- الشبك.. مزيج فريد لتلاقح الحضارات والتأثير المتبادل بين الشعوب*
بقلم : الاستاذ ادهام عبد العزيز أغا الوليمشرف تربوي اختصاصي - لغة انكليزية -محافظة نينوى
بحكم وظيفته الحقوقية كمدعٍ عام في الموصل عام ١٩٣٧ والذي مكنته من التجوال في قري الشبك تمكن احمد حامد الصراف ان يستقي معلوماته عن الشبك وتمكن من الحصول علي معلومات اضافية مهمة عن الشبك بعد ان تعرف في الموصل الي رجل من الشبك ذي ادب وفضل هو الشيخ ابراهيم الملقب (بالباشا) ومن سكنة قرية (القاضية)، زوده بكثير عن عقيدة الشبك وعن نزعتهم الدينية. يشتمل الكتاب الذي تبلغ عدد صفحاته ٣١٤ صفحة ثلاثة فصول.
الفصل الاول مقدمة في اصل الشبك ونبذة عن حياة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام وخلاصات موجزة عن الطريقتين الصوفيتين القزلباشية والبكتاشية بالاضافة الى المراتب الدينية عند الشبك ومراحل التصوف، واختتم الفصل بعرض وعقد مقارنة بين الفرق الصوفية النقية والفرق المغالية في الاسلام.وتناول الفصل الثاني من الكتاب صلب موضوع الشبك وهو نفوسهم، لغتهم، اصلهم، قراهم، عباداتهم، مواسمهم ومراسمهم، وأوابدهم وعاداتهم، وآدابهم، اخلاقهم، صنائعهم، وكتبهم الدينية.
واختتم الفصل بعرض لــ٥٢ نصا لكتاب المناقب او(البويروق) اي ما يتفضل به والمكتوبة باللغة التركية القديمة وترجمة وتلخيص تلك النصوص الي اللغة العربية. وكتاب المناقب الذي يعتقد الاستاذ الصراف بانه من كتب الشبك المقدسة ويعرف عندهم بــ (البرخ) يتضمن حواراً في اداب الطريقة الصوفية بين قطب العارفين الشيخ صفي الدين بن اسحق الاردبيلي وبين الشيخ صدر الدين، يحض علي التقوي وصنع الخير والتمسك بالولاء لآل البيت وفيه اوامر وارشادات وادعية وصلوات وتفضيل للمقامات في التصوف، وبالجملة فهو تأليف في الاداب والسلوك، والشيخان صفي الدين وصدر الدين من رؤساء الصفونين لتكية (ارديل) المدينة الشهيرة الواقعة في كورة اذربيجان وفيها اسست الطريقة الصفوية فبنيت فيها تكيتها. اما الفصل الثالث والاخير من الكتاب فقد اشتمل علي ثلاثة ملاحق: الملحق الاول مقالا للاب انستانس مادي الكرملي بعنوان (تفكهة الاذهان في ثلاثة اديان) والمنشور اصلا في مجلة المشرق البيروتية، العدد ٥ عام ١٩٠٢ ومقالة بعنوان (الشبك) والمنشورة في مجلة المقتطف المصرية العدد ٥٩، عام ١٩٢١ وقد سبق وان تناولنا المقالتين المذكورتين. اما الملحق الثاني فقد تم فيه عرض مقال للبروفيسور ف مينورسكي المستشرق الشهير المنشور في المعلمة الاسلامية وسبق لنا عرض وتحليل المقال المذكور. واشتمل الملحق الثالث والاخير علي تعليقات ومستدركات تضمنت تعاريفاً لاقوام مثل الشبك والصادليه والصائبة والكاكتيه ولطرائق دينية مثل النقشبندية والقادرية والقزلباشيه والبكتاشية والشيخية والكشفية والابراهيمية ولاعلام ورجالات دين مثل الشيخ صفي الدين اسحق والشيخ صدر الدين والامام زفر بن هذيل البصر، وشيخ المقنولة ابو القاسم الكعبي والمؤرخ الشهير المسعودي والمنجم الشهير ابو محمد النوبختي والمؤلف ابو منصور الماتريدي والامام الكبير عبد القادر بن طاهر بن محمد التميمي والعلامة الاسفراني والعلامة ابن حزم والعلامة الشهرستاني والفقيه الشافعي الرازي والقاضي الشافعي ابن ابي الدم والحنفي عبد الرزاق الرسفين والشاعر الحلاج والشيخ جلال الدين الرومي واخرون غيرهم. وبامكان القارئ الرجوع الي الكتاب الاصلي اذا رغب في الاستزادة والوقوف عن كثب علي هذه الاقوام ورجالات الدين والطرائق الدينية. وتوجد نسخة من الكتاب مهداة من المؤلف في مكتبة المتحف الحضاري في الموصل تحت رقم الخزانة ٢ ٥٤ الرقم ١٦٩٥٤ و ٦٠٢٩ ونسخة اخري في المكتبة المركزية لجامعة بغداد. يري الاستاذ احمد حامد الصراف في الفصل الاول من الكتاب (المقدمة) ان (الشبك جماعات من الاتراك تقطن في الجانب الشرقي من الموصل وان عددهم بين عشرة الاف وخمسة عشر الف نسمة (خلال عقد الثلاثينيات والاربعينيات من القرن العشرين: الباحث) ويسترسل في وصف رجال الشبك بطوال القامة وشقر الوجوه تميل شقرتهم الي السمرة لا يحلقون اللحي ولا يحفون الشوارب وقد تدلي الشعر علي افواههم فسترها، يتكلمون بلسان غريب هو خليط من الفارسية والكردية والعربية والتركية لكن التركية غالبة علي السنتهم وليس لهم من عمل يعملونه غير ازدراع الزرع ومري الضرع)ص ٢.
الشبك ليسوا من الغلاة
ويتابع الصراف حديثه عن ديانة ومعتقدات الشبك قائلا (وقد ظهر لي من التتبع الطويل ان الشبك ليسوا من الغلاة كالنصيرية والبكتاشية (البكتاشية) وان شعورهم وايمانهم بواجب الوجود هو عين شعور المسلم وايمانه بواجب الوجود واما رسول الله فمحمد النبي فهو النبي المبجل المعترف به لكنهم يغالون في حب علي غلوا عظيما فقد وصفوه ونعتوه باوصاف ونعوت لا يقرها الاسلام) الصفحات ٧ ــ ٨.
واشاد الي (الكلبنك) وهي القصائد التي نظمها شعراء الشبك وشيوخهم باللغة التركمانية الجفكائية في مدح آل البيت، وفي معرض حديثه عن مبدأ التقية عند الشبك الشيعة يقول الصراف (وقد ظهر لي ان التكتم من اولي شعائر الشبك وان الطريقة طلسم من الطلاسم والنحلة سر من الاسرار والانكار والتقية درع ومجن يتقي بها الشبكي الخطر ولم اشك لحظة في ان الكتمان عند الشبك احد واجبات الايمان المفروضة عليهم وهو من مستلزمات العقيدة الاسماعيلية الباطنية التي كانت تبالغ في التستر. كما اني لا اتردد قط في الحكم بان التقية عند الشبك مستقاة من التقية التي كان يتذرع بها الشيعي الذي احاطت به المهالك والمخاطر عدة عصور لدرء تلكم المهالك والمخاطر عن نفسه، الصفحات ٤ ــ ٥ ويشير في الصفحة ٥ من مقدمة الكتاب الي رأيه الخاص بالشبك (الشبك غصن من الشجرة الامامية والمتفيئين للدوحة العلوية ولهم اذكار واوراد وصلوات مثل الطرق الاخري كالنقشبندية والرفاعية والقادرية ولهم رسوم وعادات خاصة بهم وقد تبدلت بتسلط الجهلة عليهم فأبعدهم هؤلاء عن الاسلام وانسوهم الفرائص والسنن، وحللوا لهم المحرمات وافحموهم في الكبائر والموبقات.
أهم من جنوب ايران؟
هذا وقد نقل الصراف رأي الدكتور داود الجلبي الموصلي عن الشبك اصلهم ولغتهم وقراهم في كتاب بعث به اليه. ومن المفيد ان نشير الي ان الدكتور داود الجلبي كان من مشاهير العلماء والفضلاء في الموصل ومن اعاظم علماء عصره في الطب، وله ابحاث جليلة في التاريخ واللغة وكان عضوا في المجمع العربي في دمشق، وفي الفقرة الاتية ننقل رأي الدكتور داود الجلبي عن الشبك: (كان الشبك الي ما قبل ثلاثين او اربعين سنة (بدايات القرن العشرين: الباحث) بكتاشيه، يقولون انهم جاءوا من جنوب ايران وان لهم اقارب هناك، لكنهم لا يعرفون متي جاءوا ولا سبب مجيئهم الي ديار الموصل. اما لسانهم فهو الان خليط من الفارسية والكردية والعربية وقليل من التركية، والفارسية هي الاصل في لسانهم ولكن بلهجة يختلف عن لهجة اكثر الايرانيين. واني اظن ان لهجتهم تقرب من لسان البلوش، اقتبسوها بحكم الجوار، يقولون (بو٠ عضو (بيا) الفارسية بمعني تعال، ويسمع منهم كثيرا قولهم بعضهم لبعض (جيش مكرو) ومعناها ماذا تعمل. اما في ما يتعلق بمذهبهم الديني فكانوا الي بدايات القرن العشرين شيعة علي الطريقة البكتاشية الصوفية، ثم انهم مالوا في السنين الاخيرة (منتصف القرن العشرين تقريبا: الباحث) الي مذهب الشيعة الاثني عشرية. لكنهم يغالون في حب علي. صفحة ٨. ويسترسل الدكتور داود الجبلبي في وصف الشبك اذ يقول: (وهم شقر تميل شقرتهم الي السمرة أقوياء الابدان طوال القامة في الغالب، لا يحلقون لحاهم ولا يحفون شواربهم فيري الشعر قد ستر افواههم، ويكررون بان حب علي حسنة تمحو كل سيئة).
هذا ويورد الدكتور الجلبي اسماء قري الشبك المنتشرة في الجانب الشرقي من ارض الموصل وهي: دراويش، قره تبه، باجربوعة (التي تسمي محليا باجربوغ: الباحث)،. بازواية (بيت زاوا)، طوبرق زياره، خزنة تيه، منارة شبك، يتراوه (طهروا)، علي رش، طونراوه (طوبز آوه: الباحث)، كورغريبان، كبرلي، باشبيثه، تيس خراب، ينكيجه، خرابة سلطان، بدنة، باسخره، شيخ امير (شيخ مير: الباحث)، وبعويزه، ويسكن الشبك مع قوم يسمون بالــ (باجوان) و(اصلها باجلان: الباحث) قيل ان اصل اسمهم (باج الان) وهؤلاء شيعة وسنة، يظهر الشيعة منهم حباً زائداً للامام علي والائمة. ولسان الباجون قريب جدا من لسان الشبك ولكنه يختلف عنه قليلا، وهذه اسماء القري التي يسكنها الباجلان الذين يسمون بالباجوان في الديار الموصلية والشبك، او شبك واقوام اخري من عرب وتركمان وكرد وهي: طوبزاوه، بئر حلان، جليوخان (ويلفظها العامة جريوخان)، اورته خراب، عمر كان (ويلفظها العامة اومركان)، اللك، قره شور، ترجله، تل عامود، بلوات، كهريز، جديدةؤ، بطلي (البساطليه)، تل عاكوب.
وهذه اسماء القري التي فيها قليل من الشبك: كوكجلي، اريه جي (الاريجيه)،عمر قايجي، زهرة خاتون، جنيجي، القاضية، الخضر. والقري التي يسكنها التركمان والعرب وقليل من الشبك فهي: قره قونيلي العليا، بشري خان، بابنيت، يارمجه، قز فخرا (البنت فخرا)، الشمسيات والسلامية، اما قري بايبوخت (بايبوخ) وخرساباد (خورسيباط) والعباسية، وباريمة (سيدكند)، والفاضلية وتلياده فيسكنها الباجلان فقط.
يبحث الاستاذ الصراف في اصل الشبك حيث يشير الي رأي شهاب الدين احمد بن يحي المعروف بابن فضل الله العمري في كتابه (مسالك الابصار من ممالك الامصار) علي موضوع الشبك فيقول في الفصل الثالث من تاريخه ما نصه (الشوك) او (الشول) عن مصطفي جواد، وهؤلاء حكمهم شنكاره (شوانكارا) وعندنا (شبنكارا). ويؤكد الاستاذ الصراف علي ان عقيدة الشبك عقيدة بكتاشية (بككاشية) قزلياشيه محضة بتطوير وتبديل قليل وان كتابهم المقدس المسمي (مناقب) والبويوروق) قد وضع بلغة تركمانية شديدة الشبه بلغة الشبك الحالية. ولكون الشبك من بقايا الغلاة حسب رأيه فانه تطرق الي تاريخ الغلاة في الاسلام وذكر وجود خمسة كتب رئيسة تبحث في الغلو والغلاة في الاسلام وهي كتاب مقالات الشيعة للنوبختي وكتاب الفرق بين الفرق للبغدادي وكتاب التبصير في الدين للاسفرايني وكتاب الفصل لابن الحزم وكتاب الملل والنحل للشهرستاني والاخير يذكر ان بدع الغلاة محصورة في اربع: التشبيه، والبداء، والرجعة والتناسخ. ويستعرض الاستاذ الصراف مطولا سيرة ومسيرة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام باعتبار ان الغلو اول ظهوره كان في شخص الامام علي وكان مقصورا عليه وحده في العصر الاول ولما استشهد الامام انتقل الغلو من شخصه الي اشخاص ابنائه واحفاده. وفي معرض حديثه عن فرق الغلاة في الاسلام يشير الي اسماء عشرة من هذه الفرق وهي: البيانية، المغيرية، الحربية، المنصورية، الجناحية، الخطابية، الشريعية، النصيرية، البككاشية (البكتاشية) والقزلباشية. وما يهمنا في هذا المقام هو الحديث عن الطريقتين الصوفيتين الاخيرتين: البكتاشية والقزلباشيه في التكايا والخانقاهات والربط والتي اعتنقها بعض المتصوفة في القرن الثامن الهجري. نشأت الطريقة البكتاشية في بلاد الاناضول وهي طريقة صوفية تركية اسسها الحاج بكتاشي ولي المولود في نيسابور والمتوفي سنة ٧٣٨ هــ تلتها طريقة ظهرت في ارديل في شمال ايران طريقة صوفية ثانية سميت بــ (الصفوية) او السرخرية وبالاحري القزلباشية العلوية المغالية. الصفحة ٤٤.
هذا وقد ظهر للاستاذ الصراف من التتبع والتنقيب ان عقيدة الشبك عقيدة بكتاشية قزلباشيه مع وجود فرق يسير فوائد الشبك واوابدهم تكاد تكون بكتاشية محضة وادابهم في الطريقة وسلوكهم في التصوف وشيوخهم جميعهم قزلباشية حاضنة الصفوية التي تأسست في اردبيل التي كانت تسمي بالفارسية القديمة (روئين دز) ولابد لنا من اعطاء لمحة مختصرة عن الطريقتين الصوفيتين لنبين اوجه الشبه التي تدل علي الصلة والقرابة التامة بينهما. البكتاشية طريقة صوفية اسسها الحاج بكتاش ولي الخراساني الاصل النيسابوري المولد وكان من السادة الموسوية اي ممن يتصل نسبهم بالامام موسي الكاظم عليه السلام وقد تتلمذ في خراسن للشيخ لقمان الصوفي الشهير ودرس علي احمد البوي الشهير، توفاه الله سنة ٧٣٨ هــ في عهد السلطان خذا وندكار في قرية (قيرشهر). ودفن في محل سمي باسمه (حاجي بكتاش) ومازال مرقده مزارا يؤمه اهل التصوف وقيل ان المؤسس الحقيقي للطريقة البكتاشية هو (بالم بابا) المتوفي سنة ٩٢٢هــ الا انه ذكر في بيان الاولياء علي انه (البير الثاني) فيكون الحاج بكتاشي هو (البير الاول). وقد تأثرت البكتاشية بالحروفية تأثرا عظيما ولذلك فلفضل الله الحروفي وكتابه (الجاويدان) المقام الاسمي عند البكتاشية وقد تفشت هذه الطريقة في الاناضول والبلقان فدان بها الالبانيون، وعندما حصل لهم الاتصال الوثيق بالانكشارية صاروا لهم بمثابة الائمة، بل انهم كثيرا ما يطلق اسم البكتاشية علي لانكشارية فيقال لهم (اتباع الحاج الكتاشي).
يري الاستاذ الصراف ان البكتاشية من الغلاة في الاسلام يحبون الامام علي حبا مفرطا ويبجلون الائمة الاثني عشر تبجيلا عظيما سيما الامام جعفر الصادق ويرددون كلمات الله محمد علي والتي سماها بعقيدة التثليث كما هو الحال في النصرانية التي تقوم مقام الاب والابن وروح القدس. وعندنا (الباحث) لا نري عقد هذه الصله والمقارنة صحيحيا البتة. ويشير الاستاذ الصراف الي عادة الاعتراف عند البكتاشية كما في النصرانية، فالباكتاشي اذا اخطأ او ارتكب اثما هرع الي (البابا) واعترف له بما ارتكبه وتلقي منه المغفرة، ويضيف انهم شديدوا الاهمال كثيروا التهاون في اداء الفرائض الاسلامية. واخيرا فان البكتاشيه طريقة صوفية لا يتيسر الانخراط في سلكها الا بعد مضي مدة التجربة وهي الف يوم ويوم. ولدي التدقيق في عقائد الشبك ورسومهم واوابدهم نراها عينا هي نفس عقائد البكتاشية والشبك كالبكتاشيه يكررون في اجتماعاتهم لفظة الف الله م محمد ع علي تكرارا مستمرا متواليا في جميع اذكارهم واورادهم وادعيتهم. الصفحات ٤٥ ــ ٤٨.
اما القزلباشيه فكانت في بدء نشأتها تسمي (الصوفية) نسبة الي مؤسسها قطب الاقطاب صفي الدين اسحق الاردبيلي المتوفي سنة ٧٣٠ هــ وهو الجد السادس للشاه اسماعيل الصفوي، وكان من المشاهير في الزهد والمعرفة والسلوك تتلمذ للشيخ زاهد الجيلاني (الكيلاني). ولما توفي الشيخ زاهد كان خليفته في الهداية والارشاد. ومقبرة الشيخ صفي الدين مقدسة في اردبيل يقصدون زيارتها من البلاد الشاسعة تنذر لها النذور وهي مزينة بالفسيفساء وقناديل الذهب والفضة. له مضيف معد لضيافة الطبقات المختلفة من الناس، وله طبل خاص يضرب في اوقات الفداء اعلاما للضيوف. وفي اردبيل قبر صفي الدين وولده صدر الدين الذي يعرف باسم الشيخ موسي ابن الشيخ صفي الدين الاردبيلي ويعرف بجليل العجم، وهو من العلماء العرفاء قام بالارشاد سنة ٧٣٥هــ في حياة ابيه. ويظهر ان وصايا كتاب المناقب قد نقلها عن لسانه مريدوه كما ورد في اثار الشيعة لعبد العزييز الجواهري.
وفي المقبرة نفسها في اردبيل يوجد قبر حيدر بن جنيد وشاه اسماعيل بن حيدر والشاه طهما سب وقبرا اسماعيل وخمرة ميرزا وقبر شاه عباس الاول. هذا وقد سميت الطريقة الصفوية بــ (القزلباشيه) في عهد الشاه اسماعيل الصفوي حينما التفت حوله قبائل استاجلوا، وشاملو، وبنكلوا، وبهارلو، وذو القدرة، وفجر، وافشار، فألبسهم الطرابيش الحمر فسموا القزلباش و(القزل) هو الاحمر بالتركية و(الباش) الرأس، فيفهم من هذا ان الصفوية تبدل اسمها فصارت قزلباشية بعد مرور عصرين لان مؤسس الطريقة الصفوية وهو الشيخ صفي الدين توفي سنة ٧٣٠ هــ كما اسلفنا وجلس الشاه اسماعيل علي اريكة الملك سنة ٩٠٦هــ وؤتوفي سنة ٩٣٠ هــ فتكون المدة بين مؤسس الصفوية وحفيدة ٢٠٠ سنة.
اذن اتخذ الشاه اسماعيل الصفوي شعار القزلباش ــ اصحاب العمائم الحمر رمزا لجيشه وهذا الرمز مستمد من (تاج حيدر) الاحمر ذي الاثنتي عشرة ذوابه كناية عن الاثنتي عشر اماما.
والقزلباشيه فرقة دينية منتشرة في بر الاناضول وتعتبر شيعية المذهب في نظر المسلمين وهي تقارب كل المقاربة نصيرية سورية وهم يسمون انفسهم العلوية اي من فرقة علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، وبين القزلباشية اكراد واخرون هم ترك واغلبهم لا يتكلمون الا التركية، ومما يؤخذ عليهم انهم يخالفون المسلمين بامور منها انهم لا يحلقون رؤوسهم ويعفون لحاهم ويتقاعسون في اداء الفرائص الاسلامية الرئيسة، ولديهم بعض البدع التي يذكرها الاستاذ الصراف في كتابه وعندنا (الباحث) لا نري صحتها والقزلباشية يحترمون احتراما جليلا بعض الاشجار ولهم اكرام للشمس والقمر ولينابيع الانهر. واشهر مواضعهم المقدسة هي ما عدا تكية خوبيار يحترمون تكية (سويجي) وبير سلطانلي ويلنجق وحاجي بكتاش، وعددهم علي ما يظن يجاوز المليون (في بدايات الثلاثينيات والاربعينيات) من القرن العشرين: الباحث) بين كرد يسكنون في درسين وعندنا انها درسيم وملاطية وترجان وارزنجان وقسم من ولايتي سيواس وتبليس، واتراك يسكنون ولايات معموة العزيز وسيواس وانقرة.
وفي افغانستان يسمي القزلباشية مهاجرين من هذا الاصل التركماني ويعتبرون مع (الطاجيك) و(النهدكي) اهم الطبقة المتوسطة وقد جاءوا الي تلك الديار من فارس (ايران) بعد نادر شاه الذي اسكنهم في كابل وفي عدة ولايات اخري ليكونوا حماة لها يذودون عن حياضها، وهم لا يختلطون بسائر السكان.
وفي كابل اغلب موظفي البلاط وسائر الدواوين يؤخذون منهم، وفي هرات بيدهم التجارة والصناعة، ويتكلمون الفارسية وبينهم من يتكلم التركية، عددهم في افغانستان كان في منتصف القرن العشرين ٧٥٠٠٠ كما ورد في دائرة المعارف الاسلامية. واخيرا توصل الاستاذ الصراف الي جملة من الحقائق عن عقيدة الطريقتين البكتاشية والقزلباشية في بداية نشأتهما وجملة اخري من الحقائق عن سيرة ومسيرة زعماء الطريقتين الحاج بكتاشي ولي والشيخ صفي الدين الاردبيلي نستعرضهما في الفقرة الاتية.
اتفق جميع المترجمين للحاج بكتاشي ولي والشيخ صفي الدين علي ان الرجلين كانا من العباد والزهاد المشهورين ومن اتقي المسلمين سريرة في عصرهما وقد اشتهرا بالصلاح والتقوي والفضل. واذا لاحظنا ان الحاج بكتاشي توفي سنة ٧٣٨هــ والشيخ صفي الدين توفي سنة ٧٣٥ هــ نفهم ان الزاهدين الصفوين كانا متعاصرين وانهما اسسا طريقتيهما في زمن واحد، كذلك اننا لا نتردد ان نسجل اننا لم نعثر لا في المؤلفات التركية ولا في المؤلفات الفارسية علي خبر او رواية تنص علي ان الحاج بكتاشي ولي مؤسس الطريقة البكتاشية والشيخ صفي الدين مؤسس الطريقة الصفوية كانا من ذوي البدع المغالين بل بالعكس نجد الثناء عليهما وعلي ورعهما وسلوكهما واستقامتهما كثيرا، فقد لقب الحاج بكتاشي بالولي، كما لقب الشيخ صفي الدين بقطب الاقطاب واللقب الاخير من اعلي الدرجات والمراتب عند الصوفية واللقبان دليلان صريحان علي قدسية الشيخين عند معاصريهما بلا منازع. وبالنظر لكل ما تقدم تمكن الاستاذ الصراف من الوصول الي نتائج مهمة جدا توضح لباب الطريقتين ومعتقداتهما والتي يمكن اجمالها بالنقاط الاتية:
اولاً: لم يكن في البكتاشية والصوفية عند تأسيسهما اي جانب من جوانب الغلو.
ثانياً: ان الحاج بكتاشي ولي والشيخ صفي الدين براء مما في الطريقتين من البدع والترهات والانحرافات والسخافات البعيدة كل البعد عن روح الاسلام وتعاليمه واحكامه وفرائضه.
ثالثاً: ان تاريخ البدع التي تسربت الي الطريقتين مجهول.
رابعاً: لا يوجد اي نص في جميع المؤلفات التي تعرضت للقزلباشية بانها تهمل الفرائص والاركان الاسلامية وتدين بطريقة الاعتراف لنيل الغفران كالبكتاشية.
خامساً: ليس في كتاب المناقب المنشور في اخر كتاب الاستاذ الصراف ما يشم منه رائحة الزيغ والضلال، فهو كتاب يحتوي علي حوار في آداب الطريقة بين الشيخ صدر الدين وبين قطب العارفين الشيخ صفي الدين بن اسحق الاردبيلي.
سادساً: ان الشبك اقرب الي البكتاشية منها الي القزلباشيه.
سابعاً: صلة الشبك بالقزلباشيه هي وجود كتاب (المناقب) فقط. الصفحات ٤٨ ــ ٤٩ للاعداد اهمية خاصة في الاجتماعات التي يعقدها، الشبك، حيث يكثرون من الالتماس والاستغاثة في اذكارهم واورادهم باعداد لا تتجاوز السبعة وهذه الاعداد هي: الثلاثة، الخمسة، السبعة، الاثني عشر، الاربعة عشر، والاربع.ون، وكل عدد من هذه الاعداد ترمز عندهم الي امور دينية مقدسة. الثلاثة هم الله ومحمد وعلي. الخمسة وهم الرسول محمد صلي الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ويسمون باصحاب الكساء. ويرمز العدد سبعة الي درجات ومراتب اهل الطرق الصوفية وهي: المنتسب، المريد، الدرويش، المرشد، البير ــ اليابا، القلندر، الرند، والقطب. الاثنا عشر ويرمز الي الائمة الاثني عشر وهم الامام علي المرتضي والحسن المجتبي، والحسين الشهيد بكربلاء، وعلي بن الحسين زين العابدين (السجاد) ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسي الكاظم، وعلي النقي (الهادي)، وحسن العسكري، ومحمد المهدي، ويرمز العدد اربعة عشر الي الائمة الاثنا عشر يضاف اليهم اسم الرسول (ص) واسم ابنته فاطمة الزهرا. والاربعون وهم الابدال او الواصلون وهؤلاء لا يعرفهم الناس ولا يرونهم لانهم رجال الغيب او رجال الله وجند الله وان الله منحهم قوة وزودهم قدرة علي حفظ نظام الدنيا وفي مقدمة ذلك اغاثة الملهوف ومعاونة المظلوم.
وفي معرض حديثه عن الغلو والغلاة في الاسلام يشير الاستاذ الصراف الي الفرق الصوفية النقيه في الاسلام كالقادرية والرفاعية والسهرودرية والشاذلية والنقشبندية والخلوتية والمرغنية والغنيمية وغيرهم، والفرق الغالية كالبكتاشية والمولوية والبابرامية والملاحية والقزلباشية والعلوية والابراهيمية والجمالية والذهبية والنوربخشية والنعمة اللهية والكونابادية والصفائية والاوجاغية والقلندرية والخالسكرية والشيخية والكشفية. كما يشير الي معني الغلو الذي يرمي في معناه الي الصاق صفة الالوهية بالامام علي وخلع صفات الله واسمائه الحسني عليه ونعته بالنعوت التي لا تطلق الا علي رب الارباب. وعندما طلعت الباطنية الي عالم الوجود في الاسلام بدأت تميل الي فكرتي التناسخ والحلول وهما بدعة ليست من الاسلام في شيء. هذا وقد اختتم الاستاذ الصراف الفصل الاول من كتابه بحديثه عن الائمة والغلاة حيث يستبان من مطالعة كتب الرواة عند الشيعة ان الائمة الاثني عشر واولهم الامام علي بن ابي طالب قد تبرأوا من الغلاة ولعنوهم سرا وعلانية وحاربوهم باللعن والتكفير علنا وعلي رؤوس الاشهاد وحذروا شيعتهم المشايعين لهم واوصوهم بالابتعاد عنهم لانهم كذابون كفار قد اعمي الله ابصارهم فهم ضالون مضللون مزورون وأفاكون.
كرس الاستاذ الصراف صلب مادته عن الشبك في الفصل الثاني من كتابه حيث تناولت ابوابه نفوسهم ولغتهم واصلهم وصناعتهم وقراهم وما الي ذلك من امور جوهرية يتوق لها القاريء حيث اورد ان الشبك جماعات من الاتراك تقطن في قري الجانب الشرقي من مدينة الموصل وعددهم علي وجه التقريب بين عشرة الاف وخمسة عشر الف نسمة وهم مختلطون مع عشائر الباجلان الذين يسمون بالباجوان في الديار الموصلية والتركمان والاكراد والعرب والصادلية والنصاري، ولسانهم خليط من الكردية والفارسية والتركية والاخيرة غالبة علي لسانهم ويحسنون التكلم باللغة العربية بحكم اختلاطهم مع العرب في مركز محافظة نينوي (الموصل) وبالرغم من ان اصل الشبك لم يقطع فيه لكن الصراف يري انهم اتراكا بسبب ان الاتراك احتلوا شمال العراق وسكنوا قري الموصل في عهد السلطان طفرل بك السلجوقي الذي هبط العراق مع عدد كبير من الاتراك لاغاثة الخليفة القائم بامر الله العباسي والقضاء علي سلطان الدولة البويهية وعلي البساسيري الثائر احد قادة تلك الدولة سنة ٤٤٧ هــ ويستند في رأيه كذلك علي نص ابن تفري بردي صاحب النجوم الزاهرة بان العشيرتين التركيتين القره قونيلي والاق قونيلي سكنتا شمال العراق وانهما كانتا متشيعتين اي شيعة كالشبك الاوائل الذين استوطنوا في ريف شرقي نينوي العراق (الموصل). ويشير كذلك الي تعليق قديم ورد في الجزء الاول من تاريخ (السلوك المعرفة دول الملوك) للمقريزي ص ٣ و ٤ ان الاكراد هم قبائل منهم الشنبكية ويقصد بهم الشبك الحاليون، وأخيرا يري انه يوجد بصيص من نور يلقيه شهاب الدين احمد بن يحي المعروف بابن فضل الله العمري في كتابه؟مسالك الابصار في ممالك الامصار علي الموضوع) اي موضوع اصل الشبك وتسميتهم، حيث يقول في الفصل الثالث من تاريخه ما نصه (الشوك) او (الشول) باللام حسب رواية الدكتور مصطفى جواد وهؤلاء حكمهم شنكاره وهي (شونكارا) وعندنا (شبنكاره). وفي معرض حديثه عن اصل الشبك يؤكد ان عقيدة الشبك عقيدة بكتاشيه ــ قزلباشية محضة بتطوير وتبديل قليل وان كتابهم المقدس المسمي (مناقب) او (البويوروق) قد وضع بلغة تركمانية شديدة الشبه بلغة الشبك الحالية.
وفي معرض حديثه عن قري الشبك التي تجول فيها كثيرا وتحدث الي كثير من سكانها رغبة في تعيين اسماء القري التي يسكنها الشبك ووحدها آهلة بخليط من الشبك والباجلان (الباجوان) والاكراد والتركمان والعرب والصادلية واخيرا استعان بالدكتور داود الجلبي فتفضل عليه بقائمة نشرها في كتابه وتطرقنا الي اسماء تلك القري في صفحات سابقة من البحث. هذا وقد تحقق من صحة القائمة التي ارسلها اليه الدكتور الجلبي والتي صنف فيها اجناس ولغات الاقوام القاطنين في تلك القري وقام بمقارنتها بالقائمة التي تفضل بارسالها اليه الاديب اللامع السيد عبد الجواد مدير تحريرات لواء الموصل اوانئذ والقائمة منشورة في كتاب الصراف في الصفحات ٩٤ ــ ٩٥ وهي لا تختلف كثيرا عن قائمة الدكتور الجلبي.
اما في باب العبادات اشار الاستاذ الصراف ان الشبك لا يؤدون فريضة الصلاة كسائر المسلمين ويكتفون بصلاة واحدة في ليلة الجمعة وهم قعود علي شكل حلقة ويكون الاجتماع في دار البير الذي يبدأ بتلاوة ما يستظهره علي قلبه من (الكلبنك) والكلمة مركبة من كلمتين (كل) اي زهر و (بنك) صوت من الفارسية وتتصحف هذه الكلمة احيانا في كتب العرب الي (كلبند)، كما جاء في الدر المكنون في المآثر الماضية من القرون للشيخ ياسين بن خير الله العمري. ومن ثم يأمر البير الحاضرين ان يسجدوا فيسجدون.. الخ. كما ان الشبك لا يصومون شهر رمضان الا انهم يصومون تسعة ايام من العشرة الاولي من شهر محرم الحرام. والشبك لا يزكون اموالهم كسائر المسلمين، الا انهم يعطون من حاصلاتهم الزراعية ما يسمونه خمس الجد لاناس يعتقدون انهم سادة من صلب النبي. والشبك لا يحجون الي بيت الله الحرام ولكنهم يقصدون العتبات المقدسة بالنجف وكربلاء ويشرعون بالاتصال بمجتهدي الشيعة والحج لا يتم عندهم الا لسبع مرات. وعندنا ان الشبك شيعة وسنة مسلمون متمسكون باركان الدين الاسلامي الحنيف ويؤدون فريضة الصلاة كسائر المسلمين ويصومون رمضان، كما ان الشبك الشيعة بالاضافة الي صوم رمضان فانهم يصومون تسعة ايام من شهر محرم الحرام، وهم يزكون اموالهم والشبك الشيعة يدفعون الي سادتهم خمس الجد. والشبك يقومون بتأدية فريضة الحج الي الديار المقدسة ولدينا من الشواهد في قري الشبك والباحلان ممن قاموا بتأدية هذه الفريضة مشيا علي الاقدام، ويزور الشبك الشيعة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء وسامراء وبغداد وكل اضرحة الائمة علي امتداد العراق. وتنتشر الجوامع وبعض الحسينيات في معظم قري الشبك والباجلان تقام فيها الصلوات الخمس وخطبة الجمعة، وما تقاعس واهمال البعض لبعض الفرائص الاسلامية ووجود بعض الغلاة سابقا في مجتمع الشبك والباجلان كسائر المجتمعات الاخري في ارجاء المعمورة الا حالات نشاز غير مقبولة مطلقا ولن تكن مستساغة البتة.
وبقدر تعلق الامر بمواسمهم ومراسمهم الدينية يورد الاستاذ الصراف نصوصا عنها حيث للشبك مواسم دينية خاصة يحتفلون بها صارت من عاداتهم وتقاليدهم التي لا تخرج عن حظيرة عقيدتهم، وهذه المواسم هي: ١ ــ ليلة رأس السنة، وهي من الليالي المقدسة وتكون في الليلة الاولي من شهر كانون الاول (يناير) من كل سنة ولهم احتفال خاص بها، ويجوز ان يكون الاحتفال به في العشر الايام الاولي او العشر الثانية منه. ٢ ــ ليلة التعاذر او ليلة التغافر التي يعقد فيها الشبك اجتماعات خاصة في ليالي الجمعة وذلك لازالة الاحقاد والبغضاء من قلوب الشبك واحلال الحب والسكينة فيها يغفر المتباغضون بعضهم لبعض ويصطلحون فيها، ولها مراسم خاصة يقوم بها اثنا عشر شخصا برئاسة البابا البير، ويعتبر الاجتماع في ليلة التعاذر من الاجتماعات المقدسة، والاثنتا عشر شخصا هم رمز الاثني عشر معصوما من ائمة الشيعة وهم: البير، البابا اي الشيخ وهو الرأس عند الشبك، الرهر وهو الدليل وله مقام ادني من مقام البير، حامل الجراغ اي حامل المصباح او الشمعة، حامل المكنسة ويتولي كنس دار البير المعد للاجتماع السقاء الموكل بسقاية المجتمعين، اربع خدام وبوابان يلازمان باب دار البير.
٣ ــ ليلة الاعتراف، وهي الليلة التي يتقدم بها الشبكي الي البابا فيعترف له بخاطياه وذنوبه وفيها ينشد البابا (الكلبنك) الخاص بالاعتراف وقد يجاريه في الانشاد الرهير. وقد اقتبس الشبك عادة الاعتراف بالذنوب من البكتاشية فصارت جزءا من تعبدهم، كما انهم اكتسبوا عادة التناول من البكتاشية ايضا. وهذه المراسيم كما انها من عادات الشبك فانها من شعائر البكتاشية، وللشبك اتصال وثيق بالبكتاشيه وكانوا يراجعون ولد جلبي في قونيه ويتلقون منه الارشاد كما كان لهم اتصال بتكية اردبيل فكان (الباب ــ البير ــ الدده) يشد الرحال الي اردبيل لينال اجازة من شيوخ التكية فيها. وفي اردبيل انتشر مذهب القزلباشية ــ السرخ سر ــ والشبك والكاكئية والقزلباشية والبكتاشيه والعلوية والنصيرية من اصل واحد، فشعائرهم وعاداتهم متشابهة متجانسة كأنها من معين واحد. ٤ ــ مراسم الدخول في الطريقة وهي مراسم خاصة يقوم بها البابا ويساعده علي ذلك الرهبر. وكل من اراد الدخول في الطريقة الصوفية يسمي صوفيا يجب عليه ان يفتش عن شخص اخر ليعاشره ويصاحبه هو وزوجته ليكونا اربعة مدة اربعين يوماً او سبعين يوما.
٥ ــ زيارات مراقد الائمة حيث يقدس الشبك الائمة الاثني عشر الذين يقدسهم الشيعة الامامية ويعدونهم ائمتهم المكرمين المعصومين فينذرون لهم النذور ويقدمون باسمائهم القرابين ويتغنون بالقصائد (كلنبك) بمآثرهم وكراماتهم ومعجزاتهم تقربا اليهم وطلبا للشفاعة منهم. وللشبك مواسم عامة ومواسم خاصة لزيارة المراقد والعقبات المقدسة، ومواسمهم العامة هي عين مواسم الشيعة الامامية كيوم عاشورا ويوم مرد الرأس، ويوم الخامس عشر من رجب وكذلك الخامس عشر من شهر شعبان يوم ذكري مولد الامام المهدي الغائب المنتظر. اما مواسمهم الخاصة فهي زيارة مرقد العباس في قرية العباسية ومرقد حسن فردوش في قرية الدراويش ومرقد زين العابدين في قرية علي رش ورجم قبر عبد الله بن زياد في موقع شرقي الموصل.
٦ــ العشرة الاولى من محرم الحرام حيث يقيم الشبك المناحات والمآتم فيبكون وينوحون ويلطمون ولهم في ذلك اهازيج خاصة وتسمي مراسيم عاشوراء حزنا علي الحسين الامام الشهيد، ويرتدي فريق منهم السواد ويصومون تسعة ايام عاشورا الاولي، وبعد انتهاء اليوم العاشر يحرمون اكل اللحم علي انفسهم مدة ثلاثين يوما اخري، وفي اليوم العاشر يهييء الموسرون منهم طعاما لفقرائهم فاذا طلع اليوم العاشر عليهم وقفوا في قراهم او في المزارات المقدسة في علي رش وبير حلان صفوفا رجالا ونساء واطفالاً يلطمون وينوحون ويبكون.
يبدو للمتأمل في اصول عقائد الشبك وفي اجتماعاتهم ورسومهم وعاداتهم بان الرسوم منتزعة من عقائد البكتاشيه والقزلباشيه، والبكتاشيه والقزلباشية ام واب للشبكية وذلك لتوافق رسومهم وعاداتهم وانطباق بعضها علي بعض فهناك توافق كثير في بعض الامور واختلاف في بعضها، وعندنا بان معظم هذه المواسم والمراسم والتي قد تكون موجودة سابقا لا اثر لها الان البتة وخصوصا الاحتفال بليلة رأس السنة، والاحتفال بليلة التعاذر، واحتفالات ليلة الاعتراف، لكن الشبك وخصوصا الشيعة منهم يحرصون ولحد الان علي زيارة مراقد الائمة واحياء مراسيم عاشورا. وعن اوجه الحياة الاجتماعية عند الشبك تناول الاستاذ الصراف العديد من هذه المجالات منها الولادة حيث يذكر ان الشبكي لا يري مولوده مباركا ما لم يبارك له البابا ويدع له بالخير ويقرأ له (الكلبنك)، وعن مراسيم الزواج يظن الاستاذ الصراف ان البابا ايضا هو الذي يتولي العقد ويحضر الافراح في بيت العروس حيث تضرب الدفوف ويرقص المجتمعون علي شك حلقة وتمسي محليا رقصة الجوبي او الدبكة وينذر ان يطلق الشبكي زوجته حتي لو ابتليت بمرض عضال لا يرجي شفاؤه ويظل الشبكي ملازما لزوجته علي علاتها. وفي باب الموت يحضر البابا في دار الشبكي وقد يقوم هو بغسل الميت او رجل تقي وورع ويكفن علي وفق عادة المسلمين وبعد دفنه في مقبرة القرية يضع اهل الميت طعاما يوزع بين فقراء القرية. اما بصدد الزواج بالعلوية يؤمن الشبك بان العلوية المنحدرة من الاصلاب الطاهرة مقدسة بسبب نسبها، لذلك فلا يجوز لغير العلوي ذي النسب الصحيح ان يتزوج علوية. كان الشبك يعالجون مرضاهم وفق عاداتهم فان لم يتماثلوا للشفاء يأخذونهم الي احدي المزارات المقدسة وهذه العادة ليست من عادات الشبك وحدهم فالمسلمون جميعهم يقصدون قبور الاولياء ويفعلون كما يفعل الشبك لمرضاهم، ومن اهم عاداتهم الندب والتوسل بالامام المرتضي والائمة الاثني عشر والاربعين والخمسة والثلاثة خاصة في شدة المرض وفي المواقف المحرجة والشبك يتفاءلون بتسمية ابنائهم باسماء الائمة الاثني عشر ويعتقدون ان الفتي والفتاة المسمي باحد اسماء آل البيت بركة في الدار ورحمة لهم، يدفع الله بهذا الاسم السوء ويبعدهم المكروه فاكثر اسمائهم حسن، حسين، جعفر، صادق، حيدر، مهدي، خديجة، فاطمة، زينب، كلثوم الي غير ذلك من الاسماء التي يعتبرونها مباركة. ولشيوخ الشبك اعلام ترفرف علي بيوتهم ويرفع العلم الاسود في شهر محرم الحرام مشيرا الي المآتم والحزن وبيدهم اكف مصنوعة من البرونز والحديد يجولون بها في الضياع في ايام معدودة فيتهافت عليها الشبك يقبلونها ويتبركون بها، ويسمي الكف (كف العباس) يقصد به الشهيد ابو الفضل العباسي حامل راية الامام الحسين في واقعة كربلاء وهذه العادة موجودة في الفرات الاوسط ايضا. وعن آداب وثقافة الشبك يشير الاستاذ الصراف بان الامية كانت فيهم شائعة وان معظمهم كان لا يحسن القراءة والكتابة باستثناء بعض الشيوخ اي الدده او البير او المرشدين يكتبون ضعيفا ويقرأون ضعيفا، وبهذا اكانت اداب الشبك الذي هو من نوع الادب الديني محصورا في هؤلاء الناس فقط. كان ذلك خلال الربع الاول من القرن العشرين، ولكن بحلول منتصف القرن الماضي ثم فتح المدارس الحكومية في كل قرية من قري الشبك وتم تشييد الجوامع وبعض الحسينيات في معظم قري الشبك، واصبح المجتمع الشبكي مجتمعاً مثقفاً مواكباً للمستجدات العصرية الحديثة وبرز بينهم مثقفون كبار وعسكريون واطباء ومهندسون قدموا للدولة العراقية خدمات جليلية.
وعن اخلاق الشبك يشير الاستاذ الصراف انهم الين اخلاقا من سائر الاقوام القاطنين في قري الموصل الشرقية واحسن من اولئك اريحية وسليقة واكثرهم اعتدالا في كل شؤونهم فصلاتهم مع سائر الناس من سكان الموصل عربا وتركمانا وغيرهم صلات جميلة، وهم اهل زرع وضرع وما زالت البداوة قائمة فيهم، وهم اشد الناس حرصا علي أعراضهم، يستنكفون من الرذيلة ويبتعدون عن الفحشاء والبغاء وليس فيهم فتي مطعون في سلوكه ولافتاة تحوم حولها الريب والشكوك. والشبك اطيب القرويين ذمة فليس فيهم من يقدم علي شهادة الزور ويصطنع الكذب للاضرار بالناس. اما في ما يخص السجايا الاخري من كرم وسخاء وحسن ضيافة منهم سوط لا يضاهون العرب المجاورين لهم في ذلك. ومن خصائصهم انهم من اكثر الطوائف تعصبا للعلويين واشدهم تعلقا بهم.
وأخيراً يشير الاستاذ الصراف الي ان انفس واقدس الكتب الدينية عند الشبك هو كتاب مخطوط يسمي (البرخ٠ تصحيفا لكلمة (بويورق) اي ما يتفضل به. وهذا المخطوط يحتوي علي حوار بين الشيخ صدر الدين والشيخ صفي الدين في آداب الطريقة القزلباشيه وعندنا ان هذا الكتاب لا يعوض عن الكتاب المقدس (القرآن الكريم).
الشبك.. والكبلتاشية
القادمة من بلاد الأناضول
يبحث الصراف في اصل الشبك حيث يشير الي رأي شهاب الدين احمد بن يحي المعروف بابن فضل الله العمري في كتابه (مسالك الابصار من ممالك الامصار) علي موضوع الشبك فيقول في الفصل الثالث من تاريخه ما نصه (الشوك) او (الشول) عن مصطفي جواد، وهؤلاء حكمهم شنكاره (شوانكارا) وعندنا (شبنكارا).
ويؤكد الصراف علي ان عقيدة الشبك عقيدة بكتاشية (بككاشية) قزلياشيه محضة بتطوير وتبديل قليل وان كتابهم المقدس المسمي (مناقب) والبويوروق) قد وضع بلغة تركمانية شديدة الشبه بلغة الشبك الحالية. ولكون الشبك من بقايا الغلاة حسب رأيه فانه تطرق الي تاريخ الغلاة في الاسلام وذكر وجود خمسة كتب رئيسة تبحث في الغلو والغلاة في الاسلام وهي كتاب مقالات الشيعة للنوبختي وكتاب الفرق بين الفرق للبغدادي وكتاب التبصير في الدين للاسفرايني وكتاب الفصل لابن الحزم وكتاب الملل والنحل للشهرستاني والاخير يذكر ان بدع الغلاة محصورة في اربع: التشبيه، والبداء، والرجعة والتناسخ. ويستعرض الاستاذ الصراف مطولا سيرة ومسيرة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام باعتبار ان الغلو اول ظهوره كان في شخص الامام علي وكان مقصورا عليه وحده في العصر الاول ولما استشهد الامام انتقل الغلو من شخصه الي اشخاص ابنائه واحفاده. وفي معرض حديثه عن فرق الغلاة في الاسلام يشير الي اسماء عشرة من هذه الفرق وهي: البيانية، المغيرية، الحربية، المنصورية، الجناحية، الخطابية، الشريعية، النصيرية، البككاشية (البكتاشية) والقزلباشية. وما يهمنا في هذا المقام هو الحديث عن الطريقتين الصوفيتين الاخيرتين: البكتاشية والقزلباشيه في التكايا والخانقاهات والربط والتي اعتنقها بعض المتصوفة في القرن الثامن الهجري. نشأت الطريقة البكتاشية في بلاد الاناضول وهي طريقة صوفية تركية اسسها الحاج بكتاشي ولي المولود في نيسابور والمتوفي سنة ٧٣٨ هــ تلتها طريقة ظهرت في ارديل في شمال ايران طريقة صوفية ثانية سميت بــ (الصفوية) او السرخرية وبالاحري القزلباشية العلوية المغالية. الصفحة ٤٤.
هذا وقد ظهر للاستاذ الصراف من التتبع والتنقيب ان عقيدة الشبك عقيدة بكتاشية قزلباشيه مع وجود فرق يسير فوائد الشبك واوابدهم تكاد تكون بكتاشية محضة وادابهم في الطريقة وسلوكهم في التصوف وشيوخهم جميعهم قزلباشية حاضنة الصفوية التي تأسست في اردبيل التي كانت تسمي بالفارسية القديمة (روئين دز) ولابد لنا من اعطاء لمحة مختصرة عن الطريقتين الصوفيتين لنبين اوجه الشبه التي تدل علي الصلة والقرابة التامة بينهما. البكتاشية طريقة صوفية اسسها الحاج بكتاش ولي الخراساني الاصل النيسابوري المولد وكان من السادة الموسوية اي ممن يتصل نسبهم بالامام موسي الكاظم عليه السلام وقد تتلمذ في خراسن للشيخ لقمان الصوفي الشهير ودرس علي احمد البوي الشهير، توفاه الله سنة ٧٣٨ هــ في عهد السلطان خذا وندكار في قرية (قيرشهر). ودفن في محل سمي باسمه (حاجي بكتاش) ومازال مرقده مزارا يؤمه اهل التصوف وقيل ان المؤسس الحقيقي للطريقة البكتاشية هو (بالم بابا) المتوفي سنة ٩٢٢هــ الا انه ذكر في بيان الاولياء علي انه (البير الثاني) فيكون الحاج بكتاشي هو (البير الاول). وقد تأثرت البكتاشية بالحروفية تأثرا عظيما ولذلك فلفضل الله الحروفي وكتابه (الجاويدان) المقام الاسمي عند البكتاشية وقد تفشت هذه الطريقة في الاناضول والبلقان فدان بها الالبانيون، وعندما حصل لهم الاتصال الوثيق بالانكشارية صاروا لهم بمثابة الائمة، بل انهم كثيرا ما يطلق اسم البكتاشية علي لانكشارية فيقال لهم (اتباع الحاج الكتاشي).
عقيدة التثليث
يري الصراف ان البكتاشية من الغلاة في الاسلام يحبون الامام علي حبا مفرطا ويبجلون الائمة الاثني عشر تبجيلا عظيما سيما الامام جعفر الصادق ويرددون كلمات الله محمد علي والتي سماها بعقيدة التثليث كما هو الحال في النصرانية التي تقوم مقام الاب والابن وروح القدس. وعندنا (الباحث) لا نري عقد هذه الصله والمقارنة صحيحيا البتة. ويشير الاستاذ الصراف الي عادة الاعتراف عند البكتاشية كما في النصرانية، فالباكتاشي اذا اخطأ او ارتكب اثما هرع الي (البابا) واعترف له بما ارتكبه وتلقي منه المغفرة، ويضيف انهم شديدوا الاهمال كثيروا التهاون في اداء الفرائض الاسلامية. واخيرا فان البكتاشيه طريقة صوفية لا يتيسر الانخراط في سلكها الا بعد مضي مدة التجربة وهي الف يوم ويوم. ولدي التدقيق في عقائد الشبك ورسومهم واوابدهم نراها عينا هي نفس عقائد البكتاشية والشبك كالبكتاشيه يكررون في اجتماعاتهم لفظة الف الله م محمد ع علي تكرارا مستمرا متواليا في جميع اذكارهم واورادهم وادعيتهم. الصفحات ٤٥ ــ ٤٨.
اما القزلباشيه فكانت في بدء نشأتها تسمي (الصوفية) نسبة الي مؤسسها قطب الاقطاب صفي الدين اسحق الاردبيلي المتوفي سنة ٧٣٠ هــ وهو الجد السادس للشاه اسماعيل الصفوي، وكان من المشاهير في الزهد والمعرفة والسلوك تتلمذ للشيخ زاهد الجيلاني (الكيلاني). ولما توفي الشيخ زاهد كان خليفته في الهداية والارشاد. ومقبرة الشيخ صفي الدين مقدسة في اردبيل يقصدون زيارتها من البلاد الشاسعة تنذر لها النذور وهي مزينة بالفسيفساء وقناديل الذهب والفضة. له مضيف معد لضيافة الطبقات المختلفة من الناس، وله طبل خاص يضرب في اوقات الفداء اعلاما للضيوف. وفي اردبيل قبر صفي الدين وولده صدر الدين الذي يعرف باسم الشيخ موسي ابن الشيخ صفي الدين الاردبيلي ويعرف بجليل العجم، وهو من العلماء العرفاء قام بالارشاد سنة ٧٣٥هــ في حياة ابيه. ويظهر ان وصايا كتاب المناقب قد نقلها عن لسانه مريدوه كما ورد في اثار الشيعة لعبد العزييز الجواهري.
وفي المقبرة نفسها في اردبيل يوجد قبر حيدر بن جنيد وشاه اسماعيل بن حيدر والشاه طهما سب وقبرا اسماعيل وخمرة ميرزا وقبر شاه عباس الاول. هذا وقد سميت الطريقة الصفوية بــ (القزلباشيه) في عهد الشاه اسماعيل الصفوي حينما التفت حوله قبائل استاجلوا، وشاملو، وبنكلوا، وبهارلو، وذو القدرة، وفجر، وافشار، فألبسهم الطرابيش الحمر فسموا القزلباش و(القزل) هو الاحمر بالتركية و(الباش) الرأس، فيفهم من هذا ان الصفوية تبدل اسمها فصارت قزلباشية بعد مرور عصرين لان مؤسس الطريقة الصفوية وهو الشيخ صفي الدين توفي سنة ٧٣٠ هــ كما اسلفنا وجلس الشاه اسماعيل علي اريكة الملك سنة ٩٠٦هــ وؤتوفي سنة ٩٣٠ هــ فتكون المدة بين مؤسس الصفوية وحفيدة ٢٠٠ سنة.
اذن اتخذ الشاه اسماعيل الصفوي شعار القزلباش ــ اصحاب العمائم الحمر رمزا لجيشه وهذا الرمز مستمد من (تاج حيدر) الاحمر ذي الاثنتي عشرة ذوابه كناية عن الاثنتي عشر اماما.
والقزلباشيه فرقة دينية منتشرة في بر الاناضول وتعتبر شيعية المذهب في نظر المسلمين وهي تقارب كل المقاربة نصيرية سورية وهم يسمون انفسهم العلوية اي من فرقة علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، وبين القزلباشية اكراد واخرون هم ترك واغلبهم لا يتكلمون الا التركية، ومما يؤخذ عليهم انهم يخالفون المسلمين بامور منها انهم لا يحلقون رؤوسهم ويعفون لحاهم ويتقاعسون في اداء الفرائص الاسلامية الرئيسة، ولديهم بعض البدع التي يذكرها الاستاذ الصراف في كتابه وعندنا (الباحث) لا نري صحتها والقزلباشية يحترمون احتراما جليلا بعض الاشجار ولهم اكرام للشمس والقمر ولينابيع الانهر. واشهر مواضعهم المقدسة هي ما عدا تكية خوبيار يحترمون تكية (سويجي) وبير سلطانلي ويلنجق وحاجي بكتاش، وعددهم علي ما يظن يجاوز المليون (في بدايات الثلاثينيات والاربعينيات) من القرن العشرين: الباحث) بين كرد يسكنون في درسين وعندنا انها درسيم وملاطية وترجان وارزنجان وقسم من ولايتي سيواس وتبليس، واتراك يسكنون ولايات معموة العزيز وسيواس وانقرة. وفي افغانستان يسمي القزلباشية مهاجرين من هذا الاصل التركماني ويعتبرون مع (الطاجيك) و(النهدكي) اهم الطبقة المتوسطة وقد جاءوا الي تلك الديار من فارس (ايران) بعد نادر شاه الذي اسكنهم في كابل وفي عدة ولايات اخري ليكونوا حماة لها يذودون عن حياضها، وهم لا يختلطون بسائر السكان. وفي كابل اغلب موظفي البلاط وسائر الدواوين يؤخذون منهم، وفي هرات بيدهم التجارة والصناعة، ويتكلمون الفارسية وبينهم من يتكلم التركية، عددهم في افغانستان كان في منتصف القرن العشرين ٧٥٠٠٠ كما ورد في دائرة المعارف الاسلامية. واخيرا توصل الاستاذ الصراف الي جملة من الحقائق عن عقيدة الطريقتين البكتاشية والقزلباشية في بداية نشأتهما وجملة اخري من الحقائق عن سيرة ومسيرة زعماء الطريقتين الحاج بكتاشي ولي والشيخ صفي الدين الاردبيلي نستعرضهما في الفقرة الاتية.
اتفق جميع المترجمين للحاج بكتاشي ولي والشيخ صفي الدين علي ان الرجلين كانا من العباد والزهاد المشهورين ومن اتقي المسلمين سريرة في عصرهما وقد اشتهرا بالصلاح والتقوي والفضل. واذا لاحظنا ان الحاج بكتاشي توفي سنة ٧٣٨هــ والشيخ صفي الدين توفي سنة ٧٣٥ هــ نفهم ان الزاهدين الصفوين كانا متعاصرين وانهما اسسا طريقتيهما في زمن واحد، كذلك اننا لا نتردد ان نسجل اننا لم نعثر لا في المؤلفات التركية ولا في المؤلفات الفارسية علي خبر او رواية تنص علي ان الحاج بكتاشي ولي مؤسس الطريقة البكتاشية والشيخ صفي الدين مؤسس الطريقة الصفوية كانا من ذوي البدع المغالين بل بالعكس نجد الثناء عليهما وعلي ورعهما وسلوكهما واستقامتهما كثيرا، فقد لقب الحاج بكتاشي بالولي، كما لقب الشيخ صفي الدين بقطب الاقطاب واللقب الاخير من اعلي الدرجات والمراتب عند الصوفية واللقبان دليلان صريحان علي قدسية الشيخين عند معاصريهما بلا منازع. وبالنظر لكل ما تقدم تمكن الاستاذ الصراف من الوصول الي نتائج مهمة جدا توضح لباب الطريقتين ومعتقداتهما والتي يمكن اجمالها بالنقاط الاتية:
اولاً: لم يكن في البكتاشية والصوفية عند تأسيسهما اي جانب من جوانب الغلو.
ثانياً: ان الحاج بكتاشي ولي والشيخ صفي الدين براء مما في الطريقتين من البدع والترهات والانحرافات والسخافات البعيدة كل البعد عن روح الاسلام وتعاليمه واحكامه وفرائضه.
ثالثاً: ان تاريخ البدع التي تسربت الي الطريقتين مجهول.
رابعاً: لا يوجد اي نص في جميع المؤلفات التي تعرضت للقزلباشية بانها تهمل الفرائص والاركان الاسلامية وتدين بطريقة الاعتراف لنيل الغفران كالبكتاشية.
خامساً: ليس في كتاب المناقب المنشور في اخر كتاب الاستاذ الصراف ما يشم منه رائحة الزيغ والضلال، فهو كتاب يحتوي علي حوار في آداب الطريقة بين الشيخ صدر الدين وبين قطب العارفين الشيخ صفي الدين بن اسحق الاردبيلي.
سادساً: ان الشبك اقرب الي البكتاشية منها الي القزلباشيه.
سابعاً: صلة الشبك بالقزلباشيه هي وجود كتاب (المناقب) فقط. الصفحات ٤٨ ــ ٤٩ للاعداد اهمية خاصة في الاجتماعات التي يعقدها، الشبك، حيث يكثرون من الالتماس والاستغاثة في اذكارهم واورادهم باعداد لا تتجاوز السبعة وهذه الاعداد هي: الثلاثة، الخمسة، السبعة، الاثني عشر، الاربعة عشر، والاربع.ون، وكل عدد من هذه الاعداد ترمز عندهم الي امور دينية مقدسة. الثلاثة هم الله ومحمد وعلي. الخمسة وهم الرسول محمد صلي الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ويسمون باصحاب الكساء. ويرمز العدد سبعة الي درجات ومراتب اهل الطرق الصوفية وهي: المنتسب، المريد، الدرويش، المرشد، البير ــ اليابا، القلندر، الرند، والقطب. الاثنا عشر ويرمز الي الائمة الاثني عشر وهم الامام علي المرتضي والحسن المجتبي، والحسين الشهيد بكربلاء، وعلي بن الحسين زين العابدين (السجاد) ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسي الكاظم، وعلي النقي (الهادي)، وحسن العسكري، ومحمد المهدي، ويرمز العدد اربعة عشر الي الائمة الاثنا عشر يضاف اليهم اسم الرسول (ص) واسم ابنته فاطمة الزهرا. والاربعون وهم الابدال او الواصلون وهؤلاء لا يعرفهم الناس ولا يرونهم لانهم رجال الغيب او رجال الله وجند الله وان الله منحهم قوة وزودهم قدرة علي حفظ نظام الدنيا وفي مقدمة ذلك اغاثة الملهوف ومعاونة المظلوم.
الشبك.. شيعة مندمجون
منذ قرون في مجتمع سنّي
كرس الصراف صلب مادته عن الشبك في الفصل الثاني من كتابه حيث تناولت ابوابه نفوسهم ولغتهم واصلهم وصناعتهم وقراهم وما الى ذلك من امور جوهرية يتوق لها القاريء حيث اورد ان الشبك جماعات من الاتراك تقطن في قري الجانب الشرقي من مدينة الموصل وعددهم علي وجه التقريب بين عشرة الاف وخمسة عشر الف نسمة
وهم مختلطون مع عشائر الباجلان الذين يسمون بالباجوان في الديار الموصلية والتركمان والاكراد والعرب والصادلية والنصاري، ولسانهم خليط من الكردية والفارسية والتركية والاخيرة غالبة علي لسانهم ويحسنون التكلم باللغة العربية بحكم اختلاطهم مع العرب في مركز محافظة نينوي (الموصل) وبالرغم من ان اصل الشبك لم يقطع فيه لكن الصراف يري انهم اتراكا بسبب ان الاتراك احتلوا شمال العراق وسكنوا قري الموصل في عهد السلطان طفرل بك السلجوقي الذي هبط العراق مع عدد كبير من الاتراك لاغاثة الخليفة القائم بامر الله العباسي والقضاء علي سلطان الدولة البويهية وعلي البساسيري الثائر احد قادة تلك الدولة سنة ٤٤٧ هــ ويستند في رأيه كذلك علي نص ابن تفري بردي صاحب النجوم الزاهرة بان العشيرتين التركيتين القره قونيلي والاق قونيلي سكنتا شمال العراق وانهما كانتا متشيعتين اي شيعة كالشبك الاوائل الذين استوطنوا في ريف شرقي نينوي العراق (الموصل). ويشير كذلك الي تعليق قديم ورد في الجزء الاول من تاريخ (السلوك المعرفة دول الملوك) للمقريزي ص ٣ و ٤ ان الاكراد هم قبائل منهم الشنبكية ويقصد بهم الشبك الحاليون، وأخيرا يري انه يوجد بصيص من نور يلقيه شهاب الدين احمد بن يحي المعروف بابن فضل الله العمري في كتابه؟مسالك الابصار في ممالك الامصار علي الموضوع) اي موضوع اصل الشبك وتسميتهم، حيث يقول في الفصل الثالث من تاريخه ما نصه (الشوك) او (الشول) باللام حسب رواية الدكتور مصطفي جواد وهؤلاء حكمهم شنكاره وهي (شونكارا) وعندنا (شبنكاره). وفي معرض حديثه عن اصل الشبك يؤكد ان عقيدة الشبك عقيدة بكتاشيه ــ قزلباشية محضة بتطوير وتبديل قليل وان كتابهم المقدس المسمي (مناقب) او (البويوروق) قد وضع بلغة تركمانية شديدة الشبه بلغة الشبك الحالية.
وفي معرض حديثه عن الشبك التي تجول فيها كثيرا وتحدث الي كثير من سكانها رغبة في تعيين اسماء القري التي يسكنها الشبك ووحدها آهلة بخليط من الشبك والباجلان (الباجوان) والاكراد والتركمان والعرب والصادلية واخيرا استعان بالدكتور داود الجلبي فتفضل عليه بقائمة نشرها في كتابه وتطرقنا الي اسماء تلك القري في صفحات سابقة من البحث. هذا وقد تحقق من صحة القائمة التي ارسلها اليه الدكتور الجلبي والتي صنف فيها اجناس ولغات الاقوام القاطنين في تلك القري وقام بمقارنتها بالقائمة التي تفضل بارسالها اليه الاديب اللامع السيد عبد الجواد مدير تحريرات لواء الموصل اوانئذ والقائمة منشورة في كتاب الصراف في الصفحات ٩٤ ــ ٩٥ وهي لا تختلف كثيرا عن قائمة الدكتور الجلبي.
اما في باب العبادات اشار الاستاذ الصراف ان الشبك لا يؤدون الصلاة كسائر المسلمين ويكتفون بصلاة واحدة في ليلة الجمعة وهم قعود علي شكل حلقة ويكون الاجتماع في دار البير الذي يبدأ بتلاوة ما يستظهره علي قلبه من (الكلبنك) والكلمة مركبة من كلمتين (كل) اي زهر و (بنك) صوت من الفارسية وتتصحف هذه الكلمة احيانا في كتب العرب الي (كلبند)، كما جاء في الدر المكنون في المآثر الماضية من القرون للشيخ ياسين بن خير الله العمري. ومن ثم يأمر البير الحاضرين ان يسجدوا فيسجدون.. الخ. كما ان الشبك لا يصومون شهر رمضان الا انهم يصومون تسعة ايام من العشرة الاولي من شهر محرم الحرام. والشبك لا يزكون اموالهم كسائر المسلمين، الا انهم يعطون من حاصلاتهم الزراعية ما يسمونه خمس الجد لاناس يعتقدون انهم سادة من صلب النبي. والشبك لا يحجون الي بيت الله الحرام ولكنهم يقصدون العتبات المقدسة بالنجف وكربلاء ويشرعون بالاتصال بمجتهدي الشيعة والحج لا يتم عندهم الا لسبع مرات. وعندنا ان الشبك شيعة وسنة مسلمون متمسكون باركان الدين الاسلامي الحنيف ويؤدون فريضة الصلاة كسائر المسلمين ويصومون رمضان، كما ان الشبك الشيعة بالاضافة الي صوم رمضان فانهم يصومون تسعة ايام من شهر محرم الحرام، وهم يزكون اموالهم والشبك الشيعة يدفعون الي سادتهم خمس الجد. والشبك يقومون بتأدية فريضة الحج الي الديار المقدسة ولدينا من الشواهد في قري الشبك والباحلان ممن قاموا بتأدية هذه الفريضة مشيا علي الاقدام، ويزور الشبك الشيعة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء وسامراء وبغداد وكل اضرحة الائمة علي امتداد العراق. وتنتشر الجوامع وبعض الحسينيات في معظم قري الشبك والباجلان تقام فيها الصلوات الخمس وخطبة الجمعة، وما تقاعس واهمال البعض لبعض الفرائص الاسلامية ووجود بعض الغلاة سابقا في مجتمع الشبك والباجلان كسائر المجتمعات الاخري في ارجاء المعمورة الا حالات نشاز غير مقبولة مطلقا ولن تكن مستساغة البتة.
وبقدر تعلق الامر بمواسمهم ومراسمهم الدينية يورد الاستاذ الصراف نصوصا عنها حيث للشبك مواسم دينية خاصة يحتفلون بها صارت من عاداتهم وتقاليدهم التي لا تخرج عن حظيرة عقيدتهم، وهذه المواسم هي:
١ ــ ليلة رأس السنة، وهي من الليالي المقدسة وتكون في الليلة الاولي من شهر كانون الاول (يناير) من كل سنة ولهم احتفال خاص بها، ويجوز ان يكون الاحتفال به في العشر الايام الاولي او العشر الثانية منه. ٢ ــ ليلة التعاذر او ليلة التغافر التي يعقد فيها الشبك اجتماعات خاصة في ليالي الجمعة وذلك لازالة الاحقاد والبغضاء من قلوب الشبك واحلال الحب والسكينة فيها يغفر المتباغضون بعضهم لبعض ويصطلحون فيها، ولها مراسم خاصة يقوم بها اثنا عشر شخصا برئاسة البابا البير، ويعتبر الاجتماع في ليلة التعاذر من الاجتماعات المقدسة، والاثنتا عشر شخصا هم رمز الاثني عشر معصوما من ائمة الشيعة وهم: البير، البابا اي الشيخ وهو الرأس عند الشبك، الرهر وهو الدليل وله مقام ادني من مقام البير، حامل الجراغ اي حامل المصباح او الشمعة، حامل المكنسة ويتولي كنس دار البير المعد للاجتماع السقاء الموكل بسقاية المجتمعين، اربع خدام وبوابان يلازمان باب دار البير.
٣ ــ ليلة الاعتراف، وهي الليلة التي يتقدم بها الشبكي الي البابا فيعترف له بخاطياه وذنوبه وفيها ينشد البابا (الكلبنك) الخاص بالاعتراف وقد يجاريه في الانشاد الرهير. وقد اقتبس الشبك عادة الاعتراف بالذنوب من البكتاشية فصارت جزءا من تعبدهم، كما انهم اكتسبوا عادة التناول من البكتاشية ايضا. وهذه المراسيم كما انها من عادات الشبك فانها من شعائر البكتاشية، وللشبك اتصال وثيق بالبكتاشيه وكانوا يراجعون ولد جلبي في قونيه ويتلقون منه الارشاد كما كان لهم اتصال بتكية اردبيل فكان (الباب ــ البير ــ الدده) يشد الرحال الي اردبيل لينال اجازة من شيوخ التكية فيها. وفي اردبيل انتشر مذهب القزلباشية ــ السرخ سر ــ والشبك والكاكئية والقزلباشية والبكتاشيه والعلوية والنصيرية من اصل واحد، فشعائرهم وعاداتهم متشابهة متجانسة كأنها من معين واحد.
٤ ــ مراسم الدخول في الطريقة وهي مراسم خاصة يقوم بها البابا ويساعده علي ذلك الرهبر. وكل من اراد الدخول في الطريقة الصوفية يسمي صوفيا يجب عليه ان يفتش عن شخص اخر ليعاشره ويصاحبه هو وزوجته ليكونا اربعة مدة اربعين يوماً او سبعين يوما.
٥ ــ زيارات مراقد الائمة حيث يقدس الشبك الائمة الاثني عشر الذين يقدسهم الشيعة الامامية ويعدونهم ائمتهم المكرمين المعصومين فينذرون لهم النذور ويقدمون باسمائهم القرابين ويتغنون بالقصائد (كلنبك) بمآثرهم وكراماتهم ومعجزاتهم تقربا اليهم وطلبا للشفاعة منهم. وللشبك مواسم عامة ومواسم خاصة لزيارة المراقد والعقبات المقدسة، ومواسمهم العامة هي عين مواسم الشيعة الامامية كيوم عاشورا ويوم مرد الرأس، ويوم الخامس عشر من رجب وكذلك الخامس عشر من شهر شعبان يوم ذكري مولد الامام المهدي الغائب المنتظر. اما مواسمهم الخاصة فهي زيارة مرقد العباس في قرية العباسية ومرقد حسن فردوش في قرية الدراويش ومرقد زين العابدين في قرية علي رش ورجم قبر عبد الله بن زياد في موقع شرقي الموصل.
٦ــ العشرة الاولى من محرم الحرام حيث يقيم الشبك المناحات والمآتم فيبكون وينوحون ويلطمون ولهم في ذلك اهازيج خاصة وتسمي مراسيم عاشوراء حزنا علي الحسين الامام الشهيد، ويرتدي فريق منهم السواد ويصومون تسعة ايام عاشورا الاولي، وبعد انتهاء اليوم العاشر يحرمون اكل اللحم علي انفسهم مدة ثلاثين يوما اخري، وفي اليوم العاشر يهييء الموسرون منهم طعاما لفقرائهم فاذا طلع اليوم العاشر عليهم وقفوا في قراهم او في المزارات المقدسة في علي رش وبير حلان صفوفا رجالا ونساء واطفالاً يلطمون وينوحون ويبكون.
يبدو للمتأمل في اصول عقائد الشبك وفي اجتماعاتهم ورسومهم وعاداتهم بان الرسوم منتزعة من عقائد البكتاشيه والقزلباشيه، والبكتاشيه والقزلباشية ام واب للشبكية وذلك لتوافق رسومهم وعاداتهم وانطباق بعضها علي بعض فهناك توافق كثير في بعض الامور واختلاف في بعضها، وعندنا بان معظم هذه المواسم والمراسم والتي قد تكون موجودة سابقا لا اثر لها الان البتة وخصوصا الاحتفال بليلة رأس السنة، والاحتفال بليلة التعاذر، واحتفالات ليلة الاعتراف، لكن الشبك وخصوصا الشيعة منهم يحرصون ولحد الان علي زيارة مراقد الائمة واحياء مراسيم عاشورا. وعن اوجه الحياة الاجتماعية عند الشبك تناول الاستاذ الصراف العديد من هذه المجالات منها الولادة حيث يذكر ان الشبكي لا يري مولوده مباركا ما لم يبارك له البابا ويدع له بالخير ويقرأ له (الكلبنك)، وعن مراسيم الزواج يظن الاستاذ الصراف ان البابا ايضا هو الذي يتولي العقد ويحضر الافراح في بيت العروس حيث تضرب الدفوف ويرقص المجتمعون علي شك حلقة وتمسي محليا رقصة الجوبي او الدبكة وينذر ان يطلق الشبكي زوجته حتي لو ابتليت بمرض عضال لا يرجي شفاؤه ويظل الشبكي ملازما لزوجته علي علاتها. وفي باب الموت يحضر البابا في دار الشبكي وقد يقوم هو بغسل الميت او رجل تقي وورع علي وفق عادة المسلمين وبعد دفنه في مقبرة القرية يضع اهل الميت طعاما يوزع بين فقراء القرية. اما بصدد الزواج بالعلوية يؤمن الشبك بان العلوية المنحدرة من الاصلاب الطاهرة مقدسة بسبب نسبها، لذلك فلا يجوز لغير العلوي ذي النسب الصحيح ان يتزوج علوية. كان الشبك يعالجون مرضاهم وفق عاداتهم فان لم يتماثلوا للشفاء يأخذونهم الي احدي المزارات المقدسة وهذه العادة ليست من عادات الشبك وحدهم فالمسلمون جميعهم يقصدون قبور الاولياء ويفعلون كما يفعل الشبك لمرضاهم، ومن اهم عاداتهم الندب والتوسل بالامام المرتضي والائمة الاثني عشر والاربعين والخمسة والثلاثة خاصة في شدة المرض وفي المواقف المحرجة والشبك يتفاءلون بتسمية ابنائهم باسماء الائمة الاثني عشر ويعتقدون ان الفتي والفتاة المسمي باحد اسماء آل البيت بركة في الدار ورحمة لهم، يدفع الله بهذا الاسم السوء ويبعدهم المكروه فاكثر اسمائهم حسن، حسين، جعفر، صادق، حيدر، مهدي، خديجة، فاطمة، زينب، كلثوم الي غير ذلك من الاسماء التي يعتبرونها مباركة. ولشيوخ الشبك اعلام ترفرف علي بيوتهم ويرفع العلم الاسود في شهر محرم الحرام مشيرا الي المآتم والحزن وبيدهم اكف مصنوعة من البرونز والحديد يجولون بها في الضياع في ايام معدودة فيتهافت عليها الشبك يقبلونها ويتبركون بها، ويسمي الكف (كف العباس) يقصد به الشهيد ابو الفضل العباسي حامل راية الامام الحسين في واقعة كربلاء وهذه العادة موجودة في الفرات الاوسط ايضا. وعن آداب وثقافة الشبك يشير الاستاذ الصراف بان الامية كانت فيهم شائعة وان معظمهم كان لا يحسن القراءة والكتابة باستثناء بعض الشيوخ اي الدده او البير او المرشدين يكتبون ضعيفا ويقرأون ضعيفا، وبهذا اكانت اداب الشبك الذي هو من نوع الادب الديني محصورا في هؤلاء الناس فقط. كان ذلك خلال الربع الاول من القرن العشرين، ولكن بحلول منتصف القرن الماضي ثم فتح المدارس الحكومية في كل قرية من قري الشبك وتم تشييد الجوامع وبعض الحسينيات في معظم قري الشبك، واصبح المجتمع الشبكي مجتمعاً مثقفاً مواكباً للمستجدات العصرية الحديثة وبرز بينهم مثقفون كبار وعسكريون واطباء ومهندسون قدموا للدولة العراقية خدمات جليلية.*مجلة (تركمان العراق) السنة (1) ، العدد ( 4)، مايس- حزيران 2004
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين يسعدني أنا (الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف )أن ارحب بكم في مدونتي الثانية مدونة الدكتور ابراهيم خليل العلاف ..واود القول بانني سأخصص هذه المدونة لكتاباتي التاريخية والثقافية العراقية والعربية عملا بالقول المأثور : " من نشر علما كلله الله بأكاليل الغار ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار " .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل
الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...
-
(السسي) من جرزات الموصل المشهورة - ابراهيم العلاف * وعندما تحدثت عن جرزات او كرزات الموصل وقفت عند السسي ويبدو ان هناك من يحب السسي وسأل...
-
أهلا بنابتة البلاد ومرحبا جددتم العهد الذي قد أخلقا لاتيأسوا أن تستردوا مجدكم فلرب مغلوب هوى ثم إرتقى مدتْ له الامال من أفلاكها ...
-
وردحاق صاق ناصي ..............ورد الحق وصاغ النصيب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل حين قدمتُ حلقة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق