الشاعرة السودانية ابتهال محمد: نحن من يقتل الناقد بمناصبتنا العداء له
***********************************************
شاعرة تميزت قصائدها بالصور الباذخة والكاملة التي تعج بالتفاصيل، ما جعلها شاعرة بمواصفات فنانة تشكيلية، كما تعتبر من الشاعرات غزيرات الانتاج، رغم تأكيدها أنها مزقت جل قصائدها في فترة كانت تحاكم نصوصها بدرجة بالغة، إلى أن أكتسبت مهارات التدفق والقراءة للشعراء الحقيقيين.
"الجسر الثقافي"، حاور الشاعرة السودانية ابتهال محمد مصطفى، التي اختيرت من بين الشعراء المئة الاكثر تأثيرا في الوطن العربي، باحت خلال الحوار بكيفية تلقيها خبر اختيارها، واسباب تراجع الحركة النقدية في الوطن العربي، والكثير من التفاصيل الخاصة بالحركة الشعرية والادبية.
القارِئ لشعر ابتهال يلحظ أنّها لا تزال بمنطقة وُسطى تميل للتأثّر أكثر بالشّعر العمودي القديم، شأن الكثير من روّاد الحداثة والشّعر الحر، هل تتّفق الشاعرة معي في هذا القَول؟
- حقيقة لا أسطيع إنكارها، وحاولت كثيرا الهروب من هذا النمط، الا أنه برع في جذبي إليه وملكني أدواته سريعا، ونحن لم نسبر غوره بعد، ففي كل مرة نكتشف شاعرا يطوعه فينتفض شكلا ومضمونا ومعنى.
نجاح الشاعر يتوقَّف بالدرَجة الأُولى على نجاحه في جعل القارئ يتحسّس تجربته الشّعرية، كيفما كان شكل القَصيدة ومضمونها، من خلال ردود فعل القرَّاء لنصوصك، إلى أيّ مدى نجحت ابتهال في ذلك؟
- في بداياتي كنت أظنني من التعقيد بمكان، ويرتبط شعري بقلة من القراء، وحينما نضجت تجربتي شيئا فشئيا عرفت أن للشعر منطقة صناعية وورشا وسوقا ورواجا وسدنة يبرعون في إخراجه ويشهرونه في حلة زاهية، فعمدت الى ذلك وولجت شيئا فشيئا، بعدها كتب الشعراء والنقاد وأهل الاعلام ما كتبوا، فقويت شوكة شعري بهم، وكذلك منافسات الشعر والمهرجانات والملتقيات الدولية ومواقع التواصل الاجتماعي قربتني درجات للمتلقي، وحتى الآن لا اعتبر نفسي وصلت كما ينبغي، فكثير من القراء لا يعرفون حرفي، وربما اكتفوا بما يبثه لهم الاعلام من قصائد، وللإعلام دور في هذا المضمار كبير.
المَشهد الشّعري السوداني الحديث المُعاصر، أين هو مقارنةً مع المشهد الشّعري العربي الحديث المُعاصر؟
- هو بخير ونشاط على مستواه المحلي، وقليل من الأسماء التي تجتهد اجتهادا فرديا لتخرج من صراع المحلية القديم الى الأضواء العربية، والعوامل تتشابه في كل البلدان، لكن هذا الجيل بالتحديد الأوفر حظا؛ لتعدد الوسائط وتوسيع دوائر المشاركة، ولكني أتطلع قريبا لصحوة شعرية تخرج الشعراء السودانيين من دائرة الإحباط والتعتيم، فهم أصوات وأقلام حقيقية يغذيها التنوع الفكري والمنهجي والأدبي، وما يدور في مسرح الحياة السودانية والعربية أثر على أدبهم تأثيرا كبيرا، ففي الساحة أسماء مبهرة لا تجيد تسويق منتوجها، ودور النشر راكدة وسياساتها تزيد الأمر تعقيدا. المشهد بصراحة يحتاج من يفك جموده ويعدد منابره ويدعم فكرته؛ فنحن في منعطف ثقافي خطير، وأول من سيواجه خطورته، النسيج المثقف الذي بطبيعة الحال مؤشر لتوجه الحياة.
الصوت الخارجي والداخلي للقَصيدة، أيهما تعيره الشاعرة الاهتمام الأكبر ولماذا؟
- حتى الآن أزاوج بينهما لمصلحة النص، ولكن الصوت الداخلي له قوة وعمق وتشابك وإدراك ورؤى تستعصي ربما على القارئ العادي، وما نمر به أحيانا من كبت، لنا العذر في إخفائه، لذلك يسعفنا الصوت الداخلي للقصيدة فنخرجه بكامل بهائه، حينها نسمي الشعر متنفسا، ونميز القراء والنخب، ونصنف المتلقي.
المشهد الشعري السوداني بخير ونشاط على مستواه المحلي، وقليل من الأسماء اجتهدت فرديا لتخرج من صراع المحلية القديم الى الأضواء العربية، والعوامل تتشابه في كل البلدان، لكن الجيل الحالي أوفر حظا؛ لتعدد الوسائط
أيهما أكثر فائدة ومنفعة للشعر، البقاء داخل الهالة الإعلاميّة أم بعيداً عنها، من حيث القدرة على التجوِيد والإبداع؟
- طالما الاعلام لا يجتهد كثيرا في كشف واصطياد التجارب الحقيقية، فعلى الشاعر الاجتهاد، ومنا من تأخذه الهالة فيكبو، ومنا من يتفنن في التعامل معها فتخرجه كما يجب، لكني على كل حال لا أحب ولا أفضل الظهور على حساب التجويد.
أين الشاعرة ابتهال من النّقد والنّقاد في زمنٍ قلَّ فيه النقد؟
- للأسف نحن من يقتل الناقد ونناصبه العداء، وهذا يقعد الحركة النقدية كثيرا، وجل ما كتب عني حميد ومشجع، لك أن تسميها قراءات جمالية أكثر منها نقدا، ولكن لي مرجعياتي وأساتذتي الذين آوي إليهم فأبصر إخفاقي وأتحسس مواقعي وأعرف أين تسير التجربة، ولكن حين أنال الرضا من عمالقة الشعر في الوطن العربي - صغرت سنهم أم كبرت -، فهذا يزيدني اعتدادا واستشرافا، وأرجو أن تعود للنقد هيبته، وتجربتي تقول إنني أتقوى بالنقد ونهر شعري يتجدد كلما عبره زورق ناقد.
تم اختيارك من بين الشعراء المئة الأكثر تأثيراً في الوطن العربي، ماذا يعني لك ذلك؟
- ليس الأكثر تأثيرا وإنما الأفضل، لا اعرف كيف فوجئت باسمي على القائمة من قبل منظمة شعراء بلا حدود، ولكنه بصراحة كان حافزا لإعادة النظر فيما تخطه يدي، وفي نفس الوقت يعتبر طوقا مكلفا للغاية، خاصة في هذه المرحلة من عمر التجربة، وأتمنى أن أكون كذلك.
يرى البعض أن الشاعر غزير الإنتاج لا يتمهل حتى تنضج تجربته، ابتهال شاعرة غزيرة الإنتاج، ناضجة الشاعرية.. كيف تأتّى لك ذلك؟
- الحمد لله الذي أخرجني من عصبة المقلين الى غزيري الإنتاج، وهذا اعتبره نجاحا، ففي أعوام قضت كنت أحاكم النص بدرجة بالغة، ومزقت جل قصائدي واكتسبت قليلا من مهارات التدفق والقراءة للشعراء الحقيقيين، جعلتني أتنافس بيني وبيني كثيرا، وأريد أن أخص نجوم أمير الشعراء بالشكر؛ فهم سبب هذا التنافس.
قصيدتك مليئة بالصور الباذخة، أعني الصور الكاملة التي تعج بالتفاصيل.. إلى أي مدى تؤمنين بالشاعر الرسام؟
- هذا عصر الصورة والتعدد البصري، والشعر ليس بمعزل عن هذا، وربما في داخلي فن تشكيلي، ربما تأسرني الطبيعة كثيرا. اعتبر القصيدة في كثير من الأحيان لوحة، فالتراكيب والأخيلة المحلقة مدعاة للتفكر، ومد للأفق، وتطويع للمفردات، وإشباع لحلاوة الترميز والاقتباس والتناص والاستشهاد والأساطير، وكلها غذاء حقيقي يمكنه أن يخرج النص في ثوب قشيب.
