الجمعة، 21 سبتمبر 2018

شبك الموصل





شبك الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
منذ نصف قرن ، وانا اقرأ ، وأتتبع كل ما ينشر عن الشبك وهم  جزء مهم  من نسيج الموصل الاجتماعي والاقتصادي .وقد عرفت كثيرين من الاخوة والاصدقاء ينتمون الى الشبك عبر كل هذه السنوات .كما قرأت دراسات ومقالات كثيرة عن الشبك منها  ما كتبه  الاستاذ احمد حامد الصراف في كتابه الموسوم (الشبك ، اصلهم ،لغتهم ) والذي صدر  ببغداد سنة 1954  وكذلك ما كتبه الاستاذ عبد المنعم الغلامي في كتابه ( بقايا الفرق الباطنية في لواء الموصل ) والذي اصدره في الموصل سنة 1950 وما كتبه الدكتور شاكر خصباك والدكتور رمضان الداوودي  والاستاذ  عدنان الداوودي و الاستاذ رشيد الخيون والاستاذ اسماعيل سلطان  والاستاذ عوني الداؤودي والاستاذ اسماعيل بندر  ومن قبلهم الشهرستاني في كتابه ( الملل والنحل )  وما كتبه ياقوت الحموي في (معجم البلدان ) وما كتبه الميجر سون  SOAN   في كتابه ( رحلة متنكر الى  بلاد ما بين النهرين وكردستان ) وغيرهم  كثيرون .
كما انني اشرت اليهم في بحثي عن ( الحياة الاجتماعية في ولاية الموصل العثمانية ) ، وسبق أن قدم الى ( مؤتمر الحياة الاجتماعية في الولايات العثمانية )  الذي انعقد بزغوان في تونس ،   ونظمه ( مركز الدراسات والبحوث العثمانية والمورسيكية والتوثيق والمعلومات ) وقد نشرت وقائعه  في كتاب سنة 1988 .
ومما قلته في دراستي هذه : " ان الشبك جماعة اثنوغرافية عراقية تسكن في قرى يبلغ عددها قرابة خمسين قرية (هناك من يذكر اسماء 75 قرية ) معظمها يقع الى الجانب الشرقي من مدينة الموصل .وثمة احصائيات تشير الى ان عددهم اواخر العهد العثماني كان يتراوح على وجه التقريب بين عشرة الاف وخمسة عشر الف نسمة ،ولغة الشبك مزيج من العربية والكردية والتركية  مع ان هناك من يرى انها لغة مستقلة  ، ويعمل معظمهم في الزراعة ومن قراهم القاضية وشريخان ويارمجة وكوكجلي والشمسيات وبازوايا وبعويزة واورطه خراب وبايبوخ " .
 واشرت الى ان الاستاذ احمد حامد الصراف كتب عنهم كتابا وقال فيه : " ان الشبك اهل زرع وضرع ومن خصائصهم انهم اشد تعلقا بالسادة المنحدرين من صلب النبي محمد صلى الله عليهم وسلم وعندهم ان وجود السيد الهاشمي بينهم مصدر خير وبركة ، وطبقات الشبك الاجتماعية هي الاغا والبير والرهبر والمريد والملا وهو صاحب السلطة الروحية " ويرى بعض المؤرخين ومنهم شاكر صابر الضابط ان قسما كبيرا من الشبك هم  من الشيعة الامامية الاثني عشرية والقسم الاخر هم من السنة .
واتذكر انني كنت اتناقش مع المربي الكبير المرحوم الاستاذ إدهام عبد العزيز الولي ،  وكان مشرفا تربويا اختصاصيا في مادة اللغة الانكليزية  ، وهو من رفاق عمري عن ( الشبك)  وهو منهم .وفي جريدة (التآخي ) البغدادية  بعدديها الصادرين في 13 و14 مايس 1973 مقالة عن (الشبك ) . كما حصلت على نسخة من كتاب الكاتب والصحفي الاستاذ احمد شوكت والموسوم : ( الشبك .. الاكراد المنسيون )  والذي اصدره في اربيل في تموز 2003 ، وقرأت ايضا  دراسة البروفيسور ميشيل ليزيرك الاستاذ في جامعة امستردام بهولندا وكتاب المستشار الاستاذ زهير كاظم عبود والموسوم ( لمحات عن الشبك ) والذي صدر سنة 2000 وما ورد ايضا في الانسكلوبيديا البريطانية عن (الشبك ) .
الشيء الذي اريد أن اقوله انني لا أود الدخول في اصل الشبك ، وفصلهم فهذا اتركه لعلماء الانثروبولوجيا وعلماء الاجتماع فضلا عن ان الاستاذ احمد حامد الصراف تناول هذا الموضوع بتفصيل واشار الى عدة تفسيرات تخص هذا الموضوع الذي يحتاج الى دراسات لغوية واجتماعية واثنوغرافية ومما ينبغي تأكيده ان للشبك في الموصل  لغة خاصة بهم  امتزجت بفضل البيئة  بلغات عربية وكردية وتركية .
وانهم كتلة سكانية   تسكن في منطقة سهل نينوى بالموصل ترجع في تاريخها  القريب الى قرن الصراعات التي اعقبت سقوط بغداد على يد المغول سنة 1258 ميلادية وإزدياد نفوذ عدد كبير من القبائل التي استهدفت  السيطرة على العراق والمشرق العربي  وخاصة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين .
وقد امتزج شبك الموصل  بالعرب والاكراد والتركمان و قامت  بينهم وبين هذه الاقوام علاقات مصاهرة ، وعلاقات اقتصاية ، واجتماعية واسعة ويشهد على ذلك انهم لفترات طويلة كانوا ، ولايزالون ممسكين بكثير من مفردات الاقتصاد الموصلي وخاصة في مسألتي تربية الحيوانات والمواشي ، وفي ميدان النقل والشاحنات .
وقد اسهم الشبك  في الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية في العراق وفي مختلف الميادين الطبية والعسكرية والادارية والقضائية والمالية والتربوية واستطيع ان اقدم اسماء كثيرة لاخوة من الشبك برزوا كمؤرخين وأطباء وأساتذة في الجغرافية والتاريخ والعلوم ولي مع الكثيرين صداقات وعلاقات تمتد الى اكثر من خمسة عقود .
نقطة مهمة اريد ان اقولها ايضا ، وهي ان الموصل كمدينة وكأطراف ، شهدت في تاريخها حالات من الامتزاج القومي والديني والمذهبي  بين سكانها ما لم تشهده مدينة اخرى  في التاريخ ؛ فأبناء الموصل يبدون وكأنهم من عنصر واحد.  كما أنني أذكر حقيقة واحدة ، لايمكن ان ينكرها احد وهي ان الموصل في كل تاريخها ليست الا اسر وعوائل وهذه الاسر والعوائل قد اختلطت مع بعضها بالزواج والمصاهرة بحيث اصبح من الصعب جدا ان نقول ان هذه الاسرة العربية او هذه الاسرة الكردية او هذه الاسرة التركمانية لم تتداخل من خلال النساء خاصة مع الاسرة الاخرى ولم يكن احدا من الموصليين ينفي هذه الحقيقة التي هي اليوم ظاهرة للعيان اكثر من اي وقت مضى .
كما ان من عادة الموصليين ايا كانوا ان يتفاخروا ليس بحسبهم او نسبهم فحسب بل بعملهم وانا اتذكر انهم كانوا يعلموننا ان نقول :لاتقل اصلي وفصلي هكذا انما اصل الفتى ما قد حصل وهذا لايعني عدم الاهتمام بالاصول والانساب فهذه مسألة معروفة ، وليس ثمة أحد خرج من الحائط فكلكم من آدم وأدم من تراب ، ومن التراب انتم والى التراب تعودون .
اقول لاتوجد لدينا احصائية دقيقة عن عدد الشبك في الموصل ولكن اقول ان عددهم الان وحسب ما اشارت اليه انسكلوبيديا ويكيبيديا يتراوح بين  130-500 الف نسمة علما ان احصاء سنة 1947 عدهم قرابة (30 ) الف نسمة . وهم منتشرون في قراهم المعروفة  واغلبها محيطة بمدينة الموصل ومجاورة لها والتي تصل الى قرابة (60 ) قرية  . وتمتد منطقة الشبك من قرية الفاضلية وعلى امتداد نهر الخوصر حيث اراضي السادة وبعويزه وهذه المنطقة تشكل قوسا زراعيا كان يسمى سابقا (مرج الموصل ) لكثافة الزراعة ، ووفرة المياه الجوفية والسطحية  ومن قرى الشبك المعروفة الفاضلية وخورسيباد وعمر قابجي والنوران  كوكجلي وبازوايا ( او بيث زاوا او بين الزابين ) وبايبوخ ، وعلي رش وطوبراق زيارة ومنارة شبك  وبلوات ،  وخرابة سلطانة ، وزهرة خاتون ، وكوره غريبان  وطهراوة وباشبيثة ،  وجليوخان وقرة تبة شبك وخويتلة وبلاوات ووردك وكبرلي وخزنة تبة وطوبزاوة ودراويش  وبايبوخ وأبو جربوعة وخضر بساطلي وسماقية ونوران وخورسيباد وشاقولي وشيخ امير وبدنة وارين وبدنة جورين وترجلة والعباسية وسادة وبعويزة وعدد من هذه القرى تعد من ضواحي مدينة الموصل .
اما عن علاقة الشبك بالسلطة ، فإنها كانت علاقة جيدة الا في بعض الفترات التي كان للسياسة دور فيها بحيث ان السياسة دخلت ، فخربت العلاقة واساءت الى النسيج الاجتماعي الموصلي ولكن سرعان ما انتبه الجميع الى خطورة هذه السياسة مع العلم ان الشبك عاشوا بسلام خلال العهد الملكي وحتى بعد سقوط النظام الملكي بإستثناء فترات قصيرة .
ولعل من اكثر الفترات التي تعرض فيها الشبك الى العنت والاضطهاد والتهجير هي الفترة التي سيطر فيها تنظيم داعش على الموصل في 10 حزيران 2014 وقد استمر ذلك حتى تحرير الموصل سنة 2017 .والشبك عشائر  متعددة منهم الباجلان والزراري والداودي  .كما ان لهم مراقد مقدسة منها مرقد زين العابدين في قرية علي رش ومقام الامام الرضا في تيس خراب .
إن مما اريد ان اقوله وهو انني على علاقة بعدد كبير من الاخوة الشبك ، ومنذ عقود انهم قد عرفوا في الموصل بشجاعتهم ووفائهم  وكرمهم وبنجدتهم لاخوانهم وقت الحاجة ، وهم على علاقة طيبة مع بقية عناصر المجتمع الموصلي ، وارتباطهم بغيرهم من العراقيين كما قال احد المؤرخين ارتباط قوي مبني على اساس المحبة والعمل .
لقد اسهم عدد من الشبك مع اهلهم الاخرين في بناء العراق الحديث ، وبرزوا في ميادين الجيش والتعليم والادارة والقضاء والثقافة والطب .ويمكننا ان نذكر اسماء الكثيرين منهم .
واخيرا الموصليون  كل الموصليين  كانوا وما يزالون بمختلف عناصرهم السكانية يفخرون انهم عراقيون يحرصون على ان يقدموا كل ما لديهم من أجل رفعة العراق وتقدمه ورفاهيته .




هناك تعليق واحد:

  1. جميل جدا.. مع هذا لم يتم التطرق ألى اصولهم..

    ردحذف

حركة الشواف المسلحة في الموصل 8 من آذار 1959 وتداعياتها

  حركة الشواف المسلحة  في الموصل  8 من آذار 1959 وتداعياتها  أ.د. إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل ليس القصد ...