الجمعة، 9 يونيو 2023

الخطاب الديني ..كيف يجب أن يكون ؟ بقلم : ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل د. سناء عبد الله عزيز الطائي استاذة مساعدة – قسم التاريخ – كلية التربية للعلوم الانسانية – جامعة الموصل

                                                     ابراهيم العلاف وزوجته سناء عبد الله عزيز الطائي
 

الخطاب الديني ..كيف يجب أن يكون ؟

 بقلم : ا.د.ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

د. سناء عبد الله عزيز الطائي

استاذة مساعدة – قسم التاريخ – كلية التربية للعلوم الانسانية – جامعة الموصل

 

سعادتنا كبيرة ، ونحن نلبي دعوة الأحبة في (مؤسسة جماعة علماء العراق) ،  ومن يتجحفل معهم ،  للكتابة في موضوعات هذا المؤتمر العتيد ، وعنوانه الجميل ، والمهم ، والمفيد :  (المؤتمر الدولي للوحدة الاسلامية ) .وقد إزدادت سعادتنا ، عندما اطلعنا على محاور المؤتمر ، ووجدنا أن من بينها محورا مهما ، يتعلق بأهمية ، وطبيعة الخطاب الديني ، وأثره في التعايش السلمي .

والخطاب الديني - يقينا - لا يقتصر على ما عند المسلمين ، بل الخطاب الديني موجود عند كل الاديان ، لكن بقدر تعلق الامر بنا .. بالمسلمين نقول ان الخطاب الديني الحقيقي ، هو الذي يجعل من آيات القرآن الكريم ، والاحاديث النبوية ، والسنة الصحيحة ، مصدرا له فضلا عن متطلبات العصر ، ومصادره ، ومكتشفاته ، وما يطرأ على الحياة من متغيرات ، وغالبا من يقوم بهذا الخطاب ( رجل دين)  مخول أو مؤسسة دينية دعوية مجازة رسميا ***.  

والخطاب الديني ، يحتاج دوما الى التجديد . ولكن ثمة ملاحظة مهمة ، وهي ان التجديد لا يكون بالأصول ، وانما في الاساليب . والهدف من التجديد ، هو تقديم الدين  الحنيف ،  ومعاييره ، وقيمه بأسلوب ، وبطريق عقلاني ، علمي مؤثر في من يقدم له هذا الخطاب كمساهمة في حل المشكلات التي تعترضه في حياته اليومية سواء على مستوى المعاملات ، أو الاشكالات العقدية ، والاخلاقية ، والعملية .

 

ويقينا ان من المشاكل التي يعانيها مجتمعنا العربي والاسلامي ، هي ان ما هو سائد من خطاب ديني لا يلبي متطلبات العصر الذي نعيش فيه ، والدليل على ذلك تعرض مجاميع كبيرة من مجتمعنا الى التضليل ، والافساد ، والغواية تحت مسميات خطيرة ، وبعضها من مرتكزات منهجنا وعقيدتنا ، وفكرنا ، ومنها على سبيل المثال  (الجهاد ) . وكما سبق ان قالت مدام رولان ، وهي تنتقد ما تعرضت له الثورة الفرنسية من تشويه وانحراف :"  كم من الجرائم ارتكبت بإسمك ايتها الحرية !! " .

ان ما يدفعنا للدعوة الى تجديد الخطاب الديني ، هو اننا بحاجة الى ان نراجع هذا الخطاب انطلاقا من الحاجة الى المراجعة ، والنقد الذاتي .  فضلا عن ان المتلقين اليوم ، وخاصة الشابات والشباب لم يعد يستسيغوا مفردات الخطاب الديني الشائع ، ويرونه تقليديا ، وقديما ، وعاطفيا  حماسيا ، وغير علمي ، ولا ينسجم مع افكارهم ، ورؤاهم الجديدة تجاه الحياة ، والكون ، والمجتمع  وهذا مما جعلهم يعرضون عن هذا الخطاب ، ويبتعدون عنه ، ويوجهون اليه سهام النقد . **

الخطاب الديني ومن خلال قراءة التاريخ والتاريخ الاوربي الوسيط ، والحديث خاصة وحتى التاريخ العربي والاسلامي والحديث كان في بعض الاحيان سببا لإثارة العداوات ، والحروب ، وترسيخ مفاهيم التطرف ، وكثيرا ما استخدم الدين كغطاء للسياسة ، والعدوان ، ونستطيع ان نؤتي بالكثير من الامثلة التي تثبت قولنا هذا سواء من تاريخنا  ، أو من تاريخ غيرنا .

نعم لقد وظف السياسيون ،  الدين لأغراضهم ، ومن اجل السلطة ، ومن اجل السيطرة على الشعوب . وهذا كان سببا في إثارة الأحقاد  ، والكراهية ، والصراعات الدموية ، والخطاب  المتشدد ليس مقتصرا على دين دون سواه . كثير من (السياسيين ) ، وقسم منهم يتحالفون مع ( رجال الدين) ،  من اجل تحقيق أجندات سياسية مصلحية ، تخرب العلاقات بين الشعوب ، وتورث ابناء تلك الشعوب مصاعب ليس من السهل التخلص منها .

لذلك ، وانطلاقا من هذه الحقيقة ، لابد ان نعيد النظر في طبيعة ( الخطاب الديني) ،  وفي محتواه  ، وفي مبناه ، ومعناه  وأغراضه ، وفي ما نريد ان نقدمه للمواطن المسلم او غير المسلم من خطاب يساعده في تقبل تعقيدات الحياة ومشكلاتها ، لا ان نسهم في خلق ازمات ، ومقولات بعيدة عن الواقع ، لا بل بعيدة عن قيم ديننا الاسلامي الحنيف والاديان الاخرى .

وبغض النظر عن ما يقال في اهمية وطبيعة الخطاب الديني بالمفهوم الفلسفي ؛ فالخطاب الديني رمزي ، لكنه يفترض بالمتلقي ان يكون مؤمنا ومتقبلا بحقيقة وجود الله سبحانه وتعالى ، وان لا ثمة صراع بين العلم والدين ، وان الرموز هي الطريقة المثلى للتعبير عن الايمان ، كما ان الراية تعبر عن الوطن .*

مما لا يمكن نكرانه ، ان الدعوة الى اعادة النظر في ماهية وطبيعة تجديد الخطاب الديني ، جاءت من مصادر عديدة منها خارجية ومنها داخلية ، لكن مما لابد من القيام به هو المباشرة بإعادة النظر ، وبسرعة ، لان عدم القيام بذلك يضعنا كمثقفين في دائرة لا نحسد عليها ؛ فالابتعاد عن الدين ، والتشكيك فيه ، وزيادة حالات مخالفاته ، والتقاطعات معه ، كثرت ، وصارت تهدد الوجود الحقيقي للأمة ، وهذا ما لا يمكن القبول به . والدعوة ان جاءت منا أفضل من ان تجيء من خارجنا ، وبالتحديد من الغرب الذي اكتوى بنار الارهاب والتشدد بإسم الدين . كما اننا انفسنا وقعنا ضحية التشدد ، والتكفير ، والدمار  ، لا لقيمنا ، وشخصيتنا المعنوية ، بل حتى لمدننا ولبنانا التحتية وما حدث في الموصل بين 2014و2017 ، مثال صارخ لذلك واقصد وقوع محافظة نينوى تحت سيطرة عناصر داعش .

ان من الحقائق  التي يجب ان نؤكدها ، ونحن ندعو الى اعادة النظر في الخطاب الديني ، وندعو الى تجديده  هو ان ما كان يصلح في القرون السابقة ، لا يمكن ان يصلح في عصرنا ، وان الانسان  يتكيف لكل عصر بما يساعده على فهمه ، وكما يقول احد المفكرين  فإن الاصلاح والتغيير يصبح ضرورة " حين يدرك العقل البشري حقائق ومقومات النهوض والتغيير والتطور على سبيل التدرج ، ومن ثم فبدون تجديد الخطاب الديني لا يمكن ان تنهض الامة ، ولا يمكن لأبنائها ان يجدوا سبيلا للإبداع والتميز  والتغيير " .

لقد عشنا حالات التكفير ، والتشدد ، وما وصلنا اليه من احباط ، ورأينا رأي العين كيف ان الدين يتحول الى قيود قاتلة ، وكيف ان التشدد اعاق الحياة ، واعاق حتى تأديتنا للفروض الدينية بانسيابية ،  ولطف وكيف اصبحت الدنيا تعج بالتقييدات في الحياة ان كان ذلك على مستوى شكلنا العام ، او ملابسنا ، او علاقاتنا ، او عملنا .كانوا -  واقصد عناصر داعش في الموصل -  يتدخلون في اساليب حياتنا ، ونوعية ملابسنا ، وتصرفاتنا  وسلوكنا العام وتحركنا  اليومي لحظة بلحظة ، ومنعت عنا كل وسائل الاتصال الحديثة ، وبتنا وكأننا نعيش في واحدة من (قرى)  قرون ما قبل التاريخ ، وهكذا هي حالة الدين عندما يتحول الى قيد ، وسد ، ومانع امام حركة الانسان العائلية والاجتماعية العادية جدا .

عالمنا اليوم ، وكما يسمونه قد اصبح بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والثورة الرقمية والتغيير السيبراني (قرية  كونية صغيرة) ،  ولم نعد اليوم بحاجة الى القول ان العلاقات بين البشر ، غدت انسانية ، والعلاقة باتت تجري عبر الفيسبوك والتويتر والانستغرام وجها لوجها وبالصوت والصورة والحركة واصبح من هو جالس في بيته في الموصل مثلا يسمع خطبة الجمعة تُبث من المدينة المنورة ، او من مسجد الكوفة في النجف الاشرف او من الجامع الازهر في القاهرة  او من مسجد الزيتونة او القيروان او حتى في قم أو في جامع السلطان احمد  بالسطنبول ، والخطاب الديني ان لم يغير اسلوبه في الكلام والمعنى ، فسوف يظل بعيدا عن اذهان الناس ، وسلوكياتهم ، ومواقفهم ،  وسوف يظل الخطيب يغرد خارج السرب ، ويخرج المتلقي من الجامع ، وهو في حالة لا يحسد عليها.  فالخطاب الذي يدغدغ المشاعر او يتوسل بالإنسان ، لم يعد مُجّدا ، ولابد من ان ننشئ خطابا يتعامل مع عقل الانسان ، وما يريده من اجل البناء ، والتقدم ، والنجاح في الحياة.

ومما لابد لنا ان نُذكر به ، ان الاديان كل الاديان ، تدعو الى القيم السامية ، وتطالب الانسان بأن يتمسك بمعايير الوحدة ، والصدق ، والعدالة ، وتقبل الآخر واحترامه ـ والعمل معه من اجل اقامة مجتمع متماسك ، وفاعل  .. ونحن نعرف ان ما من دين يدعو الى العدوان ، أو يدعو الى الانقسام ، او يدعو الى التفكك ، واحتقار الاخرين فهذا مما لا يقبله اي دين ولا ينسجم مع منطلقاته السامية ، ولسنا في معرض الاشارة الى ما يقدمه الاسلام من مفاهيم ، وافكار ، ومعتقدات تؤكد على اهمية تكريم الانسان ، واهمية صيانة كرامته وانزاله المنزل الذي يستحقه من الاحترام والمحبة ومن هنا فأن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم اكمل بقوله :" الكلمة الطيبة صدقة " مقولة السيد المسيح :"في البدء كانت الكلمة " ، والكلمة كما انها يجب ان تكون طيبة ، يجب ان تكون صادقة .

والاسلام يدعو الى السلام ، فهو ؛ دين السلام ، كما المسيحية والاديان الاخرى التي تدعو الى السلام والوئام ، ونبذ الحرب ، والتفرقة .والاسلام دين التسامح كما الاديان الاخرى التي تدعو الى التسامح ، وتقبل الاخر،  ونبذ كل ما من شأنه التقليل من قيمة الاخر .

والاسلام يدعو الى الصدق في التعامل مع الناس ، ونبذ الكذب والرياء والاختلاف وكذلك الاديان الاخرى تدعو الى مثل هذا ؛ ففي الصدق النجاة والكذب مثلبة ونقص لمن يمارسه .

ونحن بحاجة الى خطباء متمكنين من أدواتهم العلمية ، والدينية ، والتربوية ، والنفسية ، والاخلاقية فليس من المعقول ان يظل خطباؤنا غير متمكنين من علم النفس ، وعلم التربية ، والفلسفة ، وعلم الاجتماع .. ثقافتهم يجب ان تكون عامة شاملة ، وإعدادهم ، وتدريبهم يجب ان يكون على مستوى عال من الدقة ، والتمكن . متى يرفع صوته ، وكيف يوزع نظراته على  مرتادي المسجد او الجامع او الكنيسة او الدير ، وكيف يتعامل مع الجالسين .. كيف يستطيع ان  يجذبهم ويجعلهم يتفاعلون معه ويصلون الى الهدف الذي يبتغيه . الخطباء يجب ان يكونوا مثل المدرسين مثل المربين ، الذين يدرسون طرق التدريس ، واصوله وعلم النفس بأنواعه ، وعلم الاجتماع .. كما يجب ان يتسلحوا بعلوم مساعدة ومُوصلة كعلم الاقتصاد ، وعلم الاجتماع وعلم الاحصاء والخطباء بحاجة الى ان يقرأوا الرواية والقصة  والشعر  ، وان تكون لديهم الحماسة والرغبة في قراءة اللوحة الفنية  وباختصار علماء الدين  من الخطباء ، يجب ان يكونوا مرهفي الحس، وعلى درجة عالية من الذوق ، والكياسة في التعامل مع الناس .

وتسألوننا ، وهل وجدتم مثل هؤلاء الخطباء  نقول لكم نعم كان عندنا في الموصل في الخمسينات والستينات من القرن الماضي خطباء من هذا النمط ونقصد  الشيخ بشير الصقال ، والشيخ عبد الله الاربيلي ، والشيخ عمر النعمة ....  إقرأوا سيرهم ، تجدون مصداقا لما نقول .  

هل من المعقول ان يقف الخطيب على منبر رسول الله وهو يجتر المعلومات المكرورة من الصفحات القديمة التي اكل عليها الدهر ؟ الخطيب يجب ان يكون متجددا ، متسلحا بثقافة العصر ، وعليه ان يدرك ان الدنيا تغيرت ، وتتغير باستمرار،  ومن لا يتغير يتعفن ، والماء الراكد يصبح آسنا وعلينا دوما ارتياد العيون الصافية والابتعاد عن مياه السواقي الاسنة والراكدة . نعم عليه  أي على الخطيب ان يخاطب الشباب بلغة واضحة ، ويخاطب الشابات ، ويخاطب الرجال ، ويخاطب النساء ، ويخاطب المثقفين  كلا بأسلوبهم ودرجة فهمهم للحياة . نسمع  من بعض المثقفين انهم يرتادون الجامع يوم الجمعة لإسقاط  الفرض ، فالخطيب يكرر نفسه ، والمثقف لا يستفيد ابدا منه ، ولا يسمع جديدا .

نحن نقول ان على المسؤولين في دوائر الشؤون الدينية والوقفية ـ ان يُقيموا ، وينظموا الدورات اللغوية ، والتربوية ، والتدريبية لهؤلاء الخطباء بحيث لا يسمحون لهم إعتلاء المنبر ، الا بعد اجتياز هذا الدورات بتفوق ، والدورات هذه يجب ان تحتوي في مناهجها على كل العلوم المطلوبة من علم النفس ومن اللغة ومن التاريخ ومن الاقتصاد وحتى من الكومبيوتر ووسائل التواصل الاجتماعي .

طبعا هذا يشمل من يقدم البرامج في اجهزة الاتصال المسموعة والمرئية والمقروءة ، وفي وسائل التواصل الاجتماعي فالخطيب  في الجامع او الواعظ في الكنيسة او في المعبد عليه ان يتحلى ب (  كاريزما شخصية) ،  تؤهله ان يكون قائدا في مجتمعه ، والا ما الفائدة من وقوفه امام الناس ، وهو يفتقد المؤهلات البدنية ، والسيكولوجية ، والعلمية والتربوية والدينية .نحن على يقين ان اعادة النظر في الخطاب الديني اليوم وفي مرحلتنا الحاضرة حيث تتعرض الاديان لكثير من الهجمات والتحديات ؛  مسألة ضرورية من ناحيتين :  الاولى علمية ، والثانية قومية فالخطيب  أداة من ادوات نشر قيم الخير والصدق والتسامح فضلا عن انه عامل بناء ، وتكوين ، وتقدم .

نحن لا نريد ان نُذّكر ببعض النماذج من الخطباء ، وقسم منهم يظهر عبر شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي  اقول هم من الذين يسيئون الى الدين ، ويبعدون الناس عنهم من خلال ما يتحدثون بهم ويدعون الى العمل به ، وللأسف هو بعيدين عن ما يجري في بيئتهم من تغير .. هم بعيدين عن ما يحصل من تغير وهم منعزلين ، منكفئين على انفسهم لا يقرأون الا ما اعتادوا عليه من كتب قديمة ، لهذا نجد ان الناس تبتعد عنهم ، وتضطر احيانا الى مجاراتهم خشية او رغبة في تمشية الامور .

هل من المعقول ان خطيب اليوم ، وهو يتعامل مع الناس الذين يمتلكون الموبايل والانترنت ويكتبون في الفيسبوك ويطلعون على ما في العالم الرقمي من منجزات معرفية ، بنفس خطاب العشرينات من القرن الماضي ؟ طبعا هذا غير معقول ؛ فالخطيب عليه هو ايضا ان يتسلح بالتقنيات العلمية ، والاعلامية ، والاجتماعية ، وان يدرك اسرارها ، ويطلع على تفاصيلها وهذا لا يكون الا عندما يكون هذا الخطيب متسلحا بأسرار مهنته ، ومعدات عمله ، وان يكون كفوءا ، وان يساعد الناس على حل مشاكلهم اليومية من خلال الاهتمام بالأطر ، والكليات ، والفلسفات ،  والمنهجيات التي تؤطر الحياة وتجعل صورتها كاملة وواضحة امام المتلقي . المتلقي اليوم يستطيع ان يفرز بين الصالح والطالح ، بين الغث والسمين ، بين الحقائق والاكاذيب ، بين الهوامش والمتون .نعم كما يجب ان نثير حماس المتلقي ، ونذكي عنده العاطفة .. يجب ان نخاطب عقله بالعلم ، وعندئذ نستطيع ان نقول اننا نجحنا .

قد نمتلك علما غزيرا ، لكننا لا نمتلك الوسيلة لإيصال هذا العلم ، وخلق التفاعل معه عند المتلقي . واحيانا نجد خطيبا ناجحا  ومؤثرا ، وعندما نفتش  عن سر نجاحه ، نرى انه يقرأ ، ويطلع ، ويواظب على معرفة مستجدات العصر ، وتقنياته ، وحدود مشكلاته ونعرف خطيبا متميزا  هو احد اصدقائنا  في مدينة الموصل ، نقدم له ما يحتاجه من كتب المذكرات الشخصية ، ومرة سألناه لماذا يركز على كتب المذكرات ؟  قال انه يستفيد منها لأنها تعكس تجارب الناس،  وخبرتهم   وهو يوظف كل هذا في خطبه الاسبوعية ، وصدق فيما قال .

نقول العمل امامنا - لكي نعيد النظر في الخطاب الديني - مضنٍ  وطويل ، ويحتاج الى جهد ، وتدريب ، وممارسة ، وبرامج وهذا كله لا يمكن ان تنهض به مؤسسة لوحدها ، بل لابد من تعاون الجميع في مجالات وضع مناهج تربوية ، ودينية ، ونفسية ، واجتماعية ، وتنظيم دورات تدريبية ، والاتيان بأساتذة متمكنين متخصصين .. اكاديميين وغير اكاديميين للتدريس ، ومن  ثم هناك امتحانات لمعرفة وقياس مدى استيعاب المتدرب لما قدم  له من مناهج ودروس ، وعندئذ يجب على المسؤولين ان يواظبوا على تنظيم تلك البرامج والدورات ، وان لا يسمحوا الا لمن يتخرج منها باعتلاء منبر ، أو كرسي الوعظ ، والخطابة .

من المؤكد جدا ، ان الخطاب الديني بالطريقة التي تحدثنا عنها ، وبالشخصية  الكارزمية التي ينبغي ان يتحلى بها الخطيب ، ستنعكس ايجابا على تماسك مجتمعنا الذي تعرض كثيرا ، ومنذ عقود الى كثير من الهزات ، والازمات ، والتحديات ، والمشاكل  . كما ستؤثر على تماسك وخير ، وسعادة ، وانسجام ، ورقي ، واخوة هذا المجتمع المتعدد ضمن الوحدة العراقية المتينة .

نعم للخطاب الديني شروط ، وابرزها ان يكون مستندا الى اصول الدين المعروفة ، ومرتكزاته الاساسية . وثانيا ان يكون واضحا ، ودقيقا ، ومعتدلا ، ووسطيا ، وان يبتعد عن التشدد ، والغلو ، ويميل الى التسامح والاعتدال ، وان يكون متجردا عن الاغراض والاهداف الدنيوية المقيتة ومن يتحمل عبء توجيه الخطاب يجب ان يجعل عمله خالصا لله من سورة سبأ الآية (47) : (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍۢ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ) .ومما يتعلق بهذا كله ان الخطاب الديني يجب ان يكون عاما للناس جميعا للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)  سورة الأنبياء  الآية 107.  وان يؤكد دور الانسان في اعمار الارض ورفع شأنها وتحقيق الغاية من الخلق ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) ‏سورة المؤمنون  الآية ( 115)   ، وان يؤكد ان لكل انسان (شرعة ومنهاجا)  بسم الله الرحمن الرحيم : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) سورة المائدة الآية ( 48  ) ،  وتكريم الانسان هو المحور الذي ينبغي ان يستهدفه صاحب الخطاب الديني (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) سورة الاسراء الآية (70) ،   وان يعتمد التسهيل والتيسير اسلوبا اقتداء بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ( يسّروا ولا تُعسروا وبشّروا ولا تنفروا) .وان يقر باختلاف الناس شكلا وموضوعا وان يبذل كل ما لديه من خبرة لبث الوعي وايجاد الحلول الشرعية التي تناسب الناس ، و تسهم في حل اشكالاتهم الحياتية .


شكرا لإصغائكم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ... اللهم قد بلغنا اللهم فإشهد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

__________________________________

·       الورقة  أُعدت للإلقاء في (المؤتمر الدولي للوحدة الاسلامية) والمنعقد في فندق المنصور ميليا ، ببغداد في 19 شعبان 1444 هجرية الموافق لليوم 11-3-2023 

* الخطاب الديني في الموقع التالي ورابطه : https://ar.wikipedia.org

**حسن أسميك ، وهو مفكر أردني ورجل أعمال ورئيس مجلس أمناء مؤسسة Strategiecs للأبحاث، والمقال بعنوان :  دفاعا عن تجديد الخطاب الديني الاسلامي ، موقع https://www.washingtoninstitute.org/

*** الاستاذ هايل الجازي ، مفهوم الخطاب الديني ، في الموقع التالي ورابطه : https://mawdoo3.com

 

 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رائد العمران الثقافي والفني السوري الدكتور عفيف بهنسي 1928-2017 في ذكراه السابعة

  رائد العمران الثقافي والفني السوري الدكتور عفيف بهنسي 1928-2017 في ذكراه السابعة ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس -...