كتاب (أوراقي في الصحافة والحياة ) للاستاذ صبري الربيعي ...هكذا وجدته
بقلم : ايمان البستاني
لطالما تملكتني أسئلة عديدة عمن يجيد كتابة مذكراته في كتاب , هل يفترش ذاكرته مرة واحدة ويختار الغض والسمين معاَ , أم تأتيه الذكريات ومضات يسجلهاطمعاً بها قبل هروبها , أم يجالس أحداً متعمداً أثارة مواضيع تهتدي لها الذاكرة المتعطشة لحافز ما, أم يكتب مذكراته صورياً بالذاكرة وبعدها تندلق كشلال يسجله بالكتابة , أنه فن يتطلب جلد النفس , وهل يصلح أي كاتب أن يكون كاتباً لمذكراته ؟ وطالما أنزلها عن كاهل ذكرياته فهل يتخفف من حملها ؟ وهل تعاوده الذكريات نفسها كنوبات تشعل الذاكرة من جديد ؟
من مبدأ أعتنقته منذ زمن ( لايُظلم عندي كتاب ) ولرد جميل كرم هدية تلقيتها على أجمل ماتكون الهدايا عندي هو كتاب (أوراقي في الصحافة والحياة) للاستاذ صبري الربيعي , أدرج أدناه حصيلة قراءتي لهذه المذكرات المهمة
صحوت على صباح( كندي) كئيب ماطر , فأستقبلته بدلة قهوة عربية تكفي لمضيف شيخ لأعدل بها مزاجي المنحرف , فاستعدل المزاج وقررت بعدها ان يكون غداءنا أقراص لحم بعجين , فتمرغت بالطحين حتى أرنبة أنفي وإذا بساعي البريد يطرق الباب حاملاً لي صندوقا ابيضاً ليس بصغيرٍ كما أنه ليس بكبيرٍ لكنه كاف لكي يدق له القلب.
قال لي ساعي البريد : هل أنتِ فلانة بنت فلان , قلتُ : نعم , فقال : إليك هذا الطرد البريدي من العراق فنزلت دموعي على طحيني , وحمدت الله كون الطرد لم يقع بيد جاري الدب القطبي
وعند فتح الطرد استبقت الكتاب رائحة زكية , فقد كانت معه قطعة صابون فعلت فعلها واستحضرت لي رائحة الوطن , رائحة والدي وهو يزلزل صباحاتنا بطقوسه من حلاقة الذقن وسماع اذاعة لندن.
جلستُ أقلّب الكتاب وأتفحصه فلرائحة الورق وخشخشته نعيم لا يدركه إلّا من فقد كتبه.
يومين متتاليين لم أجرؤ على لمسه لأني لم أكن قد جحفلت عزيمتي أو شحذت أدوات قرائتي, لأنه طقس يتطلب صفاء النفس والذاكرة وتحضير كراس لتسجيل الملاحظات وتأثيث المكان بسكون أنيق , بعدها كانت لي وقفة مع كل ركن.
وجدته بغلاف أنيق وبتصميم يعرضُ بورتريه الكاتب على الغلاف , هكذا تكون كتب المذكرات , والبورتريه عندي أبلغ من الصورة الشخصية لهكذا غرض , وكنتُ قد أستوقفني مرة اللون المختار من طيف الألوان للكتاب بأختياره لون بنفسج يتماشى مع الوان صورة الكاتب الشخصية وقد عاتبت الاستاذ صبري يومها بأنه اختار لون (الجن) لكتابه ووجدت الاخضر المزرق دليل هيبة لكتب المذكرات , ولكن ما ان وقع الكتاب بين يدي حتى عدلتُ عن ماقلته سابقاً.
يهدي الكاتب كتابه لأمرأة ويخصها بكلمات تجعلها تبدو القامة الوحيدة ودونها باقي النساء , عجباً من هي ؟, هل سيجيب الكتاب ؟
بأربعمئة واربع واربعين صفحة هي مسيرة رجل صحفي على مدى خمسة وخمسين عاماً في بلد اسمه العراق وفي مرحلة لم يهدأ غليانها كالبركان يوماً, يسجل الاستاذ صبري الربيعي مذكراته ويبدأها من النشأة ويتحدث عن والدته بطريقة ظننت انها المرأة التي خصها بالاهداء ولكن حتماً هناك نساء أثّرن في حياته سيكشفها في حديثه إن أراد
الكتاب تحقيق صحفي محايد لأحداث جسام مرت بالبلد من مقتل العائلة المالكة وتوالي الثورات والانقلابات يتعطش لمعرفتها من لم يلحق بتلك الايام وأصبح السؤال عنها من الاهل والمعارف مبعث ضيق وتذمر , فتجد الاجوبة كلها منبسطة امامك فجأة يقدمها الاستاذ الربيعي بحكم معايشته لها ولرجالاتها وهي عندي أثمن مايكون
كما تنفرد المذكرات بأعطاء درس حقيقي لأي صحفي عند أجراء مقابلة مع شخصية رئاسية وهذا مايرويه الاستاذ الربيعي بدءاً من الصفحة ١٧٨ وعلى مدى ١٢ صفحة يحدثٌنا بتفاصيل لقائه المثير مع الشخصية البارزة المرحوم الملا مصطفى البارازني , لم يجمّل اللقاء , ولم يشوهه بزيف , وأنما سجل كل ماحصل بأمانة تُشعرك وكأنك ثالثهما , قلما تجد من لا يمّجد نفسه ويقودك لأخطائه قبل أن تنتبه لها. ويعيد الحظ كرته عند لقائه بالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات , وله مواقف غريبة يقودها القدر للقاء مسؤولين ورؤوساء , يرويها بقضها وقضيضها
كما يمتاز الكتاب عند سرده بأستخدام مفردات شعبية تراثية وعبارات متداولة باللهجة العامية المحببة تجاوزت ( ٢٦٧ ) مفردة أو عبارة وهي بحد ذاتها أرشفة وتوثيق تراثي عظيم , أستخدمها بطريقة ذكية جميلة عززت من معانيها وجعلت التشويق للقراءة حافزاً لإثراء ذاكرة القارئ بما اندثر منها بفعل الزمن واحياناً لتوسيع مساحة معرفته حيث وردت كم منها لم أفقه معناه الا بصعوبة وتلك كانت رياضة فكرية ممتعة لا تخلو من فائدة
الميزة المهمة الاخرى التي ينفرد بها هو استعراضه لكل أسماء الصحف والجرائد والمجلات وأسماء اصحابها ونبذة عنها وعنهم , تجاوز ماأستعرضه الكتاب أكثر من ( ٥٢ ) صحيفة تغني القارئ اليوم عما كان يدور في مطبخ صناعة الصحف وهمومها , كما أثرى الكتاب بشرح جميل للاستاذ الربيعي لمجاهل صناعة الصحف وطباعتها بمفردات مهنية تضيف للقارئ ايضاً معاناة الاوائل واستعراضاً لتقنية صناعة الصحف
كذلك الحال عندما يضع القارئ كشاهد على فكرة تأسيس وإنشاء كثير من الجمعيات وحضور المؤتمرات منها مؤتمر الادباء العرب , والمؤتمر الدولي للتاريخ , ومؤتمر الجمعيات الفلاحية , ومؤتمر الاتحاد العام لنقابات العمال , ومؤتمر قادة دول عدم الانحياز بزيمبابوي , ومؤتمر القمة العربية الاستثنائي ببغداد , ومؤتمر نقابة الصحفيين , وفكرة انشاء اتحاد الفنانين العرب , ومتحف التراث الشعبي البغدادي , وجمعية بغداد التعاونية للسياحة والسفر , وجمعية موظفي الدولة الاستهلاكية , ومعهد التدريب الاذاعي , والمعرض الاول لالبسة المرأة ....يرويها ضمن سياق ذكرياته وملابسات كل حدث وشخوصها وأمكنتها
لقد وضع الكاتب قدماً ثابتة راسخة في مجال الفن وإلاذاعة والصحافة وإن اختار الاخيرة وبهذا يكشف لنا عن هذه المرافق الحيوية اسرار واحداث وشخصيات يرويها بحيادية وعفوية يقود بها القارئ الى معرفة أمور يجهلها وظلت حصينة إلّا لمن هدم اسوارها ودخل معتركها وكأنه ينقلك لتعيشها معه ثانية ويستحضر بغداد بمقاهيها وأزقتها ويجعلك تجالس انتَ معه هذا وتترك ذاك و تقرأ عن اسماء كانت صانعة لمجد يوماً
التقى بالعديد بل بالجميع من رجالات العهد الملكي وصانعي الانقلابات الرؤوساء والسياسين وكأنه يمنحك بهذا الوصف عنهم فرصة تتوهمها الذاكرة وكأنك انتَ من التقى هذه الشخوص ثم يعرج بك للقاء شخصيات وأسماء لاتنُسى , من منكم لايتمنى لقاء د. أحمد سوسة , من منكم لايتمنى لقاء حقي الشبلي , من منكم لايتمنى لقاء أسعد عبدالرزاق , أو محمد القبانجي ,أو أحمد رامي , أو عبدالحليم حافظ , أو نادية لطفي , أو مهند الانصاري , أو داخل حسن , أو سليم البصري , أو أمير الحلو ,أو فخري الزبيدي , من منكم لايتمنى لقاء أنديرا غاندي ,
أعجابي الشديد بمشروع ( دليل الصفحات الصفراء ) كأول دليل شامل للمعلومات عن العراق بمضمونه وهدفه النبيل يقدّره كل من عاش في الغرب لأهميته مضافاً له جمالية الغلاف المصمم ببراعة , وكما يؤسفني تعثره من أن يرى النور والانتشار بسبب توقيته المشؤوم لعام ١٩٩٠ وما صاحبه من أحداث الكويت التي أوقفت الزمن يومها ولحد الان عن العراق
إن الكتاب رحلة مجانية تأخذك لبغداد لتعيش ايامها ثانية إن كنت قد ندمت بعد هذه السنين لأنك لم تعش كما ينبغي او تعرف ما وجب معرفته
كنتُ أتمنى
كنتُ أتمنى من الاستاذ الربيعي لو شرفني بإهداءٍ بخط يده الكريمة لكان وسام شرف بحق ولكن لظروف إرساله وتجشم عناء ذلك جسدياً ومادياً من قبل نجله الاستاذ رغيد حال دون ذلك. وسأرجو أستاذنا الربيعي أن يبعث لي بأهداء عن طريق رسالة الكترونية لكي الصقها على مدخل الكتاب وبهذا أفوز بالجائزتين
وكنتُ أتمنى ايضاً لو أن الصور الشخصية المنشورة في الكتاب أكبر حجما وغير منزوية لأعطت بذلك أنطباعاً أجمل، ولكن يبدو انها من تقنيات الطباعة
وكنتُ أتمنى ايضاً لو عرج الاستاذ الربيعي لبعض مفردات حياته العائلية , لكنه لم يتطرق لها ابداَ فبدت المذكرات مهنية صرف بطابع ذكوري توارى عنها العنصر النسوي حتى كاد ان يختفي
وكنتُ أتمنى ايضاً لو جاء على ذكر مجلة ( أفاق عربية ) الرصينة ايام المرحوم شفيق الكمالي وبما أن لهذه المجلة ركن خاص في ذاكرتي تشوقت للمعرفة التي اسبغها على غيرها.
كيف أشكر الذين صنعوا لي الفرح بامتلاك كتاب وأنا في وطن التبني أتكئ على كم من كتب أرُسلت كهدايا من القلب وإن كانت معدودة على اصابع اليد الواحدة وبكتاب (أوراقي في الصحافة والحياة ) للاستاذ صبري الربيعي افتتحت الرف الثاني في مكتبتي مرددةً: " لو كان الكتاب رجلاً لتزوجته" .
*المصدر :موقع "كتابات " والرابط : http://www.kitabat.com/
بقلم : ايمان البستاني
لطالما تملكتني أسئلة عديدة عمن يجيد كتابة مذكراته في كتاب , هل يفترش ذاكرته مرة واحدة ويختار الغض والسمين معاَ , أم تأتيه الذكريات ومضات يسجلهاطمعاً بها قبل هروبها , أم يجالس أحداً متعمداً أثارة مواضيع تهتدي لها الذاكرة المتعطشة لحافز ما, أم يكتب مذكراته صورياً بالذاكرة وبعدها تندلق كشلال يسجله بالكتابة , أنه فن يتطلب جلد النفس , وهل يصلح أي كاتب أن يكون كاتباً لمذكراته ؟ وطالما أنزلها عن كاهل ذكرياته فهل يتخفف من حملها ؟ وهل تعاوده الذكريات نفسها كنوبات تشعل الذاكرة من جديد ؟
من مبدأ أعتنقته منذ زمن ( لايُظلم عندي كتاب ) ولرد جميل كرم هدية تلقيتها على أجمل ماتكون الهدايا عندي هو كتاب (أوراقي في الصحافة والحياة) للاستاذ صبري الربيعي , أدرج أدناه حصيلة قراءتي لهذه المذكرات المهمة
صحوت على صباح( كندي) كئيب ماطر , فأستقبلته بدلة قهوة عربية تكفي لمضيف شيخ لأعدل بها مزاجي المنحرف , فاستعدل المزاج وقررت بعدها ان يكون غداءنا أقراص لحم بعجين , فتمرغت بالطحين حتى أرنبة أنفي وإذا بساعي البريد يطرق الباب حاملاً لي صندوقا ابيضاً ليس بصغيرٍ كما أنه ليس بكبيرٍ لكنه كاف لكي يدق له القلب.
قال لي ساعي البريد : هل أنتِ فلانة بنت فلان , قلتُ : نعم , فقال : إليك هذا الطرد البريدي من العراق فنزلت دموعي على طحيني , وحمدت الله كون الطرد لم يقع بيد جاري الدب القطبي
وعند فتح الطرد استبقت الكتاب رائحة زكية , فقد كانت معه قطعة صابون فعلت فعلها واستحضرت لي رائحة الوطن , رائحة والدي وهو يزلزل صباحاتنا بطقوسه من حلاقة الذقن وسماع اذاعة لندن.
جلستُ أقلّب الكتاب وأتفحصه فلرائحة الورق وخشخشته نعيم لا يدركه إلّا من فقد كتبه.
يومين متتاليين لم أجرؤ على لمسه لأني لم أكن قد جحفلت عزيمتي أو شحذت أدوات قرائتي, لأنه طقس يتطلب صفاء النفس والذاكرة وتحضير كراس لتسجيل الملاحظات وتأثيث المكان بسكون أنيق , بعدها كانت لي وقفة مع كل ركن.
وجدته بغلاف أنيق وبتصميم يعرضُ بورتريه الكاتب على الغلاف , هكذا تكون كتب المذكرات , والبورتريه عندي أبلغ من الصورة الشخصية لهكذا غرض , وكنتُ قد أستوقفني مرة اللون المختار من طيف الألوان للكتاب بأختياره لون بنفسج يتماشى مع الوان صورة الكاتب الشخصية وقد عاتبت الاستاذ صبري يومها بأنه اختار لون (الجن) لكتابه ووجدت الاخضر المزرق دليل هيبة لكتب المذكرات , ولكن ما ان وقع الكتاب بين يدي حتى عدلتُ عن ماقلته سابقاً.
يهدي الكاتب كتابه لأمرأة ويخصها بكلمات تجعلها تبدو القامة الوحيدة ودونها باقي النساء , عجباً من هي ؟, هل سيجيب الكتاب ؟
بأربعمئة واربع واربعين صفحة هي مسيرة رجل صحفي على مدى خمسة وخمسين عاماً في بلد اسمه العراق وفي مرحلة لم يهدأ غليانها كالبركان يوماً, يسجل الاستاذ صبري الربيعي مذكراته ويبدأها من النشأة ويتحدث عن والدته بطريقة ظننت انها المرأة التي خصها بالاهداء ولكن حتماً هناك نساء أثّرن في حياته سيكشفها في حديثه إن أراد
الكتاب تحقيق صحفي محايد لأحداث جسام مرت بالبلد من مقتل العائلة المالكة وتوالي الثورات والانقلابات يتعطش لمعرفتها من لم يلحق بتلك الايام وأصبح السؤال عنها من الاهل والمعارف مبعث ضيق وتذمر , فتجد الاجوبة كلها منبسطة امامك فجأة يقدمها الاستاذ الربيعي بحكم معايشته لها ولرجالاتها وهي عندي أثمن مايكون
كما تنفرد المذكرات بأعطاء درس حقيقي لأي صحفي عند أجراء مقابلة مع شخصية رئاسية وهذا مايرويه الاستاذ الربيعي بدءاً من الصفحة ١٧٨ وعلى مدى ١٢ صفحة يحدثٌنا بتفاصيل لقائه المثير مع الشخصية البارزة المرحوم الملا مصطفى البارازني , لم يجمّل اللقاء , ولم يشوهه بزيف , وأنما سجل كل ماحصل بأمانة تُشعرك وكأنك ثالثهما , قلما تجد من لا يمّجد نفسه ويقودك لأخطائه قبل أن تنتبه لها. ويعيد الحظ كرته عند لقائه بالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات , وله مواقف غريبة يقودها القدر للقاء مسؤولين ورؤوساء , يرويها بقضها وقضيضها
كما يمتاز الكتاب عند سرده بأستخدام مفردات شعبية تراثية وعبارات متداولة باللهجة العامية المحببة تجاوزت ( ٢٦٧ ) مفردة أو عبارة وهي بحد ذاتها أرشفة وتوثيق تراثي عظيم , أستخدمها بطريقة ذكية جميلة عززت من معانيها وجعلت التشويق للقراءة حافزاً لإثراء ذاكرة القارئ بما اندثر منها بفعل الزمن واحياناً لتوسيع مساحة معرفته حيث وردت كم منها لم أفقه معناه الا بصعوبة وتلك كانت رياضة فكرية ممتعة لا تخلو من فائدة
الميزة المهمة الاخرى التي ينفرد بها هو استعراضه لكل أسماء الصحف والجرائد والمجلات وأسماء اصحابها ونبذة عنها وعنهم , تجاوز ماأستعرضه الكتاب أكثر من ( ٥٢ ) صحيفة تغني القارئ اليوم عما كان يدور في مطبخ صناعة الصحف وهمومها , كما أثرى الكتاب بشرح جميل للاستاذ الربيعي لمجاهل صناعة الصحف وطباعتها بمفردات مهنية تضيف للقارئ ايضاً معاناة الاوائل واستعراضاً لتقنية صناعة الصحف
كذلك الحال عندما يضع القارئ كشاهد على فكرة تأسيس وإنشاء كثير من الجمعيات وحضور المؤتمرات منها مؤتمر الادباء العرب , والمؤتمر الدولي للتاريخ , ومؤتمر الجمعيات الفلاحية , ومؤتمر الاتحاد العام لنقابات العمال , ومؤتمر قادة دول عدم الانحياز بزيمبابوي , ومؤتمر القمة العربية الاستثنائي ببغداد , ومؤتمر نقابة الصحفيين , وفكرة انشاء اتحاد الفنانين العرب , ومتحف التراث الشعبي البغدادي , وجمعية بغداد التعاونية للسياحة والسفر , وجمعية موظفي الدولة الاستهلاكية , ومعهد التدريب الاذاعي , والمعرض الاول لالبسة المرأة ....يرويها ضمن سياق ذكرياته وملابسات كل حدث وشخوصها وأمكنتها
لقد وضع الكاتب قدماً ثابتة راسخة في مجال الفن وإلاذاعة والصحافة وإن اختار الاخيرة وبهذا يكشف لنا عن هذه المرافق الحيوية اسرار واحداث وشخصيات يرويها بحيادية وعفوية يقود بها القارئ الى معرفة أمور يجهلها وظلت حصينة إلّا لمن هدم اسوارها ودخل معتركها وكأنه ينقلك لتعيشها معه ثانية ويستحضر بغداد بمقاهيها وأزقتها ويجعلك تجالس انتَ معه هذا وتترك ذاك و تقرأ عن اسماء كانت صانعة لمجد يوماً
التقى بالعديد بل بالجميع من رجالات العهد الملكي وصانعي الانقلابات الرؤوساء والسياسين وكأنه يمنحك بهذا الوصف عنهم فرصة تتوهمها الذاكرة وكأنك انتَ من التقى هذه الشخوص ثم يعرج بك للقاء شخصيات وأسماء لاتنُسى , من منكم لايتمنى لقاء د. أحمد سوسة , من منكم لايتمنى لقاء حقي الشبلي , من منكم لايتمنى لقاء أسعد عبدالرزاق , أو محمد القبانجي ,أو أحمد رامي , أو عبدالحليم حافظ , أو نادية لطفي , أو مهند الانصاري , أو داخل حسن , أو سليم البصري , أو أمير الحلو ,أو فخري الزبيدي , من منكم لايتمنى لقاء أنديرا غاندي ,
أعجابي الشديد بمشروع ( دليل الصفحات الصفراء ) كأول دليل شامل للمعلومات عن العراق بمضمونه وهدفه النبيل يقدّره كل من عاش في الغرب لأهميته مضافاً له جمالية الغلاف المصمم ببراعة , وكما يؤسفني تعثره من أن يرى النور والانتشار بسبب توقيته المشؤوم لعام ١٩٩٠ وما صاحبه من أحداث الكويت التي أوقفت الزمن يومها ولحد الان عن العراق
إن الكتاب رحلة مجانية تأخذك لبغداد لتعيش ايامها ثانية إن كنت قد ندمت بعد هذه السنين لأنك لم تعش كما ينبغي او تعرف ما وجب معرفته
كنتُ أتمنى
كنتُ أتمنى من الاستاذ الربيعي لو شرفني بإهداءٍ بخط يده الكريمة لكان وسام شرف بحق ولكن لظروف إرساله وتجشم عناء ذلك جسدياً ومادياً من قبل نجله الاستاذ رغيد حال دون ذلك. وسأرجو أستاذنا الربيعي أن يبعث لي بأهداء عن طريق رسالة الكترونية لكي الصقها على مدخل الكتاب وبهذا أفوز بالجائزتين
وكنتُ أتمنى ايضاً لو أن الصور الشخصية المنشورة في الكتاب أكبر حجما وغير منزوية لأعطت بذلك أنطباعاً أجمل، ولكن يبدو انها من تقنيات الطباعة
وكنتُ أتمنى ايضاً لو عرج الاستاذ الربيعي لبعض مفردات حياته العائلية , لكنه لم يتطرق لها ابداَ فبدت المذكرات مهنية صرف بطابع ذكوري توارى عنها العنصر النسوي حتى كاد ان يختفي
وكنتُ أتمنى ايضاً لو جاء على ذكر مجلة ( أفاق عربية ) الرصينة ايام المرحوم شفيق الكمالي وبما أن لهذه المجلة ركن خاص في ذاكرتي تشوقت للمعرفة التي اسبغها على غيرها.
كيف أشكر الذين صنعوا لي الفرح بامتلاك كتاب وأنا في وطن التبني أتكئ على كم من كتب أرُسلت كهدايا من القلب وإن كانت معدودة على اصابع اليد الواحدة وبكتاب (أوراقي في الصحافة والحياة ) للاستاذ صبري الربيعي افتتحت الرف الثاني في مكتبتي مرددةً: " لو كان الكتاب رجلاً لتزوجته" .
*المصدر :موقع "كتابات " والرابط : http://www.kitabat.com/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق