الأحد، 6 أكتوبر 2013

حدود العراق البحرية وكيفية المحافظة عليها بقلم :كاظم فنجان الحمامي



 حدود العراق البحرية وكيفية المحافظة عليها

 (وكالة أنباء المستقبل للصحافة والنشر (ومع

كاظم فنجان الحمامي

كنا سادة البحار والمحيطات, وكان لنا الخليج العربي كله, بسواحله ومياهه ومرافئه ومراكبه وأسماكه ونوارسه حتى عام 1920, عرفه الناس باسمنا منذ زمن بعيد, تارة يسمونه (خليج البصرة), وتارة أخرى (خليج الفرات), لكننا أضعناه وخسرناه, وخسرنا من بعده شط العرب, ثم خسرنا خور عبد الله, وانكمشت مياهنا الإقليمية, وتقزمت شيئا فشيئا بسبب إهمال حكوماتنا المتعاقبة, وتنازلاتها السخية المتوالية, وبسبب تفريطها بحقوقنا البحرية والنهرية, حتى جاء اليوم الذي خسر فيه شط العرب اسمه العريق, وهو النهر العراقي المولد والمنبع, والشريان العربي الجذور والملامح, وصار اسمه البديل في الخرائط الأدميرالية (أرفند رود) منذ عام 1980, وتمددت الحدود البحرية الكويتية واستطالت, حتى اقتربت من سواحل الفاو, وزحفت الحدود البحرية الإيرانية حتى تجاوزت (رأس البيشة) واستدارت باتجاه خور عبد الله, لتقترب من الحدود البحرية الكويتية الزاحفة باتجاهنا, فاختزلت المسافة بينها وبين المراصد الإيرانية المثبتة في مدخل شط العرب من جهة البحر, وانجذبت الحدود الإيرانية نحو الحدود الكويتية المتمددة فوق المسطحات المائية العراقية, حتى أصبحت المسافة المائية بين إيران والكويت اقل من (18) ميل بحري
 ,

وشيدت إيران ثلاثة موانئ جديدة لها في شط العرب, فصارت تمتلك ستة موانئ, هي: خرمشهر, وعبادان, وخسروآباد, وبول بعست, وأرفند كنار, وبندر صيادي, من دون أن نتقدم نحن بخطوة واحدة نحو تحسين سواحلنا وصيانة ضفافنا, ثم شيدت أكبر المراصد والقلاع والأبراج على امتداد ضفاف الشط, وأثثت ممراته الملاحية بالعوامات والإشارات والعلامات الإرشادية, في حين راحت الكويت تبني اكبر موانئها المحورية (ميناء مبارك) عند مقتربات ميناء أم قصر, حتى صار خور عبد الله كله كويتيا بقرار جائر تبنته القوى الاستعلائية المهيمنة على حوض الخليج بأساطيلها الحربية الجبارة, وخسر الخور هويته العراقية, وسيأتي اليوم الذي تطالبنا فيه الكويت برفع علمها على سواري السفن المتوجهة إلى ميناء أم قصر, وربما تطالبنا برفعه على سواري سفننا الخدمية المتحركة بين موانئنا النفطية وموانئنا التجارية, هذا إن ظلت موانئنا النفطية محتفظة بهويتها, وبعيدة عن المطالبات الإيرانية بضمها إلى إيران, وتنامت قوة الدوريات البحرية الكويتية, وتفاخرت بعضلاتها السيليكونية, واستقوت علينا بفرقاطات التحالف, وراحت تقوم بصولاتها وجولاتها الاستفزازية ضد زوارق الصيد العراقية, وأحيانا يحلو لها مطاردتها, وإطلاق النيران الحية عليها لمنعها من العودة ثانية إلى خور عبد الله.
لقد كتبت مئات المقالات, وأعددت عشرات الدراسات, وشاركت في معظم المؤتمرات البحرية, وتكلمت كثيرا عبر الفضائيات العربية والعراقية, وتحدثت بإسهاب عن تقلص حدودنا البحرية وانكماشها وتقوقعها, وتكلمت بصوت عال عن تخلفنا البحري, وعن خسائرنا الفادحة المتكررة, وكانت النتيجة تعرضي للتهميش والتنكيل والإقصاء من قبل بعض الذين وضعتهم الأقدار في أعلى السلم الإداري, بيد أن الأقدار نفسها كانت ارحم بكثير من رياح القرارات الارتجالية المزعجة, التي حذفتهم علينا في غفلة من الزمن المعتم, فغادروا مواقعهم من دون أن يحققوا أي مكسب وطني, ومن دون أن يدركوا حجم الكارثة البحرية, ومن دون أن يشعروا بأبعادها السياسية والجغرافية والسوقية والاقتصادية, فخرجوا من الخدمة غير مأسوف عليهم, أما أنا فقد أفنيت عمري كله في إرشاد السفن عبر ما تبقى لنا من ممرات ملاحية ضيقة وقنوات بحرية ضحلة, ولم أتوقف حتى اللحظة عن ممارسة هوايتي الملاحية القديمة في عرض البحر, ومازلت أذود بقلمي المكسور وصوتي المبحوح عن حقوقنا البحرية الضائعة, وأطالب أصحاب الشأن حفظهم الله بضرورة الحفاظ على سيادتنا الوطنية في مياهنا وممراتنا البحرية, والحفاظ على ما تبقى من سواحلنا, والوقوف بوجه التجاوزات والانتهاكات المتكررة, والحد من ظاهر الزحف الحدودي عن طريق الإسراع بإقامة جزيرة صغيرة واحدة فقط داخل المياه الإقليمية العراقية, على الجانب العراقي من مدخل شط العرب, في البقعة المقابلة للعوامة رقم (3), والتي أخذت تشكل نواة لنشوء جزيرة طبيعية بدأت تظهر ملامحها تحت الماء, وبخاصة في فترة الجزر الأدنى, نتيجة لتردي أعماقها بفعل ظاهرة الترسيب والإرساب, الأمر الذي يدعونا لاستغلال ما فعلته المياه الضحلة في هذا الموقع, وإكمال بناء الجزيرة, التي يفترض أن لا يزيد قطرها على 200 متر فقط, أي بطول سفينة من السفن المعطوبة, وما أكثرها في شط العرب, ونقترح أن نستخدم الجزيرة كمحطة ساحلية متقدمة مأهولة, تحيط بها مجموعة من الأرصفة الخشبية أو الحديدية, ونؤثثها بالمباني الخدمية, ونستفيد منها في تقديم الخدمات للسفن المترددة على موانئنا, أو في تقديم الخدمات لزوارق خفر السواحل, أو لدعم زوارق الصيد وتوفير الإسعافات الفورية والخدمات الطبية للعاملين في البحر, على أن نسعى لتثبيت موقع الجزيرة في الخرائط البحرية الدولية, لكي تصبح من المعالم الحدودية السيادية المعلنة
 .
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ولكي نقطع الطريق على المتفلسفين والمتحذلقين من المتخوفين والمترددين, نقول لهم إننا نقترح إقامة هذه الجزيرة داخل المياه العراقية البعيدة عن أي نزاع حدودي, على أن تقام في الموقع الذي اشرنا إليه عند مدخل شط العرب, وهو الموضع المرشح للضياع, لأننا نخشى أن تنوشه مخالب الزحف الحدودي في ظل غياب السلطة البحرية العراقية, ومن نافلة القول نذكر أن إيران استفادت من حطام الرافعة العراقية (عنترة) الغارقة عند مدخل شط العرب, وحولتها منذ مدة طويلة إلى ملاذ ثابت لزوارقها, وقاعدة لانطلاق دورياتها البحرية, وجهزتها بالمعدات المتطورة, وبنت فوقها قواطع سكنية, وعززتها بأجهزة المراقبة والرصد,
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
فما الذي يمنعنا من إتباع الأسلوب نفسه ؟, وما الذي يمنعنا من تشييد مثل هذه القاعدة في الجهة المقابلة لها ؟, هذه الأسئلة نوجهها إلى من يهمهم الأمر كلهم, فالموقف لا يحتمل التأجيل ولا التسويف ولا التأخير, ولا داعي للخوض في دوامات اللجان البليدة وإجراءاتها العقيمة, لأني أنا المرشد البحري الأقدم في عموم المسطحات المائية العراقية, وأدرى من غيري بشعابها وممراتها ومنعطفاتها وأسرارها, وعلى استعداد تام لتقديم خدماتي مجانا, وسأكون بانتظاركم في عرض البحر, ولا أريد أن أقول فيكم كما قال أَخُو هوازن:

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى
فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغدِ

اما بخصوص المشاريع الكويتية الاستفزازية, التي تستهدف خنق الموانئ العراقية, وتطويقها وقطع الطريق على السفن المتوجهة إليها, فتستدعي اتخاذ مواقف وطنية جريئة وصارمة ومتشددة وسريعة وموحدة, وان نقف بحزم في مواجهتها, لأنها تمثل اعتداءا سافرا ومقصودا على حقوقنا البحرية السيادية, ولا يمكن التغاضي عنها أبدا. . .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمات العلاف

   مقدمات العلاف خلال سنوات طويلة، تشرفتُ بكتابة مقدمات لكتب ، اصدرها كتاب ومؤرخون واساتذة اجلاء .. ومراكز بحثية رصينة صدرت تتعلق بموضوع...