قنطرة بيت الرضواني في محلة الشيخ محمد الاباريقي في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
وقبل ان اتحدث عن قنطرة بيت الرضواني في محلة الشيخ محمد لابد لي ان اقف قليلا عن القناطر وهي من معالم
مدينة الموصل القديمة وواحدة من طرزها المعمارية ، انها القناطر المعقودة عبر
الازقة والتي تنتشر في العديد من المحلات او الاحياء الموصلية وبالرغم من قدم
الزمان وتوالي السنون وتعرض الموصل للتخريب والتدمير خلال سيطرة عناصر داعش على
الموصل والتي امتدت لثلاث سنوات 2014 -2017 ومعارك التحرير التي خاضها جيشنا
الباسل والقوات الامنية لتحرير الموصل فإن بعض هذه القناطر لاتزال شاخصة تتحدى
الزمن وتتحدى الحرب .
وطبيعي قسم من هذه القناطر قديمة ترجع الى القرن التاسع عشر في بنائها ومنها قناطر كبيرة ، ومستقيمة ، ومنها صغيرة وملتوية وامتداد القناطر الزمني
طويل ولقد كانت هذه القناطر مرتبطة بالأزقة والمحلات .
وفي الدراسة المسحية الميدانية التوثيقية
للمهندس الصديق الاستاذ احمد نظام احمد شكر الموسومة : ) قناطر الموصل واقعها
وجدوى المحافظة عليها ) ، والموجودة ضمن كتابه الذي اصدره قبل ايام
تشرين الاول 2017 بعنوان : ( تراث الموصل العمراني ) نجد ان عدد القناطر
الموجودة في الموصل لحين انجاز هذه الدراسة 2013 وصل الى ( 22 ) قنطرة ازيل عدد منها للأسف
الشديد ودمر الاخر بسبب الحرب الاخيرة .
لقد تعرضت عدد من القناطر ومنها على سبيل المثال ( قنطرة
تراثية تقع في محلة عبدوخوب ) واربع قناطر في محلة الرابعية الى الهدم . وفي
تموز 2012 هدمت قنطرة في محلة جامع خزام .
وفضلا عن ذلك اغلقت بالخرسانة واحدة من اقدم قناطر
الموصل وهي (قنطرة الجن ) في محلة الامام ابراهيم والتي
كانت تفضي الى مجلة باب النبي .
كما اغلقت بوجه المارة ( قنطرة في محلة حوش الخان)
في زقاق يعرف ب(زقاق الزنكنة ) والقريب من جامع حمو القدو في الميدان كانت
تفضي الى سوق النجارين .
وللاسف اغلقت قنطرة في محلة الاوس اي محلة الساعة
(الجولاق سابقا ) وتحولت الى مكب للنفايات .
وكان هناك قنطرة هدمت سنة 1972 ، عندما فتح شارع
الكورنيش وتقع دائرة التجنيد السابقة في الطريق المقابل للإعدادية الشرقية داخلها
ويمكن القول ان الارض التي يقع عليها فندن اشور مقابل جامع مجاهد الدين قايماز
كانت تضم هذه القنطرة .
ويقينا ان القناطر الاخرى اصابها الاهمال وذلك لأسباب
منها انتقال مالكيها للسكن في ضواحي المدينة .
ان القناطر في الموصل تنحصر في عشر محلات فقط وهي محلات
باب البيض الغربي وسوق الصغير وحوش الخان والامام ابراهيم وشهر سوق وعبدو خوب
والرابعية والاوس وعون الدين والشيخ محمد .
وهنا لابد ان اذكر الاحبة بأن القنطرة هي الجسر وما
ارتفع فوقه من ببنيان فالقنطرة تربط بين بيتين او وغالبا ما يبنى على الجسر غرف
مضافة تستفيد من مساحة امتداد القنطرة وسقف القنطرة مبني على الريازة المعروفة
ب(المهد ) او عقدة المهد بخلاف ما هو موجود من قناطر في عدد من المدن العربية حيث
تستخدم الالواح الخشبية في التسقيف كما هو في مدينة الرياض بالسعودية .
ومن سمات قناطر الموصل انها كما قلنا تربط بين جانبي
زقاق او طريق بقصد اضافة مساحات او فضاء يستثمر في بناء غرف او مسالك ومرافق
وممرات وداخل القنطرة هناك مصاطب لجلوس المارة المتعبين وهي ايضا ملاذ
للسابلة تقيهم من حر الشمس او من المطر وهي تختلف من حيث التخطيط والقياسات
والوظائف وبعضها مستقيم وبعضها ملتوي وغالبا ماكانت تشيد على طرفي الازقة وهناك
قناطر لاتؤدي الى منافذ اي بلهجة الموصليين (قنطرة ما تطلع ) ويكون للقنطرة في
كثير من الاحيان مدخل يردي الى الدور السكنية مثل قنطرة بيت ايوب في
شهر سوق وبالقرب من دكان يحيى بن الشيخة عزيزة . لانعرف تاريخ قناطر الموصل ولكن
ثمة دلائل تشير الى انها كانت موجودة منذ ما قبل الفتح الاسلامي للموصل سنة 16
هجرية =637 ميلادية ويذكر الاستاذ الدكتور احمد قاسم الجمعة الاثاري الموصلي
المعروف في بحث له في (موسوعة الموصل الحضارية) ان الموصل كانت تزخر
بالقناطر منذ القرن الاول الهجري – السابع الميلادي ، وانه كان فيها خلال القرن
الثالث عشر الميلادي (1600 ) قنطرة كما وجدت في الموصل في مطلع القرن العشرين مئات
القناطر .
ولعل السبب في كثرة القناطر في الموصل توفر المواد
الاولية من الجص الابيض الموصلي والصمان والحلان والمرمر الازرق – الفرش وحتى
الجرار والاواني الفخارية التي تستخدم في بناء القناطر من خلال خزنها في زوايا
وسقوف القناطر وهي متوفرة في محلة الكوازين .
فقط اريد ان اذكر بأن للقناطر موقع في الموروث الشعبي
الموصلي ، فكثيرا ما اقترنت القنطرة بالجن وبأن هذه القنطرة او تلك مسحورة وانها
تنغلق ليلا على من يلجها لذلك كان الاهالي يوصون ابناءهم بأن يحملوا معهم سكينا
يؤشرون بها على الحائط اقصد حائط القنطرة الى ان يخرجون منها وتزداد المشكلة تعقيا
عندما نعرف ان القناطر كانت مظلمة وقد يتراءى للداخل اليها اشباحا او جنا او
شيئا من هذا القبيل .
اخيرا فإن بعضا من قناطر الموصل ، ومن جراء تكرار
التبليط خسرت القناطر اجزاءا من ارتفاعها وصل في بعضها الى المتر وطبيعي ان
ذلك اعاث الكثير من الخدمات وخاصة في دخول وسائل النقل والتنظيف والاسعاف .
ثمة احصائية لقناطر الموصل ال ( 22 ) تتوزع
على 7 في حوش الخان و3 في شهر سوق و2 في محلة الامام عون الدين و3 في محلة
الرابعية و2 في محل السوق الصغير وواحدة في كل من باب البيض الغربي والامام
ابراهيم والاوس وعبدو خوب والشيخ محمد وباب العراق .
الذي يهمني اليوم ان اشير الى ان القنطرة التي اكتب لكم
عنها وهي ( قنطرة بيت الرضواني ) في محلة
الشيخ محمد الاباريقي تعتبر من القناطر
الجيدة ، ولي صورة جيدة عنها .
وهذه القنطرة ، كما قلت تقع في محلة الشيخ محمد ، شمال
مسجد ومدرسة الامام الحاج محمد افندي الرضواني بنحو (50) خمسين مترا . ويقول الاخ
المهندس الاستاذ احمد نظام محمد وقد درسها ان تاريخ بناء هذه القنطرة يعود الى
مطلع القرن العشرين لكني ارى انها اقدم من ذلك فهي من القناطر التي تعود الى القرن
التاسع عشر يعني عمرها لا يقل عن 200 سنة ويبلغ طول القنطرة ثلاثة امتار وسبعين
سنتمترا اي قرابة اربع امتار اما عرضها فيصل الى مترين وستين سنتمترا وارتفاعها
يصل الى مترين و30 سنتمترا وتمتاز القنطرة بنظافتها ووضعها البنائي الجيد ولها
قيمة تاريخية وتراثية ومع هذا فهي بحاجة الى اعمار .
الاخ والصديق الاستاذ غانم محمد الحيو ، تحدث عن هذه
القنطرة في كتابه الموسوم ( محلة الشيخ محمد الاباريقي وصدر في الموصل سنة 2018 ومما قاله عن هذه
القنطرة انها اي هذه القنطرة " في
الزقاق الذي يبدأ من مقابل مسجد الرضواني الى شارع الفاروق وجامع الجويجاتي وفي
هذا الزقاق يوجد مسجد الرضواني وبيوت عدد من الاسر من ال الرضواني سبق ان سكنوا
فيها وقنطرة الرضواني هذه تربط دار الشيخ محمد افندي الرضواني (5/97) مع داره المقابلة فهي اي القنطرة تجمع الدارين
( 5/97 و8/95) ونهاية محلة الرضواني الى جامع الجويجاتي ذو التسلسل (1/149 ) وشارع
الفاروق وفي هذا الزقاق كان الشيخ محمد
افندي الرضواني يرقى المرضى " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق