الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

الرواية العراقية وثورة 1920 الكبرى

الرواية العراقية وثورة 1920 الكبرى *
 
الروايات العراقية الأولى .. روايات ذات مضمون عاطفي مشوب باللوعة والأسى والحزن ومتسم بالإحباط، مع ملامح إجتماعيّة.
 
ميدل ايست أونلاين
بقلم: صباح علي الشاهر
مقاربة في نشأة وتطور الرواية العراقية
كانت ثورة العشرين أهم ثالث حدث، يحدث في العراق خلال الفترة الزمنيّة القصيرة. لقد غيّرت هذه الثورة العملاقة، بطابعها الشعبي، حيث كانت قاعدتها ووقودها الفلاحين وكادحي المدن، وقيادتها رجال الدين المتنورين ورؤساء العشائر وبعض المثقفين، والتي غطت أرياف ومدن العراق، وكبدت القوات البريطانيّة المدجّجة بأحدث الأسلحة يومذاك خسائر باهضة، كادت أن تغيّر مجريات الأمور في الشرق الأوسط برمته، وحيث إنه ليس في وارد بحثنا أن نؤرخ لهذه الثورة، إلإ أننا نشير إلى تأثير الثورة البلشفيّة التي أعطت زخماً لقضيّة نضال الشعوب، ومنها الشعب العراقي، من خلال كشفها للمعاهدات الإسترقاقيّة ومنها معاهدة سايكس بيكو، وباقي المعاهدات الإمبرياليّة، تلك المعاهدات التي اقتسمت العالم بين الدول الإستعمارية.
كان لهذه الثورة تأثير كبير لا يُستهان به على الثورات القوميّة، كالثورة العراقيّة، والمصريّة، والإيرلنديّة، وغيرها من الثورات التي عمت العالم، والتي بدت كأنها ارتدادات لزلزال إكتوبر في عاصمة القياصرة.
لكن بعض الكتاب ذهب بعيداً في تقدرير تأثير ثورة أكتوبر على ثورة العشرين، ربما بدافع الحماس مثل (علي النوري)، لاحظ "ثورات العراق الوطنية" (مجلة الثقافة الجديدة – بغداد ع 24- 1970- ص 30-31)، وكذلك الدكتورة سعاد خيري "الثورة العراقية الأولى" (الثقافة الجديدة ع 38 – 1972 . ص 77-89)، أما الدكتور أميل توما فقد اعتبر الثورة العراقيّة إحدى نتائج ثورة أكتوبر، رغم أن ظروف وأهداف ودوافع أكتوبر، غير ظروف وأهداف ودوافع ثورة العشرين العراقيّة، فأكتوبر ثورة إجتماعيّة جذريّة أمميّة، وثورة العراق ثورة سياسيّة وطنيّة لها أهداف محددة لا تتجاوز الإستقلال وإقامة حكومة وطنيّة.
وفي هذا الصدد نود أن نشير إلى الإسئلة التي وجهها المؤرخ العراقي المعروف المعاصر للثورة عبدالرزاق الحسني إلى قادة الثورة ورجالاتها الأساسيين والتي تضمنت الأسئلة التاليّة: ما هي العوامل التي أدت بنظركم إلى إعلان الثورة العراقيّة عام 1920؟
وهل وصلت الثورة ذخائر حربيّة أو أموال أو نقود من الخارج؟ حيث أعلن جميع قادة الثورة ورجالاتها الذين تم إستجوابهم، أن أسباب الثورة إنما هي أسباب داخليّة بحتة، وأن الثورة ليس فقط لم تستلم معونة مادية، وإنما حتى لم تجد دعماً معنوياً من أحد في خارج البلد (تلاحظ الصفحات من 134 إلى144 من "تاريخ الثورة العراقية" لعبدالرزاق الحسيني ط1. مطبعة العرفان بصيدا. لبنان. 1935.)
وهذه حقيقة ثورة العشرين الوطنيّة التحرريّة، إنها ثورة عراقيّة صرفة، دوافعها وأسبابها عراقيّة، أهدافها وغاياتهاعراقيّة، قادتها عراقيون، وقاعدتها عراقيّة، وإثناء إندلاعها لم تُمد لها يدّ المساعدة من أحد، لا من قبل بلد عربي شقيق، ولا بلد إسلامي، لا جار، ولا صديق، لا قريب ولا بعيد، ولا أي بلد. اندلعت في حدود العراق، وظلت في حدود العراق، وقودها العراقيون، ولم يتطوع فيها أحد من غير العراقيين، وانتهت في حدود العراق، لم تمتد أبداً عبر الحدود، لم تصدّر إنموذجها لأحد، ولم تطلب الدعم من أحد، وحتى عندما تحرّك بعض الثوار في دير الزور فلأن دير الزور وقتها كانت محسوبة عراقية، وترتبط بالعراق، قبل أن تمنحها بريطانيا لفرنسا، وبالتالي تصبح سورية، ولكن تأثيرها على الجوار، وعلى العالم العربي، والإسلامي كان تأثيراً عميقاً.
لقد قُمعت هذه الثورة بالحديد والنار، وبالإحتيال أيضاً، ولعل المتابع لإحداثها يصعب عليه القول بانتصارها التام، فلم تحقق من أهدافها سوى إجبار المستعمر على الوعد بمنح البلد الإستقلال، وإبدال الإستعمار بالإنتداب، وتنصيب حكومة ملكية، ملكها وقادتها جاءوا من خلف الحدود، إلا أن الثورة التي لم تنتصر تماماً، لها وجه آخر، يُعبر عنه بلغة أخرى، لقد جعلت الإنكليز يتخلون عن فكرة حكم العراق بصورة مباشرة، وهذا التخلي لوحده كان انتصاراً من العيار الثقيل، انتصار من لا يملك دبابة وطائرة ومدفع، بوجه من يملك الأرض والبحر والسماء، والدنيا كلها، ليس هذا فحسب، بل إجبار المستعمر على الإقرار بضرورة قيام حكومة وطنيّة مستقلة شكلياً وإن كان تحت راية الإنتداب مرحلياً، وترك حلم قيادة العراق من قبل حاكم بريطاني معين من قبل التاج البريطاني، أو إلحاق العراق بحكومة الهند البريطانية.
لقد شكلت الحكومة من أنصار الإنكليز بشكل عام، ومن الطبيعي أن لا تكون هذه النتيجة التي تمخضّت عنها الثورة هي ما كان يطمح إليه المثقفون الذين وجدوا أن الثورة الشعبيّة قد تمت خيانتها، وإنها أُغتيلت من قبل المساومين، وطلاب المناصب، وبعض رؤساء العشائر الذين أصبحوا بظل الإنكليز إقطاعيين، وإقطاعيين كبار.
لقد أصابت النتيجة التي آلت إليها الثورة المثقفين بالخيبة مما انعكس على طبيعة النتاج الأدبي، وبالأخص الروائي، حيث أصبحت الرواية تنسج على منوال الرواية العربيّة، فقد اصدر محمود أحمد السيد رواية "في سبيل الزواج" عام 1921، و"مصير الضعفاء" عام 1922، و"فتاة بغداد" عام 1922، وأصدر سامي خوندة "سلمى ونديم" عام 1923، ويوسف رزق الله رواية "غادة بابل" عام 1927، وخليل عزمي رواية "دلال" عام 1928، وهي روايات ذات مضمون عاطفي مشوب باللوعة والأسى والحزن ومتسم بالإحباط، مع ملامح إجتماعيّة، وبالأخص لدى محمود أحمد السيد مرفوقة بموقف نقدي لاذع.
وعلى العكس من الشعر الذي كان ينحو منحى إجتماعيّاً وانتقاديّاً صرفاً، فإن الرواية في هذه الفترة كانت حبيسة البعد العاطفي الذي كانت تدور في فلكه، إلا أن هذا لم يدم طويلاً، فقد شهدت فترة العشرينيات تطوراً هاماً في الوعي الإجتماعي والسياسي لدى المثقفين، وتبلور مفهوم الإشتراكيّة لديهم، حيث واصل سليمان فيضي تعميق رؤيته الإجتماعيّة، وطفق رائد الإشتراكيّة في العراق حسين الرحّال الذي كان قد أرسل للدراسة في المانيا من قبل الحكومة العثمانيّة، ومن المفارقة الغريبة أنه كان أول مسافر يسافر مع أول قطار ذاهب إلى برلين، بعد إفتتاح خط سكة حديد بغداد - برلين عام 1916، وعندما اندلعت الثورة العماليّة في برلين عام 1918 هزّت حسين الرحال هزاً عنيفاً، وكان العديد من اصدقاء حسين وآباؤهم الألمان من المساهمين في هذه الثورة، وقد تهيأ لحسين الإستماع إلى خطب روزا لوكسمبورغ وكارل ليبخنت وغيرهم من الثوريين، وكان يطلع على منشورات الثورة التي كانت محملة بالأفكار الإشتراكيّة، ومن هنا كانت انطلاقة الرحال الذي عقد العزم على نشر الفكر الإشتراكي في العراق عند عودته.
وبعد عودته من المانيا، طفق يجمع العناصر المثقفة مثل محمود أحمد السيد، وعوني بكر صدقي، وعبدالله جدوع، وغيرهم من النخب المثقفة ليشكلوا اتجاهاً سيكون مؤثراً في الثقافة العراقيّة، وليصدروا في 28 ديسمبر/كانون الأول 1924 أول جريدة إشتراكيّة في العراق هي "الصحيفة" التي لعبت دوراً مهماً في بث ونشر الفكر الإشتراكي العلمي.
لقد أسهمت الصحيفة في تأكيد البعد الإجتماعي في الأدب، واستقطبت حولها المثقفين المتنورين الذين قُيّض لبعضهم أن يلعبوا فيما بعد أدواراً مهمة في تاريخ العراق السياسي والثقافي والأدبي.
يقول حنا بطاطو في التعريف بعائلة الرحال: "إنحدر الرحال من أب عربي وأم تركمانيّة، كانت أمه من عائلة النفطجي التي كانت تتمتع ولإجيال عديدة بإحتكار ينابيع النفط في كركوك، وجاءت عائلة أبيه من الرحاليّة في مقاطعة (الدليم)، وانتمت في القرن التاسع عشر إلى طبقة (الجلبيين) الذين كانوا تجاراً وأصحاب مركز إجتماعي عاليا، في ذلك القرن كان آل الرحال يمتلكون إسطولاً كبيراً من السفن الشراعيّة، وكانوا يتاجرون عبر الأنهار العراقيّة وفي الخليج مع الهند".
*http://www.middle-east-online.com/?id=180850

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معنى كلمتي (جريدة ) و(مجلة )

  معنى كلمتي ( جريدة) و(مجلة) ! - ابراهيم العلاف ومرة تحدثت عن معنى كلمة (جريدة ) وقلت ان كلمة جريدة من   (الجريد) ، و( الجريد) لغة هي :  سع...