جريدة فتى العراق (الموصلية ) 1934-2010
ا.د. ابراهيم خليل لعلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
كان لي شرف ان أُشرف على رسالتين عن جريدة فتى العراق (الموصلية ) قدمتا الى جامعة الموصل . ولفتى العراق تاريخ ارتبطت به وارتبط بي ، وقد كنت انشر فيها منذ سنة 1964 وكنت طالبا في جامعة بغداد . وبعد عقود وبعد ان اعاد اصدارها المرحوم اخي وصديقي الاستاذ احمد سامي الجلبي صرت مستشار لهيئة التحرير حتى 2009 حين توفي صاحبها ورئيس تحريرها .
جريدة فتى العراق ولنقل مدرسة فتى العراق ، تربينا في احضانها نحن نخبة كبيرة من الكتاب والادباء والشعراء والمؤرخين وكتاب القصة والرواية والنقد والفن التشكيلي .لسنين طويلة امتدت من سنة 1934 الى سنة 2009 . صدرت لأول مرة في 27 من شباط - فبراير 1934 ، وكان صاحبها المحامي الاستاذ احمد سعد الدين داؤد الملاح ال زيادة ومدير تحريرها الاستاذ ابراهيم محمود الجلبي وفي 10 من آب - اغسطس 1940 تنازل المحامي احمد سعد الدين داؤد الملاح ال زيادة بعد انتقاله الى بغداد واختياره عضوا في محكمة التمييز ، عن ملكيتها ؛ فأصبح الاستاذ ابراهيم الجلبي صاحبها ومديرها وابراهيم وصفي رفيق مديرا مسؤولا لها . وبعد فشل حركة مايس التحررية 1941 اعتقل ابراهيم وصفي رفيق ، واصبح المحامي يحيى نزهت مديرا لها .
ولمواقفها الوطنية ولوقوفها مع الجماعير الساخطة على الحكم الملكي ، أُلغي امتيازها سنة 1949 ، واتفق الاستاذ ابراهيم الجلبي مع المجاهد الوطني الكبير الشيخ محمد رؤوف الغلامي لإصدار جريدته (صدى الاحرار ) وهي تحمل اسم ابراهيم الجلبي مديرا لادارتها ، وتوزع بدلا من جريدة ( فتى العراق ) للمشتركين .
وفي سنة 1951 أعاد الاستاذ ابراهيم الجلبي الكرة ، فحصل على امتياز لإصدار جريدة تحل محل جريدة ( فتى العراق) ، ولكن هذه المرة بإسم جريدة ( فتى العرب) تولى الاستاذ محمود ابراهيم الجلبي مسؤولية مدير تحريرها لكنها سرعان ما واجهت التعطيل في 24 كانون الثاني - يناير سنة 1953 .
وفي السنة ذاتها قام الاستاذ ابراهيم الجلبي بحركة التفاف حيث حصل على امتياز لإصدار جريدة ( فتى العراق ) ، ولكن ان تكون أدبية ، ثقافية ، إجتماعية ، واصبح مديرها المسؤول هذه المرة الاستاذ عبد الرحمن صبري الصافي المحامي . وصدر العدد الاول في اليوم الاول من نيسان - ابري سنة 1953 ورغم كل هذه الجهود اقدمت السلطات الى إيقافها ، فقام الاستاذ ابراهيم الجلبي بإصدار جريدة تحمل اسم ( الذكرى) ، ووضع في ترويسة الجريدة ان صاحبها الحاج رؤوف الشهواني وكان رئيسل لجمعية المحاربين القدماء .كما حملت الترويسة ترويسة الجريدة اسم ابراهيم الجلبي مديرا للتحرير وان الجريدة جريدة ( الذكرى ) تعوض لمشتركي جريدة ( فتى العراق) .
الاستاذ احمد سامي الجلبي استذكر في اكثر من مكان سجل تاريخ جريدة ( فتى العراق ) وأخواتها واكد ان جريدة ( فتى العراق ) عادت للصدور مطلع سنة 1954 لكن امتيازها الغي مع عدد من الصحف والمجلات في العراق اثر صدور قانون المطبوعات رقم 24 لسنة 1954 .
وفي نهاية السنة نفسها 1954 حصل ابراهيم الجلبي على إمتياز لاعادة اصدار جريدة ( فتى العراق) ، فصدرت في 31 كانون الاول -ديسمبر سنة 1954 وكان مديرها المسؤول هذه المرة الاستاذ محمود الجلبي المحامي واستمرت بالصدور حتى قيام ثورة 14 من تموز سنة 1958 والتي اسقطت النظام الملكي واسست جمهورية العراق .
وكان فشل حركة الشواف في الموصل في 8 من اذار - مارس سنة 1959 ضد نظام حكم الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ، ولتوجهها العروبي ، وانحيازها لحركة الشواف خاصة بعد اعدام قادة الحركة ومقتل قائدها ومقتل المرحوم الملازم الطبيب سعد الدين بن الاستاذ ابراهيم الجلبي توقفت عن الصدور وبعد انحسار المد الشيوعي عادت الى الصدور في آب - اغسطس 1959 واصبح مديرها المسؤول محمود الطائي المحامي واستمرت بالصدور حتى سنة 1963 .
في 11 شباط 1963 صدر قرار بإيقاف جميع امتيازات الصحف والمجلات ، وتوقفت جريدة ( فتى العراق) حالها حال كل الصحف والمجلات وبموجب قانون المطبوعات رقم 24 لسنة 1963 وكان عليها وعلى الصحف الاخرى اعادة تقديم الطلبات ؛ فتقدم صاحب جريدة ( فتلا العراق) محمود الجلبي بطلب الى وزارة الداخلية للحصور على امتياز جديد فحصل على الامتياز وصدر عددها الاول في 7 من حزيران - يونيو 1963 ، ولكن بإسم جريدة ( فتى العرب ) وتولى مدير تحريرها المسؤول سامي النائب المحامي ثم تلاه محمود الطائي المحامي ثانية واستمرت بالصدور حتى سنة 1969 حيث صدر عددها الاخير في 6 كانون الثاني 1969 اثر صدور قانون المطبوعات الجديد رقم ( 206) في 26 كانون الاول - ديسمبر سنة 1968 والذي نص على الغاء كافة اجازة المطبوعات بإستثناء الصحف الرسمية .
الذي اريد ان اقوله ان جريدة ( فتى العراق) كانت جريدة عروبية اسلامية تقدمية تحمل رسالة التنوير والتقدم ووضع صاحبها وولديه الاستاذ محمود والاستاذ احمد سامي نصب اعينهم خدمة الموصل والعراق والامة ونشر الكلمة الحرة وان لاترضي السلطة الحاكمة على حساب ارضاء ابناء الشعب وكانت منحازة للفقراء والمظلومين والمهمومين لذلك واجهت الكثير من العنت والاغلاق لكنها ظلت تحث الخطى وتواصل المسيرة .
وكثير من الشباب من مثقفي الموصل كان يجدون فيها منتدى لهم وملتقى لاعمالهم الابداعية في مجالات القصة والشعر والتاريخ والمقالة والفن وكانت تمد لهم يدها وتفتح صفحاتها لما يريدون نشره ودون اية عوائق وكان في الجريدة صفحات للفن والادب والرياضة والتاريخ والنقد والفن وكتب فيها عبر تاريخها الطويل قرابة الف كاتب وايب وفنان وكانت تعنى بكل الوان الحياة وتتابع اخبار المجتمع الموصلي في كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
وبعد الاحتلال الاميركي للعراق في 9 من نيسان - ابريل 2003 اعاد الاستاذ احمد سامي الجلبي اصدارها في 8 من تموز -يوليو سنة 2003 وهو من تسلم رئاسة تحريرها ورئيس مجلس ادارتها وكنت مستشارا لهيئة تحريرها ولي فيها مئات المقالات وكنت الى جانب الاخ الاستاذ احمد سامي الجلبي حتى توقفها اثر وفاة رئيس تحريرها الاستاذ احمد سامي الجلبي رحمة الله عليه يوم 26 من شباط - فبراير سنة 2009 .
*صورة تضم الاستاذ ابراهيم الجلبي والاستاذ محمود الجلبي والاستاذ احمد سامي الجلبي رحمهم الله .