"طشّاري " .....رواية ل"انعام كجه جي "
بقلم : الاستاذ سامي مهدي
هذه الرواية تسرد بحذق سيرة امرأة عراقية مسيحية ، إسمها ورديّة ، ولدت في الموصل ، ونشأت في بغداد ، وتخرجت في كلية الطب ، وعملت منذ تخرجها في مستشفى في الديوانية ، وفتحت فيها عيادة خاصة ، وقضت في عملها هناك سنوات طويلة قبل أن تنتقل إلى بغداد وتواصل عملها فيها ، حتى إذا جاوزت الثمانين من عمرها ، وعمت الفوضى بعد الغزو الأمريكي للعراق ، واستهدف الإرهاب الطائفة المسيحية ، هاجر أبناؤها إلى الخارج ، واضطرت هي بعدهم إلى الهجرة إلى فرنسا ، وعدت لاجئة هناك ، رغم أنها كانت ترفض مبدأ الهجرة واللجوء .
وهكذا تناثرت عائلة وردية ، هي وأبناؤها وأحفادها ، في أصقاع الأرض ، فأصبح كل منهم في بلاد . وبذلك تقدم المؤلفة الأستاذة إنعام كججي صورة رمزية لما حل بمسيحيي العراق بعد الغزو الأمريكي ، وبروز ظاهرة الإرهاب وتفشي جرائم القتل والإختطاف ، وتختصر هذا الحال بعنوان الرواية ( طشّاري ) . فهم ( تطشّروا ) حتى على صعيد العائلة الواحدة ، ولم يعد ثمة ما يجمع أفرادها في مكان سوى مقبرة افتراضية أنشأها فتى في العالم الإفتراضي هو ابن راوية الرواية ، وأعد لكل فرد من أفرادها قبره الخاص فيها ، وهذه مفارقة حاذقة ، ولكنها مؤلمة دون ريب .
قد يكون الرمز في هذه الرواية أوسع مما ذكرت ، قد يكون رمزاً لتشرد العراقيين عامة ، ولكن ما حدث لمسيحيي العراق ، وهم من أعرق أبنائه ومن أكثرهم أصالة ، أشنع بكثير مما حدث لغيرهم .
يمكن القول إن هذه الرواية تنتمي إلى أدب ما بعد الحداثة من ناحيتين هما : حيادية الذات الساردة ، وتلقائية السرد . فالذات الساردة فيها ليست انتقائية في ما تسرد من أحداث ، بل حيادية ، تروي ما حدث فعلاً وتسرده كما وقع وتسجله دون تدخل ظاهر منها ، دون توجيه سياسي أو أخلاقي ، كما يحدث في الروايات الواقعية مثلاً ، وهي تترك للقاريء أن يقرأ ويؤوّل ويحكم .
كتبت الرواية بحس وطني إنساني ، نظيف ، خال من كل أشكال التعصب والكراهية والحقد وردود الأفعال السلبية المتوقعة . وعندي أن هذه الرواية جميلة ، متقنة البناء ، الراوي فيها راوٍ عليم ، ولكنه محايد كما قلت ، ولغتها لغة أدبية دقيقة وسلسة ، لا حشو فيها ولا استطراد ، وزمنها الروائي ليس بالزمن الخطي المستقيم ، بل حقب زمنية متقاطعة ، كالروايتين الأخريين ، و لكن المؤلفة سيطرت على الإنتقال السلس من حقبة زمنية إلى أخرى ، بإيقاع متوازن ومحكم ، وكانت دقيقة في سرد التفاصيل وتصوير المشاهد واسترجاع الذكريات .
حظ هذه الرواية بالفوز أصبح أوفر بعد صعودها إلى القائمة القصيرة ، وقد تمنيت لها أن تفوز ، إذ لم أرَ فيها ما يعيبها ، بل بدا لي فيها ما يمنحها أكثر من امتياز . ولكنها لم تفز ، وهذا لا يقلل من شأنها .
بقلم : الاستاذ سامي مهدي
هذه الرواية تسرد بحذق سيرة امرأة عراقية مسيحية ، إسمها ورديّة ، ولدت في الموصل ، ونشأت في بغداد ، وتخرجت في كلية الطب ، وعملت منذ تخرجها في مستشفى في الديوانية ، وفتحت فيها عيادة خاصة ، وقضت في عملها هناك سنوات طويلة قبل أن تنتقل إلى بغداد وتواصل عملها فيها ، حتى إذا جاوزت الثمانين من عمرها ، وعمت الفوضى بعد الغزو الأمريكي للعراق ، واستهدف الإرهاب الطائفة المسيحية ، هاجر أبناؤها إلى الخارج ، واضطرت هي بعدهم إلى الهجرة إلى فرنسا ، وعدت لاجئة هناك ، رغم أنها كانت ترفض مبدأ الهجرة واللجوء .
وهكذا تناثرت عائلة وردية ، هي وأبناؤها وأحفادها ، في أصقاع الأرض ، فأصبح كل منهم في بلاد . وبذلك تقدم المؤلفة الأستاذة إنعام كججي صورة رمزية لما حل بمسيحيي العراق بعد الغزو الأمريكي ، وبروز ظاهرة الإرهاب وتفشي جرائم القتل والإختطاف ، وتختصر هذا الحال بعنوان الرواية ( طشّاري ) . فهم ( تطشّروا ) حتى على صعيد العائلة الواحدة ، ولم يعد ثمة ما يجمع أفرادها في مكان سوى مقبرة افتراضية أنشأها فتى في العالم الإفتراضي هو ابن راوية الرواية ، وأعد لكل فرد من أفرادها قبره الخاص فيها ، وهذه مفارقة حاذقة ، ولكنها مؤلمة دون ريب .
قد يكون الرمز في هذه الرواية أوسع مما ذكرت ، قد يكون رمزاً لتشرد العراقيين عامة ، ولكن ما حدث لمسيحيي العراق ، وهم من أعرق أبنائه ومن أكثرهم أصالة ، أشنع بكثير مما حدث لغيرهم .
يمكن القول إن هذه الرواية تنتمي إلى أدب ما بعد الحداثة من ناحيتين هما : حيادية الذات الساردة ، وتلقائية السرد . فالذات الساردة فيها ليست انتقائية في ما تسرد من أحداث ، بل حيادية ، تروي ما حدث فعلاً وتسرده كما وقع وتسجله دون تدخل ظاهر منها ، دون توجيه سياسي أو أخلاقي ، كما يحدث في الروايات الواقعية مثلاً ، وهي تترك للقاريء أن يقرأ ويؤوّل ويحكم .
كتبت الرواية بحس وطني إنساني ، نظيف ، خال من كل أشكال التعصب والكراهية والحقد وردود الأفعال السلبية المتوقعة . وعندي أن هذه الرواية جميلة ، متقنة البناء ، الراوي فيها راوٍ عليم ، ولكنه محايد كما قلت ، ولغتها لغة أدبية دقيقة وسلسة ، لا حشو فيها ولا استطراد ، وزمنها الروائي ليس بالزمن الخطي المستقيم ، بل حقب زمنية متقاطعة ، كالروايتين الأخريين ، و لكن المؤلفة سيطرت على الإنتقال السلس من حقبة زمنية إلى أخرى ، بإيقاع متوازن ومحكم ، وكانت دقيقة في سرد التفاصيل وتصوير المشاهد واسترجاع الذكريات .
حظ هذه الرواية بالفوز أصبح أوفر بعد صعودها إلى القائمة القصيرة ، وقد تمنيت لها أن تفوز ، إذ لم أرَ فيها ما يعيبها ، بل بدا لي فيها ما يمنحها أكثر من امتياز . ولكنها لم تفز ، وهذا لا يقلل من شأنها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق