باولو كويليو
في لفتة مثيرة استجاب الروائي البرازيلي الأشهر في عصرنا باولو كويليو لرغبة قرائه في معرفة مفردات حياته اليومية فخصص عموده الدوري الذي تنشره أكثر من جريدة ومجلة وموقع ألكتروني عبر العالم ليقدم إيجازا يوميا عما فعله وعلى مدى أسبوع كامل .
وهذا ما كتب :
” الأحد :
1 – قمت بقيادة سيارتي مسافة 540 كيلومترا بصمت ، ست ساعات من دون أن أستخلص شيئا مهما ، ومن دون أن يثير اهتمامي أمر ما ، وحيث أنني أحب عملي فقد أقسمت أن لا أفكر فيه أبدا في أيام الآحاد ، وهكذا حاولت أن أكبح جماح نفسي .
2 – في محطة الوقود رأيت مجموعة نماذج لتحف فنية منتقاة من المعدن فكرت في شرائها جميعا إلا أنني أعدت النظر في ذلك عندما تذكرت أن لدي زيادة عما هو مسموح به في وزن حقائبي المصاحبة لي في رحلتي ، ووجدت أن الأفضل أن أطلب ما أريده بواسطة الأنترنيت .
3 – حمام ، غفوة قيلولة ، ثم تناول الغداء مع صديقة لي أخبرتني أن الرجل الذي أحبته فكر أخيرا أن يفعل الحب معها ، ليس ثمة ما هو أكثر من ذلك ، ولم أعرف كيف أجيبها !
الاثنين :
1 – الساعة المنبهة دقت عند العاشرة والربع ، وبحسب الخطة البديلة ( هؤلاء المولودون تحت برج العذراء لديهم دائما خطة بديلة ) ، دق عامل بدالة الهاتف علي ليوقظني .
لقد جئت إلى هنا بصفتي عضوا في مجلس إدارة مؤسسة محترمة ، ولذلك ترددت قليلا فيما إذا كنت سأرتدي ” جزمة ” رعاة البقر ” المصنوعة من جلد أحمر وأبيض وأسود ، لكنني حزمت أمري على أن أفعل ذلك ، بعض الأمور مسموح للفنانين بممارستها من دون اعتراض !
2 – تناولت فطورا سريعا مع صديق لي يعمل في مصرف ، سألته عما يعتقده بشأن الأزمة المالية الحالية ، وقد أمدني بسلسلة من الحلول لكنه استدرك قائلا انه شخصيا لا يؤمن بأي منها ، وقد أطلعته على ما نشرته صحف اليوم عن ” مؤتمر لرجال المصارف للبحث عن حلول للأزمة ، وإقرار أحدهم بأنهم في الحقيقة لا يعرفون السلع التي يتعاملون بها ! “
عظيم ! إن مدخراتي المالية في أمان ، والمولودون تحت برج العذراء لن يقعوا في مخاطرة في هذا الجانب !
3 – تناولت العشاء مع أعضاء مجلس المديرين ، وقد سألتهم عما يرونه بخصوص الحال في جورجيا ، ولم يرغب أحد منهم في الحديث عن ذلك لكنهم جمعا أبدوا إعجابهم بالجزمة التي أرتديها !
4 – كان اجتماع مجلس المديرين موفقا تماما ومن دون بذل جهد كبير ، وقد عرفت من خلاله الكثير من الأشياء ، وعندما انتهى جمعت الأوراق المعروضة ووضعتها على سطح السيارة .
5 – عندما تركت المكان اكتشفت أن الورق قد تطاير في الهواء وتناثر وسط الشارع ، وقد قضيت نصف ساعة وانأ أجمع ما تيسر لي من الأوراق المبعثرة ، وسط ضجة أبواق السيارات ولعنات أصحابها التي يصبونها علي ، وقد مر أحد المديرين بسيارته بالقرب مني وعندما لاحظ ما أفعله ركن سيارته جانبا وجاء ليسألني فيما إذا كنت أحتاج مساعدة ما ، قلت له لا .. يكفي أن واحدا منا فقط يخاطر بحياته وسط زحام السيارات من أجل هدف غبي !
6 – استخدمت هاتف السيارة للطلب من مونيكا مديرة أعمالي كي تلغي مروري بمدينتي براغ وبرلين وهما المدينتان اللتان أكثر من المرور فيهما مع عدم رغبتي في ذلك ، وقد أبلغتني من ناحيتها أننا نحتاج أن نلتقي معا قبل معرض كتاب فرانكفورت لمناقشة التفاصيل في باريس أو برشلونة ، واستدركت لتفرر اختيار باريس كمكان للقاء .
استخدمت أيضا هاتف السيارة أيضا للاستفسار من مساعدتي حول قلة التعقيبات التي ظهرت في مدونتي أمس أجابتني أنهم غيروا من شكل وترتيب المدونة ، وقد فرغوا الآن من إقرار مئة تعقيب .
7 – وصلت باريس عند الحادية عشرة ليلا ، وكنت أتوقع أن أجد أشياء كثيرة في انتظاري ، ولكنني لم أجد سوى رزمتي كتب للتوقيع عليها ورسالتين ، لقد دامت رحلتي أكثر من أربع وعشرين ساعة .
تناولت العشاء وتركت ” الكومبيوتر ” شغالا كي أستنسخ الجزء العاشر من ” التاريخ الأميركي ” ، ذهبت إلى الفراش الساعة الثانية فجرا بعد أن قرأت بضع صفحات من كتاب ” سنتي داخل الإسلام الراديكالي ” لمؤلفه دافيد غارتستينستين – روس ، وهو كتاب من الطراز الأول لكنني في الحقيقة لم أتمكن من استيعابه .
الثلاثاء :
1 – الفطور في العاشرة ( قهوة بالحليب ، عصير برتقال ، شرائح خبز مفروشة بالزيت ، وهو ما أتناوله دائما حتى عندما أقيم في الفنادق على مدار فترة طويلة من كل سنة ) ، ثلاث حبات مستخلصة من أعشاب شوكيه يقال إنها تقي من الأنفلونزا ، وقد حصلت على شهرة عريضة ، وان لم يعرف الأساس العلمي لذلك .
2 – قرأت رسائل قرائي على الأنترنيت ، وكذلك الرسائل المتعلقة بعملي وقد جرت العادة على أن يقوم مكتبي بعرض الرسائل المهمة فقط ، كما قرأت ما يوجزه مكتبي من ملاحظات . زرت موقعا على الأنترنيت لأخبار البرازيل ، وموقعا آخر لأخبار الولايات المتحدة ، ولم الحظ جديدا فيها ، كانت كما هي كل يوم ! أعطيت موافقتي ( وهو ما كنت أفعله دائما ) على تضمين مقتطفات من كتاباتي في كتب لآخرين ، واعتذرت ( كما هي عادتي دائما )عن تلبية دعوات لحضور مؤتمرات .
ظهرت اليوم مقابلة صحفية معي في صحيفة فنلندية سوف تقوم بنشر هذا العمود دوريا .
وهكذا قضيت ساعة كاملة وأنا أمام الكومبيوتر .
3 – افتقدت ممارستي لرياضة المشي من دون توقف ساعة كاملة ، وهو ما أعتدت ممارسته أينما كنت ، دعوت مساعدتي لمصاحبتي في هذه الرياضة وكانت قد قدمت للتو من إجازتها التي قضتها في البرازيل للتحضير لزواجها في أكتوبر، وقد تحدثنا في الإجازات .
4 – عودة إلى الكومبيوتر : تحديث المدونة ، قراءة مقابلة مع الممثل الأحمق ديفيد ثيولز الذي زعم أن دوره في فبلم ” فيرونيكا قررت أن تموت ” الذي يعرض السنة القادمة ” لم يأخذ منه سوى عمل اسبوعين ، وقد أثارتني هذه الإشارة ، وقرأت بقية المقابلة واكتشفت أنه يشكو من كل شيء فعله في حياته ، وعندها تلاشت ثورتي .
5 – رماية ، حمام ، الكومبيوتر ثانية ، طلبت من مكتبي التأكد مرة ثانية من أنه ليست هناك ثمة مشكلة في رحلة الطائرة إلى البرازيل الأحد ، ومن حيث المبدأ ليست هناك ثمة مشكلة ّ
6 -نسيت أن أثبت تناولي طعام العشاء ، مشاهدة فيلم ” مرحبا بسراييفو ” ، قراءة ” الهيرالد تربيون ” من الغلاف إلى الغلاف ، بعدها أمسكت بكتاب ” سنتي داخل الإسلام الراديكالي ” وأخذت أقرأ فيه لكنني لم أتجاوز سوى بضع صفحات منه .
الأربعاء:
1 – نفس ما ثبته أمس في (1) و (2) و(3) باستثناء أن رفيقتي في رياضة المشي اليوم هي ماريت ، وهي قارئة لي كنت قد تعرفت إليها عبر موقع ( ماي سبيس ) تدرس حاليا لتكون راهبة ، وقد تحدثنا عن أوضاع الكنيسة الكاثوليكية ، وتواعدنا على أن نبقى على صلة .
2 – وصلت مونيكا وتحدثنا من الساعة الثالثة ظهرا حتى الثانية من صباح اليوم التالي ، ناقشنا برنامج إطلاق الكتاب الجديد ، وما الذي ينبغي أن أقوله في معرض فرانكفورت ، ومكان إقامة حفل عيد ميلادها ( ستدخل سن الأربعين في نوفمبر ) ، واقترحت أن تقيم الحفل في بيتها في برشلونة ، لكنها قالت إنهم نصبوا بعض السقالات فيه للتعمير فأزاحوا منظر المدينة ، عقبت بالقول إن جميع مشاهد المدينة تتشابه في الليل – حزمة ضوء تومض ثم تختفي ، لم تكن مقتنعة بما قلته ، اقترحت علي أن أعقد مزيدا من المقابلات ، أمضينا كل هذا الوقت في المنزل لأن مونيكا ، وببساطة ، تكره المشي ، ولذلك هيأت جريس وجبة العشاء كما نامت لبعض الوقت .
3 – في الثانية والربع صباحا قلت إنني تعب وأريد أن أنام ، لكنها بدت على قدر من الحيوية كما لو أنها قد نهضت من فراشها للتو ، وهي التي عاشت اليوم معاناة حجرات التعذيب التي يسمونها ” مطارات ” !
4 – حاولت إقناعها بالذهاب إلى الفراش عند الثانية والنصف صباحا للحصول على بعض الراحة إذ ما يزال لدينا الكثير من العمل معلقا في انتظار انجازه ، وهكذا لا ” هيرالد تربيون ” اليوم ، ولا ” سنتي داخل الإسلام الراديكالي ” أيضا !
الخميس :
1 – الفطور مع مونيكا صديقتي ومديرة أعمالي والتي قضت قرابة يوم كامل في باريس ، أمضت منه عشر ساعات في الحديث معي ( في نفس المكان لأنها تكره رياضة المشي رغم جو الخريف الجميل ) .
ذهبت مونيكا إلى برشلونة ، وذهبت أنا إلى الكومبيوتر لأتفحص البريد ، و طلبات تخويل إعطاء ترخيص بالنشر والدعوات الموجهة لي ( والتي ارتأى مكتبي اطلاعي عليها ) ، وكذلك قراءة الرسائل الواردة من قرائي .
2 – الفترة المزعجة من اليوم كانت بسبب فريي بييتو، رجل الدين البرازيلي الذي كنت أعتبره لحد ما قبل دقائق صديقا لي ، وهو كاتب عمود في جريدة محلية ، وقد هاجمني بلا مبرر ، أكثر من ذلك هاجم أي شيء يعتبر ” تراثا شعبيا ” ، وبفضل الأنترنيت عرفت ذلك ، وقد أرسلت إليه رسالة عبر ” الأي ميل ” قاطعا من خلالها أية رابطة للصداقة فيما بيننا ، وزيادة في الحيطة أرسلت نسخة من الرسالة إلى أصدقائنا المشتركين للتأكد من أن رسالتي لا بد أن تصل إليه .
3 – وصلت جوليتا كي تستعير مني جهاز الصوت الرقمي الذي حصلت عليه عندما كنت في سويسرا ، وذلك لاستخدامه في حفل تكريم زوجها الذي سيعبر الأربعين ، ( يبدو أن كل من حولي قد عبر الأربعين ) ، وهذا الجهاز يشبه محمصة خبز كهربائية ، لكنه في الحقيقة يطلق موجات رقمية تسمح بسماع الألحان الموسيقية بحساسية وحجم يصل بدرجة من الوضوح في قاعة ممتلئة بمئتي شخص ، ولم أكن قد استعملته على الإطلاق ، لكنه على الأقل أصبح في متناول يد صديقة .
4 – مشي منظم لمدة ساعة كما هي عادتي، اختبار بعض سهام الرماية كما هي عادتي أيضا، كتابة عمودي الأسبوعي الذي تقرأه أنت الآن.
5 – غداء مع جريس في مطعم ياباني ، وقد طلبت نفس الصحن الذي اعتدت تناوله دائما ، لم أكن أعرف لماذا يحدث لي ذلك ، ولكن كلما أذهب إلى مطعم جديد وأحب أن آكل ما أرغب فيه أصل في النهاية إلى طلب نفس الصحن مرة آخري ، وأخمن أن ذلك يحدث بسبب انعدام الخيال .
الجمعة :
1 – الفطور ، الكومبيوتر ، المشي ، التحديث اليومي للمدونة .
2 – التقطت جريدتي وذهبت للتمشي على مقربة من المنزل الذي أقيم فيه في باريس ، ناظرا إلى الناس الذين بدوا مستعدين لحلول الشتاء ، وغالبيتهم يلتقطون الصور لبرج ايفيل ، أو يتحدثون عبر هواتفهم النقالة ، ولقد مررت بمتحف ( برانلي ) ولاحظت أن ليس هناك ثمة صف انتظار طويل للدخول مما دفعني للتفكير بزيارته ، حيث تعرض نفائس فنون الهنود في العديد من القارات ، وفكرت أن ثمة أمرا خطأ في حضارتنا حيث أن تلك القبائل والشعوب كانت قادرة على فعل شيء أكثر إثارة وسحرا مما نراه اليوم في عالم الفن ، ولكن ليس صحيحا الشكوى من ذلك ، إذ هناك اليوم نظريات بخصوص” المفاهيم الفنية ” المعاصرة ، و أعمال فنية جديرة بالتنويه مثل لوحة البقرة الغاطسة في الماء ( وقد بيعت ب30 مليون دولار ) وجداريتين معمولتين من الحديد الصدئ ( بسعر يقرب من 5 مليون دولار) .
3 – عدت إلى منزلي ، الحقائب حزمت والسائق ينتظر ، ثم انطلقت السيارة باتجاه مطار شارل ديغول حيث موعد الرحلة العاشرة والربع مساءا ، ولكن حجرات التعذيب الحديثة التي يطلق عليها اسم ” مطارات ” طلبت منا الحضور قبل وقت طويل من موعد الإقلاع .
4 – أقلعت الطائرة في الحادية عشرة والدقيقة الخمسين أي بتأخير أكثر من ساعة ، سوف أقضي عشرين يوما في البرازيل قبل أن أذهب إلى فرانكفورت ، وكما هي عادتي لن اذهب لأي من مطاعم الداخل لأنني سأواجه أسئلة مملة مثل ” متى جئت إلى بلدك ؟ “وبقدر ما يتعلق الأمر بي فإنني أعتقد أنك إذا لم تذهب إلى أي من مطاعم الداخل فكأنك لم تخلق بعد !
*المصدر : موقع الناقد العراقي http://www.alnaked-aliraqi.net/article/1550.php