* المصدر : جريدة اليوم (السعودية )http://www.alyaum.com/News/art/140006.html
***********************************************
شاعرة تميزت قصائدها بالصور الباذخة والكاملة التي تعج بالتفاصيل، ما جعلها شاعرة بمواصفات فنانة تشكيلية، كما تعتبر من الشاعرات غزيرات الانتاج، رغم تأكيدها أنها مزقت جل قصائدها في فترة كانت تحاكم نصوصها بدرجة بالغة، إلى أن أكتسبت مهارات التدفق والقراءة للشعراء الحقيقيين.
"الجسر الثقافي"، حاور الشاعرة السودانية ابتهال محمد مصطفى، التي اختيرت من بين الشعراء المئة الاكثر تأثيرا في الوطن العربي، باحت خلال الحوار بكيفية تلقيها خبر اختيارها، واسباب تراجع الحركة النقدية في الوطن العربي، والكثير من التفاصيل الخاصة بالحركة الشعرية والادبية.
القارِئ لشعر ابتهال يلحظ أنّها لا تزال بمنطقة وُسطى تميل للتأثّر أكثر بالشّعر العمودي القديم، شأن الكثير من روّاد الحداثة والشّعر الحر، هل تتّفق الشاعرة معي في هذا القَول؟
- حقيقة لا أسطيع إنكارها، وحاولت كثيرا الهروب من هذا النمط، الا أنه برع في جذبي إليه وملكني أدواته سريعا، ونحن لم نسبر غوره بعد، ففي كل مرة نكتشف شاعرا يطوعه فينتفض شكلا ومضمونا ومعنى.
نجاح الشاعر يتوقَّف بالدرَجة الأُولى على نجاحه في جعل القارئ يتحسّس تجربته الشّعرية، كيفما كان شكل القَصيدة ومضمونها، من خلال ردود فعل القرَّاء لنصوصك، إلى أيّ مدى نجحت ابتهال في ذلك؟
- في بداياتي كنت أظنني من التعقيد بمكان، ويرتبط شعري بقلة من القراء، وحينما نضجت تجربتي شيئا فشئيا عرفت أن للشعر منطقة صناعية وورشا وسوقا ورواجا وسدنة يبرعون في إخراجه ويشهرونه في حلة زاهية، فعمدت الى ذلك وولجت شيئا فشيئا، بعدها كتب الشعراء والنقاد وأهل الاعلام ما كتبوا، فقويت شوكة شعري بهم، وكذلك منافسات الشعر والمهرجانات والملتقيات الدولية ومواقع التواصل الاجتماعي قربتني درجات للمتلقي، وحتى الآن لا اعتبر نفسي وصلت كما ينبغي، فكثير من القراء لا يعرفون حرفي، وربما اكتفوا بما يبثه لهم الاعلام من قصائد، وللإعلام دور في هذا المضمار كبير.
المَشهد الشّعري السوداني الحديث المُعاصر، أين هو مقارنةً مع المشهد الشّعري العربي الحديث المُعاصر؟
- هو بخير ونشاط على مستواه المحلي، وقليل من الأسماء التي تجتهد اجتهادا فرديا لتخرج من صراع المحلية القديم الى الأضواء العربية، والعوامل تتشابه في كل البلدان، لكن هذا الجيل بالتحديد الأوفر حظا؛ لتعدد الوسائط وتوسيع دوائر المشاركة، ولكني أتطلع قريبا لصحوة شعرية تخرج الشعراء السودانيين من دائرة الإحباط والتعتيم، فهم أصوات وأقلام حقيقية يغذيها التنوع الفكري والمنهجي والأدبي، وما يدور في مسرح الحياة السودانية والعربية أثر على أدبهم تأثيرا كبيرا، ففي الساحة أسماء مبهرة لا تجيد تسويق منتوجها، ودور النشر راكدة وسياساتها تزيد الأمر تعقيدا. المشهد بصراحة يحتاج من يفك جموده ويعدد منابره ويدعم فكرته؛ فنحن في منعطف ثقافي خطير، وأول من سيواجه خطورته، النسيج المثقف الذي بطبيعة الحال مؤشر لتوجه الحياة.
الصوت الخارجي والداخلي للقَصيدة، أيهما تعيره الشاعرة الاهتمام الأكبر ولماذا؟
- حتى الآن أزاوج بينهما لمصلحة النص، ولكن الصوت الداخلي له قوة وعمق وتشابك وإدراك ورؤى تستعصي ربما على القارئ العادي، وما نمر به أحيانا من كبت، لنا العذر في إخفائه، لذلك يسعفنا الصوت الداخلي للقصيدة فنخرجه بكامل بهائه، حينها نسمي الشعر متنفسا، ونميز القراء والنخب، ونصنف المتلقي.
المشهد الشعري السوداني بخير ونشاط على مستواه المحلي، وقليل من الأسماء اجتهدت فرديا لتخرج من صراع المحلية القديم الى الأضواء العربية، والعوامل تتشابه في كل البلدان، لكن الجيل الحالي أوفر حظا؛ لتعدد الوسائط
أيهما أكثر فائدة ومنفعة للشعر، البقاء داخل الهالة الإعلاميّة أم بعيداً عنها، من حيث القدرة على التجوِيد والإبداع؟
- طالما الاعلام لا يجتهد كثيرا في كشف واصطياد التجارب الحقيقية، فعلى الشاعر الاجتهاد، ومنا من تأخذه الهالة فيكبو، ومنا من يتفنن في التعامل معها فتخرجه كما يجب، لكني على كل حال لا أحب ولا أفضل الظهور على حساب التجويد.
أين الشاعرة ابتهال من النّقد والنّقاد في زمنٍ قلَّ فيه النقد؟
- للأسف نحن من يقتل الناقد ونناصبه العداء، وهذا يقعد الحركة النقدية كثيرا، وجل ما كتب عني حميد ومشجع، لك أن تسميها قراءات جمالية أكثر منها نقدا، ولكن لي مرجعياتي وأساتذتي الذين آوي إليهم فأبصر إخفاقي وأتحسس مواقعي وأعرف أين تسير التجربة، ولكن حين أنال الرضا من عمالقة الشعر في الوطن العربي - صغرت سنهم أم كبرت -، فهذا يزيدني اعتدادا واستشرافا، وأرجو أن تعود للنقد هيبته، وتجربتي تقول إنني أتقوى بالنقد ونهر شعري يتجدد كلما عبره زورق ناقد.
تم اختيارك من بين الشعراء المئة الأكثر تأثيراً في الوطن العربي، ماذا يعني لك ذلك؟
- ليس الأكثر تأثيرا وإنما الأفضل، لا اعرف كيف فوجئت باسمي على القائمة من قبل منظمة شعراء بلا حدود، ولكنه بصراحة كان حافزا لإعادة النظر فيما تخطه يدي، وفي نفس الوقت يعتبر طوقا مكلفا للغاية، خاصة في هذه المرحلة من عمر التجربة، وأتمنى أن أكون كذلك.
يرى البعض أن الشاعر غزير الإنتاج لا يتمهل حتى تنضج تجربته، ابتهال شاعرة غزيرة الإنتاج، ناضجة الشاعرية.. كيف تأتّى لك ذلك؟
- الحمد لله الذي أخرجني من عصبة المقلين الى غزيري الإنتاج، وهذا اعتبره نجاحا، ففي أعوام قضت كنت أحاكم النص بدرجة بالغة، ومزقت جل قصائدي واكتسبت قليلا من مهارات التدفق والقراءة للشعراء الحقيقيين، جعلتني أتنافس بيني وبيني كثيرا، وأريد أن أخص نجوم أمير الشعراء بالشكر؛ فهم سبب هذا التنافس.
قصيدتك مليئة بالصور الباذخة، أعني الصور الكاملة التي تعج بالتفاصيل.. إلى أي مدى تؤمنين بالشاعر الرسام؟
- هذا عصر الصورة والتعدد البصري، والشعر ليس بمعزل عن هذا، وربما في داخلي فن تشكيلي، ربما تأسرني الطبيعة كثيرا. اعتبر القصيدة في كثير من الأحيان لوحة، فالتراكيب والأخيلة المحلقة مدعاة للتفكر، ومد للأفق، وتطويع للمفردات، وإشباع لحلاوة الترميز والاقتباس والتناص والاستشهاد والأساطير، وكلها غذاء حقيقي يمكنه أن يخرج النص في ثوب قشيب.
* المصدر : جريدة اليوم (السعودية )http://www.alyaum.com/News/art/140006.html

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق