الأربعاء، 6 مارس 2024

رؤية جديدة الى فكر ومدارس الشيخ عدي بن مسافر الهكاري 1075 -1162 ميلادية




رؤية جديدة الى فكر ومدارس الشيخ عدي بن مسافر الهكاري 1075 -1162 ميلادية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
من أتعس الحالات ، أن تجد مثقفا ، أو متعلما ، يقف عند ما هو موجود ، ومكتوب ، ودون أن يمارس الاجتهاد أو يُعمل عقله ، ويقّلب رأيه فيما هو سائد من المعلومات ، والمرويات ، وهذا الجمود في التفكير ، والتكاسل عن التعلم ، آفة تضر بالشخص ، وتضر بمن يعلمهم إن كان يعلم أحدا .
قبل ايام ، نشرت (بوستا) ، قلت فيه أن الشيخ عبد القادر الكيلاني 1078 -1166ميلادية من خلال أفكاره ومدارسه هيأ اجيالا دافعت عن الامة ، وحاولت النهوض بها ومما قد يعرفه البعض عن الشيخ عبد القادر الكيلاني انه زاهد ومتصوف وكفى .
اليوم اتحدث عن تأثيرات فكر ومدارس الشيخ عدي بن مسافر الهكاري 1075-1162 م ، وخاصة بين الكورد في ظهور جيل من المحاربين الاشداة ومنهم من التحق بجيش القائد البطل صلاح الدين الايوبي ، وشارك في مقاومة الغزاة الفرنجة الصليبيين ويشير المرحوم الدكتور ماجد عرسان الكيلاني في كتابه ( هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس) الى "الدور الكبير الذي لعبه اكراد جبل هكاري فيما بعد في جيش صلاح الدين الايوبي حيث شكلوا أهم فرقة واحتل عدد منهم منزلة الامراء والقادة الذين حققوا الانتصارات وانجزوا الفتوح والتحرير تحرير بيت المقدس في معركة حطين ".
ويضيف الاخ الاستاذ الدكتور دريد عبد القادر نوري في كتابه ( سياسة صلاح الدين الايوبي في بلاد مصر والشام والجزيرة 1174-1193 م ) وصدر ببغداد سنة 1976 الى القبائل الهكارية القبائل "المهرانية والسهرانية والسورانية والحميدية والزرارية " ، وقبائل بنو منقذ ، وبنو طي من القبائل العربية .
المدرسة العدوية ، وافكار الشيخ عدي بن مسافر كانت لها آثارها في تنشئة اجيال من الكورد والايزيدية قاوموا الاستبداد والظلم والعدوان طوال فترات مختلفة من تاريخنا المعروف وحتى يومنا هذا . اقول من كان يؤمن بالعدوية فكرا وعقيدة ومبدأ يكتسب شجاعة فوق شجاعته التي تكسبها له الجبال الوعرة والجبال كما يقولون هي صديقة المقاومين للظلم والتفرقة .
المؤرخ الموصلي الكبير احمد بن الخياط ( توفي 1868م ) في كتابه (ترجمة الاولياء في الموصل الحدباء ) وقد حققه شيخنا الاستاذ سعيد الديوه جي كتب عن الشيخ شرف الدين ابو الفضائل عدي بن مسافر الاموي الهكاري رضي الله عنه وقال : " انه الزاهد العابد الصوام القوام واضاف ان الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله روحه كان دائما يذكره ويثني عليه كثيرا وشهد له بالسلطنة وقال : لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة لنالها الشيخ عدي بن مسافر" . والشيخ عدي اتخذ له تكية في وادي الصمت بجبل لالش ولالش تعني الصمت بالكردية وعكف يعظ ويرشد اهل الجبال جبال الهكارية وكثر اتباع الطريقة العدوية وكانوا اكبر قوة يخشاها الصليبيون وكانوا يسمون ايضا الاكراد العدوية وبعد وفاته دفن في تكيته في جبل لالش ويسمى اليوم ( جبل الشيخ عادي ) اي جبل الشيخ عدي لان فيه مرقده ويحج اليه اليوم الايزيدون ويقدمون له النذور وهو بقعة جميلة محاطة بالاشجار الباسقة .
ويروي المؤرخ احمد بن الخياط الموصلي كثيرا من اخبار كراماته واقواله ومنها قوله :" اول ما يجب على سالك طريقتنا ان يترك الدعاوى الكاذبة ويخفي المعاني الصادقة" . ويعلق الشيخ عبد الوهاب الشعراني على المعاني الصادقة ويقول : " ان المعاني الصادقة نور كلما تراكمت الانوار في قلب العبد تمكن وقوي استعداده " .كان شيخه هو الشيخ عقيل المنبجي كان من شيوخ الشام في زمانه .وكان ثمة تواصل بين الشيخين عبد القادر الكيلاني وعدي بن مسافر الهكاري واصل الشيخ عدي من بعلبك بلبنان انتقل الى الموصل ومن ثم توجه نحو جبل لالش في عين سفني - قضاء الشيخان وكانت وفاته سنة ثمان وخمسين وخمسمائة هجرية -1162 ميلادية .
كان الشيخ عدي بن مسافر الهكاري ، رضي الله عنه فقيها عالما ، فصيحا . ومن كلامه " حسن الخلق معاملة كل شيئ بما يؤنسه ،ولا يوحشه فمع العلماء يحسن الاستماع " .وكان يقول :" من اكتفى بالعلم دون الانصاف بحقيقته ، إنقطع ، ومن إكتفى بالتعبد دون فقه ، خرج ،ومن اكتفى بالفقه دون ورع، إغتر ، ومن قام بما يجب عليه من الاحكام نجا " .
وكان يقول في توحيد الباري تعالى :" لاتجري ماهيته في مقال ،ولا تخطر كيفيته ببال ؛ جل عن الامثال والاشكال ،صفاته قديمة كذاته ،ليس بجسم بصفاته ، جل ان يشابه بمبتدعاته أو أن يضاف الى مخترعاته. ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ..." .
تحدث عنه ابن خلكان في كتابه (وفيات الاعيان) ووصف أثره في مجتمع الاكراد الهكارية وقال : " سار ذكره في الآفاق ،وتبعه خلق كثير".ويشير المؤرخ الذهبي في كتابه (سير اعلام النبلاء) الى ما حققته افكار ومدارس الشيخ عدي من تأثيرات وانعكاسات على الأمن والاستقرار في المنطقة التي كانت مركزا له وقال :" فصار لايخاف احد في تلك المنطقة الجبلية التي لم تكن آمنة قبل ذلك ، وانه انتفع به خلق كثير ، وانتشر ذكره " . ووصف الحافظ عبد القادر الرهاوي شخصية الشيخ عدي ومكانته وقال :" ساح سنين كثيرة ، وصحب المشائخ ، ومنهم عقيل المنبجي ، وحماد الدباس، وابي النجيب عبد القاهر السهروردي ، وعبد القادر الكيلاني ، وابي الوفاء الحلواني ثم انقطع الى وادي لالش وجاهد أنواعا من المجاهدات ، وبفضل بركاته صار لايخاف احد في جبال الموصل ، وكان معلما للخير ناصحا ، متشرعا ، شديدا في الله عاش قريبا من ثمانين سنة ،ما بلغنا انه باع شيئا ، ولا اشترى ، ولاتلبس بشيء من أمرِ الدنيا ... كانت له غليلة يزرعها ، ويحصدها ويتقوت ، وكان يزرع القطن ويكتسي منه ولا يأكل من مال أحد ، وكانت له اوقات لايُرى فيها محافظة على أوراده " .
كان يزور الموصل ، ويجتمع بعلمائها وقال الحافظ عبد القادر الرهاوي :" طفتُ معه اياما في سواد الموصل ، فكان يصلي معنا العشاء ثم لانراه الى الصبح ورأيته اذا اقبل الى قرية يتلقاه اهلها من قبل ان يسمعوا كلامه تائبين رجالهم ، ونساؤهم واتينا دير رهبان وقال له الرهبان أُدع ُ لنا ، واخرجوا طبقا فيه خبز وعسل ، واكلوا معه " .
ومرة جاء الى الموصل ، ونزل في مشهد خارج المدينة فخرج اليه صاحب الموصل واصحاب الولايات والمشايخ والعوام .قال الشيخ ابن تيمية : " أن الشيخ عدي قدس الله روحه كان من افضل عباد الله الصالحين واكابر الشيوخ المتبعين وله في الامة حديث مشهور ولسان صدق مذكور " .
ويذكر التادفي في كتابه ( قلائد الجواهر ) ان الشيخ عدي ، كان عالما متبحرا في علوم الشريعة راسخا في الزهد ، وانه ظل متفرغا طوال وقته للتربية والتدريس والعبتدة حتى وفاته؟
كان الشيخ عدي من رجالات النهوض ، والاصلاح . ركز على التربية ، والاخلاق القويمة والقدوة الحسنة والسلوك الطيب .. ومن هنا اقول انه في القرن السابع الهجري - الثالث عشر الميلادي ، ضعفت الدولة الاتابكية الزنكية في الموصل وكان في الموصل - يقول شيخنا الاستاذ سعيد الديوه جي - حركتان قويتان تتنافسان على المشهد الفكري ، والديني ، والعقائدي ، والسياسي في الموصل : الاولى الطريقة العدوية ، والحركة الثانية التي قادها بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ، ولخوفه من الطريقة العدوية التي كان يقودها الشيخ حسن شمس الدين الهكاري اخو الشيخ عدي والذي اراد اقامة دولة في الموصل وكردستان والجزيرة والشام ، ولاقت قبولا بين الاكراد ، لذلك عمد الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ الى محاولة نشر المذهب الشيعي في الموصل ، واقامة العديد من المشاهد ، والمراقد لآل البيت عليهم السلام في الموصل ، وعمل على التخلص من أتباع الطريقة العدوية وابعادهم ، وتقليل نفوذهم لكن اهل الموصل او جزء منهم عارضوا سياسات بدر الدين لؤلؤ ومن اشد المعارضين له ( الشيخ موفق الدين ابو العباس احمد بن يوسف الكواشي الزاهد المفسر) ، فكان يندد باعماله وينكر عليه ظلمه ، وقسوته بالناس واستمر الامر هكذا حتى وقع الغزو المغولي ، واحتلال الموصل سنة 1261 ميلادية ، وبدأت عندئذ مرحلة جديدة من مراحل تاريخ الموصل .
_______________________________________
*لوحة للفنان ( كوبر ) في كتاب لايارد (مكتشفات نينوى وبابل ) سنة 1848 م ،وهي لمرقد وضريح الشيخ عدي بن مسافر الهكاري في وادي لالش (وادي الصمت ) بعين سفني .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق