الملك
(جوديه) ملك لكش العراقي
السومري
ا.د.
ابراهيم خليل العلاف
استاذ
التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
ولازلت
اتذكر كيف ان شيخي واستاذي في التاريخ القديم الاستاذ الدكتور فيصل الوائلي رحمة
الله عليه قبل اكثر من خمسين سنة في كلية التربية بجامعة بغداد وقف عند هذا الملك
وتحدث لنا عنه وعن تمثاله الشهير وكيف لفظ اسمه بأنه الملك (جوديه ) ، مع ان هناك
من يلفظ الاسم (كوديه ) . ومملكة لكش كانت تحكم جنوب العراق ، ولكش ، مملكة عراقية
سومرية قديمة ، والملك جوديه حكم من سنة 2144 - 2124 ق.م .
ما
أسعدني حقا ، وانا اتابع تاريخ هذه المملكة السومرية ، وملكها جوديه وتمثاله
البازلتي التي ترون صورته الى جانب هذه السطور ان الاخ والصديق المرحوم الاستاذ
الدكتور سامي سعيد الاحمد كتب عنه ، ورأيت ما كتب في كتاب المرحوم الاستاذ حميد
المطبعي عن الدكتور الاحمد وصدر سنة 1992 وقال ان جوديه هو حاكم مدينة لكش
السومرية واطلالها اليوم في موقعي الهبة -لكش القديمة نفسها وتلو (كرزو القديمة
قرب مدينة الشطرة الواقعة على بعد حوالي 45 كيلومترا عن الناصرية مركز محافظة ذي
قار) .
من
السجلات والمدونات التاريخية ، يتضح ان الملك جوديه حكم عشرين سنة من 2155 الى
2135 قبل الميلاد .. وقد وصل الى العرش بعد سلفه اورباو وتشير المدونات انه كان
يدعى ( إبن الكاهنة) فهي امه وهي من ربته وهو نتيجة زواج مقدس تم في المعبد وهو من
اولاد المعبد ووالده الاله ننكيشزيدا ، وهو من كان يحكم لكش . ومن هنا فجوديه كان
يتمتع بقدسية كبيرة ومن الطريف ان ثمة من المعلومات ما يذكر ان الاله اختاره من
بين الاف المواطنين وكتاباته التي ظهرت بعده تشير الى اهتمامه بمواطني لكش وحرصه
على توكيد العدل والمساواة بينهم بحيث "كان العبد يسير الى جانب الحر بكل
أمان ومساواة " .
من
الاوصاف التي اطلقت على الملك جوديه : (الراعي ) و(الفهيم) وصاحب القلب الوضاء )
و(محارب الاله انليل وساحر نينا الموهوب الفصيح ) .حارب جيرانه العيلاميين وتغلغل في اعماق بلادهم وانتصر وبنى
المعابد ومنها معبد انانا اي عشتار ومعبد الاله انليل وقد جلب من كفري النحاس ومن
وادي السند الاخشاب والاحجار من سوريا والذهب من ارمينيا والمرمر من اقليم الجزيرة
الفراتية وحجر الديواريت من عُمان ومعنى هذا ان لكش اكتسبت سمعة اقليمية ودولية
ومكانة محترمة وعلاقات تجارية واسعة .
وايضا
مما جعل تاريخ جوديه معروفا ومتاحا لجيله وما بعده من الاجيال انه ترك كتابات
بالسومرية . وقد الف آدم فولكنشتاين كتابا بالألمانية عنوانه ( قواعد كتابات
جوديه) . وفي هذه النصوص تم ذكر المعابد التي اسسها جوديه وما جلبه للمعابد
ولقصوره من آثاث فاخر وما قدم في عتباتها من اضاح وهو يفتخر بما قدمه لشعبه من
حياة كريمة وسعيدة فنراه - كما ينقل عنه المؤرخ الكبير الاستاذ الدكتور الاحمد -
يتباهى بأنه في مدينته "ينام الضعيف الى جانب القوي ويضطر السارق خوفا من ان
يعيد للبيوت التي تجرأ عليها ما سرقه وقال انه في مدينته لا يستطيع الغني ان يضطهد
الفقير وان القوي لا يتمكن من ان يهدر حقوق ارملة .
وفي
عهد الملك جوديه ازدهر الادب والفن فهو نفسه كان اديبا ، وشاعرا ، وكاتبا وتتضح
عظمة عصره مما تركه لنا من تماثيل وضمن مراحل مختلفة وقسم كبير من هذه التماثيل
يعود اليه وهو في اوضاع مختلفة وفي مراحل زمنية عديدة مما يدل على رقي الفن
السومري .كما وصلتنا من عصره الواح تتضمن مناظر دينية فضلا عن نصوص من الادب
العراقي السومري وكلها تؤكد انه كان يمتلك خططا لترقية الزراعة وشق الترع وجلب
الصناع ويتباهى بكونه كان حاكما عادلا وكيف كان يتصدر المجالس التي تفض النزاعات
بين ابناء رعيته .كان حكيما وكان عادلا وكانت ثمة محاكم يوجهها بأن تحكم بالعدل
لذلك كان يدعو الى احضار الشهود وبذل الجهود من اجل انهاء الخلافات وهكذا كان
جوديه حاكما عراقيا قويا حكيما عادلا مستقلا وهذا انعكس على الاوضاع في مملكته لكش
فكانت من ابرز المدن السومرية واكثرها شهرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق