الثلاثاء، 20 فبراير 2024

الموصل في مذكرات متصرفها عبد العزيز القصاب


 



الموصل في مذكرات متصرفها عبد العزيز القصاب*
ا. د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
قبل ان أتحدث عن ماذكره المرحوم الاستاذ عبد العزيز القصاب عن الموصل ، عندما عين متصرفا لها اقول انه سبق ان زار الموصل في مثل هذا اليوم 20 من شباط -فبراير سنة 1918 أي قبل (106) سنة ، وتحدث عن ما رآه من مناظر مؤلمة وكثرة المشردين والمهاجرين الذين وفدوا اليها من تركيا بسبب الحرب العظمى 1914-1918 والمجاعة وقال ان نساء واطفالا كانوا يسلبون الناس ما يشترونه .
مذكرات عبد العزيز القصاب من اروع المذكرات التي قرأتها واقول : تولى المرحوم عبد العزيز القصاب متصرفية الموصل في بدايات تشكيل الدولة العراقية الحديثة.صار متصرفا بين 23 كانون الثاني سنة 1924 الى 26 من حزيران سنة 1926، وخلفه ناجي شوكت وسبقه جعفر العسكري بمعنى انه من الشخصيات العراقية الرائدة التي تسلمت إدارة الموصل والتي كان الملك فيصل الاول 1921-1933 رحمة الله عليه يقول عنها اي عن الموصل انها (رأس العراق).
اليوم اريد ان اتحدث لكم عن الموصل في عهد متصرفها عبد العزيز القصاب من خلال مذكراته الشخصية التي نشرها ولده الطبيب والفنان التشكيلي الدكتور خالد القصاب بعد وفاة والده. والمذكرات هذه من أدق المذكرات التي كتبها السياسيون العراقيون في العهد الملكي واكثرها مصداقية.
يبتدأ الاستاذ عبدالعزيز القصاب حديثه عن عمله في الموصل فيقول أنه توجه الى الموصل بقطار المساء في 22 كانون الثاني سنة 1924 ، وبرفقته ولده عبد المجيد ، وطباخه مبروك وعند وصوله الصيرمون وهي قرية قريبة من الموصل وتقع في البو سيف عند مشارف المدينة ، تقع على مرتفع في الطريق من حمام العليل الى الموصل استقبله وجهاء الموصل ومدراء دوائرها الرسمية وموظفيها وذهب الى دار الشربتي على دجلة وراء دار الضباط عند جامع الخضر عليه السلام (الجامع المجاهدي) ، وهي الدار المخصصة لسكنه وكان يسكنها سلفه جعفر العسكري ولم يجد في هذه الدار غير غرفة صالحة للسكن والغرف الاخرى لاتصلح بسبب ان ابوابها وشبابيكها مهشمة وقضى في هذا الدار ليلة واحدة وطلب من رئيس البلدية ان يبحث له عن دار صغيرة ففعل ، وانتقل اليها في اليوم التالي.
يتحدث عن لواء الموصل فيقول انه كان يشتمل على تسعة اقضية هي زاخو ودهوك والعمادية وعقرة والزيبار وتلعفر وسنجار والشيخان ومدينة الموصل مركز اللواء وكان هناك عشر نواح ملحقة بالمركز مباشرة هي حمام العليل –الشورة – الشرقاط – تلكيف- القوش – برطلة – بعشيقة – قره قوش –الحميدات ولم يكن هناك معاون للمتصرف يكون مسؤولا عن الامور الادارية لهذه النواحي.
استغرقت خدمة عبد العزيز القصاب في لواء الموصل سنتين ونصفا من 27 كانون الثاني 1924 وحتى حزيران 1926 حيث عين وزيرا للداخلية ، وكانت مهامه في لواء الموصل في حقبة حرجة من تاريخ العراق الحديث تطلب منه كما قال “ عملا يوميا دؤوبا يبدأ من الصباح الباكر وينتهي بعد منتصف الليل وقد انحصرت معظم مهامه في مشكلة ضم الموصل الى العراق والتي تولتها عصبة الامم عندما ارسلت لجنة اممية للاستفتاء ولإجراء مسح عام للتوزيع السكاني والعرقي والديني برئاسة ( اي اف فرسن) ، وهو دبلوماسي سويدي في 26 كانون الثاني 1925 ، ويسهب في شرح الحالة والمواقف بدقة وقد سبق ان قدمت حلقة عن مشكلة الموصل في برنامجي (موصليات) من على قناة (الموصلية) الفضائية ، ويمكن لمن يريد ان يرجع اليها ان يدخل على اليوتيوب فهي متوفرة.
يتحدث عبد العزيز القصاب في مذكراته الموسومة (مذكرات عبد العزيز القصاب ) ، وقد نشرتها المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت سنة 2007 عن زيارة الملك فيصل الاول للموصل في 13 كانون الاول سنة 1924 يرافقه وزير الاوقاف الشيخ ابراهيم الحيدري ، ووزير المواصلات والاشغال صبيح نشأت ، وكورنواليس مستشار الداخلية ، ورستم حيدر سكرتيره الخاص وقد استقبل الملك فيصل استقبالا حافلا من الوجوه والاعيان ومختاري المحلات من الموصل وماجاورها.
وقال انه اقام مأدبة كبرى في سراي الحكومة دعا اليها اشراف الموصل ورؤساءها الروحانيين ومدراء الدوائر والجالية الانكليزية وعند الانتهاء من تناول العشاء القى خطابا رحب فيه بالملك فيصل وقدم عرضا لحالة الموصل وتحدث عن الامن والاستقرار ودور الشرطة وانشاء المخافر على الحدود وخاصة في زاخو والعمادية وقال ان الحالة المالية جيدة جدا والتحصيلات سائرة سيرا حسنا واعطى ارقاما عن واردات الموصل ومصروفاتها ، وتحدث عن حالة التعليم والزراعة وقال ان اللواء يضم (75) مدرسة منها ثلاثون في مركز اللواء وان عدد التلاميذ سبعة الاف وعدد التلميذات الفان وثلاثمائة ، وان العشائر شرعت بمراجعة المعارف مطالبة بفتح المدارس لأبنائها وبناتها وختم كلامه عن دائرة الصحة وانها تسير بشكل حسن وعنايتها بالمرضى اوجبت توافد المرضى حتى من انحاء ولاية ديار بكر وامتدح عمل دائرة البلدية وقد مكث الملك فيصل الاول في الموصل ثمانية ايام غادر بعدها الى اربيل وكان لزيارته أثر حسن في نفوس أهالي اللواء كما قال المتصرف.
تعرض متصرف الموصل عبد العزيز القصاب الى ان اهل الموصل شكلوا ( جمعية الدفاع الوطني) انتخبت هيئة ادارية بهدف تنشيط الحركة السياسية والثقافية وتأكيد صيرورة الموصل جزء من العراق ، وكان من اعضاء الهيئة الادارية لهذه الجمعية السادة احمد الفخري ، ومحمد حبيب العبيدي ، ومصطفى الصابونجي ، وامين بك الجليلي ، وفتح الله سرسم ، وعبد الغني النقيب ، واصف ال قاسم اغا ، وناظم العمري ، والدكتور عبد الاحد عبد النور ، وارشد العمري ، وابراهيم كمال الغضنفري ، ورشيد العمري ، والمحامي محمد صدقي ، والشيخ علي خيري الامام ، وضياء شريف بك .. وكان لهذه الجمعية فروعا في الاقضية والنواحي ويقول المتصرف ان جهود تلك الجمعية كانت مفيدة وناجحة.
ووقف المتصرف ؛ متصرف الموصل عند الاستفتاء الاممي بشأن الموصل ومواقف الموصليين حولها وقال ايضا انه بذل جهودا كبيرة من اجل فتح مدارس في تلكيف ، والقوش واستعان بتبرعات الاهالي من اجل ذلك فضلا عن واردات البلدية ، كما فتح مدارس في قرى الموالي ، والشيخ ابراهيم ، والشرقاط ، والشورة ، وحمام العليل ، وزمار ، والعاصي ، وسميل ، وعمل مع مدير المعارف محمد امين زكي على فتح مدارس في عين سفني ، والشيخان ، وسنجار ، وباعذرة وبالتعاون مع زعماء الايزيدية من رجال الدين .
كما بذل جهودا مع البلدية لتبليط شوارع داخل الموصل والى عقرة وبين باعذرة وعين سفني التي اصبحت مركزا لقضاء الشيخان ، واتم فتح طريق من قرية فيشخابور الى رأس مضيق زاخو وجعله صالحا لمرور السيارات ومن غير الاستعانة بوزارة المالية ، وقام بتصليح طرق وقناطر وتشييد جسور جديدة على طريق الموصل – تلعفر – سنجار والموصل – دهوك –زاخو والموصل – شرقاط وطريق في كرسي مركز ناحية الشمال وبمساعدة الاهالي.
طبعا هذا كله تم في السنوات 1924-1926 ، وقد اشار ايضا الى انشاء دوائر حكومية في اقضية سنجار ، والزيبار ، وزاخو ونواحي المزوري ، وشرانش واصلح دائرة الحكومة في العمادية.
وقام ايضا بإنشاء مخافر متعددة على النقاط الحدودية شمال الموصل ، وخاصة في ( قرية بارزان) ، وانشأ دكاكين على رأس جسر زاخو ، وكذلك خان لإيواء المسافرين والسيارات في عقرة وسوق مركزي في تلعفر ، وكل ذلك تم من خلال واردات البلدية.
واخيرا ارفق متصرف الموصل عبد العزيز القصاب ما كتبه عن الموصل في مذكراته بتقرير عن ما اسماه (طوائف الموصل)، ووقف عند التركمان، والايزيدية ، والاثوريين وعن ما قدمه.
حقا كان عبد العزيز القصاب من المتصرفين الكفوئين الذين تولوا ادارة الموصل ، وفي ظروف صعبة ومعقدة وحساسة لكنه استطاع وبفضل ما توفر لديه من ارادة ورغبة في الخدمة وهمة ان يقدم الكثير للموصل وها نحن نذكره ونشيد بجهوده الطيبة ونتمى ان يحذو حذوه كل من يتولى ادارة الموصل.
*المقال منشور في جريدة ( المدى) والرابط هو :https://almadasupplements.com/view.php?cat=25532

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...