الخميس، 3 يناير 2019

قرية إچحلة .. من قرى القيارة


























قرية إچحلة .. من قرى القيارة
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس جامعة الموصل                  
وانا اكتب عن قرى جنوب الموصل ، أقصد المرتبطة بناحية القيارة ، وتزيد عن (60 ) قرية ، كان لي ان اقف عند قرية جميلة من هذه القرى ، وهي قرية إجحلة .
وقرية اجحلة ، قرية كبيرة  تستحق أن تكون ناحية لوحدها ، كتب عنها المرحوم الاستاذ سلطان محمد الوسمي في كتابه (القيارة بين الماضي والحاضر ) بضعة اسطر ، وقال انها من قرى جنوب الموصل ، سكانها اغلبهم من قبيلة خفاجة العربية الاصيلة (عشيرة المعتوق ) .. وقد سميت بهذا الاسم نسبة الى نبات الجحل  ، والذي كان يكثر فيها ايام زمان ، وكان الشيخ العبد ربه  في القرن التاسع عشر يتخذها مصيفا  ، ويقال ان الشيخ فيصل والد الشيخ مشعان اقطعها الى جد (الملهوف ) رحمهم الله جميعا . وقد قام هؤلاء بإستصلاحها وزراعتها كما سكنوا فيها .
عُرفت قبيلة الخفاجة بالكرم ، والطيب ، واغاثة الملهوف ، وحسن الضيافة ، وتحدث عنها القاصي والداني .. وقد سمعت الكثير من هذا والجميع يشيدون بأهل اجحلة ، وبموقفهم واقرب مثال على ذلك نجدتهم النازحين في معركة تحرير الموصل وخاصة في بواكيرها الاولى في كانون الاول 2016 ،   وحالات النزوح التي شهدتها المنطقة بإتجاه المنفذ الوحيد قرية إجحلة ثم عبور الجسر بإتجاه الضفة  اليسرى  لنهر دجلة .
يقول الاخ الاستاذ نايف ابراهيم المرير انه بكى متأثرا لهذا الموقف النبيل رجال تذبح الذبائح ، ونساء تخبز الخبز ، وتطبخ ليل نهار لهذا قال في حقهم :
الخفاجة مابيهم عيب وقصور
تشهد لهم بالطيب كل القبايل
واخص انا من كان بالطيب مخبور
ماهو خفي  ياأهل القلوب  الهبايل
  تحدث لي عن القرية كثيرون منهم الاخ  الاستاذ   عماد وكاع عجيل احمد الخفاجي والاستاذ محمد الحميد   الخفاجي .. كما كتب عنها  الاخ  الاستاذ عدنان اسماعيل الخفاجي يقولان  قرية أجحله ، هي أحدى القرى التابعة لناحية القيارة ، محافظة نينوى ، سكانها غالبيتهم من ابناء قبيلة الخفاجة ( عشيرة المعتوق ) الذين يشكلون أكثر من ( 90%  ) من سكان القرية ، تقع القرية على الضفة الغربية من نهر دجلة وتبعد حوالي ( 10  ) كم الى الجنوب ناحية القيارة وحوالي (  70 ) كم جنوب مدينة الموصل ، ويحدها من الشرق نهر دجلة ، و قرية الحاج علي ومن الغرب قرية أمام غربي ، ومن الشمال قاعدة القيارة الجوية ومن الجنوب نهر دجلة الخالد  .
والقرية تعتمد في اقتصادها  على عدة مصادر ، و الوظيفة في المؤسسات الحكومية تؤلف  النسبة الاكبر منها حيث تصل الى حوالي 40% في حين يشكل المزارعون ومربو المواشي ما نسبته 25% تقريبا من اجمالي المهن في القرية ،والمتبقي من العاملين في القرية ، هم ممن  يعتمدون  بشكل اساسي على التجارة والحرف والاعمال الحرة وبشكل عام يدرج اقتصاد القرية ضمن الاقتصاديات المتوسطة إجمالاً.
وفي القرية اليوم  مدارس ستة  هي  (أربع ابتدائيات وثانوية  للبنين  ومتوسطة للبنات ) واسماء هذه المدارس هي مدرسة اجحلة الابتدائية للبنين ومدرسة اجحلة الابتدائية للبنات ومدرسة الحسام الابتدائية للبنات ومدرسة الصادق الابتدائية للبنين ومتوسطة اجحلة للبنات وثانوية اجحلة للبنين . وكما هو معروف فإن تلاميذ وطلبة القرية  يحققون  نتائج عالية في الامتحانات  الوزارية  العامة.
وفي  القرية مركز صحي بإسم ( مركز صحي اجحلة ) . كما ان  فيها ( 9  ) مساجد والحمد لله فيها الكثيرون  من حفظة القرأن الكريم، وتتميز القرية بانها قرية محافظة دينياً معتدلة في  تفكيرها ، لذلك  يتسم الفكر السائد فيها بالاعتدال والوسطية  بفضل حجم الوعي السياسي  والثقافي الذي يسود القرية ..
والقرية وعبر السنوات الماضية   خرجت نخبا من المثقفين وخريجي الكليات والمعاهد والأساتذة الجامعيين والأطباء والمهندسين. ولست بحاجة اليوم لاقول ان قرية إجحلة رفدت  لوحدها الجامعات العراقية بعدد لا بئس به من الاساتذة الجامعيين واعرف انا شخصيا عددا من الزملاء الاساتذة ممن يحملون شهادتي الماجستير والدكتورة في تخصصات اللغة العربية وأدابها ، اللغة الأنكليزية وأدابها ، الفيزياء ، الجيولوجي( علم الأرض ) وكذلك في تخصص الترجمة من الانكليزية الى العربية وبالعكس .
وهنا لابد ان اشير الى الاستاذ وكاع عجيل أحمد وهو من المربين الاساتذة الاوائل في القرية وولده صديقي  الاستاذ عماد وكاع احمد الخفاجي ويحمل شهادة  الماجستير في العلوم السياسية من كلية العلوم السياسية جامعة الموصل وقد ناقشته في رسالته للماجستير التي قدمها سنة 2013 وكنت رئيسا للجنة المناقشة وعنوانها ( منظمات المجتمع المدني ودورها في تحقيق الديموقراطية لبنان إنموذجا ) وبإشراف الاخ الدكتور احمد فكاك البدراني .
كما ان هناك  عدد من الاطباء والطبيبات ومن اهل القرية تخصصوا  في الطب البشري و الطب البيطري منهم الدكتور خلف عبدالله ساير الذي يحمل  شهادة البورد العربي في تخصص الباطنية والقلبية. وقرية  أجحلة ككل القرى العربية في ريف الموصل تتميز  بطبائعها وتقاليدها  العربية والاسلامية   .
 لقد قدمت القرية عددا من الشهداء خاصة من ابناء قواتنا المسلحة اذكر منهم الشهيد البطل صالح عطية محمد وكاع عجيل الجبوري دورة 68 في الكلية العسكرية استشهد في الحرب العراقية الايرانية 22-5-1986  . كما اود الاشارة الى ان من ابناء القرية اللواء الركن محمد خلف علي آمر الكلية العسكرية السابق في بغداد والطيار خلف حسين .  
إن الذي اريد ان اقوله وانا اتحدث عن قرية اجحلة ان شيخ العشيرة اليوم هو الشيخ غانم ياسين علي ( ابو ابراهيم ) ويطلق على مضيفه اسم مضيف الحسن العبيد . ومختار القرية  هو الاخ عادل مرعي ابو سيف.
واجهت قرية اجحلة كغيرها من قرى محافظة نينوى الكثير من عنت وظلم واستبداد عناصر داعش وقد كتب الاخ  محمد الحميد الخفاجي جانبا مما شهده في قريته التي قاومت بكل ما تستطيع .. ويقول انه في 7 كانون الاول 2016  تقدم الجيش العراقي والقوات الامنية نحو قاعدة القيارة وحرر القرية  وكانت قوات مكافحة الارهاب في المقدمة مع الفرقة المدرعة التاسعة وكان يوما تاريخيا في القرية التي عانت الكثير وقد عدت قرية اجحلة اول قرية  تحررت  في الجانب الايمن بحكم موقعها الستراتيجي المهم  على نهر دجلة وتقابلها قرية الحاج علي  لكنها سرعان ما تعرضت  في اليوم الثاني لقصف مدفعية الدواعش واستشهد عدد من ابناء القرية  .. وفي اليوم الثالث تقدمت القوات وحررت قرية دور القاعدة بعد معركه ضاريةوبعدها بدأ العمل ببناء الجسر العائم على دجلة بين اچحله والحاج علي وفي هذه الاثناء نزحت معظم القرى المحيطة بقرية اجحلة وانقطعت الكهرباء ونفذ الوقود وبدأت المواد الغذائية بالنفاذ والجو بأشد حرارته حتى اصبح اقل بيت في قرية اچحله لديه 3 عائلات والقصف مستمر وقد  بدأت المساعدات  تتوالى الدواعش مستمر على قريتنا وذهب ضحيتها شباب ونساء واطفال وفي احد الايام هجم الدواعش على القرية من جميع الاتجاهات وتسللوا وفعلوا مافعلوا .. قتلوا كل من وجدوه قتلوا الاطفال والنساء وحتى لم يسلم منهم لا المريض عقليا ولا الاخرس ولا المراة حتى سجل في ذلك اليوم اروع البطولة والتضحية الاخ مضهور السيد حسن ابو مبارك نسأل الله ان يرحمه ويجعله بمنزله الشهداء فقد  قاتلهم وبكل شجاعة وبساله وقتل منهم الكثير .
وقد بدأت حاله من الهلع والخوف تنتاب اهل القرية الى ان اتت الفرقة الذهبية وتمكنت من الدواعش وطردتهم شر طردة وقتلت الكثير منهم  .. وكان لطيران التحالف دور كبير وبعدها انطلقت عمليات التحرير وعاد الامن والاستقرار على القرية اچحلة بالرغم من الهاونات التي سقطت على القرية والتي استشهد الكثير جراء سقوطها  وبعدها بدأت القرية – والحمد لله -  تنعم بالامن والازدهار فلقد عادت الكهرباء والماء والرواتب والحياة .
وفيما يتعلق بالحياة الثقافية في قرية اجحلة ؛ فهناك ادباء وشعراء وكتاب وروائيين ومثقفين كثر ؛  فعلى صعيد الشعر اقول ان  ابرز شاعر عرفته القرية  هو الشاعر المرحوم خلف العلي العبدالله ( ابو احمد) .. كان شاعراً معروفاً بقصائده الجميلة ، فلديه  قصائد كثيرة منها قصيدة العيد، هذه القصيدة التي عارض فيها قصيدة المتنبي الشهيرة والتي يقول فيها :
 .. عيد بأيّ حال عدت يا عيد .. بما مضى أم لأمر فيه تجديد
   وهذا جزء منها اذ يقول:                    
                          عيدٌ تضاحى وداجُ الليل ممدودُ
                              يا حسرتي في الضحى أعيادنا سودُ
                       والفقرُ قد سادَ في الناس كلهمو
                                 حتى تراءى خيارَ القوم مكبودُ
                     واللحمُ عنا نأى حتى روائُحه ..
                                 ليت الثريدَ بدونِ اللحمِ موجودُ .
                     ابني وبنتي على وجهيهما كمدٌ
                                  اذ لم يروا جرى في البيتِ تجديدُ
                   فقالوا أهكذا العيد حقا يا أبتِ ؟
                         لا فاكهةٌ ولا حلوى ولا في الجّيبِ تنقيدُ .
                  قالوا هذا صباح العيد يا أبتِ
                              الحزنُ طابعُهُ والبؤسُ مشهودُ
                  فقلـت نعــم لله دركــم
                         لا عيدَ لنا اليومَ إنّا مناكيــدُ

وهناك  الشاعر حسن الملا علي ( ابو محسن) وله قصيدة   قال فيها  مخاطبا الشاعر الكبير     ( ابو تمام الطائي ) حين قال :
السيف أصدق أنباء من الكتب  
              في حده الحد بين الجد واللعب
فردّ عليه الشاعر ( حسن الملا علي ) متألما على حال نينوى وحال العرب والعروبة .. فيقول :
                                ماذا دهانا أبا تمام أوعظني  
                               قد ضاق صدرا به الآهات تعتصرُ
                                أمّ الربيعين لا هانت لكِ  قِيَمٌ
                                    ولا تولّتْ على أعتابِكِ زُمَــــرُ
                                بالأمس كنتِ ـ وللتاريخِ ـ ذاكرةً
                                 مهدُ الأسودِ ومنكِ المجدُ ينحدرُ
                               واحسرتا وطنٌ ضاعت عروبته
                                 مهاجرٌ في بِقاعِ الأرض ينتشــرُ
                               طوبى لكِ من رغيد العيشِ منزلةً
                                تسمو المعالي بها دوما وتفتخـــرُ
ومن شعراء القرية ايضا  الشاعر محمود وكاع عجيل ، والشاعر محمد مخلف سليمان ، والشاعر تركي وهاب محمود ، والشاعر ايمن جلال عبدالله، وغيرهم . وبرز في القرية عددا من الكتاب منهم الكاتب المرحوم (وهاب محمود حمد) ، ولديه مقالات وقصص قصيرة كثيرة، أبنه الشاعر تركي وهاب محمود حينما توفي رحمه الله .
ويوجد في القرية من يهتم بالتاريخ ودروسه ، ومن ابرز هؤلاء  المؤرخ عبدالرحمن حسن محمد ( ابو ثابت) ، ويعتبر مرجعا من مراجع القرية في التاريخ ، وفي الحوادث التاريخية، لدية ذاكرة قوية ، ومعلومات واسعة  عن الاحداث التاريخية، كان اخوه طالب في كلية الاداب قسم التاريخ - جامعة الموصل في تسعينيات القرن الماضي، يقول  المؤخ عبد الرحمن حسن محمد : قرأت كتبه  المنهجية  اكثر مما قرأها هو، وهذا يدل على حبه للتاريخ، وكذلك هناك المؤرخ والشاعر حسن الملا علي .
وعلى صعيد الفنانين هناك الفنان التشكيلي  والخطاط الاستاذ  صدام عبدالله خلف خرسان، فلديه الكثير من اللوحات والرسومات الرائعة التي ترون بعضها الى جانب هذا الكلام .
هذا جانب من تاريخ وتراث قرية اجحلة رويته لكم  بأمانة وقد اعود الى الموضوع ثانية ان شاء الله .


هناك 5 تعليقات:

  1. اشكرك دكتور من أعماق قلبي وانت تكتب عن قريتي وتصف ناسها الطيبون بكل خير فهذه شهادة نعتز بها وانت استاذنا في التاريخ الحديث والمعاصر دمت ذخراً لنا ولمدينتنا ام الربيعين الغالية

    ردحذف
    الردود
    1. اخي لم يذكر وجهاء القرية

      حذف
    2. ارجو ارسال اسماء من تريد ان اذكرهم لانني سأصدر كتابا عن القرية واهلا وسهلا

      حذف
  2. شكرا،

    لكن انت لم تذكر الرجال الذين اردناك ان تذكرهم اول الرجال في القرية

    ردحذف
    الردود
    1. ارجو ارسال اسماء من تريد ان اذكرهم لانني سأصدر كتابا عن القرية واهلا وسهلا

      حذف

حركة الشواف المسلحة في الموصل 8 من آذار 1959 وتداعياتها

  حركة الشواف المسلحة  في الموصل  8 من آذار 1959 وتداعياتها  أ.د. إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل ليس القصد ...