الأربعاء، 28 يونيو 2023

عن مبررات انقلاب 8 شباط 1963 في العراق... في الذكرى ال (58) للانقلاب

                                                                             قادة الانقلاب
                                                                        الحرس القومي


 


عن  مبررات انقلاب 8 شباط 1963 في العراق... في الذكرى ال (58) للانقلاب

 

ا.د.ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل

 

اولا يجب ان نؤشر نقطة مهمة ، وهي ان ما حدث يوم 8 من شباط –فبراير سنة 1963 لم يكن ( ثورة ) بل كان ( انقلابا ) و( الثورة الحقيقية ) ، هي ثورة 14 من تموز- يوليو سنة 1958 ، فهي وحدها تنطبق عليها شروط الثورة باعتبار انها غيرت نظام الحكم من ملكي الى جمهوري ، وانها احدثت تغييرات جذرية في بنية النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في البلاد . فضلا عن انها كانت متوافقة مع سير حركة التاريخ .

والاسباب الحقيقية التي ادت الى حدوث انقلاب 8 من شباط سنة 1963 كانت ذات طابع سياسي داخلي وخارجي فضلا عن الاسباب الاقتصادية والاجتماعية . واذا اردنا ان نقف عند الاسباب السياسية الداخلية فإننا نستطيع ان نحددها في كثير من الامور منها ان نظام الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية 1958 -1963 ، وكان عند وقوع الانقلاب برتبة فريق ركن  ،كان قد استنفذ مبررات وجوده داخليا بعد سلسلة الصراعات الدامية بين القوى والاحزاب السياسية العراقية التي كانت تعمل على ارض العراق وميل الزعيم عبد الكريم قاسم الى اثارة وتأجيج الصراعات بين تلك القوى والاحزاب وخاصة بين القوميين والشيوعيين لذلك مرت البلاد بسلسلة من الاضطرابات السياسية والاضرابات الجماهيرية وخاصة بين اوساط الطلبة مما اوقع البلاد في مأزق ونفق مظلم .

وعلى صعيد السياسة الخارجية فقد اصبح نظام حكم الزعيم عبد الكريم قاسم في عزلة عربية واقليمية ودولية بسبب فقدان بوصلة السياسة الخارجية للعراق وعدم وضوحها وزج البلاد في اتون صراع مع عدد من الدول العربية وخاصة مع مصر عبد الناصر ومع الكويت بسبب مطالبة الزعيم بضم الكويت الى العراق . هذا فضلا عن عدم وضوح العلاقات مع الدول الاقليمية وحتى مع الغرب المتمثل ببريطانيا والولايات المتحدة الاميركية ومما اجج المشاكل ما كان يطلقه العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة او محكمة الشعب او ما صارت تسمى محكمة المهداوي خلال جلسات المحاكمات لبعض قادة النظام الملكي او لبعض من اختلف من قادة الثورة مع الزعيم من تصريحات هوجاء وغير لائقة بحق بعض الدول مما احرج وزير الخارجية الدكتور عبد الجبار الجومرد فطلب من الزعيم التدخل ومنع العقيد المهداوي من تخريب العلاقات مع الدول والانضباط الواجب اتخاذه في مسألة التصريحات .

على الصعيد الاقتصادي ثمة ما كان يدعو الى الانقلاب على حكم الزعيم عبد الكريم قاسم فقانون الاصلاح الزراعي تعثر  تطبيقه والاقطاعيين ظلوا يمارسون نفوذهم وحدثت ارتباكات في  قطاعات الزراعة والصناعة والزراعة بسبب سيطرة الحزب الشيوعي على مفاصل هذه القطاعات واشغال العمال والفلاحين بأمور خارجة عن عملهم الحقيقي وتوجيههم لتنظيم مظاهرات كبيرة تستمر لساعات طويلة والترحيب بهجرتهم من الريف الى بغداد بغية المشاركة في هذه الاحتفالات وما كان يسمى بالمسيرات الجماهيري والدعوة الى مطالبة الزعيم عبد الكريم قاسم باشراك الحزب الشيوعي بالحكم ورفع شعار (  عاش زعيمي عبد الكريمي حزب الشيوعي في الحكم مطلب عظيمي) أي مطلب عظيم ، ولابد من تنفيذه . ولا يمكن ان ننسى ان الانتاج بدأ يتوقف والجماهير العمالية والفلاحية والطلابية انصرفت الى غير ما يجب ان تنصرف اليه .

وفيما يتعلق بالأوضاع الفكرية والثقافية فقد مارس الشيوعيون الارهاب مع القوى السياسية الاخرى فبدأوا يمنعونهم من ابداء آرائهم والتعبير عن افكارهم وخاصة المتعلقة بالتوجه العروبي القومي واجبروا الناس وخاصة بعد فشل الحركة المسلحة التي قام بها العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آمر موقع الموصل العسكري ضد نظام حكم الزعيم في 8 من اذار – مارس سنة 1959 وما اعقبها من قتل وسحل جثث المشاركين واعدام نخبة من الضباط القوميين وقسم منهم كان من قادة ثورة 14 تموز سنة 1958 وعلى رأسهم الزعيم الركن (العميد الركن ) ناظم الطبقجلي قائد الفرقة الثانية والعقيد رفعت الحاج سري مدير الاستخبارات العسكرية ورفاقهما من الضباط ومعظمهم من ضباط الموصل المعارضين للزعيم قاسم وسلسلة الاعدامات هذه ومحاولة اغتيال الزعيم  اجبروا الناس على الخضوع واشاعوا الرعب وكل هذا أجج الصراعات واوجد مبررا للقيام بإسقاط النظام في 8 من شباط سنة 1963 .

وعن الخلافات التي ادت لحدوث هذا الانقلاب والخلافات بين التيارات السياسية آنذاك أقول ان الخلافات التي ادت الى حدوث انقلاب 8 من شباط سنة 1963 كانت عميقة وخاصة بين قطبي الحركة الوطنية الحزب الشيوعي ومن كان يتحالف معه والقوميين العراقيين الذين كانوا يميلون الى الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا بعد وحدة 22 شباط 1958 ) واول ما ظهرت الخلافات كانت حول شعار الوحدة العربية والاتحاد الفيدرالي . فالضباط الاحرار الذين قاموا بثورة 14 تموز 1958 ومن معهم من قادة جبهة الاتحاد الوطني التي تأسست سنة 1958 كانوا يذهبون باتجاه اقامة الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة ولكن بعد الثورة انفرد الحزب الشيوعي وكان عضوا في (جبهة الاتحاد الوطني ) الى رفع شعار ( الاتحاد الفيدرالي ) في حين انفردت الاحزاب القومية ومنها حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي برفع شعار (الوحدة العربية ) وانعكست هذه الصراعات على توجهات قائدي الثورة ومنفذيها الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة والعقيد الركن عبد السلام محمد عارف نائب رئيس الوزراء ونائب القائد العام ووزير الداخلية وهكذا اشتدت الخلافات وعزل عبد السلام محمد عارف وعين سفيرا للعراق في بون بالمانيا ثم بعد ذلك حوكم امام المحكمة العسكرية العليا الخاصة – محكمة الشعب وحكم بالاعدام كما حكم بالإعدام على عدد من شباب حزب البعث العربي الاشتراكي الذين حاولوا اغتيال الزعيم اثناء مرور سيارته في شارع الرشيد  في 7من تشرين الاول – اكتوبر سنة 1959  .. كل هذه الخلافات والصراعات تأججت وانعكست على الشارع العراقي مما اوقع النظام في عزلة ومأزق كبير جعل من عملية اسقاطه مسألة سهلة وضرورية .

هل كان الانقلاب جزءا من الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي  اقول نعم توجد هكذا توجهات واراء وبدون شك الصراعات بين المعسكرين الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق كانت تنعكس ليس على العراق وانما على كل دول العالم فالعراق كان قبل ثورة 14 تموز 1958 يدور في فلك المعسكر الرأسمالي وهو عضو في حلف بغداد مع ايران وتركيا وبريطانيا والباكستان والولايات المتحدة الاميركية في بعض لجانه وكان يحسب على هذا المعسكر وبعد قيام ثورة 14 تموز 1958 اتجه نحو المعسكر الاشتراكي وعقدت اتفاقيات سياسية واقتصادية مع الاتحاد السوفيتي السابق وبدأ تسليح الجيش يذهب الى السلاح السوفيتي وهذا اغضب الغرب .كما ان توقيع ( قانون 80 ) بشأن النفط وحجب الاستثمار امام الشركات النفطية الاحتكارية الغربية العاملة في العراق اغضب الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا ويقال ان الزعيم عبد الكريم قاسم شعر بذلك وقال بعد ان وقع على القانون رقم (80) انه يوقع على وثيقة اعدامه .

وثمة من يقول ويستند على بعض المعطيات التاريخية ان الغرب شجع على اسقاط نظام حكم الزعيم عبد الكريم قاسم في انقلاب 8 من شباط سنة 1958 .

وفي المقابل هناك من يرى ان بريطانيا كانت تدعم الزعيم عبد الكريم قاسم قبل ثورة 14 تموز 1958 وان السفير البريطاني في العراق  همفري تريفليان كما روى الدكتور عبد الله النفيسي المؤرخ الكويتي المعروف قال له عندما رأى صور الزعيم مع السفير وهما يلعبان التنس في السفارة البريطانية ان عبد الكريم قاسم هو رجلنا في العراق he is our man in IRAQ وان الزعيم عبد الكريم قاسم بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 كان يجتمع مع السفير البريطاني بدون ان يكون وزير الخارجية معه . وانا شخصيا لا اعلم مدى صدق هذه الاقوال حيث ليس ثمة وثيقة تاريخية تسندها لكن الزعيم عبد الكريم قاسم لربما اغضب الانكليز لأسباب كثيرة منها مطالبته بضم الكويت واقترابه من الاتحاد السوفيتي وافساحه المجال للشيوعيين للتحكم في مفاصل الدولة والاهم من ذلك كله توقيعه على قانون رقم (80)  لسنة 1961 المتعلق بالنفط والذي انتزع (5-99 %) من الاراضي العراقية التي كانت خاضعة للامتيازات النفطية الاجنبية .

الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية ووكيل وزير الدفاع 1958-1963 رجل عسكري من الطراز الاول كان عند قيام الثورة آمرا للواء (19) وكان معروفا بانضباطه ومهنيته  وهو مخلص ووطني ونزيه  ، ويحب العراق ويميل الى الفقراء ويحرص على ان يقدم شيئا لهم . وهو احد ابرز قادة ثورة 14 تموز 1958 وكان رئيسا لتنظيم الضباط الاحرار ونفذ مع العقيد الركن عبد السلام محمد عارف نائب القائد للقوات المسلحة ونائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الثورة مباشرة ولكن الصراعات السياسية التي قامت بين القوميين والشيوعيين اعاقته عن ان يقدم الكثير للشعب وهو نفسه لم يستطع ان يحكم قبضته على مفاصل تلك الصراعات واطلق العنان للشيوعيين ان يعملوا ويسيطروا على الشارع والنقابات والاتحادات المهنية والشبابية والفلاحية والعمالية والطلابية وهذا مما اضعفه وقيد حركته واوقعه في مشكلات  مع قطاعات الشعب القومية لهذا كانت اعدامات رفاقه من الضبط الكبار بمثابة المسمار الذي دق في نعش حكمه ولم يعد احد يستطيع ان يدافع عنه لهذا وكأي زعيم او قائد عراقي سلم رقبته لمن اعدمه وقد اعدم بعد محاكمته يوم 9 من شباط سنة 1963 وانتهى حكمه واقول انه بالرغم مما ظهر من دراسات عن حكمه فان هناك الكثير مما يجب ان يكتب عن العراق في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم 1958-1963 .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...