القناعة
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وأنا الذي حدثتُكم خلال شهر رمضان المبارك ،
هذا الشهر الفضيل شهر القرأن شهر الايمان والاستقامة عن كثير من القيم الانسانية النبيلة .. أدعو الى إحيائها والعمل بها ضمانا لنا ونحن
نعيش في العالم المضطرب .
حدثتكم عن الاستقامة ، والسعادة ، والصدق، والانصاف ، والرحمة ، والجمال ، والفضيلة ، والشجاعة
.كما حدثتكم عن الارادة ، والامل ، والحلم ، والتعلم ، والذكاء ، والثقافة وغير ذلك ، أقول أننا
-
ولكي نلتزم بكل القيم الانسانية والاسلامية الراقية والنبيلة - علينا بالقناعة ، وعلينا ان نقنع بما قسمه الله
لنا ، وعلينا ان نقمع انفسنا وان نقول لها كفى . وكما قال الشاعر الكبير أبا ذؤيب الهذلي :
والنفس راغبة إذا رغبتها **** وإذا تُرد الى
قليل تَقنَعُ
نعم النفس الانسانية جشعة طماعة تريد وتريد ، ولكن على الانسان ان يوقفها عند حدها ويُعلمها
على القناعة والرضى .
اذا القناعة ( تربية) ، والقناعة ( تدريب) ، فليس من المعقول ان يترك الانسان نفسه على
هواها ، وانما عليه ان يوقفها عند حدها ، وان يتمتع بالقناعة وليس أفضل من ان يكون
الانسان قنوعا ، عزوفا ، عيوفا ، مترفعا ، نزيها ، صادقا فهذا ما يحقق له ، ولغيره
الطمأنينة والاستقرار وراحة البال .
عندما كنا اطفالا صغارا في المدرسة
الابتدائية ، كنا نقرأ لافتات منتشرة في الاماكن العامة تفيد بأن القناعة كنز لايُفنى
) أي لاينتهي رغم تبدل الزمان والمكان ، فعندما يكون الانسان قنوعا ؛ فإنه يشعر
بالاستقرار والطمأنينة وراحة البال .
القناعة تشعركم بأنكم من أغنى الناس ، واكثرهم
رضى .والقناعة تريحكم ، وتجعلكم مطمئنين الى رزقكم وغدكم . والقناعة تساعد الانسان
على الشعور بالسعادة والرضاء بما قسمه
الله تعالى .
ومن المؤكد ان على الانسان المؤمن ان يكون عارفا
بحقيقة واحدة وهي انه لن ينال الا ما قسمه الله له ، حتى ولو ملأ الدنيا ضجيجا ، وصراخا .
الانسان يريد ، والانسان يطمح ، والانسان
يتمنى ، ولكن عليه ان يكون قنوعا . وعندما
يكون قنوعا سوف يتمتع بالقوة ، وسوف لن يقع أسير رغبات النفس وهواها ؛ فالنفس دوما أمارة بالسوء ، وقد تجرك الى
المهالك ، لكن عليك أن تَحد من رغباتها ، وتحمد
الله وتشكره على النعم الكثيرة التي أنت عليها وفيها .
في زماننا هذا زمن الاطماع ، وزمن الرغبات ، تظهر
قيمة القناعة ، وهي قيمة انسانية جليلة .. علينا ان نشجع على تعويد النفس عليها ، وترك الطمع ، والجشع وعندئذ يعيش الانسان سعيدا مرتاح النفس .
والقناعة ليست كما يظن البعض ، تتعارض مع
طموح الانسان ، فالانسان يسعى ، ويعمل ، وينتج ، ويتقدم ، ولكن في اطار بعيد عن الطمع ، والاستحواذ
على ما يملكه غيره . والقناعة هي الرضى بالقليل المفيد الدائم ، والابتعاد عن
الكثير غير الدائم .. وكما يقولون في الاثر ( قليل دائم خير من كثير
متقطع ) .
قرأت الكثير من الاقوال التي تدعو الى القناعة
منها ( أن زينة الغني الكرم ، وزينة
الفقير القناعة ) .كما ان من الامثال التي وددت أن أُرددها أمامكم عن القناعة (
إرضَ بحمارك ، ولاتنظر الى حصان جارك ) .. ومن الاقوال الجميلة عن القناعة (إذا طلبت العز، فاطلبه بالطاعة ، وإذا أردت الغنى فإطلبه
بالقناعة) .
الذي اريد ان اقوله ان علينا ان نكون قنوعين وراضين بقسمتنا ، مع وجوب السعي والعمل والتوكل على الله ، وترك
النظر الى ما في ايدي الاخرين .
والانسان المؤمن ، والمستقيم هو من يتخذ من (القناعة كنز لايَفنى ) ، شعارا له في الحياة ، وعند ذاك
سوف يعيش سعيدا ، راضيا ومنسجما مع نفسه ومع مجتمعه .
رمضانكم مبارك ، وصومكم مقبول
، ودعائكم مستجاب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق