الجمعة، 27 مارس 2020

القناعة ا.د. ابراهيم خليل العلاف


القناعة

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

وأنا الذي حدثتُكم خلال شهر رمضان المبارك ، هذا الشهر الفضيل شهر القرأن شهر الايمان والاستقامة  عن كثير من القيم الانسانية النبيلة ..  أدعو الى إحيائها والعمل بها ضمانا لنا ونحن نعيش في العالم المضطرب .

حدثتكم عن الاستقامة ، والسعادة ، والصدق،  والانصاف ، والرحمة ، والجمال ، والفضيلة ، والشجاعة .كما حدثتكم عن الارادة ، والامل ، والحلم ، والتعلم ، والذكاء ، والثقافة  وغير ذلك  ،  أقول أننا  -  ولكي نلتزم بكل القيم الانسانية والاسلامية الراقية والنبيلة -  علينا بالقناعة ، وعلينا ان نقنع بما قسمه الله لنا ، وعلينا ان نقمع انفسنا وان نقول لها كفى . وكما قال الشاعر الكبير  أبا ذؤيب الهذلي :
والنفس راغبة إذا رغبتها **** وإذا تُرد الى قليل تَقنَعُ



نعم النفس الانسانية جشعة طماعة تريد وتريد  ، ولكن على الانسان ان يوقفها عند حدها ويُعلمها على القناعة والرضى .

اذا القناعة ( تربية)  ، والقناعة ( تدريب)  ، فليس من المعقول ان يترك الانسان نفسه على هواها ، وانما عليه ان يوقفها عند حدها ، وان يتمتع بالقناعة وليس أفضل من ان يكون الانسان قنوعا ، عزوفا ، عيوفا ، مترفعا ، نزيها ، صادقا فهذا ما يحقق له ، ولغيره الطمأنينة والاستقرار وراحة البال .

عندما كنا اطفالا صغارا في المدرسة الابتدائية ، كنا نقرأ لافتات منتشرة في الاماكن العامة تفيد بأن القناعة كنز لايُفنى ) أي لاينتهي رغم تبدل الزمان والمكان ،  فعندما يكون الانسان قنوعا ؛ فإنه يشعر بالاستقرار والطمأنينة وراحة البال .

القناعة تشعركم بأنكم من أغنى الناس ، واكثرهم رضى .والقناعة تريحكم ، وتجعلكم مطمئنين الى رزقكم وغدكم . والقناعة تساعد الانسان على الشعور  بالسعادة والرضاء بما قسمه الله تعالى  .

ومن المؤكد ان على الانسان المؤمن ان يكون عارفا بحقيقة واحدة وهي انه لن ينال الا ما قسمه الله له ، حتى ولو ملأ الدنيا ضجيجا ،  وصراخا .

الانسان يريد ، والانسان يطمح ، والانسان يتمنى ، ولكن عليه ان يكون قنوعا .  وعندما يكون قنوعا سوف يتمتع بالقوة ، وسوف لن يقع أسير رغبات النفس وهواها ؛  فالنفس دوما أمارة بالسوء ، وقد تجرك الى المهالك ،  لكن عليك أن تَحد من رغباتها ، وتحمد الله وتشكره على النعم الكثيرة التي أنت عليها  وفيها .

في زماننا هذا زمن الاطماع ، وزمن الرغبات ، تظهر قيمة القناعة ، وهي قيمة انسانية جليلة .. علينا ان نشجع على تعويد النفس عليها ،  وترك الطمع ، والجشع  وعندئذ يعيش الانسان سعيدا مرتاح النفس .

والقناعة ليست كما يظن البعض ، تتعارض مع طموح الانسان ، فالانسان يسعى ، ويعمل ، وينتج ،  ويتقدم ، ولكن في اطار بعيد عن الطمع ، والاستحواذ على ما يملكه غيره . والقناعة هي الرضى بالقليل المفيد الدائم ، والابتعاد عن الكثير غير الدائم  ..  وكما يقولون في الاثر ( قليل دائم خير من كثير متقطع ) .

قرأت الكثير من الاقوال التي تدعو الى القناعة منها ( أن زينة الغني الكرم ،  وزينة الفقير القناعة ) .كما ان من الامثال التي وددت أن أُرددها أمامكم عن القناعة ( إرضَ بحمارك ، ولاتنظر الى حصان جارك ) .. ومن الاقوال الجميلة عن القناعة   (إذا طلبت العز،  فاطلبه بالطاعة ، وإذا أردت الغنى فإطلبه بالقناعة) .

الذي اريد ان اقوله ان علينا ان نكون قنوعين وراضين بقسمتنا ،  مع وجوب السعي والعمل والتوكل على الله ، وترك النظر الى ما في ايدي الاخرين .

والانسان المؤمن ، والمستقيم هو من يتخذ من (القناعة  كنز لايَفنى ) ، شعارا له في الحياة ، وعند ذاك سوف يعيش سعيدا ، راضيا  ومنسجما مع نفسه  ومع مجتمعه .


رمضانكم مبارك ، وصومكم مقبول  ، ودعائكم مستجاب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...