الاستاذ خضر عبد الغفور
خارطة الوطن العربي التي كان يحتفظ بها الاستاذ خضر عبد الغفور
كراس بعنوان ( خواطر الايام وأيام زمان )
مدينة عنة ونواعيرها
الاستاذ خضر عبد الغفور مع الاستاذ عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء
خارطة الوطن العربي التي كان يحتفظ بها الاستاذ خضر عبد الغفور
كراس بعنوان ( خواطر الايام وأيام زمان )
مدينة عنة ونواعيرها
الاستاذ خضر عبد الغفور مع الاستاذ عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء
خضر عبد الغفور
المربي والسياسي والوزير والانسان
بقلم : ا.د. ابراهيم خليل
العلاف
استاذ التاريخ
الحديث المتمرس - جامعة الموصل
في تاريخ العراق
المعاصر ، رموز وشخصيات لايمكن إلا أن نقف عندها طويلا نظرا لما قدمته من مجهودات ،
ونشاطات فكرية وثقافية وسياسية وتربوية على مدى سنوات .ومن حسن حظي وطالعي انني
عرفت الكثيرين من هؤلاء معرفة مباشرة ولعل من ابرز هؤلاء الاستاذ خضر عبد الغفور
استاذ الرياضيات الشهير عندما كنت طالبا في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة بغداد بين سنتي 1964-1968 ، وكان
هو واحدا من ابرز اساتذة الكلية .
وقد تحدثت قبل
ايام عنه مع الاخ الاستاذ الدكتور مجيد
رشيد العاني الاستاذ في كلية طب جامعة بغداد والمتقاعد حاليا والذي يمتلك معلومات
وافية عن الاستاذ خضر عبد الغفور العاني .
الاستاذ خضر عبد
الغفور (1909 - 1994 ) مرب ، واستاذ
وسياسي عروبي خدم العراق ، وله مواقفه المشرفة وخاصة في الستينات من القرن الماضي
. ولد في مدينة عانة سنة 1909 وعانة (عنة ) من المدن العراقية العريقة تبعد حوالي
100 كيلومتر عن مدينة البوكمال السورية الحدودية) وقد أنهى دراسته الإبتدائية والمتوسطة في عنه بعدها
سافر الى العاصمة بغداد ليلتحق بدار
المعلمين الإبتدائية التي تخرج فيها معلما في شباط 1933.
عين معلما في قلعة
سكر في لواء المنتفك (محافظة ذي قار-الناصرية ) جنوب العراق ثم نقل الى لواء
الدليم (محافظة الأنبار) وعمل فيها معلما في عدد من النواحي والقرى (وخاصة في قرية
المعاضيد) ، ثم انتقل الى بغداد معلما في احدى مدارس الأعظمية. في 16/11/1939
استقال من وظيفته في التعليم وإلتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ، ونال شهادة
البكالوريوس في الرياضات سنة 1942. عاد
الى العراق في سنة 1943 حيث عمل باحثا علميا في الشؤون الفنية في وزارة المعارف أي
(وزارة التربية حاليا ).
في 1/9/1946 استقال من عمله مرة اخرى ، والتحق
بجامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة دراسته العليا وحصل على
شهادة الماجستيرفي الرياضيات (مع التركيز على تطبيقات الرياضيات في الهندسة
المعمارية) ثم بدأ مرحلة الدراسة للدكتوراه إلا أنه وبسبب نشوب حرب فلسطين سنة 1948 وعدم قدرته على ان يظل بعيدا عن احداث وطنه
العربي الكبير ، قرر قطع دراسته والعودة
الى العراق ليعين بعد عودته مدرسا في دار
المعلمين العالية ، وقد تدرج في المراتب
العلمية فحصل على مرتبة استاذ مساعد ثم رقي الى مرتبة استاذ .
في خمسينيات القرن الماضي ، ىشغل عدة مناصب في
وزارة المعارف منها مدير عام البعثات, ثم مديرعام تعادل الشهادات, وكذلك مدير عام
التعليم المهني.
إنخرط في العمل
السياسي الوطني خلال العهد الملكي .وكانت له مواقف مشهودة منها أنه قام مع مجموعة من الشخصيات القومية
والوطنية امثال الاستاذ عبدالرحمن البزاز, والدكتور أحمد عبدالستار الجواري, والدكتور
جابر عمر, والاستاذ خيرالله طلفاح وغيرهم بتأسيس (نادي البعث الرياضي ) بهدف ممارسة النشاط الوطني والقومي من خلاله.
وبعد قيام ثورة 14
تموز سنة 1958 استمر في نشاطه الوطني والعروبي ، وقد أُختير ليكون وزيرا للتربية في وزارة الفريق طاهر يحيى في
تموز 1965 ، وبعد ذلك في وزارة الاستاذ عبدالرحمن البزاز الأولى في أيلول 1965 في
عهد رئيس الجمهورية المرحوم عبد السلام محمد عارف ومن ثم وزيرا للتربية (ووزيرا
للأوقاف وكالة) في وزارة البزاز الثانية في نيسان 1966 في عهد رئيس الجمهورية الفريق
عبدالرحمن محمد عارف.
كل ما يقال عن الاستاذ خضر عبد الغفور رحمة الله
عليه انه كان انسانا وطنيا ، ورجلا عصاميا
إعتمد على نفسه في كل مراحل حياته .. ومن الطريف انه كان يجيد الحياكة في الجومة مع اهله في عنه
اثناء العطلة الصيفية عندما يعود من بيروت ليجمع بعض مايحتاجه من مصاريف حتى أنه
اصبح بارعا في تلك المهنة وقام بعمل جومة
في داره في حي الجامعة في بغداد وأستمر في الحياكة فيها من باب الهواية وتوفير بعض
مقتنياته من الملابس وخاصة سترته وعباءته اللتان كان يحيكهما من وبر الجمال.
كما كان شخصية متزنة ، ومؤثرة في علاقاته
الإجتماعية والوظيفية , يقول الحق ولو على نفسه, له مواقف عديدة في الحزم والصدق ,
يتميز بنزعة إنسانية لاحدود لها ويشعر بأحاسيس المحتاجبن ومنهم عدد من الطلبة المتعففين في الجامعة ماديا رغم تميزه بالشدة
والصرامة في الحفاظ على المستوى العلمي, حيث أنه كان لايمكن ان يعطي ولو درجة واحدة لمن لايستحقها.
كان يتميز بعلاقاته المتينة والمتميزة مع عدد من
الشخصيات الوطنية المشهود لهم بالكفاءة العلمية والإجتماعية والوطنية ومنهم
المرحوم يوسف الحاج ناجي (المصرفي المعروف), والمرحوم الاستاذ عبدالرحمن البزاز (رئيس وزراء العراق
الأسبق وأول أمين عام لمنظمة الدول العربية المصدرة للنفط – أوابك ) , والمرحوم الاستاذ
الدكتور أحمد عبدالستار الجواري (وزير
تربية ووزير أوقاف سابق), والمرحوم الدكتور أحمد صميم الصفار عميد كلية طب جامعة
بغداد سابقا والطبيب الإنساني المعروف بمعالجة الفقراء مجانا في عيادته في منطقة
الجعيفر ببغداد.
كان المرحوم
الاستاذ خضر عبد الغفور ، يتميز بحس فني علمي مرهف وبدقة العمل الذي يقوم به وكان
بيته تحفة فنية حيث يجد الداخل اليه ان لمساته
المعمارية والتراثية بادية عليه وظاهرة للعيان
. هذا فضلا عن انه كان يحتفظ بنوادر من التحف واللوحات الفنية التي كان يقتنيها من
خلال سفراته السنوية خاصة الى اوربا بسيارته الخاصة . وقد كان يمتلك ارقى انواع
العدد اليدوية والكهربائية لإستعمالات البيت. وحديقته كانت جنة غناء فيها انواع
النخيل وكان قد طور سلما لخدمتها بنفسه,
كما وقام بتطوير تنور متحرك في الحديقة.
كتب لي الاخ الدكتور مجيد رشيد العاني يقول : ان
الاستاذ خضر عبد الغفور العاني كان يمتلك سيارة مرسيدس بنز موديل 1954 فريدة من
نوعها كان قد جلبها معه من المانيا تتميز بأن داخلها مصنوع من الخشب الصاج وكان
يقوم بصيانتها سنويا في سفراته فيها في شركة مرسيدس, إلا أنه وفي ثمانينات القرن
الماضي وما بعدها لم يعد من السهولة السفر (بسبب ظروف البلد) حيث كان يجب ان
يستبدل احدى قطع الغيار العاطلة فيها والغير متوفرة آنذاك في بغداد (لأنه كان يرفض
استعمال أية قطعة غيار ليست ذات منشأ أصلي), وبذلك إضطر لإبقائها في مرآب بيته
مرفوعة على مساند. قام أحد الأشخاص من هواة جمع السيارات بسؤال المرحوم خضر طالبا
شراء السيارة فكان الجواب هو الرفض ولكن ذلك الشخص (وهو أحد اولاد المرحوم الحاج
محمود بنيه) لم ييأس ، وكرر الأمر عدة مرات وجوبه بالرفض. ثم أخذ ذلك الشخص
بالتحري عمن يؤثر على المرحوم خضر فتوصل الى صديقه المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد
عبدالستار الجواري للتوسط وجاءا اليه ونظرا لطبيعة الصداقة القوية والقديمة بينهما
فقد قال له المرحوم خضر بأنه من المستحيل بيع السيارة ، ولكنه مستعد لمنحه إياها مجانا بشرط أن يحتفظ بها مع القيام بصيانتها
فقام بأخذ تلك السيارة وقدم بدلا عنها مسبحة لتكون ذكرى للسيارة ، وللاسف لانعرف ما الذي جرى للسيارة
اليوم ويقينا ان شركة مرسيديس لعرفت بها لقامت بإستبدالها بأحدث وأرقى الموديلات.
حصل المرحوم خضر عبدالغفور على شهادة
البكالوريوس في الرياضيات من الجامعة
الأمريكية في بيروت في سنة 1942 وكان من
تقاليد الجامعة أن يقوم الخريجون بتقديم هدية تذكارية الى إدارة الجامعة فأقترح
المرحوم خضر على زملاءه الخريجين تقديم خارطة منسوجة للوطن العربي خالية من الحدود
بين الدول العربية (ترون صورتها الى جانب هذه السطور ) وتم انجاز تلك الخارطة في معمل نسيج ( مطران
الزوق) في بيروت, حيث تم تقديمها الى
اللجنة المختصة في الجامعة ولكن بدورها رفضت إستلامها لأنها تخلو من الحدود
المعترف بها, وما كان من المرحوم خضر إلا أن دفع قيمتها ، وإحتفظ فيها لنفسه وبقي
يحتفظا بها في بيته طوال حياته.
كان رحمه الله
معروفا بإقتناءه للانتيكات العراقية
القديمة من أعمال خشبية ونحاسية ، وغيرها حيث كان يجوب الاسواق والمحلات القديمة
بحثا عن ذلك .. وقد خصص غرفة جانبية كبيرة في بيته لتكون ورشة عمل له لإصلاح
مايحتاج الى اصلاح من تلك المقتنيات القديمة. هذا فضلا عن تخصيصه غرفة خاصة للجومة وملحقاتها لغرض حياكة مايحتاج
اليه من الصوف والوبر. كان رحمه الله جامعا للسجاد القديم الأصيل ، وخاصة القطع
الصغيرة وله خبرة في ذلك . كما وكان خبيرا في السبح . اشتهر في العائلة بانه يجيد
اعداد الاكلات الشعبية القديمة جدا والمشهورة في عنه أوائل القرن الماضي ، فكان
يذهب الى اسواق معينة في بغداد لشراء محصول ( الاذرة البيضاء) حيث يقوم باعداد شوربة منها والتي كانوا يسمونها
( سميده) .. كما وكان يشتري (الدخن) من محلات معينة في بغداد ويقوم بفركه للتخلص من
قشوره ومن ثم اعداد شوربة الدخن اللذيذة. كان يحن الى كل ماهو قديم ويعتبره إرثا
حضاريا. وهو فوق هذا وذاك كان مثقفا ثقافة رفيعة .. يقرأ بنهم ويتابع التطورات العلمية .
كان همه الاول هو
مشروع نهضة الأمة العربية وتحررها وله افكاره العروبية المتنورة حول ذلك. يتميز
بالدقة المتناهية في جميع أموره وامور البيت اليومية حيث أن ترتيب مافي بيته كان يتم وفق نظام دقيق لهذا كانت دارته من أنظف وارتب البيوت في بغداد.
أوصى بإهداء
محتويات مكتبته العامرة الى من قد تعمه الفائدة منها وتم إهداء جزء كبير منها الى
كلية التربية- إبن الهيثم في جامعة بغداد. توفي رحمه الله في سنة 1994. وهو متزوج من السيدة مطيعة مكي حبيب
(خريجة كلية الحقوق/جامعة بغداد) والتي توفيت رحمها الله في 22/07/2018.
للاستاذ خضر عبد
الغفور بحوث منشورة في المجلات الاكاديمية المحكمة في حقل تخصصه .. وقد رأيت بعض
بحوثه منشورة في مجلة ( الاستاذ) وهي مجلة دار المعلمين العالية .. وكانت مجلة محكمة ورصينة ومن اولى المجلات الاكاديمية
العراقية .كما ان له مقالات وتصريحات
منشورة في الصحف وبالامكان ان يكون الاستاذ خضر عبد الغفور العاني موضوعا لرسالة
ماجستير خاصة وان هناك من المصادر ما يمكن الرجوع اليها في حالة الكتابة ومنها
مقالنا هذا ، وما كتبه الاخ الدكتور مجيد رشيد العاني وما يتوفر عند الاستاذ هاشم
عيد الحاج حادث العاني الذي كتب كراسا
بعنوان ( خواطر الايام وايام زمان ) فضلا عن كراس تحتفظ به اسرته ودفتر خدمته
الوظيفي الشخصي .
رحم الله الاستاذ
خضر عبد الغفور وجزاه خيرا على ما قدم فالرجل – بإختصار - كان مستقيما يقول الحق حتى على نفسه وكان يبدي رأيه وجها لوجه ومهما كانت ردود الافعال. وكان
متحدثا لبقا وكانت تحليلاته للأمور صائبة دائما وكان اجتماعيا يحب اللقاءات
العائلية ويشجع عليها .
ك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق