الخميس، 30 مارس 2023

صالح كريم .. من رموز المدرسة التشكيلية العراقية المعاصرة في البصرة بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف









 

 

صالح كريم .. من رموز المدرسة التشكيلية العراقية المعاصرة  في البصرة

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

والمدرسة التشكيلية العراقية المعاصرة ، مدرسة اصيلة لها  سماتها وملامحها و مناهجها ، وتنوعاتها . كما ان لها رموزها  وشخوصها . وهي ان ابتدأت في الموصل في اواخر القرن التاسع عشر الا انها تجذرت في بغداد والبصرة وفي الكثير من المدن العراقية .

ويقينا ان الفنان التشكيلي الاخ والصديق الاستاذ صالح كريم الباهلي من رموزها وروادها في البصرة . عرفته منذ زمن طويل واعجبت بكثير من رسوماته وقرأت ما كتب عنه  وما كتب عنه من نقاد الفن كثيرون ، وهو لايزال – أمد الله بعمره ومتعه بالتوفيق والالق – يغذ السير ويحث الخطى ، باتجاه تقديم الجديد .

ومع انه من خريجي قسم الرسم بكلية الفنون الجميلة –جامعة بغداد سنة 1974 ، الا انه لم يقف عند حدود الدراسة الاكاديمية  الصرف ، بل راح يفتش داخل المجتمع البصري عن كل ما هو جميل من التراث وأصيل من النسيج الاجتماعي والعلاقات بين الناس ليجسده في لوحاته  .. يرسم الشناشيل ، ويجسد المرأة ، ويرسم النخلة الشامخة في سماء البصرة ويرسم الانسان البسيط  .  يُركز على الوجوه ويقف عند العيون  ، وتناول الملامح  وهو نفسه يقول  عن تجربته الفنية : "  أرسم النخلة ، والشناشيل،  والبصرة ، والتراث ، والثقافة التي تخص المشاعر والأحاسيس البصرية المعروفة التي ترفع من مستوى الفني الجديد والملائم للوضع الطبيعي المعتاد ،  أرسم كثيرا ً ولا أستطيع العيش في الرسم لأني أسجل يومي كله بخطوط مختلفة ، والوان واضحة تثبت كل لوحة فنية جميلة ،  إني مستمر في العطاء " .

كتب عنه الناقد الاستاذ توفيق الحاج حسين يقول :" انه يميل الى الواقعية الحديثة ، ويستفيد من الموروث الشعبي ، والفلكلور ، والتراث ويحاول الربط بين الماضي والحاضر , يعمل على تصوير حياة الفقراء والبسطاء والحياة الاجتماعية العامة ؛ فتراه يستمتع بالخطوط  والألوان والأشكال وهو يفهمها ويدرسها لا سيما إن مواضيع لوحاته الفنية مستمدة من واقعه ..."

اما  الناقد الاستاذ  عدنان حسين أحمد ، فيؤكد انه يستلهم  بعض أفكاره من الفنون السومرية والأكدية والبابلية القديمة ويتعاطى معها كمنجز فني عراقي وعالمي ،  ولعل تقنيات الحفر البارزة ، والغائرة التي أستعملها الفنان العراقي القديم تعود لتنبثق  من جديد في لوحاته" .

سمة تميز لوحات واعمال الفنان التشكيلي البصري الرائد الاستاذ صالح كريم وهي انه مهموم بقضايا شعبه ، ومسكون بما تضمه البصرة من إرث ومن ذلك الشناشيل ويقول حزينا   لم هذا الاهمال للشناشيل ؟ ..  أليست الشناشيل تُعّبر عن مورورثنا المعماري ؟  ، وفوق هذا ؛ فهو يعبر في لوحاته عن ما يحمله من افكار ومواقف تجاه وطنه  العراق ومدينته  البصرة ويؤكد ان الارض العراقية ولونها  هو ما يبهره هذا اللون الذي ينعكس في البيداء ،  كما ينعكس  في شط العرب ، واية وقفة امام بعض لوحاته تعطينا الانطباع على انه بميله الى اديم الارض ، واخضرار تربة العراق وما تكتنفه من رمل وطين هي ما يجذبه  ويجعله ميالا الى التعبير في لوحاته عن ذلك وهو هنا يشبه الشاعر الذي يصمت ليجعل  اللوحة هي قصيدته الناطقة كما سبق ان عبر عن ذلك الفنان العالمي الكبير ليوناردو دافنشي .

ان مما اريد قوله هو ان صالح كريم في لوحاته العديدة استطاع تجسيد مفردات وعناصر ذات قيمة انسانية وهذا مما يجعلنا نقف عند منجزه الفني لنبين مضامينه ورؤاه الفنية في مجال التشكيل .

وللمرأة مكانة في لوحاته،  ومكانة كبيرة ؛ فهي تمثل العطاء .. هي الام والزوجة والبنت ، وهي من تعطي الحياة رونقا يحرص صالح كريم على اظهاره في لوحاته وابرازه في الخطوط  ، والوجوه ، والعيون ، والالوان التي تميز لوحاته .

عندما انظر الى لوحات صالح كريم ارى التماسك بين ابناء العراق واشاهد الالتصاق البعض بالبعض الآخر وبصورة لاشعورية فالفنان التشكيلي الاستاذ صالح كريم (وطني) في توجهاته يحب العراق بلده وهو يريد ان يقول ويؤكد ان لامناص من التماسك فالوحدة في الفكر والصف هو ما يجب ان نسعى اليه ..تماسك النساء في لوحة رائعة تعجبني اراه يؤكد وحدة الاصل والمنبت ووحدة الموقف والفكر فالفرقة ليست من طباع اهلنا واهل البصرة معروفون بالعطاء والكرم واحتضان الغريب ووفادته بأقصى ما يستطيعون . الام تحتضن اولادها والجدة والفناة تحتضن صديقتها والنساء والرجال واحد  فهم من يعطي النسيج الاجتماعي العراقي قوته ونجد مصداقا لهذا في لوحات صالح كريم .

اللون المبهر هو ما يميز لوحات صالح كريم وهذا يعبر عن وضوح فكره واصالة منطقه  وفهمه للحياة لا لف ولا دوران بل صدق وامل ووفاء . صدق في التطلعات وان صعبت المواقف واشتبكت الاعصر وضاع الخيط وامل في المستقبل للبناء والرفعة والشموخ ووفاء للأرض للوطن للعراق .

يعجبني ما قاله الناقد الاستاذ الدكتور ماضي حسن نعمة  وهو يُقّيم تجربة الفنان التشكيلي الاستاذ صالح كريم بقوله ان اعمال هذا الفنان التشكيلي تتميز بالتكنيك الواضح المعالم والذي جاء نتيجة دراسة ومخزون من التجارب الاكاديمية التي "
الفنان التشكيلي صالح كريم تمتاز أعماله بصيغة تكنيكية ناجمة عن خزين  وارث أهله "  الى فرش الألوان بجرأة ودقة في مسار تفاصيل الجزئيات المصغرة من خطوط ناعمة كي تمنح التكوينات حيوية وعمق في التأمل البصري"    .

قبل  أن أُنهي هذا المقال اقول كلمة عن سيرة الاخ والصديق الفنان التشكيلي الاستاذ صالح كريم واول ما اقوله انه من جيل رواد التشكيل العراقي المعروفين الاساتذة  راكان دبدوب ورافع الناصري وسهام السعودي وسالم الدباغ وماهر حربي وليلى العطار من مواليد ما بعد نهايات الحرب العالمية الثانية والاستاذ صالح كريم من مواليد  منطقة المعقل  بمحافظة البصرة سنة 1947  وقد درس في مدارسها وعشق الفن وهو لما يزل صبيا وفتح ذهنه على ما يدور حوله خاصة بعد ان شهد تحولات العراق الكبرى بعد ثورة 14 تموز سنة 1958 وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق وعندما التحق بكلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد سنة 1968 كان من شيوخه فنانون كبار منهم فائق حسن ، ومحمد غني حكمت ، واسماعيل فتاح الترك ، وماهود احمد ، وتخرج سنة 1973 وعاد الى البصرة والتحق بالمديرية العامة للتربية –البصرة وعين في مركز الوسائل التعليمية . كما عمل في تلفزيون البصرة  وعمل ايضا رساما ومصمما في جريدة بصرية كانت تصدر بعنوان (المرفأ ) .وقد اختير ليكون رئيسا لقسم الفنون التشكيلية في معهد الفنون الجميلة  في البصرة  وبقي كذلك حتى سنة  1999.

ينقل الاستاذ عبد الكريم العامري رئيس تحرير مجلة (بصرياثا) الالكترونية ورابطها التالي : https://basrayatha.com/?p=20229 عنه أي عن الاستاذ صالح كريم وهو صديقه ، انه قال عن  بدايات دخوله لاختبار كلية الفنون الجميلة ولقائه الفنان الكبير فائق حسن: "  ماكنتُ  افكر بالامتحان يوم دخلت لقاعة الاختبار في اول دخولي اكاديمية الفنون الجميلة بل هالني منظر الفنان فايق حسن هذا هو امامي يرشدني ان اقف هنا في هذا المكان واضع ورقتي على هذا البورد وهذا الإستاد الخشبي وفايق حسن بدمه ولحمه هو هو وغليونه وسيگارة، كان العدد كبيرا بسبب الغاء المعدل والتقديم كان حرا لكل من يجد في نفسه القدرة حيث فتحت اكثر من قاعة، والبداية كانت التخطيط بقلم الرصاص لتمثال فينوس من الجبس حيث وضع في زاوية بعيدة لكنني، حينها، كنت مشدودا لفائق حسن ولم انتبه لشيء آخر، حتى سألني: هل انت خريج معهد الفنون؟ قلت له لا. فسألت من كان يجلس بقربي لماذا سألني هذا السؤال فقال لي: وجدك تجيد الرسم وحسبك دارسا للرسم. تلك هي بداية التحدي ومتابعة الاستاذ الفنان فائق حسن، فقد كنت ادخل المرحلة التي يشرف عليها لأنه لا يدخل المرحلة الاولى لكني بقيت في ذاكرته هو عندما اخذت الدروس عنده ووجدته يمزق كل رسم لا يعجبه وانه من الصعب اقناعه بما ترسم فهو يخرج لك عيوبا واخطاء في رسم ما كنت تتصور انك تجيد رسمه" . و عن علاقته بالفنان فائق حسن يقول: " هو معلمي الذي كنت لصيقا به، اتعلم منه، وتعلمت منه الكثير فقد قص علي قصته وحكايات الرسم والالوان معه فكنت اتلذذ وانا استمع لتجربته " .    
وعن طريقة رسمه للوحاته يقول الفنان  التشكيلي  الاستاذ صالح كريم: " اعيش مع اللوحة التي ارسمها، فهي ليست العمل الاخير بل التجربة المستمرة" .أما عن البصرة التي أحبّها فهو يقول ان البصري طيب جدا وبسيط جدا وحنون جدا وراقي جدا قلبه ابيض ويتحمل كل ما موجود من هم وغم فلا يكترث ولا تهمه الصعاب ورغم ذلك فهو في أعماقه وطني محب للحياة ومحب للجميع."
وعن رسوماته ولوحاته التي تحمل صفة الانتظار يقول: " يسالني الكثير لماذا ترسم الانتظار والحزن والترقب كما لو كانت مأساة ولماذا تكرر  هذه اللوحة دوما، فيكون جوابي هو انني يجب ان اقف مع الانسان البسيط المهموم واترقب معه الامل في مستقبل افضل وحياة جديدة .  وطبيعي هذه واحدة من صفات الفنان والكاتب الملتزم لا بل المثقف العضوي بمفهوم غرامشي  لابد وان يزرع الوعي بقيمة الامل  ووضع الحلول لما يعانيه الانسان والمجتمع  وتلك مهمة نبيلة .

واخيرا   اقول ان الفنان التشكيلي العراقي البصري الاستاذ صالح كريم الباهلي هو من ابرز الفنانين التشكيليين العراقيين غزارة في الانتاج ، وتمكنا من الادوات والتقنيات الفنية ، ووضوحا في الاهداف المتوخاة من ولوج هذا الميدان الجميل من ميادين المعرفة الفنية الاصيلة .

اتمنى له البهاء الدائم والتوفيق المستمر والى مزيد من الانتاج الفني الاصيل . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...