قبر المؤرخ الكبير عز الدين بن الاثير في الموصل ويعرفه العامة بإسم (قبر البنت)
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –
جامعة الموصل
الناس ، وخاصة العامة منهم في
الموصل هم من يسمون الضريح ضريح المؤرخ الكبير عز الدين بن الاثير ب( قبر البنت) ، ومنهم من يعلم ان هذا هو قبر المؤرخ الموصلي الكبير عز الدين بن
الاثير . واتذكر ان مندوب جريدة (الراية ) القطرية في بغداد سألني عن السبب الذي
جعل الناس يسمون هذا القبر بقبر البنت ، واجبته كما اجابته تلميذتي وزميلتي
الدكتورة ميسون العبايجي وقد ظهر التحقيق منشورا في يوم 9 اكتوبر –تشرين الاول سنة
1998 بعنوان : (حوامل يسألن الله البنات عند قبر ابن الاثير ) .
وقصاصة الجريدة ، لاتزال عندي في
أرشيفي فقد جاء فيها : ما عليك الا ان تقول للموصليين ، انك تبحث عن (قبر البنت )
حتى تجد أدلاء كثيرين يقودونك نحو قبر المؤرخ العربي الموصلي ابن الاثير ، وانت
تبحث عن سر تلك التسمية فتكتشف بعض الغوامض المثيرة التي ربما تبرر التسمية .
وقد كشفت السر الذي يحويه (قبر
البنت ) واجبت بالقول ان هذا القبر هو مثوى المؤرخ الموصلي ابن الاثير ، وان ابن
الاثير لكثرة تأدبه والتزامه الهدوء والسكينة في تعامله مع الناس يشبه البنت ..وهو
يشبه البنت بالفعل كان جميلا ، وحييا يلبس غترة بيضاء يلف بها رأسه ووجهه ولما
توفي ودفن في هذا المكان اطلق الناس عليه تسمية قبر البنت وهذه حقيقة لا يعلمها
كثيرون .
وعز الدين بن الاثير هو ابو الحسن
علي ابن ابي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني ، ولد في
جزيرة ابن عمر شمال مدينة الموصل وكان والده يتمتع بجانب كبير من الثراء ، وله
بساتين كثيرة وقد، ولد سنة 555 هجرية اي سنة 1160 ميلادية ، وتوفي سنة 630 هجرية
اي سنة 1232 ميلادية وشقيقاه مجد الدين ابو السعادات مبارك ، وضياء الدين ابو
الفتح نصر الله كانا في حياتهما يتمتعان بمكانة علمية وثقافية عالية الا انه كان
ابعد منهما معرفة وطموحا .
ومن مؤلفاته ( الكامل في التاريخ )
وكتاب ( الباهر في الدولة الاتابكية ) ، وكتاب (أُسد
الغابة في معرفة الصحابة ) ، وكتاب ( اللباب في تهذيب الانساب ) ،
وكان يتوجه بجهوده العلمية ، نحو
تسجيل المعلومات المتعلقة بالإدارة والاجتماع والاقتصاد والعمران فكتب عن المدن
الاسلامية وتولى شؤون الخزانة والامارة والديوان في عهود مختلفة .
وقد كرمته مدينة الموصل ، واطلقت
اسمه على اكبر قاعة فيها وهي ( قاعة ابن الاثير ) .كما اطلقت اسمه على شارع مهم من
شوارع المدينة القديمة هو شارع ابن الاثير الذي يربط باب سنجار بالمستشفى الجمهوري
كما أطلقت اسمه على مدارس وميادين وساحات .
والظاهر ان ابن الاثير لم يتزوج حتى
وفاته حيث دفن في الجانب الايمن من مدينة الموصل وقبره وضمن قبور كثيرة تضم رفات
ادباء ونحويين وشعراء وقادة في منطقة باب سنجار مقابل ملعب الادارة المحلية .
وقد يكون امرا لابد من الانتباه
اليه وهو ان ضريح المؤرخ ابن الاثير ه اول معلم موصلي هدمته عناصر داعش ، وأزالت
قبته ، ونبشت قبره ، وكان ذلك يوم 20 حزيران سنة 2014 أي بعد عشرة ايام فقط من
دخولهم الموصل واحتلالها .
اقول ان ما لفت انتباه مندوب جريدة(
الراية ) القطرية الاستاذ نوار عيسى وجود بعض النسوة الموصليات الحوامل ، ممن
يرغبن في انجاب ( انثى ) وكن يجلسن ويتبركن بقبره متضرعات الى الله عز وجل ان يحقق
أُمنيتهن في انجاب بنت ؛ فالبنت كما يقول الموصليون (خاتونة البيت ) و( حبيبة الام
) .
والطريف ان مندوب جريدة (الراية
القطرية ) التقى كما قلت الاخت الدكتورة ميسون ذنون العبايجي الباحثة والتدريسية
ومديرة مركز دراسات الموصل حاليا ، والتي سبق لها ان انجزت اطروحتها في التاريخ
الاسلامي بعنوان : ( ابن الاثير مصدرا لدراسة الاحوال الحضرية ) والتي اكدت بأن المصادر
التي رجعت اليها في اطروحتها لم تشر الى ان لابن الاثير شقيقات او اخوات ، كما
انها لم تعثر على مصدر يشير الى زواج المؤرخ عز الدين بن الاثير في حين ذكر ابن
الاثير في مؤلفاته احاديث عن ابناء اشقائه واكدت ما قلته انا عند الحديث عن حياء
ابن الاثير وقالت ان المصادر التي اعتمدتها اكدت ان ابن الاثير كان خجولا جدا ،
كما كان نبيلا ، ومحتشما ورقيقا في اسلوبه وحديثه ومن قال هذا هو ابن العماد
الحنبلي المؤرخ المعروف .
الذي اريد ان اختم به حديثي عن قبر
البنت او قبر المؤرخ الكبير ابن الاثير ان الضرورة الوطنية والثقافية تتطلب منا
جميعا ان نسعى من اجل اعادة القبر والضريح الى مكانه ؛ فهذه مقبرة اسلامية كبيرة
ضمت رفات عدد كبير من الادباء والشعراء والمؤرخين والقادة وقد كتب عنها مؤرخون
كبار في مقدمتهم استاذنا وشيخنا المرحوم الاستاذ احمد الصوفي .
والمؤرخ ابن الاثير الجزري كما هو
معروف مؤرخ كبير عاصر دولة صلاح الدين الأيوبي ، ورصد أحداثها ويعد كتابه ( الكامل
في التاريخ ) ، بأجزائه الكثيرة مصدرا اساسيا من مصادر تلك الفترة وقد كتبت بحثا
مطولا عن (منهجية ابن الاثير في الكتابة التاريخية ) ، واسهمت بما كتبت في الندوة
العلمية التي اقامتها كلية الآداب بجامعة الموصل احياءَ لأبناء الاثير ومنهم عز
الدين المؤرخ الكبير قبل سنوات اي في الثمانينات
اريد ان اختم حديثي عن (قبر البنت) بما كتبه صديقي
المؤرخ الاستاذ رشيد عبد القادر الرشيد وقال ان العامة تسمي القبر خطأ بقبر البنت
وان الناس يتبركون بالقبر ، ويؤدون له الزيارة ، ويقدمون له النذور ، والحناء
والخرق ، والاقفال ويوقدون له الشموع عند زيارتهم للضريح وسبب التسمية لا تتعدى
الروايات الشعبية والقصص المتداولة بين الناس ولم تثبت صحتها التاريخية ومنها على
سبيل الاستئناس ان فتاةً كانت تزور القبر بإستمرار وبصورة يومية ، فأطلق العامة
تسمية قبر البنت على الضريح ، وتقول رواية اخرى ان فتاةً عابدة صالحة توفيت فقام
الاهالي بدفنها مع ثيابها اضافة الى دفن الكثير من الحلل والذهب والمجوهرات معها
كانت تملكها فسمّوا الضريح باسمها
وهناك رواية شهيرة يمتزج فيها
الخيال مع التقديس تقول : عندما اقدمت بلدية الموصل على هدم سور المدينة في
ثلاثينيات القرن الماضي ، ضمن حملة توسيع وتطويرالمدينة وعند وصولهم الى مكان
القبر - وكان قريباً من السور - عطلت آلياتهم ولم يستطيعوا الاستمرار في الهدم ،
وتكررت العملية في الايام التالية ولأكثر من مرة ، حتى أخبر أحدهم المسؤولين آنذاك
بوجود بنت صالحة مدفونة في موضع القبر من خلال رؤيا رآها ، حينها قررت البلدية عدم
شمول القبر بالهدم ، والابقاء عليه منتصباً في وسط الشارع ، ثم بنوا عليه هذا
البناء المعروف ، وانتشرت قصة الرؤيا في المدينة وتناقلتها الالسن والمجالس حتى
اصبحت تراثاً شعبيا وحكايات من حكايات الموصل التراثية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق