70 عاماً على وفاة الصحفي العراقي إبراهيم صالح شكر *
بقلم الاستاذ الدكتور مليح ابراهيم صالح شكر
تحل يوم الأربعاء 15 مايس 2014 الذكرى ال70
لوفاة الكاتب الصحفي العراقي ابراهيم صالح شكر. وبالرغم من السنوات الطويلة التي قضيتها في عملي الصحفي لم أنشر شيئاً لمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الوالد، وهذه هي المرة الأولى التي استذكر فيها على صفحات الزمان الغراء، ذكراه السنوية.
كتب ابراهيم صالح شكر ذات مرة في جريدته الزمان إنه ولد في 8 ذي القعدة عام 1310 هجرية. وقد اختلف الذين كتبوا عنه فيما بعد في تحديد تاريخ ميلاده بالتقويم الميلادي، واستعنت بالجداول المدرجة في كتاب التقويمان الهجري والميلادي ترجمة حسام محي الدين الآلوسي، لتحويل التاريخ الهجري الى الميلادي، فكانت النتيجة 24 حزيران 1892، علماً بأن الوالد بنفسه قد ذكر عدة تواريخ لسنة ميلاده، منها 1892 و1896، وتوضح صورة جواز سفره المنشورة في هذا الكتاب، انه ثبت تاريخ الميلاد بعام 1893.
نسبه العائلي
ينتسب ابراهيم صالح شكر الى أسرة عراقية عريقة من عشيرة الكروية العتيقة التي تعود الى قبيلة قيس العدنانية. وكان والده أحمد صالح الملا شكر، مختاراً لمحلة قهوة شكر، وأمه أمينة، قد حرصا على ولدهما الوحيد ابراهيم بعد ان فقدا أربعة أبناء من قبله، وأبقت أمه على ضفيرة شعره حتى أصبح بعمر 11 عاماً فقصت الضفيرة لكي يتمكن من الالتحاق بمدرسة الملا جمعة في جامع قهوة شكر، التي كانت تسمى الكتاتيب في مساجد بغداد المشهورة، وتعلم فيها دروس اللغة العربية والقرآن الكريم، وتلقى أول دروسه عند الملا جمعة، ثم انتقل الى الدروس في مساجد أخرى، فتعلم عند العلامة محمود شكري الآلوسي بجامع الحيدرخانه، وعند عبد الوهاب النائب في جامع الفضل، وفي هذا الجامع كان عبدالكريم العلاف زميلاً له في تلقي العلم، وعند عبد الجليل آل جميل في جامع العاقولية، وعند نجم الدين الواعظ في جامع العادلية، وكان يتلقى العلم في هذا الجامع سوية مع ناجي القشطيني، وتعلم فيها كلها مبادئ النحو والأجرومية والفقه والأدب والبلاغة والقرآن الكريم.
وقبل ان يبلغ عامه العشرين، اجتاح وباء الطاعون بغداد،وقيل انه كان وباء الكوليرا، فأصاب بيته، وأودى بحياة الكثير، ومنهم ثلاثة من أهل داره، هم والده ووالدته وجدته لأمه، ولم يبق الا هو وشقيقته الصغيرة زبيدة.
وفي عام 1915 تعرض لتعسف العثمانيين بسبب حماسته وكفاحه من أجل الاستقلال العربي مما أثار ضغينة شفيق بك والي بغداد الذي أقنع قائد الجيش العثماني بالقبض على ستين ناشطاً في ليلة 3 تشرين الثاني 1915، وتقرر نفيهم الى الأناضول في تركيا، ونقلوهم بالقطار تحت الحراسة الى سامراء، ومنها الى الموصل على ظهر الدواب. لكن المجلس العرفي العثماني استبدل القرار لعدد من المنفيين، الى النفي في الموصل، وقضى ابراهيم فيها أربعة شهور، كان خلالها يكتب لأقربائه ببغداد يطلب مالاً لسد احتياجاته، وقد وثق ابراهيم صالح شكر فترة النفي هذه في سلسلة مقالاته بعنوان حتروش ، وهو صاحب الحمير الذي استخدمه العثمانيون لنقل المنفيين من سامراء الى الموصل.
وبعد عودته من المنفى، وكان ما يزال يرتدي العمامة والجبة، اختاره أهالي محلة قهوة شكر مختاراً، خلفا لوالده، وهي المحلة المنسوبة الى اسم جده، شكر، واشتهر بأنه كان يقدم خدمات المختارية للأهالي دون مقابل، ويرفض أية هدايا، ومنها هدية رفضها كانت قطعة ارض في لواء ديالى عرضها أحدهم عليه مقابل معاملة تحتاج لتوقيع المختار وتدخله لتخليصه من دعوى قضائية مقامة ضده.
يقول روفائيل بطي فـي رثـاء نشره بمجلة الأسبوع العدد 20 عام 1953 في الموصل رأيت الأستاذ صالح شكر أول مرة وأنا يافع أقرمز الشعر المنثور وبين يدي الريحانيات، وقد نثرت أحزاني على صديقي في مرثاة عنونتها دموع الاخلاص .
ثم يقول في وصفه لابراهيم ان الرجل تتقد في ذهنه جذوة التحرر، ويتناثر من لسانه شرر الثورة، ومن تلك الأيام السود تعارفنا وربطت الصداقة بيننا . وقد تعرف الرجلان على بعضهما في عام 1915 داخل مكتبة صغيرة في الموصل حينما كان ابراهيم يقضي عقوبة النفي هناك.
وكان أول عهد الوالد بالصحافة في جريدة بين النهرين التي صدرت لأول مرة في 6 كانون الأول عام 1909،لصاحبها محمد كامل الطبقجه لي، وعاشت حوالي ثلاث سنوات، وجريدة النوادر التي أصدرها محمود الوهيب عام 1911، وكتب فيهما موضوعات أدبية. وأصدرابراهيم منيب الباجه جي، في 25 نيسان1913 1332هجرية ، مجلة الرياحين الأدبية، وأصبح ابراهيم صالح شكر محررها، وأصدر لوحده في نيسان 1913 مجلة أدبية هـي شمس المعارف التي ظهرمنها 18 عدد.
وكان الباحث عبدالحميد العلوجي، الذي تقلد عدة مناصب ثقافية في عقد السبعينيات من القرن العشرين، ومنها المدير العام لدار الكتب العراقية، يحتفظ بخمسة أعداد من الرياحين ، كما يحتفظ ناجي القشطيني بالعدد الثاني من شمس المعارف الذي أهداه فيما بعد الى مكتبة المجمع العلمي العراقي.
وأصدر ابراهيم صالح شكر أيضاً، عام 1921 مجلة شهرية جامعة الناشئة مكرساً صفحاتها للأدب العراقي، وكتب فيها عدد من الأدباء المعروفين، أبرزهم محمد رضا الشبيبي، وحسين البياتي،ومحمد بهجة الأثري، وعبدالمسيح وزير، ورفائيل بطي، ومحمد الشماع، وسلمان الشيخ داود، وشكري الفضلي، ومحمد رؤوف الكواز، وعبدالحسين الازري، ومحمود محمد، ونشرت شعراً لجميل صدقي الزهاوي، ومقالات جبران خليل جبران، والمنفلوطي. وأصدر منها ثلاثة أعداد فقط قبل أن تعطلها الحكومة، وأحتفظ بالأعداد الثلاثة منها سليمة في مقتنياتي الخاصة، وتحتفظ المكتبة الوطنية ببغداد بالعددين الاول والثاني.
وعاد عام 1922 ليصدر الناشئة الجديدة ، جريدة أسبوعية جامعة، بدلاً عنها، وبدأ فيها أولى كتاباته السياسية، وتعرضت للتعطيل عدة مرات، احداها بقرار شخصي منه اثر تعرضه لاعتداء مقابل بيت لنج في شارع الرشيد، قيل انه كانت بتحريض من بعض السياسيين. وفي 2 أيار 1924 شارك روفائيل بطي في اصدار جريدة الربيع ، وعمل فيها رئيساً للتحرير، لكن الحكومة عطلتها بعد عددها الأول.
واشترك في الكتابة لجريدة الأدب التي أصدرها محمد باقر الحلي في 7 أيلول 1924، وصدر منها ثلاث أعداد وتوقفت، ثم أعاد كامل السامرائي اصدارها في 6 شباط 1925، وأحتجبت، وأعدادها محفوظة لدى مكتبة المتحف العراقي ببغداد. كما كاتب جريدة الفضيلة التي أصدرها عبد الرزاق الحسني عام 1925، وجريدة التجدد لمحمود الملاح عام 1930، وأعدادها وأعداد الفضيلة متوفرة في مكتبة المتحف أيضاً.
وفي 11 تموز 1927، دخل ابراهيم صالح شكر معترك الصحافة السياسية، وأصدر جريدته الأسبوعية الزمان ، وقال في صدر صفحتها الأولى أنها يومية أدبية سياسية اجتماعية انتقادية ، وكان هو صاحبها ورئيس تحريرها في آن واحد. وهوأول من أصدر في تاريخ العراق جريدة بهذا الاسم. وعاشت 44 عدداً، تخللها تعطيل لعدة مرات، مرة بقرار من حكومة جعفر العسكري، وأخرى بقرار من حكومة عبد المحسن السعدون، ومرات أخرى بطلب المندوب السامي البريطاني.
وفي 1960ــ1961 قابلت فائق بطي عدة مرات في مكتبه بجريدة البلاد في حي ارخيتة ببغداد، وقدم لي بسخاء الكثير مما كان المرحوم والده رفائيل بطي قد جمعه من صحف، أو قام بتوثيقه، دونت بعضها وأعدت أصولها اليه، ولن أنسى أبداً أن فائقاً أهداني آنذاك مشكوراً المجموعة الكاملة لجريدة والدي الزمان مجلدة في مجلد واحد ضم الأعداد الاربعة والاربعين.
وفي الزمان شن ابراهيم صالح شكر حملته السياسية ضد الانتداب البريطاني ومعاهداته وأذناب الانكليز في العراق، ودعا الى حرية التعبير والصحافة والتجنيد الاجباري وطرد الأجانب من الوظائف العراقية، وندد بزيارة الصهيوني الفرد موند لبغداد، منتصراً للطلبة الذين تظاهروا احتجاجاً على هذه الزيارة.
وانتقد في مقالاته، المربي المعروف ساطع الحصري، لأنه جاء بمدرسين أجانب ليدرسوا تلامذة العراق جغرافية فرنسا ويتركوا جغرافية العراق، ويحدثونهم عن انهار السين والتايمس، ويتركوا دجلة والفرات، ويرون لهم تاريخ نابليون وبسمارك، ويدعون تاريخ عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص .
وفي 29 كانون الأول عام 1929 اشترك مع صديقه عبد القادر اسماعيل البستاني في اصدار جريدة المستقبل ، وأخبرني البستاني، فيما بعد، بأنهما أصدرا تسعة أعداد فقط، كان البستاني صاحب الامتياز لأعدادها الثلاثة الأولى، وأصبح ابراهيم صاحب الامتياز لأعدادها الستة الأخيرة.
وفي عام 1930 كتب مقالات مجلة الوميض التي أصدرها لطفي بكر صدقي في 28 تشرين الأول 1930، ثم أصبح رئيساً لتحرير جريدة الأماني القومية التي أصدرها عبدالوهاب محمود، وكان عبدالرزاق شبيب مديرها المسؤول، ولم يصدر منها سوى عددها الأول في 30 تشرين الأول 1931، وعطلتها الحكومة، وأصبح كلا من محمود وشبيب في فترات لاحقة من تاريخ العراق نقيباً للمحامين.
وبشكل عام كتب ابراهيم صالح شكر في صحف، أصدرها بنفسه، أو ترأس تحريرها، وهي حسب تواريخ صدورها، شمس المعارف 1913، والرياحين نفس العام، ومجلة الناشئة 1921، وجريدة الناشئة الجديدة 1922، والربيع لرفائيل بطي 1924، والزمان 1927، والمستقبل لعبد لقادر اسماعيل البستاني 1929، واليقظة لسلمان الصفواني 1932، والتجدد لمحمود الملاح 1930، والأماني القومية لعبدالوهاب محمود 1931. وبعضها لم يصدر منها سوى العدد الاول لتعالجها الحكومة بالتعطيل.
وبلغ مجموع ما أصدره من الصحف للفترة من بداية الحكم الوطني 1921 وحتى انتهاء الانتداب البريطاني 1931، حوالي تسعين عدداً من جميع الصحف التي حاول اصدارها، وكانت الزمان أطولها عمراً، وصدر منها 44 عدداً في فترات بين تعطيل وآخر.
وكتب في صحف أخرى، أشهرها الاستقلال لعبد الغفور البدري، ومجلة الوميض للطفي بكر صدقي، و البلاد لروفائيل بطي، وغيرها.
وكان يهاجم باستمرار وجود غير العراقيين في الوظائف الحكومية الجديدة، ويدعو الى استبدالهم بالعراقيين، ويعيب على غيرهم بأنهم كانوا من مناصري الطورانية وجمعية الاتحاد والترقي، واستبدلوا جلودهم عندما قامت الدولة العراقية واصبحوا يدعون بأنهم عرب أٌقحاح. ولعله عاش حتى يومنا هذا، لما بعد 2003 ليرى من تسلق على أكتاف العراق وهم من غير العراقيين، ويزعمون بأنهم عرب أقحاح
وكتب في العدد الأول من الزمان خطته الصحفية قائلا لست مضللاً يتخذ من الوطن أحبولة لتضليل السذج، شأن المضللين من حملة الأقلام، ولست دجالاً يستهوي الحمقى باسم الأمة ليقودهم واياها الى الدمار، شأن الدجالين من حملة القصبات المرضوضة، ولست نصاباً يغري البسطاء بالألوان الزاهية لينهب منهم ما يسد به جشعه، شأن النصابين من ذوي الصحف الملطخة بالسواد، وانما أنا رجل أصارح الناس بالواقع وأخاطبهم على المكشوف .
ويضيف في المجتمع مضللون لهم صحف يضيق لها الحصر، وفي البلاد دجالون ماهرون لا يحصى لهم عد، وفي الوطن نصابون بارعون في النصب والاحتيال، اذن فالجمهور لا يحتاج لأن أجعل هذه الجريدة وسيلة الى التضليل أو التدجيل أو الاحتيال، ما دمت لست ماهراً في هذه الأخلاق المألوفة ، واذن فأنا معذور اذا لم أنشر في هذه الجريدة ما اعتاد الناس مطالعته في الصحف المرتزقة .
وندد بشدة بالمعاهدات البريطانية ــ العراقية، وقال أنها مكنت المندوب السامي البريطاني من التدخل في شؤون العراق الداخلية، وألزمت الحكومة بالرجوع الى وزارة المستعمرات البريطانية في لندن في حالة الخلاف بينها وبين المندوب السامي، وان البلاد لا ترى لاستقلالها قيمة اذا كانت الكلمة النافذة في سياستها لوزارة المستعمرات.
وذكر خالد الدرّة في مقالة له نشرها في العدد 14 لمجلته الوادي بتاريخ 16 مايس عام 1948، انه يتذكر بأن الوالد كان يجلس في مقهى أبو علي، على أحد التخوت ممسكاً بيده اليسرى ورقة طويلة يسندها على ركبته اليسرى ويشهر بيده اليمنى قلم الرصاص، ولا يقربه أحد من أصدقاءه، فيبدأ يكتب ببطء شديد واذا به يسرع بالكتابة وهو يصفر لحناً مبهماً.
ويضيف، كان أكثر الناس عناية باسلوبه وانتقاء لالفاظه، وهو تواق لاستحداث العبارات الرنانة التي لم يسبقه اليها أحد، واني لأذكر انه قرأ قصة الشيخ حسن الذي ترجمه عن الفرنسية اسكندر الرياش عشرات المرات، وكان يعدها أعلى نموذج للأدب الرفيع، ولا أغالي اذا قلت ان شخصية بطل الرواية قد أثرت على نفسيته الى حد بعيد. وكان الدرة، الكاتب الوحيد تقريباً الذي يشير الى هذه المسألة.
ويضيف الدرّة بأن ابراهيم كتب ذات مرة مقالاً بعنوان لنا وطن ولنا أمل ولنا زعيم وهو يقصد ياسين الهاشمي،وقد استغربت منه هذا الاتجاه الذي لم أعهده فيه، ولما استفسرت منه عن سر هذه المبادرة الجديدة أجابني بأن هذه الكلمة جواب على ما قاله لي نوري السعيد حيث طلب مني بالأمس أن أشتم الهاشمي كما أشتمه هو حتى لا يغلق جريدتي.
ورشح ابراهيم صالح شكر، ذات مرة للنيابة في 30 آذار 1928 عن منطقة باب الشيخ، ودعـا في منهاجـه الانتخابي الى الاستقلال التام للعراق بحدوده الطبيعية بلا حماية ولا وصاية ولا انتداب والى الغاء الانتداب البريطاني، وان لا تبقى في العراق أية سلطة عسكرية لغير الجيش العراقي، والى وضع قوانين لحماية حقوق الفلاحين، والعمال، فيؤخذ بتوزيع الأراضي وتقسيمها تقسيماً عادلاً على من يريد ان يكد ويعمل، والى ان يتمتع الشعب بحرية القول والكتابة وتنقيح قانون المطبوعات ليواكب القرن العشرين، ومنح التعليم حرية، وحصانة المدارس العالية والكليات من التدخل السياسي، ومراقبة المدارس الأجنبية لتكون مناهجها وطنية عراقية.
وفاز ابراهيم صالح شكر في المرحلة الأولى للانتخابات، التي كانت تجري على مرحلتين، لكن تدخلات الحكومة أحبطت فوزه في المرحلة الثانية ولم يصبح عضواًً في مجلس النواب، ولم يكرر المحاولة بعد ذلك.
وعطلت الحكومات، صحفه الواحدة تلو الأخرى، فاضطر الى مشاركة أصدقاء له في اصدار صحفهم،وتبادل ابراهيم صالح شكر مع رفائيل بطي التنازل عن حقهما في اصدار صحيفة،لأحدهما، فقد تنازل رفائيل بطي عام 1924 عن امتياز صحيفته الربيع لصديقه ابراهيم صالح شكر الذي عطل قرار حكومي صحيفته الناشئة الجديدة .
وفي 1930 تبرع ابراهيم صالح شكر بامتياز صحيفته الزمان لصديقه رفائيل بطي الذي تعرضت صحيفته البلاد للتعطيل. وجاءت هذه الاعارة عام 1930 وابراهيم صالح شكر موجود في العراق حيث عاد من سفرته الوحيدة الى خارج العراق اواخر 1928، وليس صحيحاً ما قاله فائق بطي في الموسوعة الصحفية من أن ابراهيم صالح شكر سلم ادارة الزمان لرفائيل بطي بعد أن ترك البلاد الى الخارج.
وعندما شغل ابراهيم صالح شكر مهمة رئيس التحرير في جريدة الأماني القومية لصاحبها عبد الوهاب محمود عام 1931، عطلتها الحكومة بعد عددها الأول الذي حمل مقالاً بعنـوان حفنة تراب على مرقد الباجه جي مزاحم الأمين وزير الداخلية آنذاك الذي رفع دعوى قذف قضائية ضد كاتب المقال ابراهيم صالح شكر، والمدير المسؤول عبد الرزاق شبيب، فحكمت المحكمة عليهما بسنة لابراهيم وستة اشهر لعبد الرزاق. وبعد الاستئناف خفض الحكم الى أربعة شهور للأول وشهرين للثاني قضوها في سجن بغداد المركزي بباب المعظم.
ابراهيم صالح شكر وعبد الرزاق شبيب بحراسة الشرطة بعد الحكم عليهما بالحبس بسبب مقال جريدة الأماني القومية حفنة تراب على مرقد الباجه جي مزاحم الأمين .
وبين كل صحيفة يصدرها وأخرى، يكتب للصحف الأخرى، وأتفق مع سلمان الصفواني على التصرف في جريدته اليقظة ،وسرقت داره ودار الصفواني، مع ان الجميع كان يعرف ان دار ابراهيم خالية من ما يطمع اليه اللصوص، لكنهم سرقوا حتى الحصيرة، كما ابلغي الصفواني وهو يستعيد لي ذكرياته في منزله ببغداد،، واعتبرت الصحف أن السرقة كانت بدافع سياسي ومدبرة لارهاب ابراهيم.
وكتب ابراهيم في الصفحة الأولى للعدد رقم 17 من اليقظة ، وهو من مقتنياتي الشخصية في مكتبتي في العراق، مقالاً تحت عنوان للوطن نحيا وللوطن نموت قال فيه
تفضل الكاتب المفضال الأستاذ سلمان أفندي الصفواني فأباح لنا التصرف في جريدته اليقظة ، فهي الآن تحل محل المستقبل التي عطلتها وزارة الماضي المجيد ، فللأستاذ وافر الشكر والثناء، ولوزارة الاستقلال الأعرج أن تعلم أننا للوطن نحيا وللوطن نموت .
سلمان الصفواني
لكنه لم يستطع مواجهة قرارات الحكومة في تعطيل صحفه أو الصحف التي يكتب بها، فلجأ لسد رمق العيش من الوظيفة التي كان يدخلها بين تعطيل وآخر لصحفه، مضطراً للسكون الى الوظيفة التي بقي فيها حتى أقصته الحكومة بسبب تأييده للثورة العراقية ضد الانكليز عام 1941.
وكان أول عهده بالوظيفة في 12 تموز 1924 حينما تم تعينه مديراً لتحريرات لواء الحلة محافظة بابل فيما بعد،خلفاً لكامل الجادرجي، وكان صديقه،علي جودت الأيوبي متصرفاً للواء
العدد 10578
التاريخ 24 تموز 1924
سعادة متصرف لواء الحلة المحترم
بعد التحية، ولاحقة لكتابنا المرقم 9715 والمؤرخ في 3 تموز 1924
بناء على استقالة كامل أفندي الجادرجي من مديرية تحريرات لواء الحلة قد عينا ابراهيم أفندي صالح شكر مديرا لتحريرات لواءكم براتب 250 روبية شهرياً. نرجو انبائنا تاريخ مباشرته بالوظيفة المذكورة وحسن استخدامه.
ولسعادتكم الاحترام
توقيع وزير الداخلية
كتب كامل الجادرجي على وجه هذه الصورة الى صديقي الأستاذ ابراهيم صالح شكر، مع توقيعه في 8»2»1932
صورة نادرة وفريدة من مقتنياتي الشخصية
ولم يبق الوالد في الحلة سوى 80 يوماً، أي حتى 12 تشرين الأول 1924 فاستقـال منـها ليعـود لاصدار جريدته الناشئة الجديدة بعد امتعاض وكيل المتصرف محمود نديم الطبقجلي الذي تولى المتصرفية عقب نقل الأيوبي الى لواء ديالى، من علاقاته الصحفية، فقدم في 4 تشرين الأول استقالته، وغادر الحلة بعد عدة أيام، دون ان ينتظر قبولها رسمياً.
وفي العاصمة التقى وزير الداخلية عبد المحسن السعدون الذي أبلغه بأن لا سبيل لقبول استقالته ، واستحالة اعادة صحيفته الناشئة الجديدة الى الصدور، لكنه ترك له الخيار الوظيفي في أي لواء من ألوية العراق يرغب بالانتقال اليه بدلاً من الحلة، فاختار ابراهيم لواء ديالى على مقربة من صديقه المتصرف على جودت الأيوبي، واعتبرت وزارة الداخلية مغادرته الحلة نقلاً وليس استقالة.
لكن الوالد عاد مرة ثانية الى مغادرة الوظيفة فكتب في 6 حزيران 1925 استقالته من وظيفة مدير تحريرات لواء ديالى بحجة ان لديه ظروفاً تمنع عليه القيام بالوظيفة، وقبلت وزارة الداخلية الاستقالة، ليقوم في اليوم التالي 7 حزيران باصدار العدد رقم 30 من الناشئة الجديدة بالرغم من أن قبول استقالته لم يكن قد صدر رسمياً بعد، وملأ هذا العدد بمقالات كتبها كلها بنفسه، ومنها مقاله المشهور ثلثمئة وثلاثون يوماً ليتحدث فيه عن أيام اشتغاله موظفاً حكومياً، ومقالات أخرى هاجم فيها توظيف غير العراقيين في الدوائر الحكومية، ومنهم بحوشي في وزارة المالية، وساطع الحصري في وزارة المعارف، وغيرهم من الأتراك والهنود والأرمن. وكان هذا العدد من صحيفة الناشئة الجديدة آخر عدد لها، فعطلتها الحكومة.
الرقم 177
التاريخ 6»6»1925
الى وزير الداخلية
م » ابراهيم أفندي صالح شكر
تبجيلاً وتفخيماً
وبعد، فقد رفع الينا ابراهيم أفندي صالح شكر استقالته من مديرية تحريرات اللواء لأسباب خاصة تمنعه من القيام بهذه الوظيفة، وطياً نقدم لمعاليكم صورة هذه الاستقالة، ونحن أسفون لاصرار الموما اليه على ذلك، فقد كان من خيرة الموظفين في سلوكه وأخلاقه وقيامه بواجبات الوظيفة التي عهدت اليه.
وبما أنه انفصل من وظيفته بعد ظهر يوم السادس من حزيران 1925 فاننا نرجو أن تتفضلوا بارسال من ترونه قديراً على القيام بشؤون مديرية تحريرات اللواء. فان هذه الوظيفة تتطلب عقلية وحذقاً لما لها من صلة كلية بمعظم المخابرات التي تجري بين اللواء والوزارات ورؤوساء الدوائر الكبرى. هذا عدا كون مدير التحرير من الوظائف البارزة في اللواء التي يجب أن يتلقدها موظف له من شخصيته ما يجعله مرعباً في نظر الأهلين الذين يقيسون الأشياء بالظواهر.
هذا من نقترحه بهذه المناسبة
متصرف لواء ديالى
ووافقت وزارة الداخلية بكتابها رقم 15424 بتاريخ 14 حزيران 1925 على الاستقالة، وكان ابراهيم قد عاد في نفس يوم استقالته 6 حزيران الى بغداد، وتمكن من اصدار عدد جديد من جريدته الناشئة الجديدة ، فأصدر في 7 حزيران 1925 حرر مقالاته كلها، كما ذكرنا آنفاً، ومنها مقاله ثلثمئة وثلاثون يوماً التي قضاها موظفاً في بداية حياته الوظيفية.
ونشر في الصفحة الثانية حقله المعلوم والمجهول ، وبتوقيع عدو الباطل ، هاجم فيه الحكومة لترفيع الموظف الأجنبي المستر بحوشي الى الدرجة الممتازة، وفي حقل رؤس حراب ، وبتوقيع محارب هاجم ساطع الحصري لأنه أحد الأجانب في الوظيفة العراقية.
وفي الصفحة الثالثة كتب نظرات سريعة وبتوقيع مستعجل لام وزارة المعارف على استمرارها في بقاء الحصري وغيره من الأجانب، وكتب تحت عنوان جناية السياسة على السياسة للمقارنة بين جريدة السياسة العراقية آنذاك، وجنايتها على جريدة السياسة المصرية .
وربما استخدم ابراهيم صالح شكر اسم ولده رياض لتوقيع احدى مقالاته، فنشر بتوقيع رياض مقالة في الصفحة الرابعة في ظل الدستور ، وفي حقل سماه حقل رياض ، وكان رياض في حينه قد ولد تواً
وفي الصفحة الرابعة نشر أيضاً على المكشوف ووقعه باسمه الصريح، ابراهيم صالح شكر، حمل فيه بشدة على ما كان يسميهم الدخلاء الثلاثة ، وهم الأرمني، المفتش العام بوزارة المالية، والتركي، المدير العام في المحاسبات العمومية، والهندي، معاون سكرتير بوزارة المالية، وعاب عليهم عدم معرفتهم باللغة العربية، الا بالقدر معرفته هو باللغة الأرمنية وكان الوالد لا يعرف شيئاً على الاطلاق من اللغة الأرمنية.
كما هاجم في الصفحة الرابعة عبد الحسين الجلبي وزير المعارف في وزارة عبد المحسن السعدون المستقيلة. والمعروف أن الجلبي،اشترك في جميع الوزارات التي ترأسها
عبد المحسن السعدون، ففي الوزارة الأولى كان وزيراً للمعارف، وفي الوزارة الثانية أصبح وزيراً للأشغال والمواصلات، ثم وزيراً للمعارف مرة أخرى في الوزارتين الثالثة والرابعة.
وتعدّدت وظائفه بعد ذلك، وكذلك المدن التي عمل فيها في وسط العراق وجنوبه، ومنها مدير تحريرات لواء بغداد، ولواء ديالى، ومدير ناحية شهربان المقدادية حالياً وناحية قزلرباط السعدية حالياً وناحية تكريت، قضاء حالياً ، ثم قائمقاماً في أقضية شهربان بعد ان أصبحت قضاءً، وقلعة صالح والهاشمية والصويرة وسامراء وخانقين والمحمودية والفلوجة والكاظمية، ووكيل متصرف لواء ديالى، ولواء الدليم، وملاحظ، ثم سكرتير المكتب الخاص بوزارة الداخلية. وسافر الى مدن وبلدات في أنحاء العراق بحكم وظيفته أو للزيارة، منها الموصل وكركوك والبصرة والعمارة والرمادي ومندلي، وكتب انطباعاته عنها في الصحف.
وقضى ابراهيم صالح شكر في الوظيفة بشكل عام، فترة 13 سنة و28 يوماً، قدم خلالها ثلاث استقالات، وحصل على 634 يوماً اجازات أي سنة وعشرة أشهر ، منها 238 اجازات مرضية و21 يوماً اجازات بدون راتب، ولم توجه له خلالها أية عقوبة.
وقد تسنى لي تدوين نص اضبارته الشخصية بوزارة الداخلية عام 1962 بفضل موافقة مدير الداخلية العام، هادي الجاوشلي، وهو في حينه الشخص الثاني بالوزارة قبل العمل بنظام وكيل الوزارة، وكان رجلاً كردياً فاضلاً، وشخصية معروفة في تاريخ العراق، ساعدني كثيراً، وأخذني شخصياً الى غرفة الأوراق بالوزارة ليبلغ الموظف المسؤول بالسماح لي الاطلاع على اضبارة ابراهيم صالح شكر، وكانت من ثلاثة أجزاء، وتدوين ما فيها من معلومات، وقمت بذلك بشكل كامل، وهي النسخة بخط يدي التي ما تزال محفوظة عندي حتى اليوم.
ووظائفه كانت كما يلي وفقاً لاضبارته الشخصية
مدير تحريرات لواء الحلة من 12»7»1924 الى 12»10»1924
مدير تحريرات لواء بغداد من 13»10»1924 الى 6»6 »1925
استقالة
وكيل مدير ناحية شهربان من 20»8»1925 الى 30»11»1925
تثبيت مديراً لناحية شهربان من 1»12»1925 الى 12»12»1925
مدير ناحية قزلرباط من 14»12»1925 الى 30»8»1926
مدير تحريرات لواء ديالى من 2»9»1926 الى 1»6»1927
استقالة
مدير تحريرات لواء بغداد من 4»9»1930 الى 31»1»1931
استقالة
مدير ناحية تكريت من 24»8»1932 الى 3»12»1932
مدير ناحية شهربان من 7»12»1932 الى 5»9»1933
قائمقام قضاء شهربان من 6»9»1933 الى 2»5»1934
قائمقام قضاء قلعة صالح من 24»5»1934 الى 24»8»1934
قائمقام قضاء الهاشمية من 25»8»1934 الى 18»2»1935
قائمقام قضاء الصويرة من 23»2»1935 الى 4»7»1935
ملاحظ المكتب الخاص بوزارة الداخلية من 10»7»1935 الى 27»7»1935
سكرتير المكتب الخاص بوزارة الداخلية من 28»7»1935 الى 2»2»1936 كان رشيد عالي الكيلاني وزيراً للداخلية في حكومة ياسين الهاشمي .
قائمقام قضاء سامراء من 8»2»1936 الى 26»6»1936
قائمقام قضاء خانقين من 5»7»1936 الى 30»7»1937
قائمقام قضاء المحمودية من 9»8»1937 الى 22»9»1937
قائمقام قضاء الفلوجة من 29»9»1937 الى 19»8»1939
قائمقام قضاء الكاظمية من 20»8 1939 الى 7»7»1940
قائمقام قضاء خانقين ثاني مرة من 13»7 »1940 الى 23»6»1941
قائمقام قضاء قلعة صالح ثاني مرة من 2»7»1941 الى 16»11»1941
وللتاريخ، يبدو أن أمراضه قد بدأت بوظيفته مديراً لناحية قزلرباط السعدية حالياً التي بدأها في 14 كانون الأول عام 1925، وبقي فيها حتى 25 آب 1926، وبعدها في أيلول تم نقله الى وظيفة مدير تحريرات لواء ديالى.
ففي قزلرباط حصل بتاريخ 11 تموز 1926 على اجازة اعتيادية لاصابته بمرض الملاريا، وأتبعها باجازة مرضية لمدة شهر، ثم تتابعت الأمراض ليصيب الرواتزم الحاد كتفه، والقرحة جدار المعي، والسكري، وغيرها، كان يقول عنها انه يحمل أمراضاً عجز الطب عن علاجها .
وباشر ابراهيم صالح شكر في 11 أيلول وظيفته المنقول اليها في مديرية تحريرات اللواء. وبقي فيها ثمانية أشهر، حصل خلالها على اجازة طبية لمدة 15 يوماً، وعاودته في 22 شباط 1927 الحمى الحادة فحصل على اجازة لمدة 15 يوماً أخرى استناداً الى التقرير الطبي الصادر من الطبيب المركزي في بعقوبة، ثم مددها مجدداً بتقرير طبي وقعه الدكتور استاوري في البصرة، دون أن يسنى معرفة دوافع سفره الى البصرة وهو مريض، ولكنه بالتأكيد حاول اصدار جريدة في البصرة باسم الثغر وقدم طلبه بهذا الشأن الى وزارة الداخلية، سوية مع طلب ثاني لاصدار صحيفة في بغداد، بأسم الزمان .
وتعددت صداقات ابراهيم وتنوعت، ومنهم رؤوساء حكومات ووزراء وأدباء وصحفيين، وكان أقربهم اليه رئيس الوزراء لثلاث مرات، علي جودت الأيوبي، والسياسي يونس السبعاوي، والصحفي عبد القادر اسماعيل البستاني، والصحفي رفائيل بطي، والصحفي لطفي بكر صدقي.
وما تزال بعض أوراقه المحفوظة عندي تحمل توقيع الأيوبي عندما كان رئيساً للوزراء، وهو الذي أهداه القلم الذي كتب به سلسلة مقالاته المشهورة قلم وزير ، وكذلك بضعة رسائل موجهة اليه من لطفي بكر صدقي، وكذلك رسالة واحدة من بطي من معتقل العمارة عام 1941.
لطفي بكر صدقي
وقد قابلت علي جودت الأيوبي عدة مرات في الستينيات في منزله بالوزيرية، وأكرمني بكل ذكرياته عن والدي. وقال لي ان الوالد كان يهرب فجأة من الوظيفة عندما كان يعمل معه وهو متصرف في لواء الحلة أو لواء ديالى، حالياً محافظة بابل، ومحافظة ديالى ، وان الوالد في اجازة متى أراد ذلك ، ويذهب الى بغداد ليقدم استقالته الى الوزارة مباشرة، ثم يطلب امتيازاً لاصدار جريدة. وللتاريخ، لابد من القول بأن علي جودت الأيوبي عندما كان نائباً لرئيس الوزراء بحكومة جميل المدفعي، التي تشكلت في 5 آذار 1953 بعد استقالة حكومة الفريق نور الدين محمود العسكرية، قد أحاطنا نحن أبناء ابراهيم صالح شكر بعناية خاصة، روى لي تفاصيلها، خالي عبد الوهاب عبد الرزاق الفرضي، وقال انه كان ذات يوم في فترة الغذاء من عمله طباعاً في احدى مطابع شارع المتنبي، وسمع بمن يناديه، ولما التفت الى مصدر الصوت، اكتشف انه معالي علي جودت الأيوبي الذي كان مكتبه في رئاسة الحكومة بالقشلة، جوار شارع المتنبي. وسأل الأيوبي خالي عن مصير أبناء ابراهيم، وفهم منه انهم يعيشون في كنف سيدات العائلة المعلمات في قضاء عنه بلواء الدليم الأنبار حالياً ، فطلب الأيوبي من الخال موافاته الى مكتبه في اليوم التالي، وأملى عليه صيغة عريضة بأسم أخي باسم الذي لم يكن قد تجاوز الخامسة عشر من العمر، ولم يغادر خالي مكتب الأيوبي في ذلك اليوم الا ومعه كتاب بتاريخ 21»4»1953 وصادر من ديوان رئاسة مجلس الوزراء وبتوقيع الأيوبي، موجهاً الى أخي باسم، يقول الأيوبي فيه انشاء الله سأسعى لايجاد طريقة لكم لتأمين معيشتكم على قدر الامكان .
والأيوبي في هذا التاريخ كان نائباً لرئيس الوزراء في حكومة جميل المدفعي، ومن أعضائها نوري السعيد وزيراً للدفاع، وتوفيق السويدي وزيرا للخارجية، وأحمد مختار بابان وزيراً للعدلية وغيرهم، وتولى الأيوبي رئاسة الحكومة ثلاث مرات في حياته ، هي
من 27 آب 1934 ــ 4 آذار 1935
من 10 كانون الأول 1949 ــ 5 شباط 1950
من 20 حزيران 1957 ــ 15 كانون الأول 1957
وقد أوفى الأيوبي بوعده، فمنذ ذلك الحين أصبح لنا الثلاثة، أبناء ابراهيم صالح شكر، راتباً تقاعدياً ظل يصرف لنا حتى عام 1961، حينما صار أخي باسم ضابطاً في الجيش العراقي، فانقطع الراتب التقاعدي لأن الأخ الكبير أصبح معيلاً لنا وفقا للقوانين.
وقد ضاقت السبل بالوالد عام 1928 نتيجة ملاحقة وزارة عبد المحسن السعدون لصحفه، وبعد تعطيلها اثر صدور العدد رقم 44 من جريدته الزمان ، وحاول رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون رشوته بعشرة اشتراكات في الجريدة لكل قضاء من أقضية العراق مقابل سكوته عن الوزارة والتوقف عن مهاجمتها، لكنه رفض، فضربته الحكومة بسلاح التعطيل، ووضعت بهذا الاجراء نهاية لجريدته التي لم تعد الى الحياة ثانية.
وسافر غاضباً الى سوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن ومصر بجواز سفر ما زال محفوظاً هو الآخر عندي، وينص على ان مهنته هي الصحافة، ويحمل أختاماً للسلطات الفرنسية على الحدود مع سوريا ولبنان، وأختاماً لحكومة فلسطين، وأختاماً وطوابع عراقية ومصرية. وتوطدت علاقاته مع الأدباء العرب والسياسيين في تلك الأيام، وقد ذكرهم ابراهيم جميعاً في مفكرته لعام 1928 وما دار بينه وبينهم، والتقط معهم صوراً ما تزال بعضها محفوظاً عندي وهي تحمل اهداء أصحابها. ومنهم في سوريا ولبنان، معروف الأرناؤؤط صاحب جريدة الفتى العربي ، والأديب صهيب العطار، وفوزي الغزي، وهاشم الأتاسي، والشاعر فخري البارودي، والشاعر اللبناني أمين نخلة، ونجيب الرئيس صاحب جريدة القبس ، ورشيد الملوحي محرر جريدة العرب ، وفائز الخوري، وأدمون رباط، وعبد اللطيف العسلي، والأمير حسن الأطرش، وقابل الأخطل الصغير بشارة الخوري في بيروت أما في شرقي الأردن وفلسطين فقد التقى مع الأمير عبد الله عدة مرات، وسجل أراء الأمير في الانكليز والصهيونية، ومصطفى وهبي التل، وعارف العارف، والتقى في حيفا مع الشيخ كامل القصاب الذي أوصله في اليوم التالي الى محطة قطار حيفا ليسافر الى مصر عبر القنطرة على قناة السويس، وفي عودته الى القدس، قابل حسام الدين الخطيب صاحب جريدة جزيرة العرب ، وزار الحرم الشريف. وتوطـدت علاقاتـه في مصر مـع محمد علي الطاهـر صاحـب جـريدة الشورى ، ومع أحمد زكي باشا، وتوفيق دياب،وخير الدين الزركلي، وسامي السراج، وأسعد داغر، ورشيد الخوجه، وزار عزيز المصري في منزله في عين شمس وقضى عنده نهاراً كاملاً، وحضر حفل حزب الوفد في ذكرى الجهاد الوطني، واستمع الى خطبة النحاس وقصيدة الشاعر عبد المحسن الكاظمي، وسجل في مفكرته انطباعاته عن المطربة أم كلثوم. وكان الوالد مواظباً على حضور المجلس الأدبي في مقهى الشط ببغداد، مع جميل صدقي الزهاوي، وعبدالحسين الازري، ورشيد الهاشمي،ومحمد الهاشمي وابراهيم حلمي العمر، وعبد الرحمن البنا، وصادق الاعرجي، وعبد الجبار صدقي، وعباس العبدلي، وروفائيل بطي، ومحمد أحمد السيد،وحسين الرحال، وعوني بكر صدقي، وصديق الخوجة، وناجي القشطيني.
*نشرت المقالة في العام الماضي -جريدة الزمان (اللندنية ) والرابط http://www.azzaman.com/?p=33783
بقلم الاستاذ الدكتور مليح ابراهيم صالح شكر
تحل يوم الأربعاء 15 مايس 2014 الذكرى ال70
لوفاة الكاتب الصحفي العراقي ابراهيم صالح شكر. وبالرغم من السنوات الطويلة التي قضيتها في عملي الصحفي لم أنشر شيئاً لمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الوالد، وهذه هي المرة الأولى التي استذكر فيها على صفحات الزمان الغراء، ذكراه السنوية.
كتب ابراهيم صالح شكر ذات مرة في جريدته الزمان إنه ولد في 8 ذي القعدة عام 1310 هجرية. وقد اختلف الذين كتبوا عنه فيما بعد في تحديد تاريخ ميلاده بالتقويم الميلادي، واستعنت بالجداول المدرجة في كتاب التقويمان الهجري والميلادي ترجمة حسام محي الدين الآلوسي، لتحويل التاريخ الهجري الى الميلادي، فكانت النتيجة 24 حزيران 1892، علماً بأن الوالد بنفسه قد ذكر عدة تواريخ لسنة ميلاده، منها 1892 و1896، وتوضح صورة جواز سفره المنشورة في هذا الكتاب، انه ثبت تاريخ الميلاد بعام 1893.
نسبه العائلي
ينتسب ابراهيم صالح شكر الى أسرة عراقية عريقة من عشيرة الكروية العتيقة التي تعود الى قبيلة قيس العدنانية. وكان والده أحمد صالح الملا شكر، مختاراً لمحلة قهوة شكر، وأمه أمينة، قد حرصا على ولدهما الوحيد ابراهيم بعد ان فقدا أربعة أبناء من قبله، وأبقت أمه على ضفيرة شعره حتى أصبح بعمر 11 عاماً فقصت الضفيرة لكي يتمكن من الالتحاق بمدرسة الملا جمعة في جامع قهوة شكر، التي كانت تسمى الكتاتيب في مساجد بغداد المشهورة، وتعلم فيها دروس اللغة العربية والقرآن الكريم، وتلقى أول دروسه عند الملا جمعة، ثم انتقل الى الدروس في مساجد أخرى، فتعلم عند العلامة محمود شكري الآلوسي بجامع الحيدرخانه، وعند عبد الوهاب النائب في جامع الفضل، وفي هذا الجامع كان عبدالكريم العلاف زميلاً له في تلقي العلم، وعند عبد الجليل آل جميل في جامع العاقولية، وعند نجم الدين الواعظ في جامع العادلية، وكان يتلقى العلم في هذا الجامع سوية مع ناجي القشطيني، وتعلم فيها كلها مبادئ النحو والأجرومية والفقه والأدب والبلاغة والقرآن الكريم.
وقبل ان يبلغ عامه العشرين، اجتاح وباء الطاعون بغداد،وقيل انه كان وباء الكوليرا، فأصاب بيته، وأودى بحياة الكثير، ومنهم ثلاثة من أهل داره، هم والده ووالدته وجدته لأمه، ولم يبق الا هو وشقيقته الصغيرة زبيدة.
وفي عام 1915 تعرض لتعسف العثمانيين بسبب حماسته وكفاحه من أجل الاستقلال العربي مما أثار ضغينة شفيق بك والي بغداد الذي أقنع قائد الجيش العثماني بالقبض على ستين ناشطاً في ليلة 3 تشرين الثاني 1915، وتقرر نفيهم الى الأناضول في تركيا، ونقلوهم بالقطار تحت الحراسة الى سامراء، ومنها الى الموصل على ظهر الدواب. لكن المجلس العرفي العثماني استبدل القرار لعدد من المنفيين، الى النفي في الموصل، وقضى ابراهيم فيها أربعة شهور، كان خلالها يكتب لأقربائه ببغداد يطلب مالاً لسد احتياجاته، وقد وثق ابراهيم صالح شكر فترة النفي هذه في سلسلة مقالاته بعنوان حتروش ، وهو صاحب الحمير الذي استخدمه العثمانيون لنقل المنفيين من سامراء الى الموصل.
وبعد عودته من المنفى، وكان ما يزال يرتدي العمامة والجبة، اختاره أهالي محلة قهوة شكر مختاراً، خلفا لوالده، وهي المحلة المنسوبة الى اسم جده، شكر، واشتهر بأنه كان يقدم خدمات المختارية للأهالي دون مقابل، ويرفض أية هدايا، ومنها هدية رفضها كانت قطعة ارض في لواء ديالى عرضها أحدهم عليه مقابل معاملة تحتاج لتوقيع المختار وتدخله لتخليصه من دعوى قضائية مقامة ضده.
يقول روفائيل بطي فـي رثـاء نشره بمجلة الأسبوع العدد 20 عام 1953 في الموصل رأيت الأستاذ صالح شكر أول مرة وأنا يافع أقرمز الشعر المنثور وبين يدي الريحانيات، وقد نثرت أحزاني على صديقي في مرثاة عنونتها دموع الاخلاص .
ثم يقول في وصفه لابراهيم ان الرجل تتقد في ذهنه جذوة التحرر، ويتناثر من لسانه شرر الثورة، ومن تلك الأيام السود تعارفنا وربطت الصداقة بيننا . وقد تعرف الرجلان على بعضهما في عام 1915 داخل مكتبة صغيرة في الموصل حينما كان ابراهيم يقضي عقوبة النفي هناك.
وكان أول عهد الوالد بالصحافة في جريدة بين النهرين التي صدرت لأول مرة في 6 كانون الأول عام 1909،لصاحبها محمد كامل الطبقجه لي، وعاشت حوالي ثلاث سنوات، وجريدة النوادر التي أصدرها محمود الوهيب عام 1911، وكتب فيهما موضوعات أدبية. وأصدرابراهيم منيب الباجه جي، في 25 نيسان1913 1332هجرية ، مجلة الرياحين الأدبية، وأصبح ابراهيم صالح شكر محررها، وأصدر لوحده في نيسان 1913 مجلة أدبية هـي شمس المعارف التي ظهرمنها 18 عدد.
وكان الباحث عبدالحميد العلوجي، الذي تقلد عدة مناصب ثقافية في عقد السبعينيات من القرن العشرين، ومنها المدير العام لدار الكتب العراقية، يحتفظ بخمسة أعداد من الرياحين ، كما يحتفظ ناجي القشطيني بالعدد الثاني من شمس المعارف الذي أهداه فيما بعد الى مكتبة المجمع العلمي العراقي.
وأصدر ابراهيم صالح شكر أيضاً، عام 1921 مجلة شهرية جامعة الناشئة مكرساً صفحاتها للأدب العراقي، وكتب فيها عدد من الأدباء المعروفين، أبرزهم محمد رضا الشبيبي، وحسين البياتي،ومحمد بهجة الأثري، وعبدالمسيح وزير، ورفائيل بطي، ومحمد الشماع، وسلمان الشيخ داود، وشكري الفضلي، ومحمد رؤوف الكواز، وعبدالحسين الازري، ومحمود محمد، ونشرت شعراً لجميل صدقي الزهاوي، ومقالات جبران خليل جبران، والمنفلوطي. وأصدر منها ثلاثة أعداد فقط قبل أن تعطلها الحكومة، وأحتفظ بالأعداد الثلاثة منها سليمة في مقتنياتي الخاصة، وتحتفظ المكتبة الوطنية ببغداد بالعددين الاول والثاني.
وعاد عام 1922 ليصدر الناشئة الجديدة ، جريدة أسبوعية جامعة، بدلاً عنها، وبدأ فيها أولى كتاباته السياسية، وتعرضت للتعطيل عدة مرات، احداها بقرار شخصي منه اثر تعرضه لاعتداء مقابل بيت لنج في شارع الرشيد، قيل انه كانت بتحريض من بعض السياسيين. وفي 2 أيار 1924 شارك روفائيل بطي في اصدار جريدة الربيع ، وعمل فيها رئيساً للتحرير، لكن الحكومة عطلتها بعد عددها الأول.
واشترك في الكتابة لجريدة الأدب التي أصدرها محمد باقر الحلي في 7 أيلول 1924، وصدر منها ثلاث أعداد وتوقفت، ثم أعاد كامل السامرائي اصدارها في 6 شباط 1925، وأحتجبت، وأعدادها محفوظة لدى مكتبة المتحف العراقي ببغداد. كما كاتب جريدة الفضيلة التي أصدرها عبد الرزاق الحسني عام 1925، وجريدة التجدد لمحمود الملاح عام 1930، وأعدادها وأعداد الفضيلة متوفرة في مكتبة المتحف أيضاً.
وفي 11 تموز 1927، دخل ابراهيم صالح شكر معترك الصحافة السياسية، وأصدر جريدته الأسبوعية الزمان ، وقال في صدر صفحتها الأولى أنها يومية أدبية سياسية اجتماعية انتقادية ، وكان هو صاحبها ورئيس تحريرها في آن واحد. وهوأول من أصدر في تاريخ العراق جريدة بهذا الاسم. وعاشت 44 عدداً، تخللها تعطيل لعدة مرات، مرة بقرار من حكومة جعفر العسكري، وأخرى بقرار من حكومة عبد المحسن السعدون، ومرات أخرى بطلب المندوب السامي البريطاني.
وفي 1960ــ1961 قابلت فائق بطي عدة مرات في مكتبه بجريدة البلاد في حي ارخيتة ببغداد، وقدم لي بسخاء الكثير مما كان المرحوم والده رفائيل بطي قد جمعه من صحف، أو قام بتوثيقه، دونت بعضها وأعدت أصولها اليه، ولن أنسى أبداً أن فائقاً أهداني آنذاك مشكوراً المجموعة الكاملة لجريدة والدي الزمان مجلدة في مجلد واحد ضم الأعداد الاربعة والاربعين.
وفي الزمان شن ابراهيم صالح شكر حملته السياسية ضد الانتداب البريطاني ومعاهداته وأذناب الانكليز في العراق، ودعا الى حرية التعبير والصحافة والتجنيد الاجباري وطرد الأجانب من الوظائف العراقية، وندد بزيارة الصهيوني الفرد موند لبغداد، منتصراً للطلبة الذين تظاهروا احتجاجاً على هذه الزيارة.
وانتقد في مقالاته، المربي المعروف ساطع الحصري، لأنه جاء بمدرسين أجانب ليدرسوا تلامذة العراق جغرافية فرنسا ويتركوا جغرافية العراق، ويحدثونهم عن انهار السين والتايمس، ويتركوا دجلة والفرات، ويرون لهم تاريخ نابليون وبسمارك، ويدعون تاريخ عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص .
وفي 29 كانون الأول عام 1929 اشترك مع صديقه عبد القادر اسماعيل البستاني في اصدار جريدة المستقبل ، وأخبرني البستاني، فيما بعد، بأنهما أصدرا تسعة أعداد فقط، كان البستاني صاحب الامتياز لأعدادها الثلاثة الأولى، وأصبح ابراهيم صاحب الامتياز لأعدادها الستة الأخيرة.
وفي عام 1930 كتب مقالات مجلة الوميض التي أصدرها لطفي بكر صدقي في 28 تشرين الأول 1930، ثم أصبح رئيساً لتحرير جريدة الأماني القومية التي أصدرها عبدالوهاب محمود، وكان عبدالرزاق شبيب مديرها المسؤول، ولم يصدر منها سوى عددها الأول في 30 تشرين الأول 1931، وعطلتها الحكومة، وأصبح كلا من محمود وشبيب في فترات لاحقة من تاريخ العراق نقيباً للمحامين.
وبشكل عام كتب ابراهيم صالح شكر في صحف، أصدرها بنفسه، أو ترأس تحريرها، وهي حسب تواريخ صدورها، شمس المعارف 1913، والرياحين نفس العام، ومجلة الناشئة 1921، وجريدة الناشئة الجديدة 1922، والربيع لرفائيل بطي 1924، والزمان 1927، والمستقبل لعبد لقادر اسماعيل البستاني 1929، واليقظة لسلمان الصفواني 1932، والتجدد لمحمود الملاح 1930، والأماني القومية لعبدالوهاب محمود 1931. وبعضها لم يصدر منها سوى العدد الاول لتعالجها الحكومة بالتعطيل.
وبلغ مجموع ما أصدره من الصحف للفترة من بداية الحكم الوطني 1921 وحتى انتهاء الانتداب البريطاني 1931، حوالي تسعين عدداً من جميع الصحف التي حاول اصدارها، وكانت الزمان أطولها عمراً، وصدر منها 44 عدداً في فترات بين تعطيل وآخر.
وكتب في صحف أخرى، أشهرها الاستقلال لعبد الغفور البدري، ومجلة الوميض للطفي بكر صدقي، و البلاد لروفائيل بطي، وغيرها.
وكان يهاجم باستمرار وجود غير العراقيين في الوظائف الحكومية الجديدة، ويدعو الى استبدالهم بالعراقيين، ويعيب على غيرهم بأنهم كانوا من مناصري الطورانية وجمعية الاتحاد والترقي، واستبدلوا جلودهم عندما قامت الدولة العراقية واصبحوا يدعون بأنهم عرب أٌقحاح. ولعله عاش حتى يومنا هذا، لما بعد 2003 ليرى من تسلق على أكتاف العراق وهم من غير العراقيين، ويزعمون بأنهم عرب أقحاح
وكتب في العدد الأول من الزمان خطته الصحفية قائلا لست مضللاً يتخذ من الوطن أحبولة لتضليل السذج، شأن المضللين من حملة الأقلام، ولست دجالاً يستهوي الحمقى باسم الأمة ليقودهم واياها الى الدمار، شأن الدجالين من حملة القصبات المرضوضة، ولست نصاباً يغري البسطاء بالألوان الزاهية لينهب منهم ما يسد به جشعه، شأن النصابين من ذوي الصحف الملطخة بالسواد، وانما أنا رجل أصارح الناس بالواقع وأخاطبهم على المكشوف .
ويضيف في المجتمع مضللون لهم صحف يضيق لها الحصر، وفي البلاد دجالون ماهرون لا يحصى لهم عد، وفي الوطن نصابون بارعون في النصب والاحتيال، اذن فالجمهور لا يحتاج لأن أجعل هذه الجريدة وسيلة الى التضليل أو التدجيل أو الاحتيال، ما دمت لست ماهراً في هذه الأخلاق المألوفة ، واذن فأنا معذور اذا لم أنشر في هذه الجريدة ما اعتاد الناس مطالعته في الصحف المرتزقة .
وندد بشدة بالمعاهدات البريطانية ــ العراقية، وقال أنها مكنت المندوب السامي البريطاني من التدخل في شؤون العراق الداخلية، وألزمت الحكومة بالرجوع الى وزارة المستعمرات البريطانية في لندن في حالة الخلاف بينها وبين المندوب السامي، وان البلاد لا ترى لاستقلالها قيمة اذا كانت الكلمة النافذة في سياستها لوزارة المستعمرات.
وذكر خالد الدرّة في مقالة له نشرها في العدد 14 لمجلته الوادي بتاريخ 16 مايس عام 1948، انه يتذكر بأن الوالد كان يجلس في مقهى أبو علي، على أحد التخوت ممسكاً بيده اليسرى ورقة طويلة يسندها على ركبته اليسرى ويشهر بيده اليمنى قلم الرصاص، ولا يقربه أحد من أصدقاءه، فيبدأ يكتب ببطء شديد واذا به يسرع بالكتابة وهو يصفر لحناً مبهماً.
ويضيف، كان أكثر الناس عناية باسلوبه وانتقاء لالفاظه، وهو تواق لاستحداث العبارات الرنانة التي لم يسبقه اليها أحد، واني لأذكر انه قرأ قصة الشيخ حسن الذي ترجمه عن الفرنسية اسكندر الرياش عشرات المرات، وكان يعدها أعلى نموذج للأدب الرفيع، ولا أغالي اذا قلت ان شخصية بطل الرواية قد أثرت على نفسيته الى حد بعيد. وكان الدرة، الكاتب الوحيد تقريباً الذي يشير الى هذه المسألة.
ويضيف الدرّة بأن ابراهيم كتب ذات مرة مقالاً بعنوان لنا وطن ولنا أمل ولنا زعيم وهو يقصد ياسين الهاشمي،وقد استغربت منه هذا الاتجاه الذي لم أعهده فيه، ولما استفسرت منه عن سر هذه المبادرة الجديدة أجابني بأن هذه الكلمة جواب على ما قاله لي نوري السعيد حيث طلب مني بالأمس أن أشتم الهاشمي كما أشتمه هو حتى لا يغلق جريدتي.
ورشح ابراهيم صالح شكر، ذات مرة للنيابة في 30 آذار 1928 عن منطقة باب الشيخ، ودعـا في منهاجـه الانتخابي الى الاستقلال التام للعراق بحدوده الطبيعية بلا حماية ولا وصاية ولا انتداب والى الغاء الانتداب البريطاني، وان لا تبقى في العراق أية سلطة عسكرية لغير الجيش العراقي، والى وضع قوانين لحماية حقوق الفلاحين، والعمال، فيؤخذ بتوزيع الأراضي وتقسيمها تقسيماً عادلاً على من يريد ان يكد ويعمل، والى ان يتمتع الشعب بحرية القول والكتابة وتنقيح قانون المطبوعات ليواكب القرن العشرين، ومنح التعليم حرية، وحصانة المدارس العالية والكليات من التدخل السياسي، ومراقبة المدارس الأجنبية لتكون مناهجها وطنية عراقية.
وفاز ابراهيم صالح شكر في المرحلة الأولى للانتخابات، التي كانت تجري على مرحلتين، لكن تدخلات الحكومة أحبطت فوزه في المرحلة الثانية ولم يصبح عضواًً في مجلس النواب، ولم يكرر المحاولة بعد ذلك.
وعطلت الحكومات، صحفه الواحدة تلو الأخرى، فاضطر الى مشاركة أصدقاء له في اصدار صحفهم،وتبادل ابراهيم صالح شكر مع رفائيل بطي التنازل عن حقهما في اصدار صحيفة،لأحدهما، فقد تنازل رفائيل بطي عام 1924 عن امتياز صحيفته الربيع لصديقه ابراهيم صالح شكر الذي عطل قرار حكومي صحيفته الناشئة الجديدة .
وفي 1930 تبرع ابراهيم صالح شكر بامتياز صحيفته الزمان لصديقه رفائيل بطي الذي تعرضت صحيفته البلاد للتعطيل. وجاءت هذه الاعارة عام 1930 وابراهيم صالح شكر موجود في العراق حيث عاد من سفرته الوحيدة الى خارج العراق اواخر 1928، وليس صحيحاً ما قاله فائق بطي في الموسوعة الصحفية من أن ابراهيم صالح شكر سلم ادارة الزمان لرفائيل بطي بعد أن ترك البلاد الى الخارج.
وعندما شغل ابراهيم صالح شكر مهمة رئيس التحرير في جريدة الأماني القومية لصاحبها عبد الوهاب محمود عام 1931، عطلتها الحكومة بعد عددها الأول الذي حمل مقالاً بعنـوان حفنة تراب على مرقد الباجه جي مزاحم الأمين وزير الداخلية آنذاك الذي رفع دعوى قذف قضائية ضد كاتب المقال ابراهيم صالح شكر، والمدير المسؤول عبد الرزاق شبيب، فحكمت المحكمة عليهما بسنة لابراهيم وستة اشهر لعبد الرزاق. وبعد الاستئناف خفض الحكم الى أربعة شهور للأول وشهرين للثاني قضوها في سجن بغداد المركزي بباب المعظم.
ابراهيم صالح شكر وعبد الرزاق شبيب بحراسة الشرطة بعد الحكم عليهما بالحبس بسبب مقال جريدة الأماني القومية حفنة تراب على مرقد الباجه جي مزاحم الأمين .
وبين كل صحيفة يصدرها وأخرى، يكتب للصحف الأخرى، وأتفق مع سلمان الصفواني على التصرف في جريدته اليقظة ،وسرقت داره ودار الصفواني، مع ان الجميع كان يعرف ان دار ابراهيم خالية من ما يطمع اليه اللصوص، لكنهم سرقوا حتى الحصيرة، كما ابلغي الصفواني وهو يستعيد لي ذكرياته في منزله ببغداد،، واعتبرت الصحف أن السرقة كانت بدافع سياسي ومدبرة لارهاب ابراهيم.
وكتب ابراهيم في الصفحة الأولى للعدد رقم 17 من اليقظة ، وهو من مقتنياتي الشخصية في مكتبتي في العراق، مقالاً تحت عنوان للوطن نحيا وللوطن نموت قال فيه
تفضل الكاتب المفضال الأستاذ سلمان أفندي الصفواني فأباح لنا التصرف في جريدته اليقظة ، فهي الآن تحل محل المستقبل التي عطلتها وزارة الماضي المجيد ، فللأستاذ وافر الشكر والثناء، ولوزارة الاستقلال الأعرج أن تعلم أننا للوطن نحيا وللوطن نموت .
سلمان الصفواني
لكنه لم يستطع مواجهة قرارات الحكومة في تعطيل صحفه أو الصحف التي يكتب بها، فلجأ لسد رمق العيش من الوظيفة التي كان يدخلها بين تعطيل وآخر لصحفه، مضطراً للسكون الى الوظيفة التي بقي فيها حتى أقصته الحكومة بسبب تأييده للثورة العراقية ضد الانكليز عام 1941.
وكان أول عهده بالوظيفة في 12 تموز 1924 حينما تم تعينه مديراً لتحريرات لواء الحلة محافظة بابل فيما بعد،خلفاً لكامل الجادرجي، وكان صديقه،علي جودت الأيوبي متصرفاً للواء
العدد 10578
التاريخ 24 تموز 1924
سعادة متصرف لواء الحلة المحترم
بعد التحية، ولاحقة لكتابنا المرقم 9715 والمؤرخ في 3 تموز 1924
بناء على استقالة كامل أفندي الجادرجي من مديرية تحريرات لواء الحلة قد عينا ابراهيم أفندي صالح شكر مديرا لتحريرات لواءكم براتب 250 روبية شهرياً. نرجو انبائنا تاريخ مباشرته بالوظيفة المذكورة وحسن استخدامه.
ولسعادتكم الاحترام
توقيع وزير الداخلية
كتب كامل الجادرجي على وجه هذه الصورة الى صديقي الأستاذ ابراهيم صالح شكر، مع توقيعه في 8»2»1932
صورة نادرة وفريدة من مقتنياتي الشخصية
ولم يبق الوالد في الحلة سوى 80 يوماً، أي حتى 12 تشرين الأول 1924 فاستقـال منـها ليعـود لاصدار جريدته الناشئة الجديدة بعد امتعاض وكيل المتصرف محمود نديم الطبقجلي الذي تولى المتصرفية عقب نقل الأيوبي الى لواء ديالى، من علاقاته الصحفية، فقدم في 4 تشرين الأول استقالته، وغادر الحلة بعد عدة أيام، دون ان ينتظر قبولها رسمياً.
وفي العاصمة التقى وزير الداخلية عبد المحسن السعدون الذي أبلغه بأن لا سبيل لقبول استقالته ، واستحالة اعادة صحيفته الناشئة الجديدة الى الصدور، لكنه ترك له الخيار الوظيفي في أي لواء من ألوية العراق يرغب بالانتقال اليه بدلاً من الحلة، فاختار ابراهيم لواء ديالى على مقربة من صديقه المتصرف على جودت الأيوبي، واعتبرت وزارة الداخلية مغادرته الحلة نقلاً وليس استقالة.
لكن الوالد عاد مرة ثانية الى مغادرة الوظيفة فكتب في 6 حزيران 1925 استقالته من وظيفة مدير تحريرات لواء ديالى بحجة ان لديه ظروفاً تمنع عليه القيام بالوظيفة، وقبلت وزارة الداخلية الاستقالة، ليقوم في اليوم التالي 7 حزيران باصدار العدد رقم 30 من الناشئة الجديدة بالرغم من أن قبول استقالته لم يكن قد صدر رسمياً بعد، وملأ هذا العدد بمقالات كتبها كلها بنفسه، ومنها مقاله المشهور ثلثمئة وثلاثون يوماً ليتحدث فيه عن أيام اشتغاله موظفاً حكومياً، ومقالات أخرى هاجم فيها توظيف غير العراقيين في الدوائر الحكومية، ومنهم بحوشي في وزارة المالية، وساطع الحصري في وزارة المعارف، وغيرهم من الأتراك والهنود والأرمن. وكان هذا العدد من صحيفة الناشئة الجديدة آخر عدد لها، فعطلتها الحكومة.
الرقم 177
التاريخ 6»6»1925
الى وزير الداخلية
م » ابراهيم أفندي صالح شكر
تبجيلاً وتفخيماً
وبعد، فقد رفع الينا ابراهيم أفندي صالح شكر استقالته من مديرية تحريرات اللواء لأسباب خاصة تمنعه من القيام بهذه الوظيفة، وطياً نقدم لمعاليكم صورة هذه الاستقالة، ونحن أسفون لاصرار الموما اليه على ذلك، فقد كان من خيرة الموظفين في سلوكه وأخلاقه وقيامه بواجبات الوظيفة التي عهدت اليه.
وبما أنه انفصل من وظيفته بعد ظهر يوم السادس من حزيران 1925 فاننا نرجو أن تتفضلوا بارسال من ترونه قديراً على القيام بشؤون مديرية تحريرات اللواء. فان هذه الوظيفة تتطلب عقلية وحذقاً لما لها من صلة كلية بمعظم المخابرات التي تجري بين اللواء والوزارات ورؤوساء الدوائر الكبرى. هذا عدا كون مدير التحرير من الوظائف البارزة في اللواء التي يجب أن يتلقدها موظف له من شخصيته ما يجعله مرعباً في نظر الأهلين الذين يقيسون الأشياء بالظواهر.
هذا من نقترحه بهذه المناسبة
متصرف لواء ديالى
ووافقت وزارة الداخلية بكتابها رقم 15424 بتاريخ 14 حزيران 1925 على الاستقالة، وكان ابراهيم قد عاد في نفس يوم استقالته 6 حزيران الى بغداد، وتمكن من اصدار عدد جديد من جريدته الناشئة الجديدة ، فأصدر في 7 حزيران 1925 حرر مقالاته كلها، كما ذكرنا آنفاً، ومنها مقاله ثلثمئة وثلاثون يوماً التي قضاها موظفاً في بداية حياته الوظيفية.
ونشر في الصفحة الثانية حقله المعلوم والمجهول ، وبتوقيع عدو الباطل ، هاجم فيه الحكومة لترفيع الموظف الأجنبي المستر بحوشي الى الدرجة الممتازة، وفي حقل رؤس حراب ، وبتوقيع محارب هاجم ساطع الحصري لأنه أحد الأجانب في الوظيفة العراقية.
وفي الصفحة الثالثة كتب نظرات سريعة وبتوقيع مستعجل لام وزارة المعارف على استمرارها في بقاء الحصري وغيره من الأجانب، وكتب تحت عنوان جناية السياسة على السياسة للمقارنة بين جريدة السياسة العراقية آنذاك، وجنايتها على جريدة السياسة المصرية .
وربما استخدم ابراهيم صالح شكر اسم ولده رياض لتوقيع احدى مقالاته، فنشر بتوقيع رياض مقالة في الصفحة الرابعة في ظل الدستور ، وفي حقل سماه حقل رياض ، وكان رياض في حينه قد ولد تواً
وفي الصفحة الرابعة نشر أيضاً على المكشوف ووقعه باسمه الصريح، ابراهيم صالح شكر، حمل فيه بشدة على ما كان يسميهم الدخلاء الثلاثة ، وهم الأرمني، المفتش العام بوزارة المالية، والتركي، المدير العام في المحاسبات العمومية، والهندي، معاون سكرتير بوزارة المالية، وعاب عليهم عدم معرفتهم باللغة العربية، الا بالقدر معرفته هو باللغة الأرمنية وكان الوالد لا يعرف شيئاً على الاطلاق من اللغة الأرمنية.
كما هاجم في الصفحة الرابعة عبد الحسين الجلبي وزير المعارف في وزارة عبد المحسن السعدون المستقيلة. والمعروف أن الجلبي،اشترك في جميع الوزارات التي ترأسها
عبد المحسن السعدون، ففي الوزارة الأولى كان وزيراً للمعارف، وفي الوزارة الثانية أصبح وزيراً للأشغال والمواصلات، ثم وزيراً للمعارف مرة أخرى في الوزارتين الثالثة والرابعة.
وتعدّدت وظائفه بعد ذلك، وكذلك المدن التي عمل فيها في وسط العراق وجنوبه، ومنها مدير تحريرات لواء بغداد، ولواء ديالى، ومدير ناحية شهربان المقدادية حالياً وناحية قزلرباط السعدية حالياً وناحية تكريت، قضاء حالياً ، ثم قائمقاماً في أقضية شهربان بعد ان أصبحت قضاءً، وقلعة صالح والهاشمية والصويرة وسامراء وخانقين والمحمودية والفلوجة والكاظمية، ووكيل متصرف لواء ديالى، ولواء الدليم، وملاحظ، ثم سكرتير المكتب الخاص بوزارة الداخلية. وسافر الى مدن وبلدات في أنحاء العراق بحكم وظيفته أو للزيارة، منها الموصل وكركوك والبصرة والعمارة والرمادي ومندلي، وكتب انطباعاته عنها في الصحف.
وقضى ابراهيم صالح شكر في الوظيفة بشكل عام، فترة 13 سنة و28 يوماً، قدم خلالها ثلاث استقالات، وحصل على 634 يوماً اجازات أي سنة وعشرة أشهر ، منها 238 اجازات مرضية و21 يوماً اجازات بدون راتب، ولم توجه له خلالها أية عقوبة.
وقد تسنى لي تدوين نص اضبارته الشخصية بوزارة الداخلية عام 1962 بفضل موافقة مدير الداخلية العام، هادي الجاوشلي، وهو في حينه الشخص الثاني بالوزارة قبل العمل بنظام وكيل الوزارة، وكان رجلاً كردياً فاضلاً، وشخصية معروفة في تاريخ العراق، ساعدني كثيراً، وأخذني شخصياً الى غرفة الأوراق بالوزارة ليبلغ الموظف المسؤول بالسماح لي الاطلاع على اضبارة ابراهيم صالح شكر، وكانت من ثلاثة أجزاء، وتدوين ما فيها من معلومات، وقمت بذلك بشكل كامل، وهي النسخة بخط يدي التي ما تزال محفوظة عندي حتى اليوم.
ووظائفه كانت كما يلي وفقاً لاضبارته الشخصية
مدير تحريرات لواء الحلة من 12»7»1924 الى 12»10»1924
مدير تحريرات لواء بغداد من 13»10»1924 الى 6»6 »1925
استقالة
وكيل مدير ناحية شهربان من 20»8»1925 الى 30»11»1925
تثبيت مديراً لناحية شهربان من 1»12»1925 الى 12»12»1925
مدير ناحية قزلرباط من 14»12»1925 الى 30»8»1926
مدير تحريرات لواء ديالى من 2»9»1926 الى 1»6»1927
استقالة
مدير تحريرات لواء بغداد من 4»9»1930 الى 31»1»1931
استقالة
مدير ناحية تكريت من 24»8»1932 الى 3»12»1932
مدير ناحية شهربان من 7»12»1932 الى 5»9»1933
قائمقام قضاء شهربان من 6»9»1933 الى 2»5»1934
قائمقام قضاء قلعة صالح من 24»5»1934 الى 24»8»1934
قائمقام قضاء الهاشمية من 25»8»1934 الى 18»2»1935
قائمقام قضاء الصويرة من 23»2»1935 الى 4»7»1935
ملاحظ المكتب الخاص بوزارة الداخلية من 10»7»1935 الى 27»7»1935
سكرتير المكتب الخاص بوزارة الداخلية من 28»7»1935 الى 2»2»1936 كان رشيد عالي الكيلاني وزيراً للداخلية في حكومة ياسين الهاشمي .
قائمقام قضاء سامراء من 8»2»1936 الى 26»6»1936
قائمقام قضاء خانقين من 5»7»1936 الى 30»7»1937
قائمقام قضاء المحمودية من 9»8»1937 الى 22»9»1937
قائمقام قضاء الفلوجة من 29»9»1937 الى 19»8»1939
قائمقام قضاء الكاظمية من 20»8 1939 الى 7»7»1940
قائمقام قضاء خانقين ثاني مرة من 13»7 »1940 الى 23»6»1941
قائمقام قضاء قلعة صالح ثاني مرة من 2»7»1941 الى 16»11»1941
وللتاريخ، يبدو أن أمراضه قد بدأت بوظيفته مديراً لناحية قزلرباط السعدية حالياً التي بدأها في 14 كانون الأول عام 1925، وبقي فيها حتى 25 آب 1926، وبعدها في أيلول تم نقله الى وظيفة مدير تحريرات لواء ديالى.
ففي قزلرباط حصل بتاريخ 11 تموز 1926 على اجازة اعتيادية لاصابته بمرض الملاريا، وأتبعها باجازة مرضية لمدة شهر، ثم تتابعت الأمراض ليصيب الرواتزم الحاد كتفه، والقرحة جدار المعي، والسكري، وغيرها، كان يقول عنها انه يحمل أمراضاً عجز الطب عن علاجها .
وباشر ابراهيم صالح شكر في 11 أيلول وظيفته المنقول اليها في مديرية تحريرات اللواء. وبقي فيها ثمانية أشهر، حصل خلالها على اجازة طبية لمدة 15 يوماً، وعاودته في 22 شباط 1927 الحمى الحادة فحصل على اجازة لمدة 15 يوماً أخرى استناداً الى التقرير الطبي الصادر من الطبيب المركزي في بعقوبة، ثم مددها مجدداً بتقرير طبي وقعه الدكتور استاوري في البصرة، دون أن يسنى معرفة دوافع سفره الى البصرة وهو مريض، ولكنه بالتأكيد حاول اصدار جريدة في البصرة باسم الثغر وقدم طلبه بهذا الشأن الى وزارة الداخلية، سوية مع طلب ثاني لاصدار صحيفة في بغداد، بأسم الزمان .
وتعددت صداقات ابراهيم وتنوعت، ومنهم رؤوساء حكومات ووزراء وأدباء وصحفيين، وكان أقربهم اليه رئيس الوزراء لثلاث مرات، علي جودت الأيوبي، والسياسي يونس السبعاوي، والصحفي عبد القادر اسماعيل البستاني، والصحفي رفائيل بطي، والصحفي لطفي بكر صدقي.
وما تزال بعض أوراقه المحفوظة عندي تحمل توقيع الأيوبي عندما كان رئيساً للوزراء، وهو الذي أهداه القلم الذي كتب به سلسلة مقالاته المشهورة قلم وزير ، وكذلك بضعة رسائل موجهة اليه من لطفي بكر صدقي، وكذلك رسالة واحدة من بطي من معتقل العمارة عام 1941.
لطفي بكر صدقي
وقد قابلت علي جودت الأيوبي عدة مرات في الستينيات في منزله بالوزيرية، وأكرمني بكل ذكرياته عن والدي. وقال لي ان الوالد كان يهرب فجأة من الوظيفة عندما كان يعمل معه وهو متصرف في لواء الحلة أو لواء ديالى، حالياً محافظة بابل، ومحافظة ديالى ، وان الوالد في اجازة متى أراد ذلك ، ويذهب الى بغداد ليقدم استقالته الى الوزارة مباشرة، ثم يطلب امتيازاً لاصدار جريدة. وللتاريخ، لابد من القول بأن علي جودت الأيوبي عندما كان نائباً لرئيس الوزراء بحكومة جميل المدفعي، التي تشكلت في 5 آذار 1953 بعد استقالة حكومة الفريق نور الدين محمود العسكرية، قد أحاطنا نحن أبناء ابراهيم صالح شكر بعناية خاصة، روى لي تفاصيلها، خالي عبد الوهاب عبد الرزاق الفرضي، وقال انه كان ذات يوم في فترة الغذاء من عمله طباعاً في احدى مطابع شارع المتنبي، وسمع بمن يناديه، ولما التفت الى مصدر الصوت، اكتشف انه معالي علي جودت الأيوبي الذي كان مكتبه في رئاسة الحكومة بالقشلة، جوار شارع المتنبي. وسأل الأيوبي خالي عن مصير أبناء ابراهيم، وفهم منه انهم يعيشون في كنف سيدات العائلة المعلمات في قضاء عنه بلواء الدليم الأنبار حالياً ، فطلب الأيوبي من الخال موافاته الى مكتبه في اليوم التالي، وأملى عليه صيغة عريضة بأسم أخي باسم الذي لم يكن قد تجاوز الخامسة عشر من العمر، ولم يغادر خالي مكتب الأيوبي في ذلك اليوم الا ومعه كتاب بتاريخ 21»4»1953 وصادر من ديوان رئاسة مجلس الوزراء وبتوقيع الأيوبي، موجهاً الى أخي باسم، يقول الأيوبي فيه انشاء الله سأسعى لايجاد طريقة لكم لتأمين معيشتكم على قدر الامكان .
والأيوبي في هذا التاريخ كان نائباً لرئيس الوزراء في حكومة جميل المدفعي، ومن أعضائها نوري السعيد وزيراً للدفاع، وتوفيق السويدي وزيرا للخارجية، وأحمد مختار بابان وزيراً للعدلية وغيرهم، وتولى الأيوبي رئاسة الحكومة ثلاث مرات في حياته ، هي
من 27 آب 1934 ــ 4 آذار 1935
من 10 كانون الأول 1949 ــ 5 شباط 1950
من 20 حزيران 1957 ــ 15 كانون الأول 1957
وقد أوفى الأيوبي بوعده، فمنذ ذلك الحين أصبح لنا الثلاثة، أبناء ابراهيم صالح شكر، راتباً تقاعدياً ظل يصرف لنا حتى عام 1961، حينما صار أخي باسم ضابطاً في الجيش العراقي، فانقطع الراتب التقاعدي لأن الأخ الكبير أصبح معيلاً لنا وفقا للقوانين.
وقد ضاقت السبل بالوالد عام 1928 نتيجة ملاحقة وزارة عبد المحسن السعدون لصحفه، وبعد تعطيلها اثر صدور العدد رقم 44 من جريدته الزمان ، وحاول رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون رشوته بعشرة اشتراكات في الجريدة لكل قضاء من أقضية العراق مقابل سكوته عن الوزارة والتوقف عن مهاجمتها، لكنه رفض، فضربته الحكومة بسلاح التعطيل، ووضعت بهذا الاجراء نهاية لجريدته التي لم تعد الى الحياة ثانية.
وسافر غاضباً الى سوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن ومصر بجواز سفر ما زال محفوظاً هو الآخر عندي، وينص على ان مهنته هي الصحافة، ويحمل أختاماً للسلطات الفرنسية على الحدود مع سوريا ولبنان، وأختاماً لحكومة فلسطين، وأختاماً وطوابع عراقية ومصرية. وتوطدت علاقاته مع الأدباء العرب والسياسيين في تلك الأيام، وقد ذكرهم ابراهيم جميعاً في مفكرته لعام 1928 وما دار بينه وبينهم، والتقط معهم صوراً ما تزال بعضها محفوظاً عندي وهي تحمل اهداء أصحابها. ومنهم في سوريا ولبنان، معروف الأرناؤؤط صاحب جريدة الفتى العربي ، والأديب صهيب العطار، وفوزي الغزي، وهاشم الأتاسي، والشاعر فخري البارودي، والشاعر اللبناني أمين نخلة، ونجيب الرئيس صاحب جريدة القبس ، ورشيد الملوحي محرر جريدة العرب ، وفائز الخوري، وأدمون رباط، وعبد اللطيف العسلي، والأمير حسن الأطرش، وقابل الأخطل الصغير بشارة الخوري في بيروت أما في شرقي الأردن وفلسطين فقد التقى مع الأمير عبد الله عدة مرات، وسجل أراء الأمير في الانكليز والصهيونية، ومصطفى وهبي التل، وعارف العارف، والتقى في حيفا مع الشيخ كامل القصاب الذي أوصله في اليوم التالي الى محطة قطار حيفا ليسافر الى مصر عبر القنطرة على قناة السويس، وفي عودته الى القدس، قابل حسام الدين الخطيب صاحب جريدة جزيرة العرب ، وزار الحرم الشريف. وتوطـدت علاقاتـه في مصر مـع محمد علي الطاهـر صاحـب جـريدة الشورى ، ومع أحمد زكي باشا، وتوفيق دياب،وخير الدين الزركلي، وسامي السراج، وأسعد داغر، ورشيد الخوجه، وزار عزيز المصري في منزله في عين شمس وقضى عنده نهاراً كاملاً، وحضر حفل حزب الوفد في ذكرى الجهاد الوطني، واستمع الى خطبة النحاس وقصيدة الشاعر عبد المحسن الكاظمي، وسجل في مفكرته انطباعاته عن المطربة أم كلثوم. وكان الوالد مواظباً على حضور المجلس الأدبي في مقهى الشط ببغداد، مع جميل صدقي الزهاوي، وعبدالحسين الازري، ورشيد الهاشمي،ومحمد الهاشمي وابراهيم حلمي العمر، وعبد الرحمن البنا، وصادق الاعرجي، وعبد الجبار صدقي، وعباس العبدلي، وروفائيل بطي، ومحمد أحمد السيد،وحسين الرحال، وعوني بكر صدقي، وصديق الخوجة، وناجي القشطيني.
*نشرت المقالة في العام الماضي -جريدة الزمان (اللندنية ) والرابط http://www.azzaman.com/?p=33783
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق