السبت، 3 مايو 2014

"طشّاري " .....رواية ل"انعام كجه جي " بقلم : الاستاذ سامي مهدي

"طشّاري " .....رواية ل"انعام كجه جي "
بقلم : الاستاذ سامي مهدي
هذه الرواية تسرد بحذق سيرة امرأة عراقية مسيحية ، إسمها ورديّة ، ولدت في الموصل ، ونشأت في بغداد ، وتخرجت في كلية الطب ، وعملت منذ تخرجها في مستشفى في الديوانية ، وفتحت فيها عيادة خاصة ، وقضت في عملها هناك سنوات طويلة قبل أن تنتقل إلى بغداد وتواصل عملها فيها ، حتى إذا جاوزت الثمانين من عمرها ، وعمت الفوضى بعد الغزو الأمريكي للعراق ، واستهدف الإرهاب الطائفة المسيحية ، هاجر أبناؤها إلى الخارج ، واضطرت هي بعدهم إلى الهجرة إلى فرنسا ، وعدت لاجئة هناك ، رغم أنها كانت ترفض مبدأ الهجرة واللجوء .
وهكذا تناثرت عائلة وردية ، هي وأبناؤها وأحفادها ، في أصقاع الأرض ، فأصبح كل منهم في بلاد . وبذلك تقدم المؤلفة الأستاذة إنعام كججي صورة رمزية لما حل بمسيحيي العراق بعد الغزو الأمريكي ، وبروز ظاهرة الإرهاب وتفشي جرائم القتل والإختطاف ، وتختصر هذا الحال بعنوان الرواية ( طشّاري ) . فهم ( تطشّروا ) حتى على صعيد العائلة الواحدة ، ولم يعد ثمة ما يجمع أفرادها في مكان سوى مقبرة افتراضية أنشأها فتى في العالم الإفتراضي هو ابن راوية الرواية ، وأعد لكل فرد من أفرادها قبره الخاص فيها ، وهذه مفارقة حاذقة ، ولكنها مؤلمة دون ريب .
قد يكون الرمز في هذه الرواية أوسع مما ذكرت ، قد يكون رمزاً لتشرد العراقيين عامة ، ولكن ما حدث لمسيحيي العراق ، وهم من أعرق أبنائه ومن أكثرهم أصالة ، أشنع بكثير مما حدث لغيرهم .
يمكن القول إن هذه الرواية تنتمي إلى أدب ما بعد الحداثة من ناحيتين هما : حيادية الذات الساردة ، وتلقائية السرد . فالذات الساردة فيها ليست انتقائية في ما تسرد من أحداث ، بل حيادية ، تروي ما حدث فعلاً وتسرده كما وقع وتسجله دون تدخل ظاهر منها ، دون توجيه سياسي أو أخلاقي ، كما يحدث في الروايات الواقعية مثلاً ، وهي تترك للقاريء أن يقرأ ويؤوّل ويحكم .
كتبت الرواية بحس وطني إنساني ، نظيف ، خال من كل أشكال التعصب والكراهية والحقد وردود الأفعال السلبية المتوقعة . وعندي أن هذه الرواية جميلة ، متقنة البناء ، الراوي فيها راوٍ عليم ، ولكنه محايد كما قلت ، ولغتها لغة أدبية دقيقة وسلسة ، لا حشو فيها ولا استطراد ، وزمنها الروائي ليس بالزمن الخطي المستقيم ، بل حقب زمنية متقاطعة ، كالروايتين الأخريين ، و لكن المؤلفة سيطرت على الإنتقال السلس من حقبة زمنية إلى أخرى ، بإيقاع متوازن ومحكم ، وكانت دقيقة في سرد التفاصيل وتصوير المشاهد واسترجاع الذكريات .
حظ هذه الرواية بالفوز أصبح أوفر بعد صعودها إلى القائمة القصيرة ، وقد تمنيت لها أن تفوز ، إذ لم أرَ فيها ما يعيبها ، بل بدا لي فيها ما يمنحها أكثر من امتياز . ولكنها لم تفز ، وهذا لا يقلل من شأنها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هويتي في مكتبة المتحف البريطاني 1979 ...............ابراهيم العلاف

  هويتي في مكتبة المتحف البريطاني 1979 ومما اعتز به هويتي هذه الهوية التي منحت لي قبل (45) سنة أي في سنة 1979 ، وانا ارتاد مكتبة المتحف الب...