الاثنين، 19 يونيو 2023

المرأة الموصلية ومكانتها الاجتماعية


 


المرأة الموصلية ومكانتها الاجتماعية

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

وقبل ان أتحدث عن مكانة المرأة الموصلية في المجتمع ، يجب  الاشارة الى ان اهل الموصل يعزون المرأة ، ويقدرونها ويضعونها في المكانة التي تستحقها ويظهر هذا في تعاملهم اللطيف معها وفي مواقفهم منها اما واختا وزوجة وعمة وخالة وجدة .المهم انهم في امثالهم التي تعكس رؤاهم في الحياة وخلاصة تجاربهم الممتدة عبر الاف السنين يرونها (بناء ) ويرون الرجل ليس الا عامل (فاعل ) عندها .

ولازلت اذكر ، وعمري بدأ يقترب من الثمانين ، كيف كانت مكانة جدتي في البيت ، وكيف كانت لها كلمتها الحاسمة وكيف كان جدي واولادها واقاربنا ينصتون اليها ، ويستشيرونها في امورهم وامور دنياهم مع انها كانت لا تقرأ ولا تكتب .

المرأة الموصلية مدبرة ، واقتصادية تشد من أزر الرجل حتى ان هناك من يقول ان من اراد ان يزوج إبنه فعليه بالفتاة الموصلية ، ومن اراد ان يزوج ابنته فعليه ان يزوجها لشاب بغدادي ، فهو يسعدها ، ويرفهها بينما الفتاة الموصلية تدبر لزوجها وتشد ازره  حيث لم تمض الا فترة قصيرة الا وقد بنى او اشترى بيتا واشترى سيارة .هي مقتصدة ، وتقف الى جانب زوجها ،  وتدفعه نحو التقدم والنجاح وتتباهى به وتفخر .

المرأة الموصلية ، فضلا عن ذلك ذكية لماحة تعرف ما يريده زوجها فتقوم بواجباتها الزوجية  والعائلية على أحسن ما يكون ، وهي تترقب الرجل  وتنتظره عندما يعود من عمله لتقوم بخدمته وتخفف من اعباء يومه ، وان كانت موظفة فهي تقف الى جانبه وتشاركه في مصاريف البيت ، وفي تربية الاطفال ورعايتهم .

اتذكر جدتي كانت كما وجدتها وكأنها قد نسيت اسم زوجها فلم اسمعها مرة تناديه بإسمه ، وانما سمعناها تقول جاء (هو ) وذهب ( هو) ، ومرة قرأت عن امرأة موصلية وقد اقتربت من الثمانين عن اسم زوجها فقالت انها لا تتذكر اسمه وطبعا هذا يأتي من احترامها وتقديرها لزوجها .  

المرأة الموصلية ، كما شاهدتها ، وانا طفل في الاربعينات والخمسينات كانت تعاون الرجل في عمله .كانت جدتي تُصلح الكواني ، وتعيد ترقيعها لاستخدامها مرة اخرى في العلوة ، علوة  سوق الحنطة حيث كان جدي يعمل علافا  يبيع الحنطة والشعير ، ودائما اقول لمن يجالسني انني لم ار مرة نساء الموصل جالسات بدون عمل كن يستخدمن المغزل و(الدوك) في الغزل والنسج في البيت كما كن يعملن فيما  كنا نسميه (لف الورق ) ورق السيكاير للتوتونجية وباجور تصلهن الى البيت .

ولا ننسى دور المرأة الموصلية في تهيئة مؤونة البيت (الموني)  وتلبية احتياجاته وقيامها بإدارته والاسهام في المناسبات الاجتماعية للأهل والاقارب والجيران وعلى المرأة أن تدرب بناتها وزوجات ابناءها  (جناتها) على الطبخ وغسيل الملابس وتلبية احتياجات البيت المختلفة .

كما ان على المرأة وخاصة الجدة ام الاب والنانة ام الام (ستو) ان تخلق عند الاولاد والبنات عادات وقيم تعتمد الصدق ، والصراحة ، والشجاعة،  والكرم والوفاء ، وعدم التبذير ، واحترام الكبير ، والعطف على الصغير .

المرأة الموصلية كانت تكتفي من الملابس فلا بذخ ؛ فستان في الصيف وفستان في الشتاء ولم تكن ادوات الزينة الا الديرم ، والاسبيداج  ، والكيل ، وطين الخاوة  ، وكانت من تسمى (الحفافة) تأتي الى البيت بين فترة واخرى لتجميل النساء وكن يذهبن كل اسبوع الى الحمام الشعبي وثمة يوم مخصص للنساء او ان هناك في الموصل حمامات للنساء وكانت للبنات الابكار حمامات شعبية خاصة بهن في مرحلة من مراحل تاريخ الموصل وهي مرحلة ما قبل الحرب العظمى اي الحرب العالمية الاولى .

والمرأة الموصلية ، كانت ولاتزال معروفة بالحياء ، وعدم الخروج من البيت الا اذا كانت هناك حاجة تستدعي الخروج .. وقد عرفت المرأة الموصلية بقدرتها على اداء الواجب والضيافة عند زيارتها لإحد او قيام الاخريات بزيارتها في البيت .

دخلت المرأة الموصلية الوظيفة في العشرينات والثلاثينات فكان هناك معلمات ومدرسات وطبيبات ومهندسات ومحاميات ومحاسبات وعاملات  وموظفات في دوائر الدولة .. والمرأة الموصلية مخلصة في اداء دورها الوظيفي وبرزت في الموصل نساء اشتهرن في مجالات الحياة المختلفة كتبت عن بعضهن في كتابي (نساء عراقيات) .

والمرأة الموصلية في الريف ، تشارك الرجل في الزراعة والرعي وفي الكثير من الاعمال وهي متحررة اجتماعيا اكثر من المرأة في المدينة .

وفي الموصل وفي كل محافظة نينوى لدينا نساء شاعرات ، واديبات ، وصحفيات وكاتبات قصة ورواية ، وفنانات تشكيليات واستاذات في الجامعة  يمكننا ان نفخر بما قدموه في هذه المجالات الثقافية والاجتماعية .

19-6-2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...