رحلة الخوري الياس حنا الموصلي إلى اميركا 1668-1683*
ا.د,ابراهيم خليل العلاف
في حلقات سابقة من برنامجنا هذا برنامج (موصليات) تحدثت عن (الموصل في عيون الرحالة العرب)و(الموصل في عيون الرحالة الاجانب) واليوم اتحدث لكم عن رحالة موصلي قام برحلة مشهورة في التاريخ الحديث إلى قارة اميركا، وهذا الرحالة هو الخوري الياس بن قس حنا الموصلي الذي قام برحلة إلى اوربا ومن ثم إلى اميركا في وقت لم تكن فيه الرحلات متيسرة فقد بدأ الرحلة سنة 1668 وانتهت سنة 1683 ومن هنا كان الحق للاب انطون ربّاط اليسوعي عندما عثر على المخطوطة التي كتبها المؤلف بخط يده واصفاً رحلته وصفاً دقيقاً وما مرّ به من أحداث وبلدان مختلفة، حققها ونشرها في مجلة المشرق البيروتية في مجلد سنة 1905 وبسبعة اعداد متتالية ربطها بعنوان (رحلة اول سائح شرقي إلى اميركا).
وفعلاً كانت رحلته أول رحلة من نوعها لا بل يستطيع ان نقول عنها انها كانت مغامرة، وقد نشر ربّاط المخطوطة فيما بعد في كتاب مستقل يحمل ذلك العنوان الذي اختاره في 91 صفحة وطبعه سنة 1906 في المطبعة اليسوعية في بيروت ومن هنا كان الخوري الياس ليس أول عراقي وانما اول شرقي يصل إلى أمريكا.
لقد قام الخوري الياس بن القس حنا الموصلي برحلة إلى وربا ومن ثم إلى اميركا في وقت لم يكن السفر والرحلات سهلا ومتيسرا وقد ابتدأت رحلته سنة 1668 وانتهت سنة 1683.
كان الخوري الياس الكلداني من اسرة موصلية على علاقة نسب مع اسرة بطاركة القوش تعرف (بيت الاب) وكان له ابن شقيق اسمه اسحاق درس في اوربا وصار مترجما في السفارة الاسبانية في روما ولما عاد إلى الموصل لم يجد احدا من اسرته فتزوج وذهب إلى حلب وعرف ب(الحلبي).
ويبدو أن لعائلته روابط وثيقة بالفاتيكان والبابوية منذ القرن السادس عشر الميلادي. المعلومات عن سيرته قليلة فلا نعلم تاريخ ميلاده ولا تاريخ وفاته. غير انه ذكر ان له ابن أخ اسمه يونان اكمل دراستة في روما ثم رجع بعدها إلى حلب عام 1670م. بدأ ترحاله إلى القدس الشريف عام 1668م ثم ذهب إلى حلب ثم اسكندرون حيث أبحر إلى فينسيا بإيطالية ومنها إلى فرنسا وإسبانيا. وأخيراً أقلع من قادس في إسبانيا فمر على جزر الكناري وصولاً إلى فنزويلا في شمالي أمريكا الجنوبية.
ان ما اريد ان اقوله ان الاب انطوان رباط اليسوعي عثر على المخطوطة التي دون فيها الخوري الياس الموصلي اخبار رحلته وكانت مكتوبة بخط يده وفيها كان يصف الرحلة وصفا دقيقا وكان يذكر ما كان يمر به من بلدان وما شاهدته من وقائع واحداث وقد قام الاب انطوان رباط بنشر وقائع الرحلة في مجلة (المشرق) البروتية وفي المجلد الصادر سنة 1905 وعبر سبعة اعداد متتاية وبعنوان (رحلة اول سائح شرقي إلى اميركا).
لقد شهدت الموصل خلال العهد الجليلي 1726-1834 متغيرات كثيرة ففضلا عن انتشار الحركة السلفية كان هناك انتشار للكثلكة خاصة بعد مجيء البعثات التبشرية الكاثوليكية ويقينا - وكما يقول الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في كتابه (الموصل في العهد العثماني – فترة الحكم المحلي) ان مجيء هذه البعثات هيأ الاجواء في الموصل للتواصل مع الغرب واقامة نوع من الارتباط الثقافي بين الموصل وبعض البلدان الاوربية الكاثوليكية.
ففي منتصف القرن السابع عشر كان القس الياس الموصلي قد قام بمغامرته الكبرى،فزار روما ومرسيليا واسبانيا والبرتغال ومنها ابحر إلى العالم الجديد حيث زار بيرو وبوليفيا والارجنتين وشيلي وبنما والمكسيك ثم عاد إلى اشبيلية فروما حيث دون رحلته التي اشار اليها كراتشكوفسكي في كتابه (تاريخ الادب الجغرافي العربي).
كان القس الياس الموصلي اول رحالة شرقي يزور القارة الاميركية في العصر الحديث.وقد لقيت رحلته هذه شهرة كبيرة لدى الموصليين الذين تناقلوا اخبارها وتأثروا بها واخذوا يتطلعون إلى السفر خارج الموصل والى البلدان الاوربية طلبا للعلم في كلياتها وجامعاتها وكان من اشهر هؤلاء القس خضر الكلداني الموصلي الذي غادر الموصل سنة 1724 -1137 هجرية متوجها إلى روما مارا بنصيبين فماردين فالاسكندرونة وفي روما عكف على تسجيل وقائع رحلته.
كما الف كتبا اخرى منها (المعجم الكلداني – التركي) الموسوم ب (معدن الكنوز) وبلغت عدد كلماته نحو (1340) كلمة. كما الف معجما كلدانيا عربيا وترجم كتبا اخرى تحدث عنها عدد من المؤرخين منهم نصري الكلداني في كتابه (ذخيرة الاذهان) وروفائيل بابو اسحاق في كتابه (تاريخ نصارى العراق).
ان هذه الرحلات اسهمت اسهاما كبيرا في تشجيع حركة الرحلات وتوسيع المدارك وتنمية العقول بما ادت اليه من تبادل المعلومات ونقل للاخبار والمشاهدات وقد ابدى القنصل الفرنسي في الموصل دي فوصيل سنة 1854 في كتابه (الحياة في العراق منذ قرن) ونقلا عن تقارير للقناصل الفرنسيين الذين عملوا في الموصل دهشته عندما شاهد اهل الموصل يعرفون الكثير عن الثورة الفرنسية 1789 وعن نابليون بونابرت وغزوه لمصر سنة 1798 اكثر بكثير مما كان يتوقع وهذا دليل على ما كان يتمتع به المثقف الموصلي من سعة اطلاع وقد تحدثت عن ان المؤرخ الموصلي الكبير ياسين العمري ذكر الكثير من الاخبار عن الغزو الفرنسي لمصر 1798 في كتابه (غرائب الاثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر).
ومما يفرح حقا أن الأستاذ نوري الجراح قام في سنة 2001 بتحرير الرحلة و التقديم لها ونشرها في ابو ظبي عن دار السويدي بعنوان (الذهب والعاصفة) رحلة الياس الموصلي إلى اميركا اول رحلة شرقية إلى العالم الجديد 1668-1683 ميلادية وبواقع (138) صفحة.
* المقال منشور في : كتاب ابراهيم خليل العلاف ، اماكن ورموز من محافظة نينوى ـ دار ابن الاثير للطباعة والنشر ، منشورات جامعة الحمدانية ـ الموصل ، 2022 ، ص ص 113-115

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق