نيقولاي غوغول في بغداد
-ابراهيم العلاف
في اليوم الرابع من شهر آذار - مارس سنة 1852 أي في مثل هذا اليوم وقبل ( 171 ) سنة ، توفي القاص والكاتب والروائي الروسي الكبير نيقولاي غوغول وقد يستغرب البعض من هذا الجيل ويقول وما لنا وغوغول واجيب بسرعة ان جيلنا والجيل الذي سبقنا قرأ غوغول باللغة العربية مترجما .قصصه ورواياته كانت تتردد بيننا وكأنه قاص وروائي عربي وسبب تعلقنا بغوغول والروائيين الروس هو النزعة الانسانية التي كنا نتلمسها ونحس بها من خلال قراءتنا لاعمالهم ، هذه هي قصة ( يوميات مجنون) وهذه هي (المعطف ) و(المفتش العام) ..... وهكذا .
وانا ، ومنذ سنوات اتابع ما يكتبه الاخ والصديق الاستاذ الدكتور ضياء نافع وله فضل كبير في تقديم الروس لنا ، وروايته لكثير من حكاياتنا معهم وحكاياتهم معنا وكتابه الشهير ( مقالات عراقية من موسكو ) دليل على ذلك وما كتبه ويكتبه ..كتب في مقالة له نشرتها جريدة (المدى) البغدادية والرابط التالي :
عن روايته (الارواح الميتة ) وقصة (المعطف) ومسرحية (المفتش العام) ووجد ان هناك من خلط بين هذه الاعمال . ومما نؤكد عليه ان القارئ العربي عرف غوغول منذ اكثر من مائة سنة وتفاعل معه وعرف دربه نحو الادب الروسي ورموزه .
ليس هذا فحسب ، بل ان العراقيين ربطوا بين الاحداث التي تشير اليها روايات وقصص غوغول ، وبين ما عاناه العراق من اوضاع اجتماعية واقتصادية وظلم واستبداد وفقر ومرض ، والمثل على ذلك ما فعله الروائي العراقي الكبير غائب طعمة فرمان في روايته (خمسة أصوات ).
ويقول الاستاذ الدكتور ضياء نافع ان الدكتور سعدي يونس بحري المسرحي العراقي المعروف في سبعينات القرن العشرين زاره مرة فيمقر عمله في قسم اللغة الروسية بكلية الآداب - جامعة بغداد وطلب منه ان يترجم له قصة غوغول الطويلة : ( مذكرات مجنون ) كي يحولها إلى مسرحية ذات فصل واحد ليقدمها بنفسه على مسارح العراق ، لأنه شاهدها مرة في مسارح باريس, ويعتبرها ملائمة لمجتمعنا أيضا لأنها تتناول قضية إنسانية تتناغم وتنسجم مع المجتمعات الإنسانية كافة , وقد ترجمها له فعلا, وأعدّها وقدمها تمثيلا وإخراجا بمفرده (بانتومايم ) على عدة مسارح في بغداد وبنجاح كبير, وقدمها أيضا في عدة أماكن عامة مثل النقابات والاتحادات وحتى المقاهي , وقد حازت تلك المحاولة فعلا ردود فعل إيجابية لدى المشاهدين والنقاد واستقبلتها الصحف العراقية آنذاك بالترحاب. واضاف ان تلفزيون بغداد قد عرض في ثمانينات القرن الماضي مسلسلة مصرية بعنوان ( غريب في المدينة) ومضمونها مقتبس من مسرحية غوغول : ( المفتش العام ) , وكيف ان المشاهدين قد تابعوها بإعجاب لدرجة أثارت المرحومة الدكتورة حياة شرارة وهي ايضا متخصصة بالادب الروسي ، وكتبت مقالة جميلة ومهمة جدا في تراثها الأدبي حول ذلك ونشرتها في جريدة (الجمهورية) البغدادية، وقد ربطت الدكتورة حياة بالطبع بين تلك المسلسلة التي تناولت قضايا حادة ومطروحة أمام المجتمع وبين مسرحية غوغول تلك بشكل خاص وسمات الأدب الروسي بشكل عام.
ان موضوعة ( غوغول في العراق ) ، تتضمن الكثير من الفقرات التي تتطلب التسجيل والتدوين والدراسة التحليلية لها, فقد أصدر المرحوم الدكتور محمد يونس مثلا كتابا مهما بعنوان : ( غوغول ) ضمن سلسلة ( أعلام الفكر العالمي ) البيروتية في سبعينات القرن الماضي, وما زال هذا الكتاب يُعد واحدا من المصادر العربية المهمة حول غوغول الأديب ، والمفكر ، والإنسان, ويحتاج كتاب الدكتور محمد يونس هذا بلا شك إلى قراءة تحليلية علمية و نقدية له,إذ انه اعتمد واستند على مواقف ومصادر سوفيتية بحتة تجاه غوغول وأفكاره, وتعد هذه المواقف في الوقت الحاضر مسألة تثير النقاشات المختلفة والمتشعبة تجاهها, وبغض النظر عن كل ما تثيره هذه النقاط من اختلاف وتباين في وجهات النظر, فان كتاب المرحوم الدكتور محمد يونس يستحق ان نتوقف عنده ونتأمله ونناقشه ونتحدث عنه تفصيلا باعتباره واحدا من اهم المصادر العربية حول غوغول وابداعه. وهناك بالطبع فقرات ونقاط اخرى كثيرة حول غوغول في العراق تنتظر فارسها الذي سيكتب عنها, ومنها الطبعة الثانية لقصص غوغول الصادرة في بغداد ,بترجمة الأستاذ الدكتور جليل كمال الدين والتي صدرت في موسكو ضمن منشورات دور النشر السوفيتية في حينها, والتي تضمنت مجموعة من قصص غوغول المعروفة, وكذلك رسالة الماجستير في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد الموسومة : ( غوغول في العراق منذ السبعينات حتى وقتنا الحاضر ) والتي انجزها ( الدكتور منذر الملا كاظم ) بإشراف الدكتور ضياء نافع وحصل بموجبها على شهادة الماجستير في الأدب الروسي آنذاك .
ولابد من الإشارة إلى مقالة المرحوم الأستاذ الدكتور علي جواد الطاهر في مجلة ( ألف باء ) حول اعتراضه على نشر وزارة الإعلام والثقافة العراقية لرواية غوغول : ( الأرواح الميتة ) مترجمة عن اللغة الإنكليزية, وتأكيده على وجود مترجمين عراقيين كبار ، يتقنون اللغة الروسية ويستطيعون ترجمة تلك النتاجات عن لغتها الأصلية مباشرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق