الجمعة، 16 مايو 2014

الفريق طاهر يحيى 1913-1986 ودوره في الحياة السياسية العراقية ا.د.ابراهيم خليل العلاف

دراسة:
************
الفريق طاهر يحيى 1913-1986 ودوره في الحياة السياسية العراقية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
من رجالات العراق الذين برزت أدوارهم السياسية في الستينات من القرن الماضي ..هو أحد اعضاء تنظيم الضباط الاحرار(اللجنة العليا وعددهم 15 ضابطا ، وكان برتبة عقيد متقاعد ) الذي تولى بالتعاون مع " جبهة الاتحاد الوطني " القيام بثورة 14 تموز 1958 واسقاط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق .وقد عين يوم الثورة مباشرة وبموجب المرسوم الجمهوري رقم (5 ) مديرا للشرطة العام .
طاهر يحيى محمد عكيلي الدهامشي ، وهذا هو اسمه ولقبه الكامل .. من مواليد مدينة تكريت سنة 1913 . وقد كان معلما في بدء حياته، لكنه دخل الكلية العسكرية بعد ذلك وتخرج فيها - شأنه شأن كثير من المعلمين الذين سهلت لهم الحكومة الدخول في سلك الجيش انذاك- . اتهم بعد حركة رشيد عالي الكيلاني والصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف الذي نشب بعد الثورة بعدم اخلاصه للزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وميله الى العقيد الركن عبد السلام محمد عارف نائب القائد العام ووزير الداخلية بأعتباره مسؤولا أمامه لذلك تمت تنحيته من منصبه كمدير للشرطة العام ، وصدر المرسوم الجمهوري رقم 594 في 23 كانون الاول سنة 1958 بأعادته الى الخدمة في الجيش اعتبارا من 7 كانون الاول 1958 واسند منصبه الى العقيد ناظم رشيد حلمي .
كان لطاهر يحيى دوره في اسقاط نظام حكم الزعيم عبد الكريم قاسم في 8 شباط سنة 1963 وذلك من خلال التعاون مع عدد من زملائه في السيطرة على معسكر الرشيد ببغداد .. وقد عين رئيسا لاركان الجيش كما عين عضوا في" المجلس الوطني لقيادة الثورة" بعد ثلاثة ايام على قيام الحركة المسلحة هو وأنور عبد القادر الحديثي وذلك تثمينا لجهودهما في السيطرة على معسكر الرشيد صباح يوم الحركة ..
كما تعاون مع المشير الركن عبد السلام محمد عارف رئيس جمهورية العراق في انقلاب تشرين الثاني سنة 1963 لذلك ، فقد ُكلف بموجب المرسوم الجمهوري رقم 1109 الصادر يوم 20 تشرين الثاني سنة 1963 بتشكيل أول وزارة له في (21 تشرين الثاني سنة 1963 والتي استمرت في الحكم حتى 17 حزيران سنة 1964) .وقد ضمت وزارته ثمانية من العسكريين منهم الزعيم الركن حردان عبد الغفار التكريتي والزعيم الركن عبد الكريم فرحان والمقدم الركن صبحي عبد الحميد واللواء الركن محمود شيت خطاب . كما ضمت عددا من المدنيين امثال الدكتور احمد عبد الستار الجواري والدكتور عبد الكريم هاني والدكتور عزت مصطفى .
بعد تشكيل الوزارة عقد الفريق طاهر يحيى مؤتمرا صحفيا اوضح فيه ان حكومته تعمل من اجل " جمع صفوف القوى القومية ، وترصين الوحدة الوطنية ، واسعاد الشعب ومعاملته على قدم المساواة لاتميز فردا على فرد " .وحدد اهداف حكومته ب"العمل على تحقيق الوحدة العربية ، وتأمين العدل الاجتماعي ،واحترم الحريات، وضمان كرامة المواطن ،وبناء هذا الوطن على اسس اقتصادية سليمة تشجع الاستثمار الخاص غير المستغل وتضمن الرفاه لافراد الشعب كافة " .وقد تألفت ثلاث لجان وزارية لاعداد " المنهاج الوزاري " الذي اقر بعد مناقشات مستفيضة في 24 كانون الاول 1964 وكان منهاجا تفصيليا طموحا .
كان الفريق طاهر يحيى في قرارة نفسه ، مؤمنا بالقومية العربية وبالوحدة العربية .. ولكنه لا ينتمي إلى أي حزب أو حركة أو تنظيم . وقد علق الاستاذ احمد الحبوبي على ذلك في كتابه :"اشخاص كما عرفتهم " بقوله :" كان لابد ان يتولى رئاسة الوزارة بعد 18 تشرين الثاني 1963 فهو الأقرب إلى قلب وفكر عبد السلام محمد عارف فمسيرتهما العسكرية والسياسية تكاد تكون متشابهة، وقد نجح في ان يحوز ثقة عبد السلام محمد عارف، كما لم تكن عقليته عسكرية صارمة وكان يحاول ان يرضي الجميع، رئيس الجمهورية وحاشيته ووزراءه والضباط والأصدقاء لكنه لم يستطع..." .

كان من أبرز أعمال حكومته اصداره الدستور المؤقت في 29 نيسان 1964 ، واصدار قانون المطبوعات في 7 نيسان 1964 ، واستحداث مجلس التخطيط في 28 اذار 1964 ، واصدار قانون السلطة التنفيذية في 4 نيسان 1964 ، وتشكيل وزارة الاوقاف في 12 اذار 1964 ، وعقد اتفاقية التنسيق مع الجمهورية العربية المتحدة في 26 ايار سنة 1964 ، وتنظيم بروتوكول التعاون مع الكويت ، وتأسيس شركة النفط الوطنية في 8 شباط 1964 ، ومشاركة العراق في مؤتمر القمة العربي الاول في القاهرة ، والسعي بأتجاه حل القضية الكردية ، وتطوير العلاقات مع الاتحاد السوفيتي السابق .
في 17 حزيران 1964 تشكلت وزارة طاهر يحيى الثانية والتي بقيت في الحكم حتى 14 تشرين الثاني سنة 1964 وفي عهدها صدرت
في الرابع عشر من تموز سنة 1964 ماسمي ب " القرارات الاشتراكية" ، والتي تم بموجبها تأميم البنوك والمصارف التجارية العراقية، كما تم إصدار " قانون المؤسسة الاقتصادية العراقية" ، والتي تضم المنشآت والمؤسسات العامة والشركات التابعة لها، وكان يرى ومن معه من الاقتصاديين والسياسيين امثال الدكتور خير الدين حسيب والدكتور اديب الجادر والاستاذ غربي الحاج احمد في هذه القرارات بداية التحول الاشتراكي اسوة بما حدث في الجمهورية العربية المتحدة . وكما هو معروف فأن تلك القرارات والاجراءات لم تخدم الاقتصاد العراقي بل اضعفت القطاع الخاص وجعلته ينسحب من الحياة الاقتصادية العراقية الامر الذي أضر العراق والقى على عاتق الدولة مسؤولية ثقيلة لم تسلم منها حتى يومنا هذا .
. كما صدرت في عهد الوزارة الثانية قرارات منها " تشكيل الاتحاد الاشتراكي العربي " وصدور ميثاق الحركة العربية الواحدة وصدور قانون المؤسسة الاقتصادية رقم 98 لسنة 1964 والتي تولاها الدكتور خير الدين حسيب .كما شارك العراق انذاك في مؤتمر القمة العربي الثاني في الاسكندرية والذي انعقد بين 5-11 ايلول 1964 وتم في عهد هذه الحكومة عقد اتفاقية انشاء قيادة سياسية موحدة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة في تشرين الثاني 1964 واتفاقية انشاء قيادة سياسية موحدة بينهما .وقد استقالت وزارة طاهر يحيى الثانية في 14 تشرين الثاني سنة 1964 وذلك اثر مواجهته مشكلة استقالة الوزرء الناصريين في 10 تموز سنة 1965 كما واجه رغبة المشير عبد السلام محمد عارف العارمة في الانفراد بالحكم .والوزراء الذين استقالوا هم : المقدم صبحي عبد الحميد وزير الداخلية العميد عبد الكريم فرحان وزير الإرشاد الدكتور اديب الجادروزير الصناعة الدكتور عزيز الحافظ وزير الاقتصاد عبد الستار علي الحسين وزير العدل فؤاد الركابي وزير الشؤون القروية.

وفي عهد وزارته الاولى جرت محاولة لحل القضية الكردية حلا سلميا ديموقراطيا ودخل في مفاوضات مع قائد الحركة المسلحة الكردية انذاك الملا مصطفة البارزاني ، وقدم الاستاذ صبحي عبد الحميد وزير الداخلية مذكرة بذلك اثناء زيارته لمدينة كركوك في 7 شباط سنة 1965 وبدأت مباحثات بين الحومة والقادة الاكراد وتوقف وقف اطلاق النار واطلق سراح المعتقلين السياسيين ولم تتقدم المباحثات بسبب بعض الامور الفنية والادارية واستمر الحال حتى قيام الفريق طاهر يحيى بتشكيل وزارته الثالثة في 12 تموز سنة 1967 .

بعد استقالة الفريق طاهر يحيى كُلف الاستاذ عبد الرحمن البزاز بتشكيل الوزارة الجديدة . واثر حرب حزيران سنة 1967 استقالت وزارة عبد الرحمن البزاز وكُلف الفريق طاهر يحيى بتشكيل وزارته الثالثة وكان رئيس الجمهورية يرى ان الظروف السياسية بعد حرب حزيران 1967 تستدعي تكليف شخصية عسكرية .
تشكلت وزارة الفريق طاهر يحيى الثالثة في 14 تشرين الثاني 1964 وبقت في الحكم حتى 3 ايلول سنة 1965 وجاء في كتاب التكليف ان رئيس الجمهورية عبد السلام محمد عارف يريد ان يعيد الحياة الدستورية وقيام الحكومة النيابية بمدة لاتتجاوز السنة الواحدة والاسراع في اعادة اعمار العراق وحل كافة القضايا المتعلقة به بما يضمن الوحدة الوطنية والاهتمام ببناء الجيش والقوات المسلحة وابعادها كليا عن السياسة ..وقد دخلت وزارة الفريق طاهر يحيى شخصيات بارزة منها ناجي طالب وصبحي عبد الحميد ومحسن حسين الحبيب واديب الجادر وعبد الحسن زلزلة وفؤاد الركابي والدكتور عبد الرزاق محي الدين والدكتور عبد الصاحب العلوان ووضعت في عهدها الخطة الخمسية للسنوات 1965-1969 وشرع قانون السلامة الوطنية وجرت مفاوضات مع الشركات النفطية الاحتكارية وجرى تعديل وزاري واسع في عهد هذه الوزارة وبموجب هذا التعديل الذي صدر في 11 تموز 1965 عين عبد اللطيف الدراجي وزيرا للداخلية وخضر عبد الغفور وزيرا للتربية والدكتور عبد الرحمن خالد القيسي وزيرا للثقافة والارشاد واحمد هادي الحبوبي وزيرا للشؤون البلدية والقروية وكاظم عبد الحميد وزيرا للاقتصاد والدكتور جميل الملائكة وزيرا للصناعة وقد استقالت وتشكلت بعدها وزارة عارف عبد الرزاق في ايلول 1965 .

بين 10 مايس-ايار و10 تموز 1967 ارتأى الرئيس العراقي عبد الرحمن محمد عارف(خلف شقيقه عبد السلام محمد عارف الذي قتل في حادث طائرة ) تشكيل وزارة برئاسته وقد اصبح طاهر يحيى فيها نائبا لرئيس الوزراء وقد ضمت هذه الوزارة 25 وزيرا وهي اول وزارة يترأسها رئيس الجمهورية وتعد اكبر وزارة في تاريخ الوزارات العراقية وقتئذ .وازاء ما كان العراق يواجههه من مشاكل داخلية وخارجية اضطر الرئيس عبد الرحمن محمد عارف العودة الى الصيغة القديمة والتقليدية وذلك بأن كلف طاهر يحيى بتشكيل وزارته الرابعة في 10 تموز 1967 واستمرت هذه الحكومة في السلطة حتى 17 تموز 1968 .وقد تسلم طاهر يحيى وزارة الداخلية فضلا عن رئاسة مجلس الوزراء .وقد دخل هذه الوزارة عدد من الشخصيات منها شاكر محمود شكري (الدفاع ) والدكتور احمد الشماع (الصحة ) والدكتور مالك دوهان الحسن ( الثقافة والارشاد ) وعبدالكريم فرحان (وزارة الاصلاح الزراعي ووزيرا للزراعة بالوكالة ) واديب الجادر (الاقتصاد ) والدكتور عبد الرحمن حبيب (المالية ) .وقد وضعت هذه الوزارة لها منهجا تفصيليا كما اصدرت "قانون رعاية الشباب " و"نظام وزارة الشباب " وقد زار الرئيس اليوغو سلافي  جوزيف بروز تيتو بغداد وشرعت الوزارة قانون ضريبة الدفاع الوطني وصدر قانون تطهير الجهاز الحكومي وخفضت بدلات ايجار دور السكن وقام الرئيس عبد الرحمن محمد عارف بمرافقة الرئيس الجزائري هواري بومدين لزيارة موسكو واقناع الاتحاد السوفيتي على تكثيف تسليح الجمهورية العربية المتحدة وقد قام طاهر يحيى بزيارة المنطقة الشمالية للنظر في حل القضية الكردية خاصة بعد ان اعلن الملا مصطفى البارزانيووف الاكراد مع اشقائهم العرب في مواجهة العدوان الاسرائيلي وصد أي عدوان يستهدف العراق والامة العربية حاضرا ومستقبلا وبعث ببرقية الى رئيس الجمهورية بذلك .وقد اصدرت هذه الوزارة قوانين عديدة منها قانون تنمية المشاريع الزراعية وعدلت قانون العمل ودعم نقابات العمال وعززت العلاقات مع مصر وقد جرى تعديل وزاري واسع في 13 كانون الثاني 1968 وفي عهد هذه الوزارة جرى اعتداء على كلية التربية –جامعة بغداد وكان ( كاتب هذه السطور ) طالبا انذاك في قسم التاريخ وقد جاء الاعتداء العسكري اثر اضرابات قام بها طلبة الكلية وعدد اخر من طلبة كليات جامعة بغداد وازاء ذلك قرر وزير الداخلية الاستعانة بقوات الجيش –الانضباط العسكري والاستخبارات –للقضاء على هذه الاضرابات .وفي صباح يوم 13 كانون الثاني 1968 اقتحمت قوة عسكرية كلية التربية واطلقت الرصاص على الطلبة المضربين فأصيب عدد منهم بجروح وقد قوبل عمل الحكومة هذا بالاستنكار من قبل القوى السياسية وقدم الدكتور مالك دوهان الحسن وزير الثقافة والارشاد استقالته في 15 كانون الثاني 1968 احتجاجا على رمي الطلبة بالرصاص ودعا مجلس الوزراء الى عقد اجتماع استثنائي لدراسة الاوضاع الداخلية والتعجيل بأنهاء فترة الانتقال وحل القضية الكردية وتطهير الجيش من بعض العناصر الفاسدة والاسراع بتشكيل حكومة ائتلاف وطني .وختم استقالته بالقول :" ان التعامل مع الشعب بالرصاص لم يعد الاسلوب الذي تحل به المشاكل وان اقتحام الانضباط العسكري لحرم الجامعة لم يعد المظهر المشرف لحكومة جاءت للحرب والبناء " .
وقد اصدرت الحكومة في 15 كانون الثاني 1968 بينا حول حادث كلية التربية قالت فيه انها تدرك تمام الادراك مسؤوليتها الوطنية والقومية وانه في هذا الظرف الذي تواجه فيه الامة عدوانا خارجيا بدأت بوادر الاضرابات ومن المؤسف ان ثمة من الطلبة من منع الاخرين من مواصلة الدراسة بالتهديد والوعيد ودعت الطلبة للعودة الى الدراسة ووعدت بأجراء تحقيق دقيق وسريع عن كيفية ماحدث تمهيدا لمعاقبة المسببين " ..
كما جرت في عهد هذه الوزارة محاولة تأميم الصحافة وضرب الصحف الاهلية وايقافها وتأسيس "المؤسسة العامة للصحافة " التي تولاها الاستاذ غربي الحاج أحمد .وكان من الطبيعي ان تؤثر هذه الخطوة على تأخر الصحافة العراقية وانفراد الصحف الرسمية فقط بالعمل الصحفي وقد استمر الامر هكذا لسنوات طويلة. وقد تعرضت هذه الخطوة الى معارضة شديدة وكتبت جريدة العرب في2-12-1967 مقالا بعنوان :"محنة القلم " قالت فيه ان الرقيب شوه ماجاء فيه لكثرة ماحذفه منه .وفي 12 ايلول 1967 صدر قتون المؤسسة العامة لتنظيم الصحافة والطباعة وبموجبه الغيت امتيازات الصحف القائمة والبدء بمنح اجازات جديدة بأقتراح من وزير الثقافة والارشاد وبموافقة مجلس الوزراء .وقد ادى صدور قانون المؤسسة العامة للصحافة الى ظهور معارضة شديدة وواسعة للنظام السياسي القائم تناولت بنيته الاساسية وشككت في مشروعيته ودعت الى اصلاحه عن طريق الدعوة الى اصدار دستور دائم واطلاق الحريات الديموقراطية واجراء الانتخابات النيابية .وقد عبر عن ذلك الاستاذ محمود الدرة في حديث الى جريدة الحياة (البيروتية ) وقال :" اننا بتأميم الحكومة للصحافة قد فقدنا اخر وسائل التعبير عن حرياتنا العامة " .وممن انتقد القانون الاستاذ عبد الرحمن البزاز والاستاذ فائق السامرائي والدكتور سليم النعيمي والاستاذ طالب مشتاق والاستاذ نعمان العاني والاستاذ سلمان الصفواني والدكتور عبد الحميد الهلالي والدكتور علي الصافي والدكتور خالد الهاشمي والدكتور عبد اللطيف البدري والاستاذ نجيب الصائغ وانتقد نقيب المحامين فائق السامرائي القانون وعده تأميما للفكر والحريات .وقدم عدد من السياسيين مذكرة لرئيس الجمهورية بعنوان :" مذكرة في سبيل اصلاح العراق " وممن وقع على المذكرة الدكتور عبد الرزاق الجليلي والمحامي هشام الدباغ واللواء صديق مصطفى واللواء عبد القادر حسين والمحامي اسماعيل الراشد .
في عهد هذه الحكومة اشتدت المطالبة الشعبية بالاصلاح وجرت اجتماعات في القصر الجمهوري مع القوى السياسية المختلفة وتفاقمت المعارضة وجرت محاولات لتعديل الدستور المؤقت وتلبدت أجواء العراق السياسية وكان ذلك مقدمة لحدوث الانقلاب على حكم الرئيس عبد الرحمن محمد عارف رئيس الجمهورية ورئيس وزراءه طاهر يحيى في 17 تموز 1968 .
كتب الاستاذ احمد هادي الحبوبي عن وزارة طاهر يحيى الرابعة قائلا :" لقد وضعت وزارة طاهر يحيى خطة طموحة للنهوض بالعراق ، وحشد طاقاته من اجل التنمية وان تسير جبنا إلى جنب المجهود الذاتي،وكان ضمن الخطة العمل على حمل الإخوة العرب،وخاصة الخليجيين على استثمار أموالهم في مشاريع صناعية وزراعية في العراق،ومن اجل ذلك سافر وفد برئاسة طاهر يحيي ضم كلا من:عبد الكريم فرحان(وزير الزراعة)وخليل إبراهيم حسين(وزير الصناعة) والدكتور مالك دوهان الحسن(وزير الإرشاد) واحمد الحبوبي(وزير العمل والشئون الاجتماعية)إلى الكويت ومعه خطة مدروسة من اجل إسهام الكويتيين رسميين وغير رسميين في مشاريع زراعية وصناعية تنفذ في العراق .
لكن مما ينبغي ذكره هنا ان الفريق طاهر يحيى وخاصة في ظل عودة الحركات المسلحة في شمال العراق واشتداد الصراعات السياسية وعدم قدرة الفريق عبد الرحمن عارف رئيس الجمهورية على ادارة الامور بحزم وقوة وجد نفسه عاجزا عن ان يتخذ القرارات المناسبة حتى ان ضغوطا كثيرة مورست عليه من اجل اعادة سباقات الخيل وتأسيس نادي الفروسية وقد تم ذلك ووافق مجلس الوزراء في 10 كانون الثاني 1968 على القانون رقم (3 ) لسنة 1968 قانون التعديل الرابع لقانون اليانصيب والاكتتابات رقم (2 ) لسنة 1962 الذي أجاز سباق الخيل وعودة المراهنات وقد اعترض ستة من الوزراء على صدور هذا القانون وكتبت جريدة الجمهورية في عددها الصادر في 14 -1-1968 ان الاوساط السياسية دهشت من هذا القانون غير المتوقع الذي اجاز سباق الخيل وكان سببا في خراب اسر عديدة وكشفت عن مضار القانون . وهكذا كان هذا القانون بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير فتقدم ستة من الوزراء باستقالاتهم وقبلت استقالاتهم في 13 كانون الثاني 1968 وهم:الدكتور محمد جواد العبوسى (وزير المالية) والدكتور احمد الشماع (وزير الصحة) وعبد الهادي الراوي (وزير الشباب) والدكتور عبد الرحمن خالد القيسي (وزير التربية)والدكتور عبد الرازق محيي الدين(وزير الوحدة) واحمد هادي الحبوبي (وزير العمل والشئون الاجتماعية) وعبثا حاول رئيس الوزراء طاهر يحيي اثناء الوزراء عن الاستقالة وكذلك حاول عبد الرحمن عارف(رئيس الجمهورية)المغلوب على أمره...".ويبدوان وراء اقرار القانون المشار عدد من القادة العسكريين من ذوي النفوذ .

بعد انقلاب 17 تموز 1968 اعتقل الفريق طاهر يحيى في معتقل الفضيلية ببغداد ثم نقل الى معتقل قصر النهاية وهناك تدهورت صحته فنقل الى داره حيث توفي في 19 مايس سنة 1986 . وقد اتضح انه –رحمه الله –لايمتلك من الدنيا الا راتبه التقاعدي وداره في حي دراغ ببغداد .
لقد قيل عن الرجل الكثير ودارت حوله الاشاعات ولكني لازلت اتذكر يوم ادخلنا ونحن طلاب في كلية التربية –جامعة بغداد تشكيلات "كتائب الشباب " العسكرية اثر حرب حزيران 1967 للتدريب العسكري ونظم لنا استعراض في ساحة الكشافة ببغداد وحضر الفريق طاهر يحيى رئيس الوزراء والقى علينا محاضرة .
وانا –كمؤرخ – لم أجد –حسب علمي وما بين يدي من معطيات ووثائق - ما يثلم سمعته ونظافة يده ، ونزاهته ، ورغبته في ان يخدم العراق بكل ما استطاع .وصفه الاستاذ احمد الحبوبي وهو من عرفه جيدا وعمل معه بقوله :" لم تكن عسكرية طاهر يحيى صارمة ، ولا كان متجهم الوجه وقد يكون عمله لفترة معلما أفاده في تعامله مع الناس، يخفي بين جانحيه شفافية ، وروح مرحه . جاد في عمله ويخلص فيه.. يقرأ ويستوعب .. سريع الفهم، يحب أصدقاءه ويخلص لهم ، وذو نجدة ويهرع لمد يد المساعدة ولا يرد من يطرق بابه…رجل دولة مشكلته انه أراد إرضاء الجميع و(إرضاء الناس غاية لا تدرك) يسيطر على أعصابه، ويكظم الغيظ، ويحافظ على كرامته ويحترم الناس، طاهر اليدين" .ويضيف :" ان الإنصاف يقتضى التنويه إلى ان الراجل كان مجدا ومجتهدا ومخلصا في عمله يقرا ويستوعب ويتابع...فهو قارئ جيد،ومستمع جيد،ومستوعب جيد،ملما بالكبيرة والصغيرة يتابع ويلاحق ويسال ويستفسر،وكثيرا ما يذهب بنفسه لتفقد المشاريع على الطبيعة..." "كان الفريق طاهر يحيي يدرس القضايا المطروحة على مجلس الوزراء ويستوعبها ويتابع مراحل تنفيذ ما اتفق علية ويتمتع بذاكرة جيدة ويتذكر حتي الأرقام عند اللزوم" .
في عهد وزارة الفريق طاهر يحيى الثالثة بدأت الساحة السياسية العراقية في بدايات سنة 1968تزخر بنشاطات مريبة فقد نزلت إلى هذه الساحة مجاميع وجماعات وان كانت عراقية الملامح عربية اللسان ولكنها غريبة في منطقها وطروحاتها جريئة في طرح أفكارها تتصدرها عناصر عسكرية ومدنية لم تألفها الساحة السياسية من قبل عناصر عسكرية تتبوأ مراكز حساسة في الدولة راحت تمارس العمل السياسي جهارا نهارا خلافا لكل الأعراف دونما أي اعتبار للقواعد أو القوانين التي تحرم علي العسكري العمل في السياسة أو الانخراط في الأحزاب السياسية.ومما يلحظ ان بعض القوى السياسية هذه اخذت تجند من يقوم بالطعن بسياسة وحكومة الفريق طاهر يحيى ةتبث حوله الاشاعات وتنتقص من قيمته وتقلل من هيبته والغريب ان اجهزة الدولة من أمن واستخبارات لم تتعرض بما يجب لتلك القوى التي امتد نشاطها الى الشارع وصرنا نسمع –وانا كنت طالبا في جامعة بغداد انذاك – كثيرا من الاقاويل عن الرشوة والفساد في وزارة الفريق طاهر يحيى ودون ان نتأكد من ذلك في حينه واندلعت في بغداد مظاهرات ضد النظام لم تتوقف الا بعد الاطاحة بحكم الفريق عبد الرحمن محمد عارف رئيس الجمهورية اثر قيام انقلاب تموز 1968 .
لذلك كله ، اقترح ان يكون موضوعا لاطروحة دكتوراه، فهو قد تسنم مناصب عديده عبر سنواته الطويلة واظهر فيها كفاية عالية مع ان ثمة صراع شخصي أكثر منه سياسيا احتدم بينه وبين المشير الركن عبد السلام محمد عارف وحتى مع الوزراء الناصريين، لم يعد على البلاد الا بما لم يخدمها .
وتتعاظم هذه المشكة اذا ما علمنا بأن المشير الركن عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية قد حصر بيده كل السلطات والصلاحيات في ظل غياب دستور دائم ومؤسسات دستورية فليس هناك مجلس نيابي منتخب ولا فصل حقيقي بين السلطات الثلاث ،التشريعية، التنفيذية، القضائية،ولا صحافة حرة ولا أحزاب فرئيس الجمهورية يتدخل في كل صغيرة وكبيرة ولا يريد هو أو حاشيته وضع دستور دائم لدولة عصرية تتحدد فيها الحقوق والواجبات، دولة مؤسسات تحكمها القوانين ويعرف كل فرد أو مواطن حقوقه وواجباته،الشعب فيها هو السيد ومنه تستمد الشرعية. ولم يكن شقيقه الفريق عبد الرحمن محمد عارف الذي خلفه حازما ، وقويا بما فيه الكفاية . كما كان طيبا وغير ميال الى السوء والشر وكان لمن حوله تأثير كبير عليه وغالبا ما كانوا ينزعون الى تحقيق مصالحهم الخاصة الى حد تدخلهم في اجهزة الدولة بشكل مباشر .وقد وصل الامر الى ان ظهرت في الجيش كتل من الضباط وكل كتلة كانت لها اهدافها الخاصة في حين افتقد الفريق طاهر يحيى الى من يقف الى جانبه وكان هو يطمح لان يرضي الجميع في وقت ازدادت فيه الضغوط والصراعات السياسية لذلك عجز عن ان يقوم بما يجب ان يقوم به ...
*صورة تاريخية يؤدي فيها الفريق طاهر يحيى القسم أمام الرئيس العراقي الفريق عبد الرحمن محمد عارف بعد تكليفه بتشكيل وزارته الرابعة 10 تموز 1967-17 تموز 1968 ويظهر في الصورة الدكتور عبد الرزاق محي الدين وزير الدولة ووزراء اخرين ..اشكر الصديق الاستاذ عمار اليحيى قريب الفريق طاهر يحيى على ارساله لي عدد من الصور هذه واحد منها .


.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جامعة الأنبار وسط مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار (العراقية)

                                                        جامعة الانبار العراقية تأسست سنة 1987 جامعة الأنبار وسط مدينة الرمادي بمحافظة الأنبا...