الأحد، 13 يناير 2013

الندوة الزهيرية في الموصل



 الندوة الزهيرية في الموصل
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل *

لعل مما يذكره الناس عن الأيام العربية والإسلامية، تلك الندوات، والمجالس الأدبية التي تعقد في البيوت أو المساجد. ولئن تعددت مسميات تلك الندوات والمساجد إلا أن هدفها يبقى واحدا وهو تنمية الوعي وتيقظ الأفكار وتوسيع قاعدة الاهتمام بالدنيا ومشاغلها والحياة ومتطلباتها، فضلا عن الحديث في أمور الدين والآخرة وما يجب على الإنسان أن يقوم به.

وكانت تلك الندوات تسمى في مصر "الصالونات" وفي بغداد: المجالس "وفي الموصل" الندوات". ولدينا في الموصل ندوات كتبنا عنها منها "الندوة الغلامية" و"الندوة العمرية" و"الندوة الموفقية".

وقبل أيام تيسرت لي الفرصة للاطلاع على بعض ما كان يدور في "الندوة الزهيرية". وقد كتب عن هذه الندوة فوزي سالم عفيفي، وهو مثقف مصري أحب الموصل، واهتم بالخط العربي وكتب عن الخطاط المعروف يوسف ذنون كتابا بعنوان: "دراسات في الخط العربي: حول تاريخ وأعمال يوسف ذنون" والذي نشرته الدار العربية للموسوعات في بيروت قبل سنوات ولدي نسخة منه.

ومما قاله عن الندوة الزهيرية، أنها كانت تعقد بعد صلاة العشاء من كل سبت وذلك في دار محمد أمين الزهيري بحي الرفاعي في مدينة الموصل، والزهيري ضابط متقاعد، ويحضر هذه الندوة عدد كبير من الأدباء وعلماء الدين والأساتذة والتجار. وكان من الذين يرتادون الندوة الخطاط والباحث التراثي الكبير الاستاذ يوسف ذنون، و الشيخ الاستاذ شمس الدين السيد حاتم، وهو عالم دين وصاحب مكتبة في شارع النجفي بالموصل، والدكتور سالم احمد الحمداني، وهو أستاذ الأدب العربي الحديث في كلية الآداب بجامعة الموصل، و الاستاذ محمد العبوبي وهو مرب معروف ومدرس في المدراس الثانوية في الموصل والاستاذ سالم شاهين كاتب العدل الأول في الموصل، والسيد داؤود القاسم، وهو من تجار الأغنام في الموصل، و السيد نافع مهدي أبو عقبة والاستاذ إبراهيم الفخري قاضي المحكمة الشرعية في الموصل ومدرس اللغة العربية الاستاذ صلاح الدين عزيز، وصاحب الصوت الجميل الاستاذ محمود سيد يونس النعيمي، و الاستاذ حسن خير الدين العمري وهو من المثقفين الموصليين له مؤلفات منها كتابه الطريف عن "اللقالق"،والفنانين.والاستاذ سالم سعيد الصميدعي والاستاذ الشيخ الدكتور احمد عبيد الكبيسي و الاستاذ الدكتور حسن علي الذنون والاستاذ عادل الصراف والاستاذ سعد رشيد والدكتور عدنان محمد عبد الله الصفاوي والاستاذ عمار الفخري وغيرهم .

ومما يسجل عن هذه الندوة أن قصي الزهيري مدير شركة الشمال السياحية، وهو ابن محمد أمين كان يقوم بواجب الضيافة خلال انعقاد الندوة الأسبوعية. وهنا لابد أن أقدم الشكر والتقدير لقصي على تزويدي ببعض صور الندوة وعبر سنوات عديدة امتدت منذ سنة 1970 وحتى الثمانينات من القرن العشرين.
كان المنتدون يتناولون في ندوتهم موضوعات عديدة ومختلفة فقد يتحدثون عن التعليم في المدارس والمستوى العلمي. كما قد يتناولون سلوكيات الموصليين في رمضان وطلوع الهلال وأساليب استطلاعه من الناحيتين العلمية والشرعية. وكانت الأحاديث تجري حول آثار الموصل ووجوب الاهتمام بها أن كانت آثارا قديمة أو إسلامية وكثيرا ما كان المنتدون يصغون إلى انطباعات مسافر مثلما حدث حينما خصصت الندوة بعض جلساتها لسماع انطباعات حسن خير الدين العمري عن زيارته للولايات المتحدة الأميركية.

ولم يكن يعني هذا ان المنتدين كانوا يتجاهلون ما يحدث في البلد أو ما يحدث في أسرهم، فقد يسأل بعضهم البعض عن أحوال الأولاد والأسرة والمشاغل اليومية العادية.

حضر فوزي سالم عفيفي حين وجوده في الموصل، بعض الاجتماعات لهذه الندوة، وتعرف على بعض روادها، وتجاذب معهم الأحاديث، وأورد بعض الأمور الطريفة منها انه رجا الشاعر حسين الفخري أن يأتي ببيت شعر لتكملة معنى البيت التالي:

يدوم الخط في القرطاس دهرا ** وكاتبه رميم في التراب

فقال:

فيحفظ بعده حفظا جميلا ** لدى أهل الفضيلة والثواب

توفي صاحب الندوة الزهيرية في مارس/آذار سنة 1987 وأقيمت له فاتحة كبيرة حضرها جمع من الأدباء وعلماء الدين والقراء والخطاطين والمثقفين والوجهاء وألقى صديقه الشاعر حسين الفخري قصيدة أهداها لاولاد الاستاذ محمد امين الزهيري وهم الاستاذ محمد صالح الزهيري والاستاذ الشاعر والكاتب لؤي الزهيري والاستاذ قصي الزهيري وزعت نسخا منها على الحاضرين جاء فيها:

صار الذي كان نخشاه وانطلقت

روح الفقيد سريعا نحو بارينا

فإن صبرنا فأمر الله يحكمنا

وان جزعنا فإن الحب يغرينا

لقد فقدنا حبيبا كان يجمعنا

ويصطفينا على التقوى ويدنينا

خطب ألم فللأقدار حكمتها

ما زال ينشرنا سرا ويطوينا

لكننا وبحمد الله في سعة

من رحمة الله يبلونا ويهدينا

سنجمل الصبر علَّ الله يجمعنا

في روض جنته يوما ويؤوينا

انفرط عقد الندوة بموت صاحبها وتفرق المنتدون كل في طريقه وبقيت ذكريات انعقادها تؤشر على حالة من حالات الزمن الجميل.

نعم كانت أياما جميلة لا يزال من كان يرتاد تلك الندوة يتذكرها. كما يترحم الآخرون عن من افتقدتهم الندوة بالموت أو السفر أو ما شاكل. نأمل في أن يتواصل اليوم أبناء الموصل مع بعضهم البعض عبر مثل تلك الندوات التي عرفتها الموصل في تلك الأيام الغابرة.
*http://www.middle-east-online.com/?id=124456
— مع ‏ابوناصر الصباغ‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هويتي في مكتبة المتحف البريطاني 1979 ...............ابراهيم العلاف

  هويتي في مكتبة المتحف البريطاني 1979 ومما اعتز به هويتي هذه الهوية التي منحت لي قبل (45) سنة أي في سنة 1979 ، وانا ارتاد مكتبة المتحف الب...