الاثنين، 20 أكتوبر 2014

مصطفى علي احد رواد الفكر الاشتراكي في العراق بتاريخ : بقلم : د. عامر حسن فياض


 مصطفى علي احد رواد الفكر الاشتراكي في العراق


بعد ان تعرف (الرحال) على (عبد الله جدوع) و(ابراهيم القزاز) و(مصطفى (علي( و(فاضل محمد) بالاضافة الى (محمود احمد السيد) وآخرين تم تشكيل اول حلقة اشتراكية في العراق، ولم تكن هذه الحلقة تحمل اسما معينا، انما كانت قد اكتفت بتحديد شعار لها هو (الرب والشعب) وقد كان هذا الشعار خاصا بالثوار الايطاليين الغاريبا لديين، وهو يفيد معنى تحرير الدين من الشعوذة والايمان بالشعب، وقد ثبت هذا الشعار من قبل الشلة في كتاب (ابراهيم القزاز) المعنون (الابجديات) وهو في حقيقته لم يكن يعبر عن فهم عميق للاشتراكية.

كان اجتماع الحلقة لمطارحة الافكار ومناقشتها، اول الامر في غرفة منفردة في جامع (الحيدر خانة) حيث كان والد (محمود احمد السيد) يدير الجامع المذكور، وعلق "السيد" في هذه الغرفة صورتين واحدة لـ(كارل ماركس) والاخرى لـ(ف. أ. لينين) وبين هاتين الصورتين علامة خطة الموت (جمجمة وعظمان متقاطعان).
وفي بداية عام 1923 وضعت الحلقة تقريراً مفصلا عن الوضع في العراق، وشرحت فيه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، كما اكدت فيه ظروف الاستغلال الاستعماري، وقد رفع التقرير الى (لينين) بعد ان ترجم الى اللغة الروسية. وقد بدأت المساعي من اجل توصيله الى لينين. وعملت الحلقة على ايصال التقرير الى السفارة السوفياتية في ايران على ام قيام الاخيرة بتوصيله الى لينين. وقد سافر فعلا احد افراد "الحلقة" الى ايران وانجز المهمة بالشكل اللازم . ولكن السفارة السوفياتية اكتفت باخبار الحلقة، بعد حين وبضرورة الكف عن ممارسة نشاطها وحل نفسها والاكتفاء بالعمل داخل الحزب الوطني العراقي الذي كان يترأسه انذاك الزعيم الوطني جعفر ابو التمن. ولكن (حسين الرحال) وشلته لم ينتموا الى الحزب الوطني العراقي. وانما بقوا مجرد مؤيدين له. وكان اتصالهم بالحزب يتم عن طريق (جعفر ابو التمن) وقد كان (حسين الرحال) يمد الاول بالمعلومات التي يحصل عليها نتيجة قراءاته للصحف والمجلات الاجنبية وخصوصا المعلومات المتعلقة بالوضع الدولي لاسيما ما يتعلق منها بالاتحاد السوفيتي انذاك. وكان (جعفر ابو التمن) كثيراً ما يعبر عن اعجابه بثورة اكتوبر.
لقد كان صدور صحيفة (الصحيفة) بعنوانها الاحمر ي 28 كانون الاول عام 1924 اهم عمل مشترك لهذه الحلقة. فاعتبرت هذه الصحيفة باكورة الصحافة الاشتراكية في العراق (93) تولى تحريرها (مصطفى علي) الذي كان نموذجا للشاب المتحمس للمفاهيم التقدمية دون ان يكون لديه فهم عميق لقضايا الفكر الاشتراكي، فاندفع مع الجماعة بمشاعر المدرك لاهمية الافكار التقدمية في بناء الوطن، وقد عرف الرجل مقداره فما تخطاه، فحصر كتاباته في المقالات الحماسية التي رد بها على اعداء السفوروالتقدم، وكذلك عمل عوني بكل صدقي واخرون بمسؤولية (الصحيفة) (حسين الرحال) القدوة الفكرية للجماعة وقد عنيت كتاباته فيها بشرح تطور المجتمع البشري والاستغلال الطبقي والقضايا الاقتصادية والدعوة ضد التمييز العنصري. وكلها تدلل على عمق المفاهيم الاشتراكية التي يحملها حسين الرحال.
لقد اتخذت "الصحيفة" مقرها في غرفة متواضعة مقابل (سينما الوطني حاليا) وكثيرا ما كان محرروها يجتمعون في الليل في مقهى تقع في محلة (قنبر علي) تعرف بـ (مقهى النقيب) للمداولة فيما ينشرونه ولعل (سليم فتاح) اكثر ممن كتب في (الصحيفة) ولقد اجمع معاصروه، على انه شخصية نادة من حيث عمق مفاهيمه الفكرية وهدوءه وقوة ارادته وكثرة قراءاته وتشعبها. والذي يلقي نظرة بسيطة الى ما كان يكتبه في (الصحيفة)، فانه لم يكن لامعا في الكتابة مثل (حسين الرحال) و (سليم فتاح)، ولكنه رغم ذلك يمتلك القدرة على التصور والخيال ابعد منهما. حيث ان (حسين الرحال) كان يستعين به للكتابة ببعض الموضوعات في الصحف حول الاقطاع والاستغلال وغيرها. بالاضافة الى ان (عبدالله جدوع) كان يعمل بصمت وقد لعب دوراً كبيراً في بناء الحركة النقابية الاولى في العراق، كان على اتصال سري مستمر بالقائد النقابي (محمد صالح القزاز). بالاضافة الى ذلك فقد اسهم مع الجماعة، نشراً والتفافا، عبد الحميد رفعت وعبدالكريم محمود.
وطهرت في الصحيفة اسماء جديدة بالاضافة الى الاسماء القديمة، منها (طالب مشتاق) و(عبد القادر صالح) وشاكر محمود الاوتاشي و(محمود شوقي الداوودي).
كما نشرت (الصحيفة) للشاعرين العراقيين (جميل صدقي الزهاوي) و(معروف الرصافي)، اللذين لم يكونا بعيدين عن الفكر الاشتراكي، في بعض القصائد، الا ان (الزهاوي) لم يقترب من الاشتراكية ويتعاطف معها الا لمجرد كونها فكرة من الافكار الجديدة التي اعتاد احتضانها، اما (الرصافي) فلم يفهم الاشتراكية الا كونها طريقة من عدة طرق تبناها ضمن دعوته للاصلاح الاجتماعي، ففسرت كلمة (الاشتراكية) عنده تفسيراً دينيا حينا وذهب بها الى حد الحماسة حينا آخر.
وعلى اية حال ان صدور (الصحيفة) يعبر عن تطور ملموس ليس في الصحافة العراقية بل في الفكر السياسي والاجتماعي المتقدم. فالحياة الصحفية كانت كما وصفها (محمود احمد السيد) حين قال انها "خلقت وخلق اصحابها لخدمة ذوي الاغراض القديمة، اذا صح التعبير، والتحلق الى ارباب المناصب والالقاب والثراء والجاه بغية الحصول على درهم او درهمين .. والطرق التي يمشي عليها هؤلاء ، والخطط لتي يختطونها لصحفهم لا تعرف دخائلهم ولا تعلم شيئا عنهم اكثر من انهم عرب وانهم وطنيون وانهم يطبلون ويزمرون للعروبة والوطنية يطبل من ورق وقصبة جوفاء" لذا فقد تبنت (الصحيفة ) اسلوبا غير مألوف في الصحافة العراقية انذاك، وهو اسلوب التحدي والمواجهة فزينت صفحتها الاولى بكلمة لـ(اناتول فرانس) تقول: "تسمى مفسدين كل من نشأت افكارهم على غير الصورة التي نشأت عليها افكارا وعديمي الاخلاق"، من ليس لهم اخلاقنا تدوع "غير معتقدين" من لا يعتقدون عقائدنا غير ملتفتين الى ان لهم معتقدات اخرى ". ولكن بعد توقف "الصحيفة" انفرط عقد الجماعة ولم يواصلوا الطريق الموصل الى بناء حزب اشتراكي بسبب عن انصرافهم الى العمل الوظيفي الرتيب انذاك الذي اضطرهم الى الابتعاد عن اكتساب الخبرة التنظيمية اضافة الى الخلاف الذي دب بين اعضائها خاصة بين (محمود احمد السيد) و(حسين الرحال) والذي برز بشكل جلي بعد عام 1928، اذ سرعان ما تفرق شملهم. ولكن اغلب هؤلاء بقي محافظا على موقف وطني تقدمي ازاء قضايا الشعب الكبرى، بعد ان ساهم في طرح بعض المنطلقات الاشتراكية على الشباب، شباب متمكنون كونوا الرعيل الاشتراكي الثاني ابرزهم عبد الفتاح ابراهيم وعبد القادر اسماعيل ويوسف اسماعيل وحسين جميل وزكي خيري ونوري روفائيل وجميل توما وغيرهم. شباب تمكنوا من وضع هذه الشذرات الاولية من الافكار الاشتراكية في عمل سياسي وقد تم بالفعل انجاز ذلك بشكل او بآخر فيما بعد متمثلا بجماعة الاهالي 1932 ولجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار 1934.
واخيرا وبهذا تعتبر افكار "جماعة الرحال الاشتراكية" خطوة في الطريق الصحيح، ولا شكل اننا نظلم اصحابها لو حاولنا تقييمها وفقا للمقاييس الدقيقة للاشتراكية. فلا ريب ان هناك اخطاء وشوائب ونقصا في الفهم بل وبعض الانحراف، ولم يكن ممكنا ان يصحح المسار الا من خلال الممارسة السياسية وهو امر افتقدته (جماعة الرحال) ولم يتوفر الا فيما بعد. ولكي لا نظلم هؤلاء تعين علينا وضعهم في موضعهم الصحيح روادا اول في طريق صعب لم تكن قد اتضحت لهم بعد معالمه، ولكن ذلك كله لا ينفي عن كتاباتهم ونشاطاتهم اصالتها واهميتها.
*http://www.almadasupplements.com/news.php?action=view&id=2327

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفلسفة والاخلاق والعلاقة بينهما

  الفلسفة والاخلاق والعلاقة بينهما -ابراهيم العلاف واشد ما يؤلمني ، هو تعليق البعض بأن لافائدة من الكلام ، وليس ثمة من يسمع أو يتعلم ، مع ان...