيتي كلاجئ سياسي والعمل في مجال الاذاعة والنشر (ربما بصفة مترجم الى اللغة العربية، او الكتابة بالعربية)... الخ.لكن اذا وجدت الأممية الشيوعية KU ضرورة ارسالي للعمل في البلاد، فأنا مستعد للسفر ولو أنه صدر عليَّ هناك الحكم بالسجن المؤبد بقرار صدر ضد جميع قادة حركة 1941 الهاربين الى ايران، لم يصدر قرار بحقه شخصياً.
وعن عبد الله مسعود جاء : عمره حوالي 28 الى 29 عاماَ، في البصرة درس في المدرسة الثانوية ، من عائلة فقيرة وحصل على التعليم بجهده الخاص، فكان يدرس ويعمل في آن واحد، قبل انضمامه الى الحزب مارس العمل الثوري في البصرة، يجيد اللغة الانكليزية، داعية جيد ، وكاتب جيد في المواضيع الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالوضع في العراق، انضم الى الحزب في فترة 1938 - 1939.
وادي ماروغي ( المقصود وديع مروگي – ع.ح.) عامل من اعضاء الحزب القدامى، منظم جيد لجماهير العمال، تأهيله متوسط، يعمل في بغداد في ورشة لإصلاح السيارات، يوزع المناشير بشكل جيد.
سعيد خليل من اعضاء الحزب القدامى، قائد عمال السكك الحديدية من عائلة عمالية فقيرة، تأهيله السياسي متوسط، داعية جيد.
جورج فيلسوف وكاتب، ذو تأهيل نظري جيد. يدرّس العمال ويعمل موظفاً في التلغراف، يكتب في المجلات العربية في سورية حول التاريخ والأدب، يقرأ كثيراً حول قضايا النظرية الماركسية.
وجاء في التقرير ايضا :" ان احد اكبر النواقص في عمل حزبنا هو غياب الاتصال المباشر بين الحزب الشيوعي العراقي واللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية UKKU وجرت عدة محاولات لإقامة اتصال لكنها لم تكلل بالنجاح، فمثلاً حاولنا منذ سنة
1936 اقامة اتصال ومن ثم في سنة 1937 وحاولنا ان نرسل الى الاتحاد السوفيتي الرفيق [وديع مروكي ] لهذا الغرض ايضاَ، وأنا حاولت مرارا المجيء الى الاتحاد السوفيتي ولم يتسن لي ذلك الى الآن، وفي سنة 1940 ارسلناه (المقصود وديع مروكي ) مرة اخرى الى الاتحاد السوفيتي، لكنه عاد من الطريق، اننا ارسلناه عبر سورية لكن الرفاق السوريين قالوا لنا ان الحزب الشيوعي العراقي لا يجب ان يقيم اتصالا مستقلاً مع اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، ويجب ان يفعل ذلك عبر الحزب الشيوعي السوري
كانت اللجنة المركزية تتألف من ( 6 ) اشخاص يوجدون في بغداد. توجد منظمات حزبية في المدن: في بغداد والبصرة والناصرية. وينبغي لكسب العضوية في الحزب الشيوعي العراقي ، التعاون مع الحزب والمشاركة في عمله خلال فترة ما، من دون ان يكون عضواً في الحزب.ومسألة قبول او عدم قبول الرفيق في عضوية الحزب غيابه ويبلغ بالنتيجة، لا توجد أي بطاقات حزبية، ولا تستحصل اشتراكات من الفقراء، اما الذي يعمل فيدفع نسبة معينة من أجور عمله ، حصل الحزب على موارد من نشر دستور الاتحاد السوفيتي، والفصل الرابع من موجز مقرر تاريخ الحزب الشيوعي الروسي (البلشفي) الصادرين بـ ( 1500) نسخة.ونبعث كثيراً من الشيوعيين للعمل مع غير الحزبيين ولممارسة الدعاية ضد الامبريالية، يوجد في المنظمة الحزبية كلها حوالي (70 ) عضواً، علاوة على ذلك يوجد عدد كبير من المناصرين في اوساط المثقفين والموظفين في دوائر الدولة.
في الفترة الاخيرة، وأثناء انقلاب رشيد عالي الكيلاني [نيسان - ايار 1941 ] شارك كثير من المثقفين، وفي اثناء المعارك قتل (500) شخص واعتقل( 500 ) واعدم كثير من الشيوعيين جهارا بدون محاكمة.
بدأ تشكيل الحزب في سنة 1934، وفي سنة 1935 اصبح كثير العدد وقوياً، ولكن بعد تولي الحكومة الرجعية السلطة في سنة 1937 بدأت الانقسامات الشديدة في صفوف الحزب ، واختتمت بعقد بلينوم (اجتماع موسع - المحرر) تقرر فيه فصل يوسف متي وزكي خيري من الحزب ... ، وبقي الحزب خلال عدة سنوات يتألف من جماعات وكتل متفرقة، ثم بدأت عملية التوحيد في منظمة واحدة ضمت جميع الشيوعيين في العراق، لكن لم تدخل جميع المنظمات في الحزب حتى الوقت الحاضر.
المنظمات الجماهيرية في العراق .وفي الوقت الحاضر لا توجد اي منظمات جماهيرية فقد اغلقت جميعها. وتوجد فقط منظمات دينية تؤيد الامبريالية البريطانية. وتضم هذه المنظمات فقط الفئات القيادية من رجال الدين. وهذه المنظمات تشبه نوادي رجال الدين التي تضم 25 - 30 شخصاً.
يوجد حزب واحد نصف فاشي يتزعمه صائب شوكت ، ويضم الحزب 200 عضو جلهم من الموظفين والمعلمين الخ فقط، والشيوعيون لا يعملون في هذه المنظمة، والانضمام اليها صعب جداً، ويتطلب توصية من ( 3 ) اشخاص وتدرس لدى الانضمام بدقة مسألة مكان الولادة والوالدين وهلم جرا.
وعن حزب الشعب جاء في التقرير انه " حزب ثوري، غير علني في الوقت الحاضر، ويضم (15000) عضو يتمتع الشيوعيون بنفوذ فيه وتوجد لدى بعض الشيوعيين صلات مع قادة وأعضاء حزب الشعب، وكثيرا ما تعقد مؤتمرات (كونفرنسات) صغيرة لمناقشة بعض القضايا.والقسم الاساسي من الاعضاء هم من ممثلي البرجوازية الصغيرة في المدن، وأحد قادة الحزب [الحزب الوطني ] هو السيد جعفر جلبي ابو التمن القريب جداً منا، ويشاطر الشيوعيين آراءهم ولا ينضم الى الحزب لإعتبارات شخصية.(سجل من حديث زهير – كوزلوف) 28 كانون الاول - ديسمبر 1941
يقول المؤرخ السوفيتي الروسي كريكوري كوساج :"ومن المناسب الاستناد إلى وثيقة أخرى. وهي " أوراق من الذاكرة" كتبها (قاسم حسن أحمد الشيخ ) عندما شارك في أعمال المؤتمر السابع للكومنترن، وكان من المنتظر أن ينظر فيها من قبل السكرتارية الشرقية للجنة التنفيذية للكومنترن. ويشير في مدونته أنه في عامي 1928-1929 تأسست في العراق "منظمتين شيوعيتين"،اللتان لم تتوحدا إلاّ في عامي 1933-1934 في حزب شيوعي"،
المؤتمر السابع للكومنترن – موسكو
حزيران- آب 1935
(كان من المناسب أن يضيف أن ذلك أنه حدث بعد أن شارك أبو التمن في جمعية الإصلاح الشعبي. إن هذا التنظيم تأسس من قبل الأعضاء الذين عملوا خلال فترة طويلة في جريدة (الأهالي) ، ومن خلالها أطلعوا الرأي العام على ما يجري في الاتحاد السوفييتي. ولهذا أسسوا بيسر جبهة متحدة مع الثوريين الوطنيين ومع المجاميع الوطنية تحت شعار(حرية الوطن) ، و"الانتخاب المباشر على أساس الحق الانتخابي العام"، و"حرية الاجتماعات والصحافة والتنظيم".
وأحتوت ورقة قاسم حسن أحمد الشيخ على عدد من المطالب ومنها "تخصيص ميزانية للشيوعيين في العراق بمقدار ( 3000) فرانك فرنسي من أجل إصدار صحيفة علنية ومساعدة تنظيم الحزب ألخ"
إن صورة كلتا المجموعتين الشيوعيتين تنطوي على تفاصيل جوهرية. والحديث لا يدور حول السمات الشخصية لعاصم فليح ، وقاسم حسن أحمد الشيخ ، في استخدام الصحافة الرسمية من أجل تبادل الهجمات ومن ضمنها عن العلاقات المختلفة للمراكز الشيوعية العراقية. ففي حالة المجموعة البغدادية فقد كانت على صلة بالحزب الشيوعي السوري، الذي يرعى هذه المجموعة ويمدها بالوسائل التي تقدمها السكرتارية الشرقية من خلال وجود م.م. الجزائري [ محمود الأطرش( محمود الجزائري) وهو سوري 1903-1981] في عضويتها، كما هو الحال في تسهيل سفر قاسم حسن أحمد الشيخ إلى موسكو، أما بالنسبة إلى المجموعة البصرية فإنها على صلة بالحزب الشيوعي الإيراني الذي يعمل مع مصدر الصلة – ممثلو المؤسسات السوفييتية في الخارج.إن الكومنترن الذي كان يتولى معالجة القضايا المتعلقة بتوسيع النفوذ السوفييتي، والاستخبارات الخارجية التي تتولى مهام أمن الإتحاد السوفييتي، كانتا مؤسستان تتعاونان وفي الوقت نفسه تتنافسان؟ حقاً أن واقع وجود تنظيمات مختلفة من الشيوعيين العراقيين ليس الواقع الوحيد، بل أكد الوضع العام "للتعاون مع المنافسة" . المنافسة نعم، ومن الطبيعي في حالة عدم وجود وجهات متقاربة بين الشيوعيين العراقيين، فلا يوجد موقف واحد يدعم الموقف بين "المتنافسين". لم يكن عيد الحميد الخطيب العضو الوحيد في المجموعة البصرية، الذي أقام صلة مع المؤسسة السوفييتية في إيران. فقد أقام هذه الصلة أيضاً يوسف سلمان . وفي حالات الضرورة فمن الممكن أن يتوجه أعضاء المجموعة الشيوعية البغدادية إلى نفس المؤسسة.
لقد حاول قاسم حسن أحمد الشيخ أن يغادر العراق متوجهاً إلى موسكو عبر ايران في سنة 1941. ولهذا احتاج إلى توصيات إيجابية من قبل موظفي السفارة السوفييتية في طهران، وهو اجراء طبيعي بالنسبة له، خاصة في ظل الحرب العراقية البريطانية، ووجود القواعد العسكرية البريطانية على الأراضي العراقية. وبالرغم من اهمية هذه التفاصيل، إلاّ أنه يوجد ما هو أكثر أهمية هو "تبرعم" الشيوعيين من المجموعتين البغدادية والبصرية من الحزب الوطني وجمعية الإصلاح الشعبي.
في آذار سنة 1935 أكد أعضاء المنظمة العراقية الموحدة للشيوعيين في منشور حمل عنوان ( ماذا نريد؟ ) موجهة إلى الانتفاضة الفلاحية في سوق الشيوخ في الفرات الأوسط على مايلي:"إن ثورتكم هي ثورة حقيقية، تغلي لسنوات طوال في قلوبكم. إنها إندلعت ليست استحابة لجشع ياسين الهاشمي وجميل المدفعي وعلي جوت الأيوبي وجعفر العسكري [رؤساء وزراء في العراق ] . أنهم لم يستلموا السلطة من أجل إحداث تغيير في حياة الملايين من الكادحين ، بل بالعكس، فإن كل واحد منهم قي أدلى بدلوه في تكبيلنا بقيود العبودية، باتفاقيات وملحقات لهذه الاتفاقيات على شاكلة اتفاقيات النفط . إن الأسماء المشار إليها لم تبق على أي شك: والحديث يدور حول أناس شرعوا منذ ( 16) سنة ولحد الآن بالإتفاق حول الأمير فيصل ورفعوا شعار (الثورة العربية الكبرى) .
لم يكن الشيوعيون العراقيون يعترفون بما يقال عن السيادة الوطنية لبلدهم ؛ ففي خطاب لقاسم حسن أحمد الشيخ في جلسة المؤتمر السابع للكمونترن أكد : " إن الامبريالية البريطانية انتقلت من إدارة الانتداب المباشر في معاهدة سنة 1930. ولكن هذه الاتفاقية... كرست وأضفت طابع خلود للإدارة الانجليزية على العراق كمستعمرة لبريطانيا العظمى . وطرح بلغة أشد حدة مسألة استمرار الاحتلال الاستعماري للعراق خلال النقاش حول تقريره. :" ليس من الصحيح القول أن الجماهير الشعبية في العراق تقع تحت طائل إدارة الحكومة الوطنية، إنها تعاني من النير المباشر للأمبريالية البريطانية....إن العراق مستعمرة للأمبريالية البريطانية، والجماهير الشعبية تئن تحت أفواه السلاح الانجليزي....وفيصل يمثل تحالف الإقطاعيين والكومبرادور[البرجوازية الكبيرة ] ...وتوجد في العراق حركة تحررية وطنية جبارة، ويعتبر الحزب الشيوعي العراقي أن من واجبه تنظيم هذا الحزب تحت قيادة الكومنترن على أساس الدور الطليعي للطبقة العاملة.
ومما قاله قاسم حسن في خطابه :" إن من كان يعتبر نفسه شيوعياً في العراق في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي ، كان من المشاركين في العملية السياسية المحلية، التي تتحدد مهمتها الأساسية في تعبئة الجهود لإضفاء طابع وطني على الدولة التي أنشأت من قبل قوة خارجية. فهذه القوة الخارجية هي التي كرست كل نواقص وعيوب وأمراض هذه العملية - كالمناطقية المعبرعنها أيضاً في نزعة صريحة معادية للشيعة ، (إذا كان الأمر يتناول المجموعة الشيوعية البغدادية أو المفردات المعادية للسامية ، و التقليل من أهمية احراز استقلال الدولة أو الميل للحصول على وصاية القوى الخارجية حتى "الأخوية" منها حتى ولو كان الحزب الشيوعي السوري "الشقيق" . وفي الوقت الذي يجري التمسك بالبطولة ظاهرياً بشعار تحقيق المبادئ البلشفية (بإعتبارها الأداة لمواجهة بريطانيا العظمى)، ولكن كان عليهم تعبئة كل جهودهم لتحقيق "المصالح العليا" للحركة "من أجل التحرر الوطني"، وليس دعم تلك القوى السياسية في البلاد التي تحصل على تمويل لها من قبل ألمانيا النازية أو ايطاليا الفاشية (بدعوى التحرر من نير الأمبريالية البريطانية). ولعل أبرز مثال على ذلك مواقف الشيوعيين تجاه الانقلاب العسكري لرشيد عالي الكيلاني في نيسان -مايس - ايار 1941، وهو ما أكده قاسم حسن أحمد الشيخ في موسكو في سيرة حياته حيث قال:" لقد شاركت في الحركة الفدائية وأضطررت للهرب إلى إيران كلاجئ سياسي ".
يقول المؤرخ الدكتور كريكوري كوساج : القضية تتحدد في الدور الذي لعبه الشيوعيون العراقيون في العملية، وماهية علاقتهم باللاعبين الآخرين، وفي نهاية المطاف ، ماهي الأطراف التي إعتبروها حلفاء أو خصوم لهم؟ إن الجواب على الجزء الثاني من هذا السؤال يخلو من التعقيد. فإذا ما كان خصوم الشيوعيين هم بالدرجة الأولى العراقيون المناصرون "للفكرة القومية العربية"، فهل كانوا من أنصار جعفر أبو التمن وحزبه الوطني، ولاحقاً "الشعبيين" من "ممثلي جمعية الإصلاح الشعبي"؟ لا يوجد في وثائق الحزب في عقد الثلاثينيات على الإطلاق أي انتقاد للأمير فيصل ( الذي تولى العرش لاحقاً) ولا لعائلته، ولا أزاء مجموعة العمل القومي. وهذا الوضع بالضبط يمكننا من اعتبار الشيوعيين العراقيين قوة هامشية.
ويبدو أن هامشيته تكمن في مجال آخر، وتحددت في حالة أخرى، على سبيل المثال العدد القليل من أنصار الفكرة الشيوعية. فحسب رواية قاسم حسن أحمد الشيخ، عندما عاد إلى العراق من موسكو سنة 1936، "كان عدد نشطاء الحزب بضعة رفاق.... ولكن هؤلاء الرفاق ذوي ميول يسارية، إثنان منهم أعضاء في اللجنة المركزية....وبعد تنحي صائيموف [عاصم فليح بعد اعتقاله وتعرضه للتعذيب الشديد] ، بقينا أربعة رفاق، إضافة إلى آخر ميكانيكي، إلاّ أنه أمي.
ولكن بعد مضي بعض الوقت، أعلن قاسم حسن أحمد الشيخ في موسكو بأن الحزب "قوي"، وإنه يستمد قوته من " فعالية أعضائه". ولكن كل ذلك مجرد كلمات، جرى تلفظها من أجل الحصول على الدعم المادي من قبل الكومنترن قبل كل شيء.
وأورد كاتب التقرير معطيات أخرى ، ومن ضمنها "انبثاق عدد من لجان المناطق للحزب ، منها لجنة الفرات الأوسط ، يتولى رفيقان في كل منهما الشؤون التنظيمية بين الوطنيين الثوريين، ولكن يضيف قاسم حسن أحمد الشيخ، " إننا لا نستطيع متابعتهم لأن أحدهم قابع في السجن، والآخر لم يقدم التقارير الضرورية. "ولجنة البصرة مكونة من ثلاثة رفاق، ولديها عدد من الخلايا. ولا يعرف بدقة عدد أعضاء الخلية، وقد جرى حل بعضها، أما البقية فتستمر بنشاطها التنظيمي". وتتالف "لجنة الناصرية من ثلاثة رفاق، يقبع سكرتيرها في السجن. ولديها خلية من التلاميذ- ثلاثة رفاق-، وخلية أخرى من ثلاثة خلايا لصباغي الأقمشة والأخرى لباعة الصحف والثالثة لصغار الموظفين". "وتضم لجنة الديوانية" ثلاثة رفاق، وثلاثتهم في المعتقل الآن". وهناك " لجنةعمال السكك الحديدية " على خط بغداد –كركوك تحت قيادة مهندس الخط. وأخيراً "لجنة بغداد"ا لتي تتولى مهمة اللجنة المركزية ، وتقود عدد من خلايا العاصمة، ولدينا في الجيش أ- في القوة الجوية وقد قتل إثنان منهم ، وب- خلية في صنف المشاة و تضم ضابط وخليته وفي المدفعية رفيقين"، " ، وفي مدرسة الصناعة في بغداد، هناك ثلاث خلايا يعمل في كل منها ثلاثة رفاق"، و"أ- ثلاث خلايا في شغيلة السكك الحديدية وينتظم في كل خلية ثلاث رفاق ، ب- ثلاث خلايا في المهن الحرة ، الأولى في بين الحمالين والثانية خاصة بالرفاق اليهود
والثالثة بين عمال الجص"، و خلية للحلاقين تضم رفيقين" و "خلية للمستخدمين في وزارة الخارجية تضم رفيقين"، و "خلية في دوائر بلدية بغداد – رفيقين"، و "خلية في دوائر الأوقاف تضم أربعة رفاق "، و"خلية في صناعة الثلج"لا يعرف عددهم. وبالمناسبة تعمل في بغداد"، المدينة العراقية المتعددة القوميات، "ثلاثة لجان مستقلة ذاتياً للأكراد. الأولى تضم ثلاثة رفاق أكراد ، والثانية رفيقان" و "خلية مستقلة للرفاق الآثوريين صلتها بالحزب عبر سكرتيرها وتضم ثلاثة رفاق" .
إن الحديث لا يدور حول منظمة للشيوعيين العراقيين قليلة العدد. إنهم كانوا قوة هامشية من وجهة نظر علاقاتهم بموسكو. " لقد توجه الحزب الشيوعي العراقي،
كما جاء في الوثيقة التي قدمها سكرتيره قاسم حسن أحمد الشيخ، بطلب إلى الكومنترن ليكون فرعاً للأممية الثالثة كي يتلقى بشكل دائم توجيهاته ونصائحه" . هذه الوثيقة تعود إلى سنة 1937.
ولكن المهم هو شأن آخر: هو هامشية الشيوعيين العراقيين بقدر ما يتعلق بالسياسة الداخلية، وعلاقاته الوثيقة المديدة مع العملية العرضية المؤذية مع الوطنيين الجناح "اليساري" للوطنيين – جعفر أبو التمن و "الشعبيين" بقيادة كامل الجادرجي وعبد القادر اسماعيل ؟
إن تطور الوضع الداخلي بعد فرض نظام الانتداب الانجليزي قد تحدد ببروز مجموعة نشطة من الوطنيين المحليين في البلاد. وتجاوزت الوطنية العراقية هذه المجموعة التي عملت داخل البلاد، فشملت حاشية الأمير فيصل. وكان يمثلهم الأعضاء السابقون في جمعية "العهد "، التي ضمت الضباط السابقون في الجيش العثماني. والحديث يدور حول مجموعة متراصة ( سبق أن أشير إليهم في نشرات الشيوعيين) والذين وصفته البحوث العراقية في عداد" فئة إجتماعياة خاصة". هذه الفئة في الإطار الوطني والديني، هي مجموعة عربية دينية تبلورت اجتماعياً من "المنحدرين من رحم المجتمع من الفئات ذات الدخول المحدودة، وإختاروا الخدمة في الجيش بإعتبارها ميداناً لنشاطهم المهني". إن أعضاء هذه الفئة ليس لديها أي ملكية، ولا أية مصادر ولم يكن لديهم ممتلكات، ويعتمدون على رواتبهم، ووحدة الثقافة والتقاليد التي تتصف بها البيئة العسكرية" . وأخيراً، إلتحقوا بالمسيرة المجيدة " الثورة العربية الكبرى"، وشاركوا في المحاولات لتوسيع نفوذ سيدهم "فيصل"، الذي سبق وأن تم تتويجه على العرش في دمشق، ولو على جزء من الأراضي العراقية التي إحتلها الانجليز، وتحقيق هدف القوميين قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.
لقد أصبحت القضية المتعلقة بأساليب إدارة العراق مهمة ملقاة يجب على السلطات البريطانية تحقيقها بعد إندلاع ثورة العشرين الوطنية في داخل البلاد . وتضمن هذا الأمر ( الذي نفذته مجموعة من ممثلي الإدارة الانجليزية والمؤسسة السياسية) في نقل السلطة إلى العرش الهاشمي والمحيطين به، والجناح "الخارجي" من القوميين العراقيين. ورافق عودتهم الاحتفالية إلى الوطن تأسيس "طبقة حاكمة" متراصة نسبياً، مستثنين منهم ممثلي الوطنيين في "الداخل".
ومما ذكره الدكتور كريكوري كوساج ايضا :" فالتقارير المرسلة إلى موسكو من قبل كل من وصل إلى العراق من الخريجين تشير إلى اختيار سكرتير جديد لمنظمة الشيوعيين العراقيين ( علماً أنه قد تدرج في تولي هذا المنصب كل من عبد الحميد الخطيب وعاصم فليح وقاسم حسن أحمد الشيخ، وأخيراً يوسف سلمان)، وأشارت المعلومات إلى طرد " التروتسكيين" و"المتطرفين اليساريين" من الحزب، والذين أطلق عليهم صفة " العناصر المعادية للحزب". وفي واقع الأمر، فليس في تحديد السمات، فقد وضعوا هؤلاء بدون معنى في صف أؤلئك الذين تعرضوا للعقوبات بتهمة معارضتهم لنهج الحزب الشيوعي السوفييتي (البلشفي) في الاتحاد السوفييتي. فماذا كان الاتهام الذي وجّه إلى عاصم فليح لطرده من الحزب سنة 1938".
واضاف الدكتور كوساج :" لقد وصف الوضع داخل صفوف الشيوعيين العراقيين على أنه مخيب للآمال، ولم يكن ذلك المرة الأولى التي استلم الكومنترن بشكل مباشر مثل هذه التقارير في البلاد. فقد كتب يوسف سلمان وقتها، إن القادة الحزبيين " منهمكين في النقاش بينهم حول قضية القيادة، وبالطبع، حول المالية". وأعلن عن عدم وجود مجموعة شيوعية منظمة وموحدة في العراق، وقدم إلى السكرتارية الشرقية معلومات عن قادة الأجنحة: "مجموعة عبد الله مسعود – وهم من الرفاق ذوي الميول الثورية" ، "التروتسكيون، وزعيمهم نوري روفائيل وكان في اسبانيا"،
ومجموعة قاسم حسن ، ويوسف متي ، وزكي خيري التي لا تعتبر مجموعة حزبية "حيث" أن مواقعهم اللاماركسية وأفعالهم الخيانية أدت إلى تحطيم الحزب". وإلى جانب ذلك، هناك "مجموعة معارضة يتزعمها يعقوب كوهين (فاضل)"، "التي جمعت الرفاق اليهود في مجموعة خاصة بهم، مما يذكرنا بتنظيم "البوند"( مجموعة من الماركسيين اليهود في روسيا قبل الثورة )، والتي أعنت أنها تمثل اليهود في الحزب، التي تؤكد أن المنظمة الشيوعية العراقية "لا تعتبر حزباً عمالياً، وكذا الحال بالنسبة للطبقة العاملة فلا وجود لها في العراق حتى الآن، ولا يدور الحديث الآن عن الثورة الاشتراكية (التي يحققها المثقفين)". وقد أعلنت كل هذه المجموعات أن يوسف سلمان يوسف "غير مناسب للعمل الحزبي".
لقد مارس يوسف سلمان نفس الأدوار التي إتبعها أسلافه الذين تولوا سكرتارية منظمة الشيوعيين العراقيين. (وحسب أقوال قاسم حسن أحمد الشيخ في سنة 1940 أن" يوسف سلمان يوسف أصبح على رأس الحزب" .
في هوامش كتاب الدكتور كريكوري كوساج معلومات ممتازة عن قاسم حسن وتقاريره واجد من المناسب نقلها الى القارئ الذي قد لاتتيسر له فرصة الكتاب فمما اورده عن قاسم حسن :" إن عدد الطلبة العراقيين المتقدمين للدراسة سنوياً في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق في موسكو كما قدرها قاسم حسن أحمد الشيخ في عامي 1935-1936 عشرة طلاب" .واورد قاسم حسن أحمد الشيخ فإن "أخطر عميل في الحزب هو عبد الحميد الخطيب الذي جاء في السابق إلى موسكو وقُبل في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق ثم فصل منها. وقد عاش في الاتحاد السوفييتي باسم مستعار هو "خالد". تقارير قاسم حسن أحمد الشيخ عن العراق في سنة 1941، ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي. ويقول الدكتور كريكوري كوساج : "على سبيل المثال يشير قاسم حسن أحمد الشيخ في رسالة موجهة إلى سكرتارية اللجنة التنفيذية للكومنترن إلى نشاط عملاء ألمانيا وايطاليا في العراق في نهاية عقد الثلاثينيات ومحذراً من نتائج ذلك، قائلاً:" إن الألمان يشجعون ويعمقون المشاعر المعادية لبريطانيا في أوساط الرأي العام، ويستغلون ....الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. إننا لو ألقينا نظرة إلى مسألة المال والتجارة، فإننا نرى أن 80% من التجارة الخارجية تقع في يد البرجوازية اليهودية. وإن الكثير من الرأسماليين اليهود الكبار على علاقة بالصهيونية في فلسطين، دون نسيان أن اليهود من الناحية التريخية هم شعب مضطهد خلال فترات متواصلة ويتمتعون بـ"الحماية" من قبل السياسة الكولونيالية للأمبريالية البريطانية، وإن الدعاية الفاشية الألمانية اكتشفت العديد من الحلقات الضعيفة التي يمكن أن تخترقها وتعمل بفعالية على طريق تشويه الحقائق. وقامت الفاشية الألماني بحريض النخبة الإسلامية والمسيحية من البرجوازية المحلية ضد اليهودمن ناحية، وضد المدافعين عنهم من ناحية أخرى. وتسنى لهم أيضاً دق ناقوس الخطر تجاه الموظفين الذين يعملون في خدمة الربويين اليهود". زقور- مكائد الفاشية الألمانية في الشرق الأوسط. تشرين الأول سنة 1941. ارشيف تاريخ روسيا الاجتماعي والسياسي" .
واورد الدكتور كريكوري كوساج في هوامشه انه " في النصف الثاني من عقد الثلاثينيات، استلمت سكرتارية الشرق أكثر من مرة رسائل من العراق تشير إلى أن الحزب الشيوعي السوري لا يقوم بواجبه تجاه الشيوعيين العراقيين. وقد أشار قاسم حسن أحمد الشيخ إلى:" إنعدام أية مساعدة من الحزب الشيوعي السوري، مما يعني أن الرفاق السوريونيتجاهلون واجبهم تجاه الحزب الفتي الذي ينمو في أهم بقعة في العالم العربي . فكيف يمكن لهذا الحزب أن ينمو إذا كان محروماً من إرشادات القيادة العليا والدعم المادي؟"(كتبت الرسالة باللغة العربية في تقرير عن الوضع في العراق ، وجرى استلامه من قبل اللجنة التنفيذية للكومنترن في العشرين من تشرين الأول سنة 1937.
ويستطر قاسم حسن أحمد الشيخ تقريره في لحن أشد قائلاً:"إننا نطالب بقطع علاقتنا مع السوريين، القصيري النظر، والذين يسعون فقد إلى فرض سلطتهم علينا وبعملون بأساليب من أجل توسيع نفوذهم في الشؤون العربية لكي يوحون لكم بأنهم يقفون على مواقع قوية، ويوحون وكأن الآخرين ضعفاء"(رسالة باللغة العربية مؤرخة في 25 نيسان سنة 1935" .
وعن سيرة قاسم حسن يكتب الدكتور كوساج :"السيرة الذاتية لزهير نعيم(قاسم حسن)، عند تقدمه تقييماً لانقلاب رشيد عالي الكيلاني والحرب العراقية البريطانية، كتب قاسم حسن أحمد الشيخ ما يلي:"سرعان ما اتخذت هذه الحركة طابعاً ثورياً واضحاً. وبدأ الشعب بحمل السلاح، وقد قام الشباب المتحمس بقيادته.واتخذ قراراً بالمقاومة حتى النهاية، وقد جرى التأكيد على أن الاتحاد السوفييتي سيقدم بالتأكيد الدعم ، وإن ألمانيا ما هي إلاّ مستعمر جديد، ولا نريده ولا نريد مساعدته. وفي الثاني والعشرين من أيار سنة 1941، أصدر الحزب الشيوعي بياناً احتوى على تحليل للتوجه الثوري الجديد. وطالب البيان من الحكومة تعيين وزراء جدد ، وتنظيم توزيع المواد الغذائية في بغداد وضواحيها، ووقف الدعاية الفاشية، الهادفة إلى دفع الحركة صوب الحرب الأهلية والعنف ضد الأقليات القومية. وطالب الحزب بالتوجه صوب الاتحاد السوفياتي لطلب المساعدةوعقد معاهدة معه. ودعا البيان كل جماهير الشعب-الطبقة العاملة والفلاحين والطبقة المتوسطة –إلى تنظيم أنفسها لمواجهة الوضع الناشئ كتب باللغة العربية موقعاً من قبل زهير" .
اعيد واكرر واقول ان ( قاسم حسن ) يجب ان يكون موضوعا لاطروحة دكتوراه وسيرته الشخصية ودوره يستحقان كل اهتمام وتقدير .
____________________________________
*كريكوري كوساج ولد في سنة 1944 ، وهو مؤرخ سوفييتي وروسي في الشؤون العربية ومختص في الشؤون السياسية العربية المعاصرة، ويتقن اللغة العربية. ويشغل منصب بروفسور قسم التاريخ العربي المعاصر، وحصل على شهادة الدكتوراه في سنة 1990، وأخصائي في معهد الشرق الأوسط ونائب رئيس تحرير مجلة "أوراسيا"، وهو مؤلف أكثر (163) من الكتب والمقالات في غالبيتها حول الشؤون السياسية في البلدان العربية.
غلاف كتاب شيوعيو الشرق الأوسط في الاتحاد السوفييتي (باللغة الروسية )
الاستاذ قاسم حسن
قاسم حسن ...المتنور العراقي اليساري الكبير 1910-1970
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
منذ سنوات بعيدة ، كنت أقرأ للاستاذ قاسم حسن . ولدي بعض مؤلفاته ومنها كتابه الرائع (بوابة ثورات القرن العشرين ) . وكنت اريد أن اكلف احد طلبة الدكتوراه ان يكتب عنه اطروحة، لكن الرياح جرت بما لاتشتهي السفن .
اقول ان قاسم حسن من أوائل الشيوعيين العراقيين ، وله تاريخ قد يضاهي ان لم أقل يسبق تاريخ يوسف سلمان يوسف (فهد ) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي سنة 1934 . ذلك انه كان طالبا في (الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق ) مع عبد الحميد الخطيب وهو مدرس كيمياء بغدادي وعاصم فليح وهو خياط ويوسف سلمان يوسف منذ 1929 و بعد ذلك بقليل .
يقول المؤرخ السوفيتي الروسي كريكوري كوساج * في كتابه الموسوم : ( شيوعيو الشرق الأوسط في الاتحاد السوفييتي ) ، وفيه فصل عن الشيوعيين العراقيين عنوانه ( الشيوعيون العراقيون في الإتحاد السوفييتي ) :" كان أول طالب عراقي في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق هو عبد الحميد الخطيب (بالإسم المستعار خالد) ، وقد وصل إلى موسكو في آب عام 1929.
أما الطالب الثاني فهو عاصم فليح الذي ورد اسمه في وثائق الجامعة. وصل عاصم فليح (بالإسم المستعار صائموف) إلى عاصمة الاتحاد السوفييتي - موسكو في سنة 1931 واستقر فيها، ودرس في (الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق ) في الفترة بين سنتي 1934 – 1935. وقد اعتبر عاصم فليح ممثل الشيوعيين العراقيين في المؤتمرالسابع للأممية الشيوعية مع قاسم حسن أحمد الشيخ ( تحت اسماء مستعارة هي مريد، ناظم تمين، زقور نعيم) .هذا فضلا عن يوسف سلمان يوسف (الإسم المستعار هو فردريك، برنارد فريدريك).
لقد مكث ( قاسم حسن أحمد الشيخ ) ، وهذا هو اسمه الكامل في موسكو لمدة سنة واحدة، وغادرها في سنة 1936 بعد أن انهى الدراسة في (الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق وعاد إلى العراق . ومكث يوسف سلمان يوسف في موسكو ، حتى سنة 1937، و أصبح لاحقاً قائداً ، ومؤسسا للحزب الشيوعي العراقي سنة 1934 " .
يقول المؤرخ السوفيتي الروسي كريكوري كوساج في كتابه المشار اليه آنفا :"في نهاية العشرينيات ، وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي القرن العشرين ظهر لأول مرة في (الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق ) ، طلبة من العراق. وكان عددهم قليلا ولم يتجاوز أربعة طلاب. ولم يصل هؤلاء الطلاب إلى العاصمة السوفييتية في وقت واحد، بل بطرق مختلفة ، وبمبادرة من المجاميع الشيوعية الفاعلة في الشرقين الأدنى والأوسط، ، والحديث يدور هنا بالدرجة الرئيسية من ايران.إن مثل هذه المبادرات لم تأت نتيجة لنشاط هذه المجاميع ، بقدر ما تعكس اهتمام (الكومنترن) بالعراق الذي يستند على قدر من الأسس، رغم أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال تجاهل مبادرات هذه المجاميع. فالعراق كان يعاني من عدم الاستقرار الداخلي أولاً، وثانياً أن حصول العراق على الصفة القانونية كدولة مستقلة سياسياً كان سنة 1932، لم يُغيّر من الواقع الحقيقي، وهو الدور المهيمن لإنتداب بريطانيا العظمى على البلاد. إن معارضة شعب البلاد للدولة المنتدِبة قد طرح في البداية على سكرتارية الأممية الشيوعية تحت اسم (ميسوپوتيميا) ".
وقد يكون من المناسب القول ، ان المؤرخ السوفيتي الروسي كريكوري كوساج عاد الى مايعرف اليوم ب ( ارشيف الدولة الخاص بالتاريخ الاجتماعي والسياسي الروسي، وتحديداً في القسم المتعلق بالعلاقة بين الكومنترن والشيوعيين العراقيين) في موسكو .
ومما ذكره هذا المؤرخ عن الاستاذ قاسم حسن ، والشيوعيين العراقيين الاوائل :"من المناسب العودة إلى موضوع الطلبة االعراقيين في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق، حيث تطرح العديد من الأسئلة في تعابير أخرى: ما هي مهنهم وما هو العامل المشترك بينهم؟ أو السؤال عن ما هو العامل الذي أدى إلى تأسيس الحزب في حالة إنتماء مثل هؤلاء الأعضاء إليه؟ والجواب على هذا التساؤل إن أعمار هؤلاء الطلاب تدل على أنهم ينتمون إلى جيل واحد. وحسب تأكيدات عبد الحميد الخطيب، فإنه قدم إلى موسكو بعد أن جرى تعيينه مدرسا للفيزياء في إحدى المدارس العراقية . وقبلئذ كان عبد الحميد الخطيب قد أنهى الدراسة في (مدرسة الصنائع العراقية ) وأرسل إلى البصرة حيث قام بالتدريس في أحدى المدارس هناك لمدة سنة دراسية واحدة . ويمكن القول إن عمره لم يتجاوز العشرين عاما. وفي أغلب الظن إنه ولد في الفترة بين 1909 و 1910. وولد يوسف سلمان في سنة 1901 وعاصم فليح في سنة 1903 وقاسم حسن في سنة 1910. وقد وحدتهم ( بغداد) كمسقط رأسهم. وكان عبد الحميد الخطيب من عائلة ميسورة الحال.
أما عاصم فليح ، فقد ولد يتيماً من أب معلم، واشتغل في الهند ، ولم يكمل حتى تعليمه الإبتدائي، حيث لم يجلس على مقعد الدراسة سوى لمدة سنتين ونصف. وترك الدراسة لمساعدة عائلته ، وأصبح خياطاً ، واختار مهنة والدته. وسار على هدى الطريق الذي سار عليه يوسف سلمان يوسف (فهد ) في طفولته، حيث شارك مسار رفاق دربه في العقيدة. ولد البطل الرسمي اللاحق للحزب الشيوعي العراقي(فهد) في عائلة مارست مهنة الخبازة، إلاّ أنه يختلف عن (الشيعي ) عاصم فليح. فيوسف سلمان يوسف مسيحي كلداني .ودرس في الفترة التي سبقت سنة 1912 في مدرسة مسيحية في بغداد، ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى 1914 ، واجبره أبوه على التوجه إلى البصرة للدراسة في المدرسة التبشيرية الأمريكية في البصرة.
وأخيراً، نعرج على المنحدِر من الطائفة ( السُنّية ) قاسم حسن أحمد الشيخ. فالشيخ كان ابن [ ضابط ] في الجيش العثماتي، ودرس في كلية الحقوق التي كان من الممكن أن تفتح أمامه أبواب الرزق ويصبح محامياً في بغداد. إلاّ أنه لم يكمل دراسته في تلك المدرسة .
عاد قاسم حسن أحمد الشيخ إلى موسكو في سنة 1941 بسبب اندلاع الحرب العراقية - البريطانية في آيار من السنة نفسها حيث أعلن عن مشاركته فيها . وأمل في أن يحصل على اللجوء السياسي، ومن جديد دوّن سيرة حياته. وجاء في مدونة السيرة ما يلي : " إنني إبن ضابط في الجيش التركي [ العثماني] ، وكان أبي الموظف الوحيد في العائلة التي اشتغل أفرادها كعمال. وكان والدي يشغل رتبة لواء في الجبهة الشمالية من العراق في فترة الحرب الأمبريالية الأولى عندما أحتل الجيش البريطاني العراق. وقد وافته المنية في كردستان العراق، وقد دس له السم من قبل عميل بريطاني". ويستطرد قاسم حسن في تدوين سيرته قائلاً: "وبعد وفاته لم يبق للعائلة أي مصدر للرزق. وانتقلنا إلى بغداد ، حيث مكثنا فيها ثلاث سنوات في بيت واحد مع أقرباء لنا لحين حصول أخي الأكبر على راتب يسد قوت العائلة. في السنوات 1924-1928، انهيتُ الدراسة المتوسطة واضطررت إلى العمل كعامل. وقتها كنت أعمل في النهار ، واستمر في الدراسة المسائية. وبدأت بدراسة التاريخ والعلوم الاجتماعية. وكان تاريخ ثورة اكتوبر الاشتراكية أحد المواضيع التي اوليت له جل اهتمامي في الوقت الذي تصاعدت خلالها موجة الحركة الوطنية الثورية ضد الأمبريالية البريطانية" .
ومما يثير الإهتمام إن الخيار الشيوعي (أو بالأحرى التطلع الى بلوغ الوضع المأمول كلاجئ ) قد أرغم هذا الشخص على تعديل سيرته الذاتية. أنه لأمر سئ كون المسؤولين في الكومنترن ، ليسوا على معرفة جيدة بالبلاد التي تنشط فيها منظمات لها علاقة بهم. وكيف إستغل عدم المعرفة هذه وجمود تفكير رجال اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية الأفكار والممارسات الشيوعية بعد دخول الإتحاد السوفيتي الحرب العالمية الثانية (يكفي ان نشير بهذا الصدد الى التفسير المعادي للإنكليز الذي طرحه قاسم حسن أحمد الشيخ .. في حادثة وفاة والده).
لم يتقن عاصم فليح سوى اللغة العربية ، أما يوسف سلمان يوسف، الذي عمل، بعد انهاء الدراسة في المدرسة التبشيرية عام في البصرة سنة 1916، مترجماً في الجيش البريطاني، فقد كان يجيد اللغتين العربية والانجليزية. أما فيما يتعلق بقاسم حسن أحمد الشيخ فإنه كان يتحدث بطلاقة اللغات العربية، والتركية ، والكردية والانجليزية .وقدم تقريره باللغة الانجليزية . وعلى الرغم من التباين في منحدرات هؤلاء الشباب الاجتماعية ومستوى تعليمهم، إلاّ أن ذلك لا يعني أن الطريق والمصير الذي اختطوه كان متعارضاً. على العكس، فقد واجهت الجميع ظروف مؤثرة من شأنها أن وحدت ابن الضابط الكبير السابق الذي ينحدر من من مجموعة أثنية ودينية غير مرموقة وممثل طبقة متوسطة انحدر بسبب عوامل عائلية نقلته من واقع الصدف إلى مرتبة اجتماعية متدنية " .
وعن الاستاذ قاسم حسن ، يقول الدكتور كريكوري كوساج :" لقد أدى إعلان الدولة العراقية إلى تغيير في أولويات االعراقي ومصيره. وتشكل وضعً انطوى على حراك اجتماعي لم يسبق له مثيل ، وتدمير المؤسسات الاجتماعية القديمة التي بدت غير قابلة للتغيير. فهل كان من الممكن لإبن [جنرال] في الجيش العثماني، الذي تعرض للهزيمة بين القوى المتصارعة، أي دول المتروبول، أن يحتفظ بمكانته الاجتماعية السابقة ؟ ألا كان من الأفضل أن يستمر، على سبيل المثال قاسم حسن أحمد الشيخ ، بنمط الحياة التي عاشها، قبل الحرب العالمية الأولى، والإنخراط في مهنة والده العسكرية في الجيش العثماني. وهل أنه اختار حقل دراسة الحقوق لأن الخيار الأول بدا وكأنه ضرب من الخيال ؟ بالطبع أن الدراسة في كلية الحقوق تتطلب موارد مالية ، وشكل ذلك العامل الذي أدى إلى عدم قدرة قاسم حسن أحمد الشيخ على الاستمرار بالدراسة. ومن المحتمل أنه لم يكن بإستطاعته توفيرالمبالغ الكافية كي يصبح محامياً.
إن تطور الأحداث اللاحقة في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي أصبحت متوقعة. وعمل قاسم حسن "كاتباً في وزارة المعارف [التربية ] " (عندما احتاجت الدولة العراقية إلى المعلمين من أجل تأسيس المعاهد التعليمية). ثم تعرض قاسم حسن
إلى الفصل من الوزارة لاحقاً جراء "نشاطه الشيوعي" . كما جاء في وثائق الكومنترن، علما إن صفحة الأعمال الخاصة بقاسم حسن أعدت من أجل حاجة الأمن الداخلي في الكومنترن ، وليس من المعقول والمستحسن فهم أقوال كاتبها حرفياً "، ولم يوضح مكان انتقاله إلى وظيفة محاسب هذه المرة. الحديث يدور عن تدهور لاحق للحالة المعيشية وإنحطاط الوضع الاجتماعي، وكذلك عدم وجود وارد مستقر له. أضطر قاسم حسن أحمد الشيخ جراء فقدان عمله في بغداد إلى الانتقال إلى بعقوبة حيث تولى مهمة تأسيس خلية شيوعية فيها ، ثم عاد لاحقاً إلى العاصمة بغداد وخاض النشاط السياسي العلني.
في 1934 و 1935 عمل الشيخ في جريدة "الأهالي" . وقد أشار إلى تلك الفترة من حياته في مدونته الجديدة التي كتبها في تشرين الثاني - نوفمبر من سنة 1941 في موسكو: " لقد عدت إلى بغداد حيث كان ينشط تنظيمنا الشيوعي كتفاً لكتف مع العناصر الثورية الأخرى التي أصدرت جريدة (الأهالي) . وقد شاركنا بفعالية في هذه الجريدة ، ونشرنا على صفحاتها مقالات دافعنا فيها عن مطالب الطبقة العاملة. وأصبحت ُعلى رأس تحرير هذه الجريدة، وشرعتُ في الوقت نفسه بالدراسة في كلية الحقوق التي تولت إعداد المحامين". ومن جديد صحح قاسم حسن أحمد الشيخ سيرته الذاتية .
كتب المرحوم الاستاذ حميد المطبعي في موسوعته (موسوعة أعلام وعلماء العراق) عن قاسم حسن فقال انه قاسم حسن أحمد الشيخ 1910-1970 " سياسي دمقراطي ، أسهم في تأسيس الحزب الوطني الدمقراطي سنة 1946 وجريدة الحزب (الاهالي ) وكان قبل ذلك متنورا يساريا محاربا اشكال الغزو الثقافي الاستعماري البريطاني في العراق والعالم .ولد في بغداد سنة 1910 وعرف في شبابه بإسمه قاسم حسن أحمد الشيخ .
تخرج قاسم حسن في كلية الحقوق العراقية وهي الكلية التي تأسست سنة 1908 ومارس المحاماة بعد تخرجه ، لكنه وبسبب نشاطه اليساري ، ونشره العديد من المقالات التي عدت تحريضية تعرض لكثير من مضايقات السلطة الملكية الحاكمة في العراق .
أسهم في مؤتمرات عديدة منها ( مؤتمر التضامن الاسيوي -الافريقي ومؤتمر المحامين العرب بدمشق - سوريا .وبعد نجاح ثورة 14 من تموز سنة 1958 وسقوط النظام الملكي في العراق عين سنة 1959 سفيرا للعراق في العاصمة الهندية دلهي ثم في العاصمة الجيكوساوفاكية براغ وبعدها احيل على التقاعد .
من مؤلفاته :
1.أثر الدعايات الاجنبية والمبادئ السياسية الحديثة في بلادنا 1939
2.جهاد العرب القومي في فلسطين 1939
3.الحلف بين الصهيونية والاستعمار 1946
4.لمحات من تاريخ التطورات الاجتماعية في الغرب وظهور المشكلة اليهودية وقيام اسرائيل جزء 1 1958
5.اسرائيل دولة فاشية 1960
6. بوابة ثورات القرن العشرين 1969
طبعا ، لم يكن الاستاذ حميد المطبعي ولاغير الاستاذ حميد المطبعي يعرف آنذاك ان الاستاذ قاسم حسن من رواد الحركة الشيوعية في العراق ، ومن مؤسسيها ، وانه ، ومن خلال وثائق الكومنترن التي كشف عنها مؤخرا درس في (الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق) في موسكو ، وانه كان من ممثلي الشيوعيين العراقيين مع عبد الحميد الخطيب ، وعاصم فليح في المؤتمرالسابع للأممية الشيوعية ( تحت اسماء مستعارة هي مريد، ناظم تمين، زقور نعيم) .هذا فضلا عن يوسف سلمان يوسف (الإسم المستعار هو فردريك، برنارد فريدريك).
في العدد 378 - 379 من مجلة ( الثقافة الجديدة ) العراقية الصادر في تشرين الثاني 2015 ، نشر الدكتور عبد الله حبه ، ومن أرشيف الكومنترن، تقرير قاسم حسن السري للغاية الى الكومنترن بعد ان ترجمه عن الروسية في 16 كانون الثاني -يناير 2016
وكان الاسم المستعار لقاسم حسن الذي كتب التقرير هو (الرفيق زهير نعيم ) وادناه نص التقرير الذي وجدت ان المؤرخ الروسي الدكتور كريكوري كوساج رجع اليه ايضا :
" عندما عدتُ من الاتحاد السوفيتي الى العراق في تشرين الاول - اكتوبر 1936 بعد المشاركة في المؤتمر السابع للكومنترن KU ، كان قد اعتقل جميع قيادة الحزب الشيوعي، وكان صائيموف [الاسم الحركي لعاصم فليح ] سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي معتقلا ايضاً، ولم يبق من الجهاز السري سوى شخص واحد – كفاح الشعب – وهو رجل قوي شديد العزم جداً ، وشيوعي جيد، وفي أيار - مايو 1935 زينت بغداد كلها بالأعلام الحمراء، وكان عدد افراد الحزب قليلا ، ولكنهم عملوا الكثير بحيث تولد لدى الحكومة انطباع بان الحزب يضم آلاف الافراد ، وانهالت الحكومة بالقمع الشديد على عوائل الشيوعيين، ونزعوا العباءات عن الزوجات والأخوات للشيوعيين ومارسوا شتى اصناف الأذى الاخرى ضد افراد العوائل.
كانت توجد لدى سكرتير اللجنة المركزية (صائموف) وهو [عاصم فليح ] ورشة خياطة ، وقامت الشرطة بمهاجمتها وادى التعسف ضد افراد عائلته والاعتداء عليه بالضرب (افقدته الشرطة إحدى عينيه) الى اصابته بمرض عصبي. وعندما وصلتُ بغداد إعتقلوني ايضاَ بعد مرور اسبوعين بتهمة كوني أعمل في الحزب الشيوعي السري منذ وقت بعيد، وتم اعداد ملف كبير ضد الشيوعيين، وحكم على اثنين بالسجن لمدة عامين وعلى واحد بالسجن لمدة عام واحد.
ولم يستطع ( صائموف ) مواصلة العمل بصفة سكرتير اللجنة المركزية (من نهاية 1935 وحتى شباط - فبراير 1936). وأعددتُ المواد على اساس قرارات المؤتمر السابع، حول الجبهة الوطنية ضد الامبريالية وأعطيتها الى [جريدة ] (كفاح الشعب) لنشرها سراً.
وبدأ الحزب بالنضال من اجل الجبهة الوطنية الموحدة سويةً مع جماعة (حزب الشعب ) العامل سراً ايضاً، لكن لديه جريدة علنية، وكان هذا الحزب يضم الاشتراكيين المتعاطفين مع الحزب الشيوعي والوطنيين الثوريين وقادة معروفين جيداً للحركة الوطنية في 1920.
ويواصل قاسم حسن تقريره ويقول :" في سنة 1936 سافرتُ الى سورية وكتبت عدة تقارير في بيروت الى الرفيقين آرتين ، وفرج الله الحلو – سكرتير المنظمة اللبنانية – للحزب الشيوعي ، وفي الوقت نفسه شاركتُ في حملة الصحافة السورية واللبنانية ضد الحكومة العراقية الرجعية، ومن هناك كتبت عدة تقارير الى الحزب الشيوعي العراقي UKKU، كما ارسلت تقريرا الى UKK لأنه تنفيذاَ لقرار UKKU يجب علينا ان نرسل في كل عام ( 5 ) أشخاص للدراسة في موسكو، حيث لم توجد لدينا كوادر مؤهلة من اجل العمل الحزبي القيادي، ولم يتوفر لدينا المال من اجل تقديم المساعدة الى عوائل رفاقنا، ولم اعرف شيوعيا واحداً لديه عمل، ولم تكن لدينا نقود من اجل الصحيفة، وقدّم لي سكرتير تنظيم لبنان كل مساعدة ممكنة حين كنت في لبنان ، وفي آب - اغسطس 1936 عدت الى العراق.وكتبتُ من بغداد عبر الحزب الشيوعي البريطاني ، وبالذات برادلي، وبالم دات، وكذلك عبر الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي عدة تقارير الى UKKU (العناوين الانكليزية والتشيكوسلوفاكية حصلت عليها في موسكو حين كنت في المؤتمر العاشر للكومنترن KU "الأممية الشيوعية".
وفي عام 1936 تولى السلطة الشعبيون [يقصد جماعة جمعية الاصلاح الشعبي بعد انقلاب الفريق الركن بكر صدقي 1936 ] ، وأقامت الحكومة نظاماً ديمقراطياً، وحددت ساعات العمل بـ (8 ) ساعات يومياً، وتدفع الاجور لدى المرض، وأطلقت الحريات المدنية : تنظيم الاحزاب والنقابات واضطر كبار الاقطاعيين لاستقطاع اجزاء من الاراضي الى الفلاحين ، وعملنا مع الشعبيين على اساس هذا البرنامج الديمقراطي، وصار الناس يتحدثون ويفكرون بأن الحكومة شيوعية، وأصبح (حزب الشعب) علنياً لكن الحزب الشيوعي لم يصبح علنياً، وفي ذلك الوقت اختفت الاحزاب الرجعية من الوجود، وطالبنا حكومة الشعبيين منذ الاسبوع الاول بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، ونظمنا عدة مظاهرات في الشوارع وكتبت حوالي (15 ) لافتة، وأرسلنا صورها الى الحزب الشيوعي السوري.
وفي هذه المرة ارسلني يوسف سلمان يوسف سكرتير اللجنة المركزية الى الاتحاد السوفيتي ، وكلفت بإبلاغ UKKU بالوضع السياسي والتنظيمي للحزب الشيوعي العراقي، ولم تكن لدينا اية اتصالات مع UKKU، وقد انقطعت في الواقع مع الحزب الشيوعي السوري والحزب الشيوعي الفلسطيني، وحرمنا من اية مساعدة نحتاجها على الاخص في الوضع الصعب الناشئ في العراق، ونوقش موضوع سفري الى الاتحاد السوفيتي في اللجنة المركزية قبل شهر من سفري الى هناك" .
واضاف :" اعيد تنظيم حزبنا في سنة 1940 بقيادة الرفيق يوسف سلمان يوسف (فهد ) . وكان قد عاد من الاتحاد السوفيتي في فترة 1938 - 1939 ويشغل في الوقت الحاضر منصب سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، علاوة على ذلك تضم اللجنة المركزية الرفاق: عبد الله مسعود – سكرتير اللجنة المركزية، سعيد خليل، جورج (مسؤول النقابات)، وادي ماروغي [وديع مروكي ] وأنا.
وفي التقرير يورد كاتبه السير الذاتية لعدد من الشيوعيين الرواد فيبدأ بالرفيق (فهد ) ويقول : يوسف سلمان يوسف واسمه المستعار (فريدرك او فريدلخ) احد منظمي الرابطة الحزبية والكمسمولية، من اسرة عمالية حقق بالتعليم الذاتي تأهيلاً سياسيا جيداً. ويعتبر الآن افضل مناضل ومنظم في بلادنا، ذو تأهيل سياسي جيد ومتطور، ويتولى رئاسة تحرير الجريدة السرية (النشرة) التي تصدر شهرياً. وبعد مغادرته الاتحاد السوفيتي لم يستطع دخول البلاد لفترة طويلة، وكان في فرنسا وحاول السفر عبر اليونان، وحتى اراد في وقتٍ ما العودة الى الاتحاد السوفيتي، لكنه استطاع في نهاية المطاف العودة الى العراق، الى البصرة، في سنة 1938 وسكن لدى شقيقه، وهو صاحب دكان صغير لبيع المواد الغذائية، وفي البداية لم يشارك في الحركة لأنه كان تحت رقابة الشرطة الصارمة، وكان يرصد حركات له في كل مكان اثنان من عملاء الشرطة، وفي هذه الفترة كان يأتي الى بغداد سراً لليلة واحدة فقط او الى الناصرية للقائي او للقاء الرفاق الآخرين ثم يعود الى محل سكناه، وفي الواقع لم تتوفر لديه الفرصة للعمل في الحزب وفي سنة 1940 فقط دعوته للمجيء سراً والإقامة في بغداد وعرضت عليه مساعدتي المادية، لأنه كانت لدي وظيفة وراتب شهري، وكذلك في الاختفاء. فجاء ، وبدأ بتوحيد الجماعات الحزبية المتفرقة في تنظيم واحد وبتأسيس المنظمات القيادية للحزب، وتولى قيادة الحزب نفسه.
علاوة على ذلك بدأت في هذه اللحظة حركة التحرر الوطني العلنية، مارس الشيوعيون دوراً كبيراً في قيادتها: يوسف سلمان يوسف وأنا وآخرون، وكانت لدينا مجلة علنية.وقد تولى يوسف سلمان يوسف خلال وجود حكومة رشيد عالي الكيلاني في العراق قيادة العمل الحزبي ، وكان مسؤولاَ عن جميع العمل السري، وجميع جهاز الحزب السري، ويعتبر يوسف سلمان يوسف في الوقت الحاضر افضل منظم وأفضل عامل في الحزب، يتمتع بتأهيل ماركسي، وبعد اسقاط حكومة الكيلاني بقي في بغداد لممارسة العمل السري، وإذا لم يعتقل الآن فهيهات ان يتمكن أحد من القيام بأي عمل حزبي، ان ظروف العمل الآن صعبة للغاية، ويعاني يوسف سلمان يوسف الآن من الصعوبات بعد ان حرم من المساعدة المادية، لديه اصدقاء ورفاق في الحزب يقدمون له المساعدة في العيش، لكن يتعين ايقاف العمل الحزبي في اغلب الظن، حيث لا تتوفر الموارد لتنظيم العمل، والإنفاق على العاملين في الجهاز الحزبي، كما ان الرفاق الذين لديهم عمل لا يستطيعون تقديم مساعدة ملموسة، لان الرواتب في العراق ضئيلة جداً ونادرا ما يستطيع المرء ان يطعم نفسه ناهيك عن اطعام عائلته، فمثلاً ان الشيوعيين عبد الله مسعود و[وديع مروكي ] يكسبان من 3.5 الى 4.5 جنيه شهرياً، بينما يعادل غلاء المعيشة في بغداد حوالي 6 جنيهات للفرد الواحد.
وفي التقرير سيرة قاسم حسن وكما يلي : زهير نعيم وهو (قاسم حسن)، ( واسماءه المستعارة مريد وكذلك ناظم ثمين) ، اما ما يتعلق الامر بي، كما يقول زهير نعيم أي قاسم حسن عن نفسه : " فأنني شاركت في النضال في الفترة الاخيرة، وتوليت قيادة نضال الانصار في الفلوجة، وبعد اخماد الحركة نفيت الى ايران، وبودي الآن البقاء في الاتحاد السوفيتي كلاجئ سياسي والعمل في مجال الاذاعة والنشر (ربما بصفة مترجم الى اللغة العربية، او الكتابة بالعربية)... الخ.لكن اذا وجدت الأممية الشيوعية KU ضرورة ارسالي للعمل في البلاد، فأنا مستعد للسفر ولو أنه صدر عليَّ هناك الحكم بالسجن المؤبد بقرار صدر ضد جميع قادة حركة 1941 الهاربين الى ايران، لم يصدر قرار بحقه شخصياً.
وعن عبد الله مسعود جاء : عمره حوالي 28 الى 29 عاماَ، في البصرة درس في المدرسة الثانوية ، من عائلة فقيرة وحصل على التعليم بجهده الخاص، فكان يدرس ويعمل في آن واحد، قبل انضمامه الى الحزب مارس العمل الثوري في البصرة، يجيد اللغة الانكليزية، داعية جيد ، وكاتب جيد في المواضيع الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالوضع في العراق، انضم الى الحزب في فترة 1938 - 1939.
وادي ماروغي ( المقصود وديع مروگي – ع.ح.) عامل من اعضاء الحزب القدامى، منظم جيد لجماهير العمال، تأهيله متوسط، يعمل في بغداد في ورشة لإصلاح السيارات، يوزع المناشير بشكل جيد.
سعيد خليل من اعضاء الحزب القدامى، قائد عمال السكك الحديدية من عائلة عمالية فقيرة، تأهيله السياسي متوسط، داعية جيد.
جورج فيلسوف وكاتب، ذو تأهيل نظري جيد. يدرّس العمال ويعمل موظفاً في التلغراف، يكتب في المجلات العربية في سورية حول التاريخ والأدب، يقرأ كثيراً حول قضايا النظرية الماركسية.
وجاء في التقرير ايضا :" ان احد اكبر النواقص في عمل حزبنا هو غياب الاتصال المباشر بين الحزب الشيوعي العراقي واللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية UKKU وجرت عدة محاولات لإقامة اتصال لكنها لم تكلل بالنجاح، فمثلاً حاولنا منذ سنة
1936 اقامة اتصال ومن ثم في سنة 1937 وحاولنا ان نرسل الى الاتحاد السوفيتي الرفيق [وديع مروكي ] لهذا الغرض ايضاَ، وأنا حاولت مرارا المجيء الى الاتحاد السوفيتي ولم يتسن لي ذلك الى الآن، وفي سنة 1940 ارسلناه (المقصود وديع مروكي ) مرة اخرى الى الاتحاد السوفيتي، لكنه عاد من الطريق، اننا ارسلناه عبر سورية لكن الرفاق السوريين قالوا لنا ان الحزب الشيوعي العراقي لا يجب ان يقيم اتصالا مستقلاً مع اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، ويجب ان يفعل ذلك عبر الحزب الشيوعي السوري
كانت اللجنة المركزية تتألف من ( 6 ) اشخاص يوجدون في بغداد. توجد منظمات حزبية في المدن: في بغداد والبصرة والناصرية. وينبغي لكسب العضوية في الحزب الشيوعي العراقي ، التعاون مع الحزب والمشاركة في عمله خلال فترة ما، من دون ان يكون عضواً في الحزب.ومسألة قبول او عدم قبول الرفيق في عضوية الحزب غيابه ويبلغ بالنتيجة، لا توجد أي بطاقات حزبية، ولا تستحصل اشتراكات من الفقراء، اما الذي يعمل فيدفع نسبة معينة من أجور عمله ، حصل الحزب على موارد من نشر دستور الاتحاد السوفيتي، والفصل الرابع من موجز مقرر تاريخ الحزب الشيوعي الروسي (البلشفي) الصادرين بـ ( 1500) نسخة.ونبعث كثيراً من الشيوعيين للعمل مع غير الحزبيين ولممارسة الدعاية ضد الامبريالية، يوجد في المنظمة الحزبية كلها حوالي (70 ) عضواً، علاوة على ذلك يوجد عدد كبير من المناصرين في اوساط المثقفين والموظفين في دوائر الدولة.
في الفترة الاخيرة، وأثناء انقلاب رشيد عالي الكيلاني [نيسان - ايار 1941 ] شارك كثير من المثقفين، وفي اثناء المعارك قتل (500) شخص واعتقل( 500 ) واعدم كثير من الشيوعيين جهارا بدون محاكمة.
بدأ تشكيل الحزب في سنة 1934، وفي سنة 1935 اصبح كثير العدد وقوياً، ولكن بعد تولي الحكومة الرجعية السلطة في سنة 1937 بدأت الانقسامات الشديدة في صفوف الحزب ، واختتمت بعقد بلينوم (اجتماع موسع - المحرر) تقرر فيه فصل يوسف متي وزكي خيري من الحزب ... ، وبقي الحزب خلال عدة سنوات يتألف من جماعات وكتل متفرقة، ثم بدأت عملية التوحيد في منظمة واحدة ضمت جميع الشيوعيين في العراق، لكن لم تدخل جميع المنظمات في الحزب حتى الوقت الحاضر.
المنظمات الجماهيرية في العراق .وفي الوقت الحاضر لا توجد اي منظمات جماهيرية فقد اغلقت جميعها. وتوجد فقط منظمات دينية تؤيد الامبريالية البريطانية. وتضم هذه المنظمات فقط الفئات القيادية من رجال الدين. وهذه المنظمات تشبه نوادي رجال الدين التي تضم 25 - 30 شخصاً.
يوجد حزب واحد نصف فاشي يتزعمه صائب شوكت ، ويضم الحزب 200 عضو جلهم من الموظفين والمعلمين الخ فقط، والشيوعيون لا يعملون في هذه المنظمة، والانضمام اليها صعب جداً، ويتطلب توصية من ( 3 ) اشخاص وتدرس لدى الانضمام بدقة مسألة مكان الولادة والوالدين وهلم جرا.
وعن حزب الشعب جاء في التقرير انه " حزب ثوري، غير علني في الوقت الحاضر، ويضم (15000) عضو يتمتع الشيوعيون بنفوذ فيه وتوجد لدى بعض الشيوعيين صلات مع قادة وأعضاء حزب الشعب، وكثيرا ما تعقد مؤتمرات (كونفرنسات) صغيرة لمناقشة بعض القضايا.والقسم الاساسي من الاعضاء هم من ممثلي البرجوازية الصغيرة في المدن، وأحد قادة الحزب [الحزب الوطني ] هو السيد جعفر جلبي ابو التمن القريب جداً منا، ويشاطر الشيوعيين آراءهم ولا ينضم الى الحزب لإعتبارات شخصية.(سجل من حديث زهير – كوزلوف) 28 كانون الاول - ديسمبر 1941
يقول المؤرخ السوفيتي الروسي كريكوري كوساج :"ومن المناسب الاستناد إلى وثيقة أخرى. وهي " أوراق من الذاكرة" كتبها (قاسم حسن أحمد الشيخ ) عندما شارك في أعمال المؤتمر السابع للكومنترن، وكان من المنتظر أن ينظر فيها من قبل السكرتارية الشرقية للجنة التنفيذية للكومنترن. ويشير في مدونته أنه في عامي 1928-1929 تأسست في العراق "منظمتين شيوعيتين"،اللتان لم تتوحدا إلاّ في عامي 1933-1934 في حزب شيوعي"،
المؤتمر السابع للكومنترن – موسكو
حزيران- آب 1935
(كان من المناسب أن يضيف أن ذلك أنه حدث بعد أن شارك أبو التمن في جمعية الإصلاح الشعبي. إن هذا التنظيم تأسس من قبل الأعضاء الذين عملوا خلال فترة طويلة في جريدة (الأهالي) ، ومن خلالها أطلعوا الرأي العام على ما يجري في الاتحاد السوفييتي. ولهذا أسسوا بيسر جبهة متحدة مع الثوريين الوطنيين ومع المجاميع الوطنية تحت شعار(حرية الوطن) ، و"الانتخاب المباشر على أساس الحق الانتخابي العام"، و"حرية الاجتماعات والصحافة والتنظيم".
وأحتوت ورقة قاسم حسن أحمد الشيخ على عدد من المطالب ومنها "تخصيص ميزانية للشيوعيين في العراق بمقدار ( 3000) فرانك فرنسي من أجل إصدار صحيفة علنية ومساعدة تنظيم الحزب ألخ"
إن صورة كلتا المجموعتين الشيوعيتين تنطوي على تفاصيل جوهرية. والحديث لا يدور حول السمات الشخصية لعاصم فليح ، وقاسم حسن أحمد الشيخ ، في استخدام الصحافة الرسمية من أجل تبادل الهجمات ومن ضمنها عن العلاقات المختلفة للمراكز الشيوعية العراقية. ففي حالة المجموعة البغدادية فقد كانت على صلة بالحزب الشيوعي السوري، الذي يرعى هذه المجموعة ويمدها بالوسائل التي تقدمها السكرتارية الشرقية من خلال وجود م.م. الجزائري [ محمود الأطرش( محمود الجزائري) وهو سوري 1903-1981] في عضويتها، كما هو الحال في تسهيل سفر قاسم حسن أحمد الشيخ إلى موسكو، أما بالنسبة إلى المجموعة البصرية فإنها على صلة بالحزب الشيوعي الإيراني الذي يعمل مع مصدر الصلة – ممثلو المؤسسات السوفييتية في الخارج.إن الكومنترن الذي كان يتولى معالجة القضايا المتعلقة بتوسيع النفوذ السوفييتي، والاستخبارات الخارجية التي تتولى مهام أمن الإتحاد السوفييتي، كانتا مؤسستان تتعاونان وفي الوقت نفسه تتنافسان؟ حقاً أن واقع وجود تنظيمات مختلفة من الشيوعيين العراقيين ليس الواقع الوحيد، بل أكد الوضع العام "للتعاون مع المنافسة" . المنافسة نعم، ومن الطبيعي في حالة عدم وجود وجهات متقاربة بين الشيوعيين العراقيين، فلا يوجد موقف واحد يدعم الموقف بين "المتنافسين". لم يكن عيد الحميد الخطيب العضو الوحيد في المجموعة البصرية، الذي أقام صلة مع المؤسسة السوفييتية في إيران. فقد أقام هذه الصلة أيضاً يوسف سلمان . وفي حالات الضرورة فمن الممكن أن يتوجه أعضاء المجموعة الشيوعية البغدادية إلى نفس المؤسسة.
لقد حاول قاسم حسن أحمد الشيخ أن يغادر العراق متوجهاً إلى موسكو عبر ايران في سنة 1941. ولهذا احتاج إلى توصيات إيجابية من قبل موظفي السفارة السوفييتية في طهران، وهو اجراء طبيعي بالنسبة له، خاصة في ظل الحرب العراقية البريطانية، ووجود القواعد العسكرية البريطانية على الأراضي العراقية. وبالرغم من اهمية هذه التفاصيل، إلاّ أنه يوجد ما هو أكثر أهمية هو "تبرعم" الشيوعيين من المجموعتين البغدادية والبصرية من الحزب الوطني وجمعية الإصلاح الشعبي.
في آذار سنة 1935 أكد أعضاء المنظمة العراقية الموحدة للشيوعيين في منشور حمل عنوان ( ماذا نريد؟ ) موجهة إلى الانتفاضة الفلاحية في سوق الشيوخ في الفرات الأوسط على مايلي:"إن ثورتكم هي ثورة حقيقية، تغلي لسنوات طوال في قلوبكم. إنها إندلعت ليست استحابة لجشع ياسين الهاشمي وجميل المدفعي وعلي جوت الأيوبي وجعفر العسكري [رؤساء وزراء في العراق ] . أنهم لم يستلموا السلطة من أجل إحداث تغيير في حياة الملايين من الكادحين ، بل بالعكس، فإن كل واحد منهم قي أدلى بدلوه في تكبيلنا بقيود العبودية، باتفاقيات وملحقات لهذه الاتفاقيات على شاكلة اتفاقيات النفط . إن الأسماء المشار إليها لم تبق على أي شك: والحديث يدور حول أناس شرعوا منذ ( 16) سنة ولحد الآن بالإتفاق حول الأمير فيصل ورفعوا شعار (الثورة العربية الكبرى) .
لم يكن الشيوعيون العراقيون يعترفون بما يقال عن السيادة الوطنية لبلدهم ؛ ففي خطاب لقاسم حسن أحمد الشيخ في جلسة المؤتمر السابع للكمونترن أكد : " إن الامبريالية البريطانية انتقلت من إدارة الانتداب المباشر في معاهدة سنة 1930. ولكن هذه الاتفاقية... كرست وأضفت طابع خلود للإدارة الانجليزية على العراق كمستعمرة لبريطانيا العظمى . وطرح بلغة أشد حدة مسألة استمرار الاحتلال الاستعماري للعراق خلال النقاش حول تقريره. :" ليس من الصحيح القول أن الجماهير الشعبية في العراق تقع تحت طائل إدارة الحكومة الوطنية، إنها تعاني من النير المباشر للأمبريالية البريطانية....إن العراق مستعمرة للأمبريالية البريطانية، والجماهير الشعبية تئن تحت أفواه السلاح الانجليزي....وفيصل يمثل تحالف الإقطاعيين والكومبرادور[البرجوازية الكبيرة ] ...وتوجد في العراق حركة تحررية وطنية جبارة، ويعتبر الحزب الشيوعي العراقي أن من واجبه تنظيم هذا الحزب تحت قيادة الكومنترن على أساس الدور الطليعي للطبقة العاملة.
ومما قاله قاسم حسن في خطابه :" إن من كان يعتبر نفسه شيوعياً في العراق في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي ، كان من المشاركين في العملية السياسية المحلية، التي تتحدد مهمتها الأساسية في تعبئة الجهود لإضفاء طابع وطني على الدولة التي أنشأت من قبل قوة خارجية. فهذه القوة الخارجية هي التي كرست كل نواقص وعيوب وأمراض هذه العملية - كالمناطقية المعبرعنها أيضاً في نزعة صريحة معادية للشيعة ، (إذا كان الأمر يتناول المجموعة الشيوعية البغدادية أو المفردات المعادية للسامية ، و التقليل من أهمية احراز استقلال الدولة أو الميل للحصول على وصاية القوى الخارجية حتى "الأخوية" منها حتى ولو كان الحزب الشيوعي السوري "الشقيق" . وفي الوقت الذي يجري التمسك بالبطولة ظاهرياً بشعار تحقيق المبادئ البلشفية (بإعتبارها الأداة لمواجهة بريطانيا العظمى)، ولكن كان عليهم تعبئة كل جهودهم لتحقيق "المصالح العليا" للحركة "من أجل التحرر الوطني"، وليس دعم تلك القوى السياسية في البلاد التي تحصل على تمويل لها من قبل ألمانيا النازية أو ايطاليا الفاشية (بدعوى التحرر من نير الأمبريالية البريطانية). ولعل أبرز مثال على ذلك مواقف الشيوعيين تجاه الانقلاب العسكري لرشيد عالي الكيلاني في نيسان -مايس - ايار 1941، وهو ما أكده قاسم حسن أحمد الشيخ في موسكو في سيرة حياته حيث قال:" لقد شاركت في الحركة الفدائية وأضطررت للهرب إلى إيران كلاجئ سياسي ".
يقول المؤرخ الدكتور كريكوري كوساج : القضية تتحدد في الدور الذي لعبه الشيوعيون العراقيون في العملية، وماهية علاقتهم باللاعبين الآخرين، وفي نهاية المطاف ، ماهي الأطراف التي إعتبروها حلفاء أو خصوم لهم؟ إن الجواب على الجزء الثاني من هذا السؤال يخلو من التعقيد. فإذا ما كان خصوم الشيوعيين هم بالدرجة الأولى العراقيون المناصرون "للفكرة القومية العربية"، فهل كانوا من أنصار جعفر أبو التمن وحزبه الوطني، ولاحقاً "الشعبيين" من "ممثلي جمعية الإصلاح الشعبي"؟ لا يوجد في وثائق الحزب في عقد الثلاثينيات على الإطلاق أي انتقاد للأمير فيصل ( الذي تولى العرش لاحقاً) ولا لعائلته، ولا أزاء مجموعة العمل القومي. وهذا الوضع بالضبط يمكننا من اعتبار الشيوعيين العراقيين قوة هامشية.
ويبدو أن هامشيته تكمن في مجال آخر، وتحددت في حالة أخرى، على سبيل المثال العدد القليل من أنصار الفكرة الشيوعية. فحسب رواية قاسم حسن أحمد الشيخ، عندما عاد إلى العراق من موسكو سنة 1936، "كان عدد نشطاء الحزب بضعة رفاق.... ولكن هؤلاء الرفاق ذوي ميول يسارية، إثنان منهم أعضاء في اللجنة المركزية....وبعد تنحي صائيموف [عاصم فليح بعد اعتقاله وتعرضه للتعذيب الشديد] ، بقينا أربعة رفاق، إضافة إلى آخر ميكانيكي، إلاّ أنه أمي.
ولكن بعد مضي بعض الوقت، أعلن قاسم حسن أحمد الشيخ في موسكو بأن الحزب "قوي"، وإنه يستمد قوته من " فعالية أعضائه". ولكن كل ذلك مجرد كلمات، جرى تلفظها من أجل الحصول على الدعم المادي من قبل الكومنترن قبل كل شيء.
وأورد كاتب التقرير معطيات أخرى ، ومن ضمنها "انبثاق عدد من لجان المناطق للحزب ، منها لجنة الفرات الأوسط ، يتولى رفيقان في كل منهما الشؤون التنظيمية بين الوطنيين الثوريين، ولكن يضيف قاسم حسن أحمد الشيخ، " إننا لا نستطيع متابعتهم لأن أحدهم قابع في السجن، والآخر لم يقدم التقارير الضرورية. "ولجنة البصرة مكونة من ثلاثة رفاق، ولديها عدد من الخلايا. ولا يعرف بدقة عدد أعضاء الخلية، وقد جرى حل بعضها، أما البقية فتستمر بنشاطها التنظيمي". وتتالف "لجنة الناصرية من ثلاثة رفاق، يقبع سكرتيرها في السجن. ولديها خلية من التلاميذ- ثلاثة رفاق-، وخلية أخرى من ثلاثة خلايا لصباغي الأقمشة والأخرى لباعة الصحف والثالثة لصغار الموظفين". "وتضم لجنة الديوانية" ثلاثة رفاق، وثلاثتهم في المعتقل الآن". وهناك " لجنةعمال السكك الحديدية " على خط بغداد –كركوك تحت قيادة مهندس الخط. وأخيراً "لجنة بغداد"ا لتي تتولى مهمة اللجنة المركزية ، وتقود عدد من خلايا العاصمة، ولدينا في الجيش أ- في القوة الجوية وقد قتل إثنان منهم ، وب- خلية في صنف المشاة و تضم ضابط وخليته وفي المدفعية رفيقين"، " ، وفي مدرسة الصناعة في بغداد، هناك ثلاث خلايا يعمل في كل منها ثلاثة رفاق"، و"أ- ثلاث خلايا في شغيلة السكك الحديدية وينتظم في كل خلية ثلاث رفاق ، ب- ثلاث خلايا في المهن الحرة ، الأولى في بين الحمالين والثانية خاصة بالرفاق اليهود
والثالثة بين عمال الجص"، و خلية للحلاقين تضم رفيقين" و "خلية للمستخدمين في وزارة الخارجية تضم رفيقين"، و "خلية في دوائر بلدية بغداد – رفيقين"، و "خلية في دوائر الأوقاف تضم أربعة رفاق "، و"خلية في صناعة الثلج"لا يعرف عددهم. وبالمناسبة تعمل في بغداد"، المدينة العراقية المتعددة القوميات، "ثلاثة لجان مستقلة ذاتياً للأكراد. الأولى تضم ثلاثة رفاق أكراد ، والثانية رفيقان" و "خلية مستقلة للرفاق الآثوريين صلتها بالحزب عبر سكرتيرها وتضم ثلاثة رفاق" .
إن الحديث لا يدور حول منظمة للشيوعيين العراقيين قليلة العدد. إنهم كانوا قوة هامشية من وجهة نظر علاقاتهم بموسكو. " لقد توجه الحزب الشيوعي العراقي،
كما جاء في الوثيقة التي قدمها سكرتيره قاسم حسن أحمد الشيخ، بطلب إلى الكومنترن ليكون فرعاً للأممية الثالثة كي يتلقى بشكل دائم توجيهاته ونصائحه" . هذه الوثيقة تعود إلى سنة 1937.
ولكن المهم هو شأن آخر: هو هامشية الشيوعيين العراقيين بقدر ما يتعلق بالسياسة الداخلية، وعلاقاته الوثيقة المديدة مع العملية العرضية المؤذية مع الوطنيين الجناح "اليساري" للوطنيين – جعفر أبو التمن و "الشعبيين" بقيادة كامل الجادرجي وعبد القادر اسماعيل ؟
إن تطور الوضع الداخلي بعد فرض نظام الانتداب الانجليزي قد تحدد ببروز مجموعة نشطة من الوطنيين المحليين في البلاد. وتجاوزت الوطنية العراقية هذه المجموعة التي عملت داخل البلاد، فشملت حاشية الأمير فيصل. وكان يمثلهم الأعضاء السابقون في جمعية "العهد "، التي ضمت الضباط السابقون في الجيش العثماني. والحديث يدور حول مجموعة متراصة ( سبق أن أشير إليهم في نشرات الشيوعيين) والذين وصفته البحوث العراقية في عداد" فئة إجتماعياة خاصة". هذه الفئة في الإطار الوطني والديني، هي مجموعة عربية دينية تبلورت اجتماعياً من "المنحدرين من رحم المجتمع من الفئات ذات الدخول المحدودة، وإختاروا الخدمة في الجيش بإعتبارها ميداناً لنشاطهم المهني". إن أعضاء هذه الفئة ليس لديها أي ملكية، ولا أية مصادر ولم يكن لديهم ممتلكات، ويعتمدون على رواتبهم، ووحدة الثقافة والتقاليد التي تتصف بها البيئة العسكرية" . وأخيراً، إلتحقوا بالمسيرة المجيدة " الثورة العربية الكبرى"، وشاركوا في المحاولات لتوسيع نفوذ سيدهم "فيصل"، الذي سبق وأن تم تتويجه على العرش في دمشق، ولو على جزء من الأراضي العراقية التي إحتلها الانجليز، وتحقيق هدف القوميين قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.
لقد أصبحت القضية المتعلقة بأساليب إدارة العراق مهمة ملقاة يجب على السلطات البريطانية تحقيقها بعد إندلاع ثورة العشرين الوطنية في داخل البلاد . وتضمن هذا الأمر ( الذي نفذته مجموعة من ممثلي الإدارة الانجليزية والمؤسسة السياسية) في نقل السلطة إلى العرش الهاشمي والمحيطين به، والجناح "الخارجي" من القوميين العراقيين. ورافق عودتهم الاحتفالية إلى الوطن تأسيس "طبقة حاكمة" متراصة نسبياً، مستثنين منهم ممثلي الوطنيين في "الداخل".
ومما ذكره الدكتور كريكوري كوساج ايضا :" فالتقارير المرسلة إلى موسكو من قبل كل من وصل إلى العراق من الخريجين تشير إلى اختيار سكرتير جديد لمنظمة الشيوعيين العراقيين ( علماً أنه قد تدرج في تولي هذا المنصب كل من عبد الحميد الخطيب وعاصم فليح وقاسم حسن أحمد الشيخ، وأخيراً يوسف سلمان)، وأشارت المعلومات إلى طرد " التروتسكيين" و"المتطرفين اليساريين" من الحزب، والذين أطلق عليهم صفة " العناصر المعادية للحزب". وفي واقع الأمر، فليس في تحديد السمات، فقد وضعوا هؤلاء بدون معنى في صف أؤلئك الذين تعرضوا للعقوبات بتهمة معارضتهم لنهج الحزب الشيوعي السوفييتي (البلشفي) في الاتحاد السوفييتي. فماذا كان الاتهام الذي وجّه إلى عاصم فليح لطرده من الحزب سنة 1938".
واضاف الدكتور كوساج :" لقد وصف الوضع داخل صفوف الشيوعيين العراقيين على أنه مخيب للآمال، ولم يكن ذلك المرة الأولى التي استلم الكومنترن بشكل مباشر مثل هذه التقارير في البلاد. فقد كتب يوسف سلمان وقتها، إن القادة الحزبيين " منهمكين في النقاش بينهم حول قضية القيادة، وبالطبع، حول المالية". وأعلن عن عدم وجود مجموعة شيوعية منظمة وموحدة في العراق، وقدم إلى السكرتارية الشرقية معلومات عن قادة الأجنحة: "مجموعة عبد الله مسعود – وهم من الرفاق ذوي الميول الثورية" ، "التروتسكيون، وزعيمهم نوري روفائيل وكان في اسبانيا"،
ومجموعة قاسم حسن ، ويوسف متي ، وزكي خيري التي لا تعتبر مجموعة حزبية "حيث" أن مواقعهم اللاماركسية وأفعالهم الخيانية أدت إلى تحطيم الحزب". وإلى جانب ذلك، هناك "مجموعة معارضة يتزعمها يعقوب كوهين (فاضل)"، "التي جمعت الرفاق اليهود في مجموعة خاصة بهم، مما يذكرنا بتنظيم "البوند"( مجموعة من الماركسيين اليهود في روسيا قبل الثورة )، والتي أعنت أنها تمثل اليهود في الحزب، التي تؤكد أن المنظمة الشيوعية العراقية "لا تعتبر حزباً عمالياً، وكذا الحال بالنسبة للطبقة العاملة فلا وجود لها في العراق حتى الآن، ولا يدور الحديث الآن عن الثورة الاشتراكية (التي يحققها المثقفين)". وقد أعلنت كل هذه المجموعات أن يوسف سلمان يوسف "غير مناسب للعمل الحزبي".
لقد مارس يوسف سلمان نفس الأدوار التي إتبعها أسلافه الذين تولوا سكرتارية منظمة الشيوعيين العراقيين. (وحسب أقوال قاسم حسن أحمد الشيخ في سنة 1940 أن" يوسف سلمان يوسف أصبح على رأس الحزب" .
في هوامش كتاب الدكتور كريكوري كوساج معلومات ممتازة عن قاسم حسن وتقاريره واجد من المناسب نقلها الى القارئ الذي قد لاتتيسر له فرصة الكتاب فمما اورده عن قاسم حسن :" إن عدد الطلبة العراقيين المتقدمين للدراسة سنوياً في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق في موسكو كما قدرها قاسم حسن أحمد الشيخ في عامي 1935-1936 عشرة طلاب" .واورد قاسم حسن أحمد الشيخ فإن "أخطر عميل في الحزب هو عبد الحميد الخطيب الذي جاء في السابق إلى موسكو وقُبل في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق ثم فصل منها. وقد عاش في الاتحاد السوفييتي باسم مستعار هو "خالد". تقارير قاسم حسن أحمد الشيخ عن العراق في سنة 1941، ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي. ويقول الدكتور كريكوري كوساج : "على سبيل المثال يشير قاسم حسن أحمد الشيخ في رسالة موجهة إلى سكرتارية اللجنة التنفيذية للكومنترن إلى نشاط عملاء ألمانيا وايطاليا في العراق في نهاية عقد الثلاثينيات ومحذراً من نتائج ذلك، قائلاً:" إن الألمان يشجعون ويعمقون المشاعر المعادية لبريطانيا في أوساط الرأي العام، ويستغلون ....الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. إننا لو ألقينا نظرة إلى مسألة المال والتجارة، فإننا نرى أن 80% من التجارة الخارجية تقع في يد البرجوازية اليهودية. وإن الكثير من الرأسماليين اليهود الكبار على علاقة بالصهيونية في فلسطين، دون نسيان أن اليهود من الناحية التريخية هم شعب مضطهد خلال فترات متواصلة ويتمتعون بـ"الحماية" من قبل السياسة الكولونيالية للأمبريالية البريطانية، وإن الدعاية الفاشية الألمانية اكتشفت العديد من الحلقات الضعيفة التي يمكن أن تخترقها وتعمل بفعالية على طريق تشويه الحقائق. وقامت الفاشية الألماني بحريض النخبة الإسلامية والمسيحية من البرجوازية المحلية ضد اليهودمن ناحية، وضد المدافعين عنهم من ناحية أخرى. وتسنى لهم أيضاً دق ناقوس الخطر تجاه الموظفين الذين يعملون في خدمة الربويين اليهود". زقور- مكائد الفاشية الألمانية في الشرق الأوسط. تشرين الأول سنة 1941. ارشيف تاريخ روسيا الاجتماعي والسياسي" .
واورد الدكتور كريكوري كوساج في هوامشه انه " في النصف الثاني من عقد الثلاثينيات، استلمت سكرتارية الشرق أكثر من مرة رسائل من العراق تشير إلى أن الحزب الشيوعي السوري لا يقوم بواجبه تجاه الشيوعيين العراقيين. وقد أشار قاسم حسن أحمد الشيخ إلى:" إنعدام أية مساعدة من الحزب الشيوعي السوري، مما يعني أن الرفاق السوريونيتجاهلون واجبهم تجاه الحزب الفتي الذي ينمو في أهم بقعة في العالم العربي . فكيف يمكن لهذا الحزب أن ينمو إذا كان محروماً من إرشادات القيادة العليا والدعم المادي؟"(كتبت الرسالة باللغة العربية في تقرير عن الوضع في العراق ، وجرى استلامه من قبل اللجنة التنفيذية للكومنترن في العشرين من تشرين الأول سنة 1937.
ويستطر قاسم حسن أحمد الشيخ تقريره في لحن أشد قائلاً:"إننا نطالب بقطع علاقتنا مع السوريين، القصيري النظر، والذين يسعون فقد إلى فرض سلطتهم علينا وبعملون بأساليب من أجل توسيع نفوذهم في الشؤون العربية لكي يوحون لكم بأنهم يقفون على مواقع قوية، ويوحون وكأن الآخرين ضعفاء"(رسالة باللغة العربية مؤرخة في 25 نيسان سنة 1935" .
وعن سيرة قاسم حسن يكتب الدكتور كوساج :"السيرة الذاتية لزهير نعيم(قاسم حسن)، عند تقدمه تقييماً لانقلاب رشيد عالي الكيلاني والحرب العراقية البريطانية، كتب قاسم حسن أحمد الشيخ ما يلي:"سرعان ما اتخذت هذه الحركة طابعاً ثورياً واضحاً. وبدأ الشعب بحمل السلاح، وقد قام الشباب المتحمس بقيادته.واتخذ قراراً بالمقاومة حتى النهاية، وقد جرى التأكيد على أن الاتحاد السوفييتي سيقدم بالتأكيد الدعم ، وإن ألمانيا ما هي إلاّ مستعمر جديد، ولا نريده ولا نريد مساعدته. وفي الثاني والعشرين من أيار سنة 1941، أصدر الحزب الشيوعي بياناً احتوى على تحليل للتوجه الثوري الجديد. وطالب البيان من الحكومة تعيين وزراء جدد ، وتنظيم توزيع المواد الغذائية في بغداد وضواحيها، ووقف الدعاية الفاشية، الهادفة إلى دفع الحركة صوب الحرب الأهلية والعنف ضد الأقليات القومية. وطالب الحزب بالتوجه صوب الاتحاد السوفياتي لطلب المساعدةوعقد معاهدة معه. ودعا البيان كل جماهير الشعب-الطبقة العاملة والفلاحين والطبقة المتوسطة –إلى تنظيم أنفسها لمواجهة الوضع الناشئ كتب باللغة العربية موقعاً من قبل زهير" .
اعيد واكرر واقول ان ( قاسم حسن ) يجب ان يكون موضوعا لاطروحة دكتوراه وسيرته الشخصية ودوره يستحقان كل اهتمام وتقدير .
____________________________________
*كريكوري كوساج ولد في سنة 1944 ، وهو مؤرخ سوفييتي وروسي في الشؤون العربية ومختص في الشؤون السياسية العربية المعاصرة، ويتقن اللغة العربية. ويشغل منصب بروفسور قسم التاريخ العربي المعاصر، وحصل على شهادة الدكتوراه في سنة 1990، وأخصائي في معهد الشرق الأوسط ونائب رئيس تحرير مجلة "أوراسيا"، وهو مؤلف أكثر (163) من الكتب والمقالات في غالبيتها حول الشؤون السياسية في البلدان العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق