الاثنين، 16 مارس 2020

جولة في سور الموصل وأبوابه ا.د. ابراهيم خليل العلاف

                                                    خارطة ولاية الموصل في العهد العثماني
                                                  باب لكش من ابواب الموصل رسم الفنان فخري المولى
                                                  باب الجديد من داخل السور رسم فخري المولى
                                                  زقاق موصلي قبل هدم السور 1934-1936

جولة في سور الموصل وأبوابه
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
في كثير من حلقات برنامج (موصليات ) وقفت عند سور الموصل وابواب الموصل ومما قلته ان سور الموصل قديم قدم الموصل وقد زاده الامويون  سنة 700 ميلادية حين دخلت الموصل ضمن دولتهم وزاده  العقيليون ورمموه واضافوا اليه وكذلك فعل الاتابكيون عندما حكموا الموصل .
وللسور ابواب هذه الابواب كانت تزيد وتنقص حسب الفترات التاريخية ففي بعض الفترات كان هناك ثلاثة عشر بابا منها باب سنجاروالذي يؤدي الى مدينة سنجار وهو من اقدم ابواب الموصل حيث جاء ذكره في اخبار الموصل سنة 129 هجرية -  747 ميلادية وكان هذا الباب يسمى ايضا ب ( باب الميدان )  وميدان الموصل كان في تلك المنطقة المقابلة لتل كناس والمتوسطة الغربية وورد في سجلات الموصل ان من ابواب مدينة الموصل القديمة باب يسمى باب القصابين وورد ذكره في اخبار سنة 189 هجرية – 805 ميلادية  ميلادية وقامت على انقاض هذا الباب وفي نفس موقعه باب سمي بباب الطوب وهذا الباب شيده الحاج حسين باشا الجليلي قائد مقاومة الموصل لحصار نادرشاه سنة 1743 ميلادية وكان هناك مدفع او طب في كل ركن من اركان هذا الباب لهذا سمي بباب الطوب والطوب  يعني المدفع .
ذكر المرحوم الاستاذ عبد الوهاب النعيمي في مقالة له نشرها في مجلة (الف باء ) البغدادية عدد16 كانون الثاني سنة 2002 ان باب الطوب هو مركز المدينة .ومركز المدينة دائما يسمى الميدان كان مركز المدينة في الميدان بباب سنجار ثم في الميدان عند ايج قلعة قرب الجسر القديم الان ثم غدت باب الطوب هي المركز مركز المدينة وفيها السراي ومركز الشرطة والاسواق والخانات والمنطقة الاقتصادية الموروثة .
وهناك باب كان يسمى باب الجصاصة نسبة الى من كان يصنع مادة الجص سنة 502 هجرية – 1109 ميلادية وبعده الباب العمادي وموقعه عند محطة تعبئة ابن الاثير قرب مطبعة جامعة الموصل القديمة والبارودخانة والباب العمادي سمي كذلك نسبة الى صاحب الموصل من الزنكيين عماد الدين  زنكي سنة 527 هجرية -  1133 ميلادية .
ونأتي الى باب كندة وهو نفسه باب البيض وفي باب كندة نزلت قبيلة كندة القحطانية سنة 578 هجرية – 1183 ميلادية وورد ذكر الباب الغربي سنة 589  هجرية  - 1193 ميلادية واظنه نفسه باب البيض ثم هناك باب العراق والباب الجديد ثم باب لكش وباب السراي وباب الجسر وهو ايضا من الابواب القديمة وهناك باب المشرعة الذي ينفذ الى النهر نهر دجلة وهو نفسه باب شط المكاوي ويليه باب شط الحصى الذي فتح سنة  1801 اي بعد حصار نادرشاه 1743 وهناك باب يسمى باب السر وهو باب سري كان يستخدمه  المقاتلون واهل الموصل خلال الحصار للتزود بالمياه .
كان في الموصل قلعتان قلعة في الربض الاسفل كان مجاهد الدين قايماز نائب القلعة فيها وقلعة باشطابيا في الربض الاعلى .
من الامور التي اريد ان اقولها ان سور الموصل يحيط بمدينة الموصل احاطة السوار بالمعصم وان ابواب السور تسد مساء وتفتح صباحا ولا يسمح لاحد بالدخول بعد غلق الابواب وعلى الابواب حرس  وعلى القلعتين الشمالية والجنوبية نقاط مراقبة ويشير الاستاذ الدكتور احمد قاسم الجمعة  استاذ الاثار الاسلامية المتمرس – جامعة الموصل ان في الاسوار شرفات دفاعية وابراج ومزاغل وهذه الشرفات قديمة تعود الى العصور الاشورية والغرض منها تأمين الدفاع عن المدينة الا قلعتي ايج قلعة وباشطابيا تعودان الى العهد العثماني وغالبا ما تتخذ القلاع مقرا للوالي ومعسكرا للقوات الانكشارية .
كانت هذه القلاع مرتفعة واعلى  نقطة في المدينة يبلغ ارتفاعها عن  مستوى سطح البحر ب (240) مترا .
الشيء الذي اريد ان اقوله ان سور الموصل سور حصين وقوي حتى ان المؤرخ احمد الصوفي يقول ان سمكه ثلاثة امتار وارتفاعه عشرة امتار والخندق الذي يحيط به كان بعمق سبعة امتار .
والسور كان دائريا  حول المدينة القديمة ووجدت حول السور تجمعات عشائرية سكانية سميت بالجوبات وهي جوبة العكيدات وجوبة الاشمطا وجوبة البكارة . وعندما ازيل سور الموصل  وابوابه خلال سنوات  الثلاثينات  من القرن الماضي اصبحت الجوبات ضمن المدينة .
ايضا السور الذي يعرفه الناس حتى يومنا هذا بالبدن كانت فيه ابراج ومزاغل ولم يكن من السهل اقتحام سور الموصل بدليل ان نادرشاه عندما حاصر المدينة قرابة اربعين يوما بين ايلول وتشرين الاول سنة 1743 ميلادية لم يستطع دخول المدينة .
للاسف الشديد هذا السور العظيم  الذي  كان يحيط بالمدينة القديمة بصورة  شبه دائرية وهذه الابواب الجميلة  تعرض للهدم والازالة عبر فترات تاريخية ابتدأت بسنة 1918 اي السنة التي احتل بها الانكليز للموصل بحجة فتح الشوارع وتطوير المدينة وانتفاء القيمة الدفاعية للسور واستمر الهدم  بين سنتي 1934 و1936 وينقل الاستاذ النعيمي عن الدكتور داؤد سليم عجاج قوله ان حدود مدينة الموصل وبعد ازالة السور والابواب توسعت لتبلغ 35 كيلومترا وهي المساحة الخاضعة للقوانين البلدية الا ان المدينة القديمة ظلت منحصرة بمساحة بقرابة 15 و2 كيلومتر مربع وقد خرج اطار النمو المساحي عن سور المدينة بعد هدمه بإمتدادات حضرية نظامية شملت كل المحاور وبمسافة بلغت 2 كيلو متر مربع لتصبح المدينة بعد توسعها بحدود 7و4 كيلومتر مربع وكان عدد السكان بوجود السور 98 الف نسمة حسب احصائية تعود الى سنتي 1922-1924 فيما اصبح عدد السكان بعد هدم السور 133 الف نسمة حسب احصاء سنة 1947 .
كانت مدينة الموصل تتألف سنة 1918 من (31) محلة اي حي والدور في هذه المدينة لم تأخذ نظاما هندسيا مميزا بل ترك الامر للسكان هم من يحدد التصميم وحسب المستوى المعاشي والمنزلة الاجتماعية للاسرة الموصلية لكن على العموم كان البيت الموصل يتألف من مدخل وفناء وايوان وغرف وسرداب واشخيم وغرفة تسمى ( العليه)  واحيانا (اليازلغ)  اي الشرفة والكثير من البيوت الموصلية صغيرة المساحة تتراوح بالمعدل مابين 100 الى 200 متر مربع او اقل من ذلك مع ملاحظة التدخل بين البيوت وتعدد الملكية والورثة .
ومما  يميز البيت الموصلي انه يكون اما من طابق او طابقين ومادة البناء هي الحجر والجص والدور تعكس التراث الموصلي من حيث ملائمتها للبيئة ومجرد بناء البيت  بالجص والحجر فإن معنى هذا انه بارد صيفا دافئ شتاء وغالبا ما ينزل الموصلي الى السرداب ظهرا  ليقضي القيلولة ويصعد الى السطح لينام ليلا ولاشك ان في هذه الحركة تدل على حيوية الانسان الموصلي وقدرته على التكيف مع البيئة والطقس .
ولاننسى الاشارة الى القناطر التي تربط بين الدور والتي توفر مساحة اضافية للدور  التي تقع ضمن رقعة جغرافية تشبه الشجرة في تفرعاتها والتي تمتد الى مختلف الاتجاهات عبر ازقة ودرابين ضيقة او واسعة تتباين في نقاط مختلفة فتارة تضيق وتارة تتسع تارة تكون مغقة وهذا كله اعطى لمدينة الموصل من حيث الطرز المعمارية خصائص لاتتصف بها غيرها من المدن العربية وقد اتسم النسيج العمراني هذا بالقدرة على توفير متطلبت وحاجات الانسان واتصف بالمتداد العمراني – يقول الدكتور داؤود سليم عجاج استاذ  جغرافية المدن في جامعة الموصل – المتصل والمتماسك او ما يسمى بالنمو التراكمي والمنبعث من اعتبارات اكتستها المدينة من مهارة ووعي معماريها الذين استوعبوا العناصر المناخية للمدينة فظهرت البيوت السكنية المتجمعة والمتلاصقة لتظلل الواحدة الاخرى والفضاءات ( الازقة والفناءات ) ضيقة للتقليل من تأثير اشعة الشمس وهذه الخاصية ادت الى زيادة قوة المباني بفعل اسناد بعضها الى بعض مما اطال في عمرها الزمني .
في سنة 2000 وضع مخطط وتصميم جديد لمدينة الموصل بلغت مساحته  (141)  كيلومتر مربع تتوزع في اطرافها على اكثر من (200) محلة وحي سكني بين قديم مازال قائما وجديد بدأ  ينهض ويرتفع في جهات المدينة الاربع .
الا ان سيطرة عناصر داعش على الموصل بين سنتي 2014 – 2017 وتحرير الموصل والعمليات العسكرية لتحريرها واعادتها الى حضن العراق كانت لها اثار مدمرة على بنية المدينة القديمة التي تحولت الى انقاض وبشكل مؤلم  ولاشك ان هذا الهدم اضاع الكثير من معالم المدينة القديمة وشوهها واصبح من الصعوبة اعادة اعمارها وفقا لما كانت عليه المدينة قبل سنة 2017 .

لكن مما يفرح ان اهل الموصل ظلوا متشبثين بدورهم وبنمطها العمراني وتبذل الان الجهود الحثيثة لاعمار ما يمكن إعماره من دور وجوامع وكنائس واسواق وقيصريات وخانات ومدارس و(عوجات)  وقناطر  وغير ذلك من معالم مدينة الموصل المعمارية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...